استمتعوا
التفَّ كلُّ من كانَ في المكانِ باتجاهِ مصدرِ الصوتِ.
كانَ على وجهِ نائبِ القائد تعبيرٌ شديدُ البرودةِ.
وخلفَهُ، كانَ أنتونيو يَعبِسُ بضيقٍ.
اقتربَ أنتونيو مني.
“هل هذا الشيءُ الذي…… لا، هل هذهِ الفتاةُ…… لا، هل هذه اللعينُـ…… لا.”
يبدو انهُ لم يجدْ لقباً مناسباً ليدعوَ بهِ ابنةَ أختِ الإقطاعيِ.
في تلكَ اللحظةِ، سألَ نائبُ القائد.
“هل الآنسةُ مارينا هي من فعلتْ بضيفتي هذا؟”
إذاً اسمُ ابنةِ الأختِ هو مارينا.
ارتعدتْ مارينا قليلاً.
“هل هذه الجُرذُ القذرُة هي ضيفُة نائب قائدِ الفرسانِ؟”
عندَ هذا، قالَ أنتونيو الذي كانَ يُساعدُني على النهوضِ بتعبيرٍ غاضبٍ.
“جُرذٌ؟”
تجمّدتْ مارينا وهي تُحرّكُ شفتيها بتوتّرٍ بسببِ موقفِهما المفاجئِ.
ثم تذكّرتْ ذريعةً، وأشارتْ اليَّ بطرفِ إصبعِها.
“لقد عاقبتُها فحسبْ لأنها اشتهتِ الفستانَ دونَ ان تعرفَ قدرَها.”
قالَ أنتونيو وهو ينظرُ الى الفستانِ في يدِ مارينا. “الفستانُ؟”
أدارَ الموظفونَ وجوهَهم بإحراجٍ.
بمجردِ رؤيةِ ذلكَ، فهمَ نائبُ القائد انَّ مارينا قد أخطأتْ وظنّتْ انَّ الفستانَ ملكُها.
لمعتْ عينا نائبِ القائد الرماديتانِ ببرودٍ.
“هي تعرفُ تماماً مالكَ الفستانِ. شخصٌ آخرُ هو من لم يعرفْ قدرَهُ.”
ثم انتزعَ الفستانَ من يدِ مارينا وقالَ للموظفِ.
“اكْوِ الأجزاءَ المُجعَّدةَ وأعِدْ تغليفَهُ جيداً.”
“أمرُكَ نائب قائدَ الفرسانِ.”
احمرَّ وجهُ مارينا غضباً.
“حتى لو كنتَ نائب قائدَ الفرسانِ، لا يمكنكَ ان تكونَ وقحاً معي الى هذا الحدِّ!”
همسَ نائبُ القائد ذو التعبيرِ الجامدِ في أُذنِها.
على الرغمِ من انَّ الموظفينَ كانوا مُرتَبكينَ، الا انني سمعتُ الهمسَ بأُذني، لأنني كنتُ في الماضي كشّافةً في عصابةِ لصوصٍ.
لا تنسَيْ.
نحنُ من اختارَ خالك، الذي لم يكُنْ يملكُ سوى بئرٍ، ليُصبحَ إقطاعيَّ سان ميغيل.
‘يا للعجبِ.’
تحوّلَ وجهُ مارينا الى لونٍ داكنٍ.
انقلبتْ على الفورِ وهرعتْ هاربةً وهي تَعضُّ على شفتيها بقوةٍ.
شاهدَها نائبُ القائد للحظةٍ، ثم جلسَ على الأريكةِ.
وقالَ للموظفينَ.
“انصرفوا.”
غادرَ الموظفونَ الغرفةَ على الفورِ.
أجلسَني أنتونيو على الأريكةِ مُقابلَ نائبِ القائد وقالَ.
“هل أُصبتِ بأيِّ أذىً؟”
“لا. أنا بخيرٍ.”
“حسناً، هذا جيّدٌ.”
“سيدي، في الواقعِ، لماذا استدعيتني……؟”
نظرتُ الى نائبِ القائد بتعبيرٍ مُتوتّرٍ.
كانَ على وجهِ نائبِ القائد التعبيرُ الجافُّ المعتادُ، لكنَّ الجوَّ كانَ غريباً الى حدٍّ ما.
هل كانَ مُحرَجاً؟
‘هل يشعرُ بالإحراجِ ليطلبَ مني ألا أقتربَ من هذهِ المدينةِ أبداً؟’
هذا مُزعجٌ.
كنتُ أنوي العملَ في المدينةِ لأكسبَ ودَّ الأعضاءِ.
كنتُ آملُ في ان يوظّفونيَ كعضوةٍ عندما يُصبحُ القائد دوقاً، ولا تعودُ نقابة الأغتيال بحاجةٍ الى التخفّي.
‘لكنْ ان أُعاندَ وأُخرِجَ نفسيَ من دائرةِ اهتمامِ نائبِ القائد تماماً…… هذا صعبٌ بعضَ الشيءِ.’
صحيحٌ، لا يجبُ ان أُثيرَ غضبَ الرجلِ الثاني في نقابة الأغتيال من أجلِ الخطةِ.
في النهايةِ، عقدتُ العزمَ.
في تلكَ اللحظةِ، فتحَ نائبُ القائد فمَهُ أخيراً.
“السببُ الذي دعوتُكِ لأجلِهِ هو……”
“حسناً، سأغادرُ.”
“……ماذا؟”
ارتعدَ نائبُ القائد عندما قلتُ ذلكَ بوجهٍ حزينٍ.
كانَ من الطبيعيِ ان يُفاجأَ لأنني سبقتُهُ الى قولِ ما كانَ يُريدُ قولَهُ.
تنهّدتُ.
“سأذهبُ الى أبعدِ مكانٍ ممكنٍ.”
“لا، أنا……”
“لن أعملَ في هذهِ المدينةِ أبداً، حتى في أحلامي……”
“……”
سأضطرُّ الى العملِ في مكانٍ آخرَ حتى يُصبحَ القائد دوقاً.
وسأعودُ لأبحثَ عنهُ بعدَ ان يُصبحَ دوقاً.
عندما حنيتُ رأسي باكتئابٍ، قالَ نائبُ القائد بصوتٍ مُربَكٍ.
“هل…… هل سيكونُ من الصعبِ ان تجدي عملاً؟”
“لديَّ رسائلُ تزكيةٍ من قادةِ الجيشِ الإمبراطوريِ، لذا سأتمكّنُ من العملِ في أيِّ مكانٍ.”
“رسائلُ تزكيةٍ من القادةِ؟”
عندَ هذا، تدخّلَ أنتونيو من الجانبِ.
“المُزكّونَ مذهلونَ. مُقدّمٌ، عقيدٌ، عميد…… بل انَّ العميد هو مونيوس العجوزُ.”
صحيحٌ، هذا صحيحٌ.
قيلَ انَّ أسطولَ العميد مونيوس قد اشتبكَ مع نقابة الأغتيال ذاتَ مرةٍ.
كانَ العميد قائداً بارعاً وألحقَ أضراراً فادحةً بنقابة الأغتيال.
‘كانَ نائبُ القائد هو من تغلّبَ على ذلكَ، أليسَ كذلكَ؟’
في النهايةِ، دُمّرَ العميد بقيادةِ نائبِ القائد، وكانَ يُصابُ بنوبةٍ من الغضبِ كلما ذُكرتْ نقابة الأغتيال.
أومأتُ برأسي.
“أجلْ. إذا لم أجدْ عملاً، يمكنُني الذهابُ الى العميد مونيوس. لا تقلقوا.”
لن أُزعجَكم، لذا أرجوكم ان تتلطّفوا بي.
فتحتُ عينيَّ على اتساعِهما ناظرةً نحو نائبِ القائد.
ولكنْ لسببٍ ما، كانتْ عينا نائبِ القائد ترتجفانِ قليلاً.
‘……؟’
***
‘ذلكَ العميد مونيوس اللعينُ……’
قرعَ نائبُ القائد على أسنانِهِ صامتاً وضغطَ على جبهتِهِ.
بينما كانَ أنتونيو لاهياً بالثرثرةِ مع يوستيا دونَ ان يعلمَ ما يدورُ في الخَلدِ.
“العميد مونيوس مُتشدّدٌ ولا يسمحُ بدخولِ الناسِ بسهولةٍ. كانَ جميعُ أعضاءِ أسطولِهِ من الذينَ لديهم خبرةُ خمسِ سنواتٍ أو أكثرَ.”
“هل هذا صحيحٌ؟ لقد دعاني للقدومِ. إذا كانَ العميد صعبَ المراسِ، فيمكنُني الذهابُ الى العقيدِ.”
“العقيدُ راغوني؟ لقد كتبَ لكِ رسالةَ تزكيةٍ أيضاً.”
“العقيدُ راغوني أيضاً. وكذلكَ العقيدُ موري، طلبَ مني الحضورَ إذا احتجتُ إلى عملٍ. وأيضاً……”
توالتْ أسماءُ شخصياتٍ بارزةٍ في الجيشِ الإمبراطوريِ.
كانَ الأجدرُ بهم ان يُديروا الجيشَ الإمبراطوريَ جيداً، فلماذا يطمعونَ في المواهبِ الأخرى؟
شعرَ نائبُ القائد بصداعٍ شديدٍ.
اجتاحَتْ رأسَهُ الكلماتُ التي قالَها سابقاً.
“أنتِ حمقاء.”
“أعلمُ انكِ بارعةٌ في الحيلةِ. لقد أغريتِ أنتونيو ببراعةٍ. لذلكَ أنا غيرُ راغبٍ في تركِكِ تغادرينَ على قيدِ الحياةِ.”
بالإضافةِ الى…
“هل تعتزمُ قتلَها؟”
“انها الطريقةُ الأكثرُ ضماناً ونظافةً.”
شعرَ برغبةٍ في صفعِ رأسِهِ الذي قالَ تلكَ الكلماتِ القبيحةَ للمُعلّمةِ المُلهمةِ من السماءِ.
‘كيفَ أُهدّئُ من روعِها وأطلبُ منها العملَ؟’
بما انها قالتْ انها ستغادرُ المدينةَ تماماً، يبدو انَّ قلبَها مُنكسرٌ تماماً.
علاوةً على ذلكَ، لديها أماكنُ كثيرةٌ تذهبُ اليها.
‘لكنْ لا يوجدُ لدينا سوى هذهِ الفتاةِ.’
لقد تمَّ استبدالُ المُعلّمينَ إحدى عشرةَ مرةً.
المُعلّمةُ التي ستتولّى مسؤوليةَ هذا الأحمقِ الذي هو على وشكِ ان يُتمَّ الاثني عشرَ مُعلّماً……
في تلكَ اللحظةِ، غيَّرَ الأحمقُ… لا، أنتونيو الموضوعَ.
“من المُؤسفِ ان كبار السن اللعينينَ سيحتكرونَ ضلوعَكِ المطهوّةَ. لقد علّمتِني الحروفَ جيداً أيضاً.”
“هل تريدُ ان تتعلّمَ المزيدَ من الحروفِ؟”
“طلبَ مني نائبُ القائد ان أتعلّمَ بجدٍّ.”
“إذاً، هل أزُورُك من حينٍ لآخرَ وأُعلّمُكَ؟”
رفعَ نائبُ القائد رأسَهُ بسرعةٍ.
في لحظةٍ، شعرَ كأنَّ نوراً قد أشرقَ في قلبِهِ.
سألَ أنتونيو.
“هل يمكنُكِ فعلُ ذلكَ؟”
“بالتأكيدِ.”
“لكنَّ السفرَ من العاصمةِ الى هنا صعبٌ……”
“صحيحٌ، سيكونُ صعباً.”
تدخّلَ نائبُ القائد بسرعةٍ.
ارتعشَ أنتونيو ويوستيا ونظرا اليهِ.
سعلَ نائبُ القائد وقالَ.
“إذا كنتُما تُريدانِ ذلكَ، سأُوفّرُ لكِ مكاناً في القلعةِ.”
“في القلعةِ؟”
سألتْ يوستيا مُتفاجئةً، وعبسَ أنتونيو.
“كيفَ تعرضُ عليها العملَ بعدَ ان طردتَها بقسوةٍ؟”
“……”
“أنتَ تتصرفُ بغرابةٍ منذُ فترةٍ. بدأتْ باندفاعِكَ فجأةً بحثاً عن المُعلّمةِ…… أُف!”
اغلق نائبُ القائد فمَ ذلكَ الأُمّيِّ بليدِ الحسِّ.
“هل توافقينَ؟”
فتحتْ يوستيا عينيها على اتساعِهما.
عندما تأخّرَتْ في الإجابةِ، ازدادَ توتُّرُهُ.
“سأدفعُ الرسومَ التي تُريدينَها.”
“……”
“وسأمنحُكِ السلطةَ الكاملةَ.”
“……”
“ويمكنُنا ان نُعاملكِ كضيفةٍ مُهمّةٍ مع سلطةٍ تُوازي رئيسَ القسمِ……”
في تلكَ اللحظةِ.
أمسكتْ.
أمسكتْ يوستيا بيدِ نائبِ القائد بكلتا يديها وصرختْ.
“هل هذا حقيقيٌ؟”
تجمّدَ نائبُ القائد من الدهشةِ.
على الرغمِ من انَّ مظهرَهُ مُميّزٌ، الا انَّه لديهِ هالةَ حاملي السلاحِ، ممّا يجعلُ الفتياتِ في مثلِ سِنِّها يخشونَهُ.
لم يجرؤْ أحدٌ على الإمساكِ بيدِهِ بهذهِ الطريقةِ.
يدٌ ناعمةٌ وصغيرةٌ.
كانَ من الصعبِ سحبُها خوفاً من ان تُكسرَ إذا ضغطَ عليها.
كانتْ يوستيا مُبتهجةً للغايةِ.
“واو! يا للروعةِ!”
حتى انها بدأتْ تقفزُ فرحاً وهي مُمسكةٌ بيدِ نائبِ القائد.
وبابتسامةٍ جميلةٍ لدرجةِ انَّ أنتونيو، الذي كانَ عابساً بفمٍ مكمومٍ، ضحكَ قهقهةً.
ونائبُ القائد أيضاً، لم يستطعْ ان يُقاومَ حتى ابتسمَ عندَ رؤيةِ ذلكَ المنظرِ.
***
بعدَ بضعةِ أسابيعَ.
“أليسَتْ هي الشخصَ النبيلَ الذي أتى من العاصمةِ؟”
“صحيحٌ. لا بُدَّ انها تقومُ بعملٍ عظيمٍ جداً. هذا ما قالتهُ المدبرةُ. قالتْ ان تُلبّى كلُّ طلباتِ الآنسةِ يوستيا.”
قضمَتْ مارينا على أسنانِها وهي تستمعُ الى هَمْهَماتِ الخادماتِ خلفَ زاويةِ الممرِ.
في الأيامِ القليلةِ الماضيةِ، كانتِ القلعةُ لا تتحدّثُ الا عن تلكَ الجُرذِ القذرِة.
‘شخصٌ نبيلٌ من العاصمةِ؟ يا لهُ من أمر مُضحِكٍ.’
انها لا تليقُ الا بالمتشردينَ.
ومعَ ذلكَ، كيفَ لها ان تتجولَ رافعةً ذقنَها بهذا الشكلِ؟
تنفّستْ مارينا بغضبٍ واندفعتْ.
كانتْ وجهتُها هي مكتبَ الفيكونتِ سان ميغيل.
“هل ستترك الأمورَ كما هي؟”
عبسَ الفيكونتُ الذي كانَ ينظرُ في الأوراقِ.
“ماذا تعنينَ؟”
“إنهُ نائب قائدُ الفرسانِ الذي أدخلَ ضيفاً الى القلعةِ وكأنهُ هو الإقطاعيُ.”
برزتِ العروقُ على ظهرِ يدِ الإقطاعيِ الذي كانَ يمسكُ القلمَ.
لقد سمعَ بالخبرِ.
أنَّ تلكَ الفتاةَ الوغدةَ التي أقلقتْهُ عندَ دخولِها القلعةَ مع القائد، قد أُدخلتْ كضيفةٍ.
قالَ الإقطاعيُ بصوتٍ مُوحشٍ.
“إذاً هل تُريدينَ ان أطردَها؟”
“ليسَ الأمرُ اننا لا نستطيعُ ذلكَ. خالي هو الإقطاعيُ الحقيقيُ. قالَ نائب قائدُ الفرسانِ انهم هم من اختاروكَ. يا لهُ من وقاحةٍ مفرطةٍ—”
“لقد أمرتُكِ ألا تتفوّهي بتلكَ الكلماتِ مجدداً!”
زجَرَها الإقطاعيُ بحدةٍ.
انكمشتْ مارينا خائفةً.
“أنا أردتُ فحسبْ ان أُخبرَكَ انَّ نائب قائدَ الفرسانِ قد تجاوزَ حدَّهُ……”
تصلّبَ تعبيرُ الإقطاعيِ.
فنفوذُهُ لم يكُنْ ليطالَ نائبَ القائد.
لأنَّ القائد لم يسمحْ بذلكَ.
وصدقاً على كلامِ نائبِ القائد، فإنَّ إقطاعيَ سان ميغيل الحاليَ هو شخصٌ مُختارٌ.
لقد اختيرَ لكونِ عائلتِهِ وضيعةَ الأصلِ جداً، ولأنهُ ليسَ لديهِ ورثةٌ.
اذا لم يكُنْ هناكَ خلفٌ، فلن يكونَ هناكَ من يرثُ مقاطعةَ سان ميغيل.
كانَ هذا لتبديلِ الإقطاعيِ بكلِّ سلاسةٍ بعدَ الاستيلاءِ على إيسغاروت.
‘كلا، لن أسمحَ بحدوثِ ذلكَ.’
قالَ الإقطاعيُ بلهجةٍ باردةٍ.
“لذلكَ، فإنَّ دورَكِ مهمٌ يا مارينا. يجبُ ان تُصبحي ابنةَ القائد.”
“……”
“إذا أسرتِ قلبَهُ، فسوفَ تقعُ إيسغاروت، بل ومقاطعةُ سان ميغيل بأيدينا.”
“حسناً.”
عندئذٍ فقط، ابتسمَ فيكونتُ سان ميغيل بارتياحٍ وربّتَ على كتفِ ابنةِ أختِهِ.
“لا تَقلقي بشأنِ تلكَ الفتاةِ الوغدةِ. بل هذا أفضلُ.”
“ماذا تقصدُ؟”
“ذلكَ الأحمقُ أنتونيو لن يتعلّمَ الكتابةَ بشكلٍ صحيحٍ أبداً. الفتاةُ ستُثبتُ عجزَها بنفسِها.”
إذا حدثَ ذلكَ، فلن يتبنّى القائد تلكَ الفتاةَ كإبنة لهُ.
عادَتِ الابتسامةُ الى وجهِ مارينا.
“إذاً ستُطردُ قريباً.”
ضحكتْ مارينا كالأزهارِ المفتّحةِ.
ولكنْ في تلكَ اللحظةِ بالتحديدِ.
كانَ شيءٌ غريبٌ يحدثُ في حدّادةِ خارجِ القلعةِ.
الرجلُ العجوزُ الذي لديهِ خبرةُ أربعةٍ وخمسينَ عاماً في الحدادةِ، ومثلُها في الأحتيال على الأغبياءِ، والذي باعَ أسلحةً مُقلّدةً للأعضاءِ في المرةِ السابقةِ، كانَ مرتبكاً.
“أن نكتبَ عقداً؟”
“أجلْ.”
لقد طلبَ الأعضاءُ كتابةَ عقدٍ عندَ شراءِ الأسلحةِ.
إضافةً الى ذلكَ……
“ألم يَعقِلْ هذا العجوزُ بعدُ؟! ما هذا الهراءُ
[لا يمكنُ استردادُ المبلغِ مطلقاً]؟
هل تُخطّطُ للاحتيالِ مجدداً؟!”
“……!!”
يا إلهي، من أينَ تعلّمَ هؤلاءِ القراءة؟
***
في صَباحٍ مُشرقٍ.
رفعتُ لوحةَ رسمٍ للأعضاءِ، بما فيهم أنتونيو.
وقبلَ ان أطلبَ منهم تخمينَ ما عليها……
“الإجابةٌ الصحيحةٌ!”
“أنا! أنا!”
بدأَ الأعضاءُ بإشعالِ أعينِهم ورفعِ أيديهم.
الحصةُ التي بدأتْ بأنتونيو وحدَهُ، يُشاركُ فيها الآنَ عشراتُ الأعضاءِ.
وكانَ أنتونيو هو أولَ من رفعَ يدَهُ بينهم.
“تفضّلْ سيّد أنتونيو.”
“العشراتُ من السفنِ التجاريةِ…… آه، غرقَتْ! نعم، غرقَتْ عشراتُ السفنِ التجاريةِ!”
أومأتُ برأسي بوجهٍ مُفعمٍ بالفخرِ.
لقد أصبحَ الآنَ يقرأُ حتى الكلماتِ الصعبةِ جيداً.
‘لقد كانَ يُتقنُ اللغةَ الشائعةَ الى حدٍّ ما، لكنَّ تقدّمَهُ سريعٌ.’
يبدو انني اخترتُ طريقةَ التعليمِ الصحيحةَ.
لقد سمعتُ انَّ المُعلّمينَ الآخرينَ كانوا يُجبرونَهم على حفظِ الكلماتِ بشكلٍ أعمى بعدَ إعطائهم إياها.
لكنَّ هذهِ الطريقةَ لا تنجحُ مع أنتونيو والأنواعِ المشابهةِ من الأعضاءِ.
جعلتُ الأعضاءَ يقرأونَ كتباً سهلةً تثيرُ اهتمامَهم.
[زأرَ التنينُ الشفافُ. كانَ قويّاً جداً.]
مثلُ هذا.
أو مثلُ هذا.
[المدامُ داعبتْ ذقنَ الخادمِ. داعبتْها طويلاً. كانَ مُثيراً جداً.]
‘عليَّ ان أُثيرَ اهتمامَهم أولاً.’
طلبتُ منهم ان يبحثوا عن الكلماتِ التي لا يعرفونَها، ورفعتُ مستوى الكتبِ تدريجياً.
بالإضافةِ الى مكافآتٍ مُناسبةٍ.
أولئكَ الذينَ كانوا يُتقنونَ اللغةَ الشائعةَ الى حدٍّ ما أظهروا تطوّراً مذهلاً.
“تفضّلْ سيّد أنتونيو، خُذْ مُكافأتَكَ.”
لَكَمَ أنتونيو الهواءَ بقبضتِهِ، وتقدّمَ بسرعةٍ ليأخذَ مُكافأتَهُ.
“يا لَروعَةِ! شيءٌ قاتلٌ!”
نظرَ اليهِ الأعضاءُ الذينَ انتُزعتْ منهم الفرصةُ بغيرةٍ شديدةٍ.
حتى الأعضاءُ الذينَ كانوا لا يزالونَ يتعلّمونَ الأبجديةَ زمجروا غيظاً.
“سأنتقمُ عندما أتعلّمُ كلَّ هذا.”
“أيتها المُعلّمةُ الصغيرةُ، أليسَ لدينا واجباتٌ؟”
الآنَ أصبحَ الأعضاءُ يُنادونَني بـ ‘المُعلّمةِ الصغيرةِ’ .
الحصةُ تستمرُّ خمسَ ساعاتٍ بهذا الشكلِ.
نُعطيهم ثلاثَ ساعاتٍ للتعلمِ الذاتيِ حتى يتمكّنوا من استيعابِ المعلوماتِ.
أما أنا، فخلالَ ذلكَ الوقتِ……
‘عليَّ الذهابُ لرفعِ تقريري.’
أذهبُ لأُبلِغَ نائبَ القائد بإنجازاتِ التعليمِ لهذا الأسبوعِ، وآخذُ معي واجباتِ الأعضاءِ.
بما انَّ عددَ الطلابِ قد زادَ، أصبحنا نستخدمُ الفناءَ الخلفيَ كفصلٍ دراسيٍّ.
لذلكَ، قررتُ استخدامَ الممرِ الجنوبيِ الغربيِ.
على الرغمِ من انهُ الأكثرُ عزلةً، الا انهُ أيضاً أسرعُ طريقٍ.
‘سأذهبُ وأعودُ بسرعةٍ لأتمكّنَ من الإجابةِ على الأسئلةِ.’
بينما كنتُ أمشي وأنا أفكرُ في ذلكَ.
كانَ هناكَ شخصٌ يقفُ أمامَ الممرِ الجنوبيِ الغربيِ.
شخصٌ يُغطّي وجهَهُ بغطاءِ رأسٍ مُنسدلٍ تماماً.
ومعَهُ كانَ……
‘انها مارينا!’
ابنةُ أختِ الإقطاعيِ.
“هل ستنجحُ؟”
“التعويذةُ قويةٌ، لكنها لا شيءَ إذا وقعتْ بينَ يديَّ.”
“حسناً. إذاً انطلقْ……”
في اللحظةِ التي كانتْ ستقولُ فيها ‘انطلقْ’، التقَتْ عينيَّ بعيني مارينا.
تجمّدَ تعبيرُ مارينا للحظةٍ.
الرجلُ المُتغطّي بقلنسوتِهِ فزعَ وهربَ مُسرعاً.
نظرتْ اليَّ مارينا بضراوةٍ.
“هل تتجرّئينَ على تتبّعي؟”
“أنا لم أتجسّسْ، بل كنتُ عابرةً.”
“هل تظنينَ انني سأصدّقُ ذلكَ؟”
هذهِ الفتاةُ مُتضخّمةُ الذاتِ حقاً.
لم يكُنْ هذا الموقفُ هو الوحيدَ.
بالإضافةِ الى سرقةِ الفستانِ، كانتْ تُثيرُ أعصابي في كلِّ مرةٍ نلتقي فيها خلالَ الأسابيعِ القليلةِ الماضيةِ.
قائلةً انني أحاولُ لفتَ الانتباهِ عن عمدٍ استفزازياً.
لكنني كنتُ دائماً أعبرُ هذا الطريقَ فحسبْ.
اقتربتْ مني مارينا وهي تُكتّفُ ذراعيها.
ثم دفعتْ كتفي بخفةٍ.
“الى أينَ وصلَ بكِ السمعُ؟”
دفع.
“هل تجسّستِ علي كالفأرِ؟”
دفع.
“هل تظنينَ انَّ هذا سيجعلُ القائد يلاحظُكِ؟”
بينما كنتُ أتلقّى الدفعاتِ على كتفي، أُعيقَتْ حركتي تماماً عندَ الحائطِ.
رفعتْ مارينا يدَها مرةً أخرى.
وفي اللحظةِ التي كانتْ على وشكِ ان تدفعَني فيها مرةً أخرى.
لويتُ ذراعَها بسرعةٍ وأمسكتُ بمعصمِها.
“توقّفي، فالواجبات ستسقطُ.”
أطلقتْ مارينا ضحكةَ استخفافٍ.
ثم دفعتْ الواجبات لِتتبعثرَ على الأرضِ.
“ماذا ستفعلينَ إذا سقطتْ؟”
“……”
نظرتُ الى الواجباتِ المبعثرةِ بهدوءٍ.
لسوءِ الحظِ، سقطتْ في بقعةِ ماءٍ كانتْ هناكَ بسببِ المطرِ الذي هطلَ فجراً فتبلّلتْ.
لقد قضى أنتونيو ليلَهُ كلهُ في المكتبةِ يُنجزُ هذا الواجبَ.
أتى بالواجبِ المكتوبِ بخطٍّ غيرِ مُستقيمٍ.
“المُعلّمةُ الصغيرةُ تُعلّمُ بجدٍّ، لذا فإنَّ الطالبَ الكبيرَ عملَ بجدٍّ أيضاً.”
─ وابتسمَ ببراءةٍ.
الأعضاءُ الآخرونَ اقتطعوا وقتاً من عملِهم واجتهدوا في إنجازِ واجباتِهم.
دعستْ مارينا على الواجباتِ بقسوةٍ.
“ماذا ستفعلينَ، قولي؟”
“……هكذا.”
“ماذا؟”
في لمحةِ بصرٍ، انزلقتُ بينَ ذراعي مارينا ولوَيْتُ ذراعَها خلفَ ظهرِها.
سيطرت على مارينا بعدَ ان تبادلنا الأماكنَ بسرعةٍ في لحظةِ غفلةٍ.
أنا ابنةُ ماركيزٍ سابقاً.
لقد تعلّمتُ الدفاعَ عن النفسِ بمجرّدِ ان بدأتُ أمشي.
“اتركيني! اتركيني! آآآآه خالي……!”
“كلّما قاومتِ، زادَ الألمُ.”
لن يأتيَ خالك.
لأنَّ……
“لماذا استدعيتِ الساحرَ الذهبِي؟”
“……ماذا؟”
أنا أعرفُ صوتَ ذلكَ الرجلِ الذي كانَ يرتدي القلنسوةَ للتوِّ.
متجرُ الخيمياءِ الذهبيِ، وهو أحدُ متاجرِ اللعبةِ.
كانَ متجراً يمكنُكَ توظيفُ السَحرةِ بشكلٍ خاصٍ منهُ.
وتخصصُ هذا الساحرِ الذهبيِ هو غسلُ الدماغِ.
أتوقّعُ مَن كانتْ تستهدفُ.
‘الشخصُ الذي يُطبّقُ تعويذةً دائمةً هي فرقة النخبة فحسبْ.’
أي انَّ الأمرَ يعني الآتي.
“لقد وقعتِ في قبضةِ نقطةِ ضعفِكِ تماماً، أليسَ كذلكِ؟”
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة. شاد.
~~~~~~
End of the chapter
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات