3
استمتعوا
***
انتقلَ القائد وأنتونيو ويوستيا عبرَ المجرى المائيِ تحت الأرض.
كانَ هذا بسببِ المُطاردينَ الذينَ لاحقوهم بعدَ الحادثةِ التي تعرَّضَ لها خدَمُ الماركيزيةِ في منطقةِ المتاجرِ.
بعدَ دخولِ المجرى، نقلَ أنتونيو الوضعَ الى فرقه النخبة.
“أجلْ، حسناً. لقد دخلنا المجرى المائيَ تحت الأرض. لقد تغيَّرَتِ الخطةُ، لكنَّ ‘الشيءَ’ قد تأمّنَ.”
[يا لكَ من أحمقَ. ألم تستطعْ كبتَ طيشِك حتى أثَرتَ كلَّ هذا الشغبِ؟]
“أقولُ لكَ انني لم أفعلْ شيئاً.”
[لا تكذبْ.]
[هل تظنُّ انَّ القائد سيُثيرُ مثلَ هذهِ المشاكلِ؟]
كانَ أنتونيو يشعرُ بالظلمِ حتى الموتِ.
عندما رأى يوستيا وهي تُضرَبُ من قبلِ خُدَّامِ الماركيزيةِ دفاعاً عن ردائِه، شعرَ انَّ الأمرَ لا يُحتملُ.
كادَ ان يرفعَ قبضتَهُ ليُنهيَ حياتَهم تماماً.
لكنَّ الشخصَ الذي تدخّلَ فعلاً لم يكُنْ هو.
‘لم أكُنْ أتخيّلُ أبداً ما حدثَ.’
من كانَ يتوقعُ انه سيقومُ حتى بوسمِ وجوهِهم بالشعارِ؟
“القائد هو الذي فعلها……”
[اخرسْ.]
[اذهبْ الى الجحيمِ!]
انقطعَ الاتصالُ. لم يصدّقْهُ أحدٌ.
نظرَ أنتونيو بحزنٍ الى القائد الذي كانَ يستريحُ بلا أيِّ خجلٍ.
بجانبِهِ، كانتْ يوستيا تتحرّكُ بنشاطٍ.
“ماذا تفعلينَ؟”
سألَ أنتونيو، فأجابتْهُ يوستيا وهي تُخرجُ الأشياءَ من حقيبتِها.
“أُرتبُ الأمتعةَ. وأجمعُ بعضَ الأعشابِ التي تنمو في المجرى.”
“ألا يجبُ ان تستريحي قليلاً؟ انظري الى وجهِكِ في الماءِ. هل هذا وجهُ فتاةٍ في الخامسةِ عشرةَ؟”
كانَ وجهُ يوستيا مُتورِّماً بشدةٍ بسببِ ضرباتِ خدَمِ الماركيزيةِ.
“ألن تتحرّكوا عندَ غروبِ الشمسِ؟”
“هذا صحيحٌ.”
“الشمسُ تغربُ بسرعةٍ في الشتاءِ. يجبُ عليَّ ترتيبُ كلِّ شيءٍ قبلَ ذلكَ، وإلا فإنها ستُعيقُ حركتَنا.”
ثم عادتْ الى ترتيبِ الأمتعةِ بجديّةٍ.
كانتْ بارعةً جداً في استخدامِ يديها.
بمجردِ ان تلمسَ يداها أيةَ أكوامٍ، تصبحُ مُسطّحةً وتدخلُ في الحقيبةِ بسلاسةٍ.
“هل أنتِ متأكدةٌ من أنكِ كنتِ نبيلةً؟”
أيَّ أنسة نبيلةٍ تكونُ موهوبةً في البقاءِ على قيدِ الحياةِ الى هذا الحدِّ؟
قالتْ يوستيا وهي تطوي أكياسَ الخضارِ المُجفّفةِ.
“كنتُ كذلكَ حتى بلوغي سنَ الثانيةَ عشرةَ. أبي هو ماركيزُ أندريس، وأمي كانتْ تُديرُ شركةَ باول التجاريةَ الكبيرةَ…… التي تُسمّى الآنَ شركةَ أندريس.”
“لا بُدَّ انَّ هذا الوضعَ يُشعِرُكِ بالإحباطِ أحياناً.”
تمتمَ أنتونيو بلا تفكيرٍ، ثم أدركَ خطأَهُ.
كانَ زملاؤُه أيضاً من الذينَ غرقتْ حياتُهم في الوحلِ بسببِ ظروفٍ مختلفةٍ.
كانتْ هذهِ جملةً اعتادَ على قولِها مازحاً معهم، لكنها قد تكونُ مُؤذيةً لفتاةٍ في الخامسةَ عشرةَ.
“الإحباطُ……”
تمتمتْ يوستيا وهي تتوقفُ.
ارتعدَ أنتونيو.
“لا، أنا أقصدُ—”
“ليسَ أحياناً، بل كلَّ يومٍ.”
“……ماذا؟”
“عندما أُنظّفُ المراحيضَ، أشعرُ بهِ مرةً كلَّ دقيقةٍ. مراحيضُ الجنودِ قذرةٌ حقاً……”
“……”
شعرَ أنتونيو بالذهولِ وهو يرى يوستيا حزينةً بسببِ قذارةِ المراحيضِ.
مِن الواضحِ انَّ هذهِ الفتاةَ غريبةٌ بعضَ الشيءِ.
‘لا، لعلَّها ليستْ غريبةً، بل مُذهلةً.’
أنهتْ يوستيا ترتيبَ الأمتعةِ بسرعةٍ، وبدأتْ في جمعِ الأعشابِ.
“انها زهورُ الماءِ تنمو في المجرى. لو علمتُ انها تنبتُ هنا، لما اشتريتُها من متجرِ الأعشابِ.”
يا للخسارةِ.
تمتمتْ بذلكَ، وبدأتْ في جمعِ كميةٍ كبيرةٍ من هذهِ العشبةِ التي تُسمّى زهرةَ الماءِ بلا رحمةٍ.
“إنَّ غليَ هذهِ العشبةِ يزيلُ التعبَ بشكلٍ مدهشٍ.”
“حقاً؟”
“انتظرْ لحظةً. سأُعدُّ الشاى على الفورِ.”
أخرجتْ قِدراً بحجمِها، غلتِ الماءَ، وأخرجتْ سُكراً وبعضَ فواكهَ مُجفّفةٍ كانتْ قد اشترتْها من السوقِ.
امتلأَ المجرى المائيُ بأريجٍ طيّبٍ على الفورِ.
سكبتْ يوستيا الشايَ في أكوابٍ، وقدّمتْهُ الى أنتونيو والقائد.
عبسَ أنتونيو.
“هناكَ رغوةٌ.”
“تتكونُ الرغوةُ عندما تُنقَعُ زهرةُ الماءِ. طعمُهُ مرٌّ جداً أيضاً.”
“هل هو صالحٌ للشربِ؟”
“تذوّقْهُ.”
شربَ أنتونيو رشفةً من الشايِ بتعبيرٍ مُتشككٍ.
ولكنْ……
“……!”
تفاجأَ أنتونيو وفتحَ عينيهِ مُتسعتينِ.
“قلتِ انهُ مرٌّ؟”
“هذا إذا غليتِ زهرةَ الماءِ وحدَها. لكنْ عندما تُغلى مع فاكهةٍ ذاتِ حِمضيةٍ قويةٍ، فإنَّ المَرارةَ تتعادلُ مع الحمضِ. هل هو مقبولُ المذاقِ؟”
تَنَحْنَحَ أنتونيو، وشربَ الشايَ بسرعةٍ فائقةٍ.
في الواقعِ، كانتْ هذهِ هي أولُ مرةٍ يتذوّقُ فيها شايَاً لذيذاً الى هذا الحدِّ.
لطالما اعتقدَ ان الشايَ الأسودَ هو ترفٌ لا يستمتعُ بهِ الا النبلاءُ المُتْرَفونَ بالثراءِ، لكنهُ فهمَ الآنَ لماذا يبحثونَ عنهُ بشغفٍ.
قالتْ يوستيا لأنتونيو الذي شربَ شايَ زهرةِ الماءِ كالشوربةِ.
“نبيذُ زهرةِ الماءِ لذيذٌ أيضاً. هل أُعدُّهُ لكَ في المرةِ القادمةِ؟”
“نبيذٌ؟”
“يقولونَ انَّ شربَهُ بارداً يُعدُّ مُتعةً صيفيةً.”
توهّجَتْ عينا أنتونيو الذي كانَ مُتولّعاً بالنبيذِ.
“متى، متى ستُعدّينَهُ؟”
“إذا تمكّنتُ من الحصولِ على النبيذِ.”
“ما رأيكِ ان أخرجَ وأحضِرَهُ بنفسي؟”
عندما قالَ أنطونيو ذلكَ دونَ ان يلتقطَ أنفاسَهُ.
طَقْ.
أنزلَ القائد الكوبَ بصوتٍ عالٍ.
ارتعدَ أنتونيو.
“أنا لا أقولُ انني سأذهبُ من أجلِ النبيذِ حرفياً. بل، بل لتفقُّدِ الأجواءِ حولَنا.”
“……”
“سأبقى في الحدودِ وأقومُ بالحراسةِ……”
“……”
لم يُحَوّلِ القائد بصرَهُ حتى عندما تعهّدَ بالالتزامِ بالهدوءِ.
هل هو غاضبٌ لكوني غبيّاً؟
بينما كانَ أنتونيو مُتوتِّراً بشدةٍ.
اقتربتْ يوستيا من القائد بهدوءٍ.
“هل أُقدّمُ لكَ كوباً آخرَ؟”
“املئيهِ بالكاملِ.”
“حسناً.”
……لعلَّ الأمرَ لا يقتصرُ على هذهِ الفتاةِ فحسبْ.
نظرَ أنتونيو بذهولٍ الى القائد الذي كانَ يستمتعُ بشايِ زهرةِ الماءِ براحةٍ.
لقد مضتْ ثلاثةُ أيامٍ منذُ ان غادرتُ أنا والقائد وأنتونيو المجرى المائيَ.
التقينا بمُطاردينَ مرةً واحدةً، لكنَّ القائد وأنتونيو اجتاحا الكتيبةَ بأكملِها في خمسِ دقائقَ تقريباً بمهاراتِهما الهائلةِ.
منذُ ذلكَ الحينِ، كانَ تنقّلُنا هادئاً ومُسالماً.
تبادلتُ العديدَ من الأحاديثِ مع أنتونيو أثناءَ تنقّلِنا.
“لقد مررتِ بكلِّ أنواعِ التجاربِ حقاً. لا بُدَّ انكِ تألّمتِ.”
“أنا لا شيءَ مقارنةً بكَ سيدي أنتونيو.”
“لكنْ، هل كانَ من المقبولِ ان تغادري الإقليمَ وتتركي والدتَكِ؟”
“طلبتُ من مالكِ المنزلِ الذي أعيشُ فيهِ ان يهتمَّ بها. دفعتُ لهُ أجرَ ستةِ أشهرٍ.”
“حسناً.”
وصلنا الى الغابةِ حيثُ كانَ من المُقررِ ان نلتقيَ بالفرق الآخرى في حواليِّ منتصفِ النهارِ.
لكنَّ المكانَ المُحدَّدَ كانَ خالياً.
“ألم نكُنْ نحنُ الأكثرَ تأخّراً؟ لم يأتِ الآخرونَ بعدُ.”
“لقد اضطرّوا الى تنفيذِ عمليةِ تمويهٍ بسببِ حادثةِ منطقةِ المتاجرِ. سيلتحقونَ بنا قريباً.”
“هكذا إذاً……”
الجميعُ يُعاني بسببي.
عندما تجهمتُ، أشارَ أنتونيو بيدِهِ كأنَّهُ يقولُ لا تقلقي.
“حتى لو لم تكوني أنتِ السببَ، ربما أكونُ أنا من أثارَ المتاعبَ.”
كانَ يحاولُ مواساتي، لكنَّ موقفَهُ الذي يرى انَّ إثارةَ المتاعبِ أمرٌ طبيعيٌ من جِهتِهِ كانَ وقحاً.
نظرَ القائد الى أنتونيو بعينينِ توبّخانِهِ.
لقد ضُرِبَ أنتونيو من القائد ثلاثَ مراتٍ خلالَ اليومينِ الماضيينِ لِغفلتِهِ.
بفضلِ ذلكَ، تعلّمتُ ما يجبُ عليَّ فعلُهُ في مثلِ هذهِ المواقفِ.
يجبُ ان أُركّزَ على عملي بصمتٍ.
أخرجتُ دفتري وبدأتُ بالكتابةِ.
“ماذا تفعلينَ؟”
سألَ أنتونيو لأنه كانَ ضجراً.
“أُدوّنُ الحساباتِ. في اليومِ الأولِ في منطقةِ المتاجرِ دفعتُ من مالي الخاصِ، لكنَّ السيد أنتونيو دفعَ المالَ بعدَ ذلكَ.”
“وماذا بعدُ؟”
“لذا يجبُ عليَّ تدوينُ الحساباتِ.”
“لماذا؟”
“ألا تُدوّنُ نقابة الاغتيال حساباتِها؟”
“طبعاً نُدوّنُ.”
“من……؟”
“أنا. نائبُ القائد أمرَني بذلكَ.”
ماذا؟
أنتونيو رجلٌ طيّبٌ.
بالأمسِ أيضاً، ضربَ بائعَ اللحمِ ضرباً مُبرِّحاً عندما طلبَ مني سعراً باهظاً للغايةِ.
لكنْ……
“إذا لم تتحدّثْ بوضوحٍ، فإنَّ رأسَكَ وجسدَكَ سيُفارقانِ بعضَهما للأبدِ. كم ثمنُ ستةِ أرطالٍ من لحمِ الخاصرةِ؟”
“إذن، الرطلُ الواحدُ بثلاثينَ كوبراً……”
“إذاً كم يبلغُ المجموعُ!”
“ماذا؟”
……كيفَ يُسندُ اليهِ مهمةُ تدوينِ الحساباتِ وهو لا يُجيدُ الحسابَ؟
“سيد أنتونيو. هل تسمحُ لي بمراجعةِ الدفترِ؟”
“افعلي ذلكَ.”
ألقى أنتونيو الحقيبةَ بأكملِها اليَّ.
أخرجتُ دفترَ الحساباتِ من الحقيبةِ.
كانَ مُجعّداً تماماً.
فردتُ الجزءَ المُجعّدَ من الدفترِ وفحصتُ محتواه.
كانتْ فوضى عارمةً.
‘لا بُدَّ انَّ نائبَ القائد لم يكُنْ يعلمُ انَّ حالةَ أنتونيو بِهذهِ الخطورةِ.’
حسناً، حتى لو كانتْ حالتُهُ خطيرةً، لم يكُنْ هناكَ سوى القائد وأنتونيو في فرقتنا، لذلكَ كانَ مُجبراً على القيامِ بذلكَ.
بدأتُ بترتيبِ الدفترِ مرةً أخرى.
وبينما كنتُ مُنغمسةً في التركيزِ، سمعتُ جَلَبةً.
“أيُّها القائد.”
كانَ جميعُ أعضاءِ فرقة الاغتيال الذينَ كانَ من المُقررِ ان ينضمّوا قد وصلوا.
وبينهم كانَ هناكَ وجهٌ لم أرَهُ من قبلُ.
كانَ رجلاً ضخمَ البنيةِ يرتدي ملابسَ أنّيقةً.
ركضَ الرجلُ الى القائد بخطواتٍ صغيرةٍ وركعَ على ركبتيهِ.
“أُحيي سيّدي.”
“الفيكونتُ سان ميغيل.”
الفيْكونتُ سان ميغيل؟
أليسَ سان ميغيل تابِعاً لعائلةِ دوقِ إيسغاروت؟
‘هل تحالفَ بالفعلِ مع تابِعٍ لـ إيسغاروت؟’
كانَ دوقُ إيسغاروت يناقشُ في الأصلِ زواجَهُ من الأميرةِ الإمبراطوريةِ.
لكنهُ وقعَ في غرامِ أنسة من بارونيةٍ مُتواضعةٍ في الريفِ وأعلنَ الزواجَ منها.
بالطبعِ، لم ينظرْ تابِعوهُ الى انسة البارونيةِ بعينِ الرضا، فتحالفوا مع الأميرةِ الإمبراطوريةِ واغتالوا انسة البارونيةَ.
لكنَّ انسة البارونيةَ كانتْ شخصاً ذكياً.
توقّعتْ موتَها، وتنبأتْ بأنَّ يدَ الأميرةِ الإمبراطوريةِ ستطالُ ابنَها بعدَ وفاتِها.
فهرّبتْ ابنَها حديثَ الولادةِ.
هذا هو القائد آسلان.
‘لقد كانتْ حياةُ القائد مزريةً.’
قيلَ انهُ هُرِّبَ على يدِ فارسٍ عجوزٍ ونشأَ في ساحةِ المعركةِ كأنها مهدُهُ.
حياةٌ قوامُها. اقتُلْ أو تُقتَلْ.
السببُ في استمرارِهِ في هذهِ الحياةِ المُروّعةِ كانَ طموحَهُ للسيطرةِ على عائلةِ دوقِ إيسغاروت.
“ما أشدَّ ما عانيتَ يا سيّدي. هيا بنا الى مقاطعةِ سان ميغيل سريعاً.”
الى مقاطعةِ سان ميغيل؟
همستُ لأنتونيو بتعبيرٍ مُستغربٍ.
“ألم تقلْ اننا ذاهبونَ الى المقرِّ الرئيسيِ؟”
“أجلْ.”
“إذاً لماذا مقاطعةُ سان ميغيل……؟”
“لأنَّ مقاطعةَ سان ميغيل هي المقرُ الرئيسيُ. هل تعتقدين ان الڤودكا والويسكي اللذانِ أحبُّهما بخيرٍ؟ يوستيا، سأشاركُكِ إياهما استثناءً.”
“لا بأسَ. أنا قاصرٌة.”
على أيِّ حالٍ، ان يكونَ المقرُ الرئيسيُ هو مقاطعةَ سان ميغيل!
إذاً هو لم يتحالفْ مع الفيكونتِ سان ميغيل، بل سيطرَ على مقاطعةِ سان ميغيل ونَصَّبَ فيكونتاً يأتمرُ بأمرِهِ.
‘يا لهُ من أمرٍ عظيمٍ……’
انتابني قشعريرةٌ.
في الوقتِ الحاليِ، لا يعلمُ دوقُ إيسغاروت بوجودِ القائد.
هذا يعني انهُ يُؤثّرُ بهذا القدرِ من النفوذِ على عائلةٍ نبيلةٍ كبيرةٍ بيدينِ عاريتينِ.
‘إنهُ شخصٌ أعظمُ مما كنتُ أتوقعُ.’
أصبحَ سببُ لزومي لـنقابة الاغتيال أكثرَ وضوحاً.
يجبُ ان أُتقنَ عملي.
قبضتُ على قبضتيَّ بإحكامٍ.
وأعلنتُ بعزمٍ.
“هل أُعِدُّ الطعامَ؟”
“……!”
“……!!”
فتحتِ النقابة أعينَها على اتساعِها.
لكنَّ الفيكونتَ سان ميغيل نظرَ اليَّ بلمحةٍ سريعةٍ ولوّحَ بيدِهِ.
“لن أسمحَ لكَ ان تتناولَ طعاماً رثّاً بعدَ الآنَ. سأُعدُّ لكَ الطعامَ في قلعةِ الإقطاعيةِ.”
عندَها……
صاحَ أعضاءُ النقابة، وخاصةً أنتونيو، بصخبٍ.
“طعامُ هذهِ الفتاةِ ليسَ رثّاً!”
“انها ذاتُ مذاقٍ لا يُضاهى!”
راحوا يحتجّونَ حتى انهم تذكّروا العباراتِ التي كانتْ في رسالةِ توصيةِ العقيدِ لاغوني في الجيشِ الإمبراطوريِ.
أطلقَ الفيكونتُ سان ميغيل ضحكةَ استغرابٍ، كأنَّهُ مُذهولٌ.
“ما هذا الهراءُ…… لماذا يتصرفونَ هكذا أيها القائد.”
“……”
“القائد؟”
كانَ القائد قد جلسَ بالفعلِ على صخرةٍ مناسبةٍ ينتظرُ إعدادَ الطعامِ.
ظهرَ على الفيكونتِ سان ميغيل تعبيرُ الذهولِ.
‘جيدٌ. انهُ نظيفٌ.’
نظرتُ الى أواني الطبخِ والأطباقِ بفخرٍ بعدَ ان انتهيتُ من غسلِها.
لقد أصبحتْ لامعةً بعدَ مسحِها من البللِ تماماً.
بعدَ ان انتهتِ النقابة من تناولِ الضِّلوعِ المطهوّةِ، بدا المكانُ وكأنَّ عاصفةً اكتسحتْهُ.
‘ردُ فعلِهم…… أجلْ، كانَ جيداً جداً.’
لدرجةِ انَّ الفيكونتَ سان ميغيل، الذي يصفُ نفسَهُ بأنه مُتعلّمٌ، وصفَهم بالكلابِ الهائجةِ.
في النهايةِ، بدأوا بالتحديقِ الى بعضِهم بعضاً كالعدوِّ اللدودِ من أجلِ قطعةِ ضِلعٍ واحدةٍ.
لقد عرضتُها على الفيكونتِ سان ميغيل أيضاً، لكنهُ قالَ لي……
“ليسَ لديَّ هوايةُ تناولِ طعامٍ مُبتذلٍ في الطريقِ.”
─ بنبرةٍ باردةٍ جداً.
بينما كنتُ أفكرُ في ذلكَ.
“هل أنتِ مُستاءةٌ بسببِ الفيكونتِ؟”
أطلَّ أنتونيو فجأةً بوجهِهِ.
فتحتُ عينيَّ مُتسعتينِ.
لم أتفاجأْ لأنهُ كلّمني فجأةً.
‘واو.’
كانَ يرتدي الزيَّ الرسميَّ للفارسِ.
يبدو انهُ بدّلَ ملابسَهُ أثناءَ انشغالي بالترتيبِ.
كانتِ الدروعُ الفضيةُ والعباءةُ الطويلةُ تليقُ بهِ لقامةٍ طويلةٍ وأكتافٍ عريضةٍ.
بالمناسبةِ، أنتونيو رجلٌ وسيمٌ أيضاً، الا انَّ القائد كانَ لافتاً للنظرِ كأنّه من عِرقٍ آخرَ.
بشرةٌ حنطيةٌ وملامحُ بارزةٌ.
بنيةٌ جسديةٌ تفوقُ مائةً وثمانينَ سنتيمتراً.
كانتْ ملامحُهُ المُشاكسةُ جذّابةً.
“أنتَ وسيمٌ!”
“بالطبعِ.”
ابتسمَ أنتونيو بخبثٍ وبعثرَ شعري.
“لا تهتمي بالفيكونتِ. قالَ لي نائبُ القائد انَّ الفيكونتَ كانَ نبيلاً اسميّاً فحسبْ قبلَ ان يُسندَ اليهِ القائد مقاطعةَ سان ميغيل. ربما هذا هو السببُ في تمسُّكِهِ الشديدِ بالآدابِ.”
لقد سمعَ أنتونيو ما قالهُ الفيكونتُ لي.
أنتونيو وحدَهُ الذي سمعهُ تحديداً.
لأنَّ الفيكونتَ تحدّثَ بهدوءٍ وهو يُراقبُ القائد الذي كانَ يأكلُ الضِّلوعَ بشهيةٍ.
“لا. لا بأسَ انهُ لم يتناولِ الضِّلوعَ المطهوّةَ.”
“إذاً ماذا؟”
“أشعرُ انهُ يتجنّبُني.”
لا، بل كانتْ نظرتُهُ أقربَ الى التحديِ.
لكنْ لماذا شخصٌ بمنصبِ فيكونتٍ يتحدّى شخصاً مثلي ليسَ سوى عاملةٍ؟
لا يوجدُ سببٌ لذلكَ.
نظرَ أنتونيو الى الفضاءِ كأنَّهُ يُفكّرُ في شيءٍ ما.
ثم قالَ بإدراكٍ. “آه.”
“ربما أساءَ الفيكونتُ الفهمَ.”
“أساءَ الفهمَ؟”
“نعم. ربما ظنَّ انكِ مرشّحةٌ لابنةِ القائد بالتبنيِ. عُمرُكِ مناسبٌ.”
ابنةٌ بالتبنيِ؟
القائد يتبنّى ابنةً؟
“هل يتبنّى القائد بناتٍ؟”
“أجلْ. نحتاجُ الى فتاةٍ نُرسلُها للمشاركةِ في مراسمِ الأمراءِ الإمبراطوريينَ…… تباً.”
أنتونيو الذي كانَ يُجيبُ بشكلٍ طبيعيٍ، تظاهرَ فجأةً بالانشغالِ.
لكنني أدركتُ المحتوى.
لأنني أعرفُ قصةَ اللعبةِ.
‘بالمناسبةِ، الأمراءُ الإمبراطوريونَ سيأتونَ الى عائلةِ دوقِ إيسغاروت قريباً.’
كانَ الإمبراطورُ يجعلُ الأمراءَ يزورونَ عقاراتِ النبلاءِ الكبارِ كجزءٍ من تدريبِهم على الخلافةِ.
وهكذا جاءَ دورُ إيسغاروت.
إذا جاءَ الأمراءُ، يجبُ ان يكونَ هناكَ أطفالٌ مِن نفسِ سِنِّهم للتحدّثِ معهم.
‘هذا ما يُسمّى بالوصيف.’
والقائد يعتزمُ التواصلَ مع دوقِ إيسغاروت عن طريقِ إرسالِ ابنةٍ بالتبنيِ لتكونَ وصيفةً.
وأخيراً، حانَ الوقتُ ليُظهرَ القائد شخصيتَهُ الحقيقيةَ للمجتمعِ الإمبراطوريِ.
يبدو انَّ الفيكونتَ سان ميغيل كانَ يُعارضُ خوفي ان ألعبَ دورَ ابنةِ القائد بالتبنيِ.
‘يا لهُ من قلقٍ لا داعيَ لهُ.’
يبدو انَّ القائد يُحبُّ طعامي.
لكنْ هل سيُوكلُ اليَّ دورَ الابنةِ بالتبنيِ فجأةً بناءً على ذلكَ فحسبْ؟
لا توجدُ ثقةٌ على الإطلاقِ.
‘حسناً، إذاً لا داعيَ للقلقِ.’
الفيكونتُ سان ميغيل هو سيدُ المقرِ الرئيسيِ لنقابة الاغتيال، وسيكونُ من المُزعجِ ان يُظهرَ لي الكراهيةَ.
لكنْ بما انَّ سوءَ الفهمِ سينكشفُ، فلن يقلقَ بشأني قريباً.
تخلصتُ من قلقي وابتسمتُ ابتسامةً واسعةً.
“سيد أنتونيو، هل نذهبُ الآنَ؟”
“هاه؟ حسناً، ماذا……”
نظرَ اليَّ أنتونيو وهو يُحرّكُ رأسَهُ، بعدَ ان أضاءَ وجهي فجأةً مرةً أخرى.
“أحبُّ فيكِ إيجابيّتَكِ. ألا يقولونَ انَّ الناسَ لا يطبخونَ الشخصَ الذي يبتسمُ؟”
“……”
“لماذا؟”
“……انهم الخنازيرُ وليسو الناسَ. الخنازيرُ المبتسمةُ لا تُطبخُ.”
من الطبيعيِ انَّ الناسَ لا يُطبخونَ.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة. شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات