2
استمتعوا
نظرتُ الى القِدرِ بقلبٍ يملؤهُ الرِّضا.
‘لقد أفرغوه تماماً.’
كدتُ أظنُّ انهم غسلوهُ لشدةِ ما لم يتركوا فيهِ قطرةً واحدةً.
في الحقيقةِ، لا بُدَّ انَّ هذا المذاقَ نادرٌ في هذا العالمِ.
تذكّرتُ حياتي الماضيةَ وأدركتُ.
انَّ فنَّ الطهيِ في هذا العالمِ لم يتطورْ بالقدرِ الكافيِ.
لدرجةِ ان تقطيعَ المكوناتِ ثم غليَها أو شيَّها هو كلُّ فنِ الطبخِ.
‘على الرغمِ من ان النبلاءَ الكبارَ يطهونَ بشكلٍ أكثرَ فخامةً.’
لكنَّ أطعمةَ النبلاءِ الكبارِ أيضاً بسيطةُ التحضيرِ مقارنةً بما هو في كوكبِ الأرضِ.
حتى انهم يعتبرونَ إعدادَ المرقِ نوعاً من تبديدِ المكوناتِ.
وعلى أيِّ حالٍ، لقد جنيتُ ثمارَ ذلكَ.
لقد خفّتْ كثيراً الحدةُ التي كانتْ تلفُّ أعضاءَ نقابة الأغتيال.
بل وسمحوا لي بالتحركِ بحريةٍ دونَ ان يرافقَني أيُّ عضوٍ.
وبفضلِ ذلكَ، تمكّنتُ من غسلِ القِدرِ عندَ النهرِ بمفردي.
‘حسناً، انهُ نظيفٌ.’
في الوقتِ الذي عدتُ فيهِ الى الكهفِ بعدَ غسلِ القِدرِ وأدواتِ الطبخِ، وصلَ العضوُ الذي ذهبَ لتفقُّدِ أحوالِ الجيشِ الإمبراطوريِ.
“كانَ الجيشُ الإمبراطوريُ مُضطرباً. يبدو انَّ هناكَ مشكلةً حقيقيةً في سلامةِ جنودِهم.”
عندئذٍ، أومأَ الأعضاءُ برؤوسِهم بـ “أوه، أوه”.
“إذاً حانَ وقتُ التحرّكِ مستغلّينَ هذهِ الثغرةَ.”
“إذاً، ماذا نفعلُ بشأنِ هذهِ الفتاةِ؟”
نظرَ الأعضاءُ الى القائد.
كأنهم يطلبونَ منهُ اتخاذَ قرارٍ بشأنِ مصيري.
فأسرعتُ وصرختُ.
“سأُعدُّ لكم الضِّلوعَ المطهوّةَ!”
“ضِلَع…… ماذا؟”
“في المرةِ القادمةِ سأُعدُّ لكم الضِّلوعَ المطهوّةَ. انها لحمٌ يُطهى ببطءٍ في صلصةِ الصويا الحلوةِ، وسأضعُ معها البَلُّوطَ والبطاطا. اللحمُ لذيذٌ، لكنْ كم سيكونُ شهياً إذا غَمسُ الأرزِ بالصلصةِ الكثيفةِ!”
أرجوكَ، خذْني معكَ.
جمعتُ يديَّ بتعبيرٍ مُتوسّلٍ، وإذا بتعابيرِ الأعضاءِ تتغيرُ.
“ضِّلوعٌ مطهوّةٌ؟”
“هل هي لذيذةٌ الى هذا الحدِّ؟ أكثرُ من الحساءِ؟”
أسرعتُ وأومأتُ برأسي.
“أكثرُ من الحساءِ.”
بدتْ وجوهُ الأعضاءِ المُنغمسينَ في الحساءِ وكأنها تلقتْ صدمةً.
تمتموا بـ “ألهذهِ الدرجةِ؟” وعادوا للنظرِ الى القائد.
عندما انهالتْ عليهِ العيونُ المُتوهّجةُ كالسّهامِ، تنهدَ القائد.
“لترافقَنا الى مقرِنا كعاملةٍ تؤدي مهماتٍ صغيرةً.”
‘لقد نجحتُ!’
فرحتُ فرحاً كبيراً كادَ يجعلُني أقفزُ.
الآنَ سأثبتُ جدارتي بحقٍ، وسأعملُ جاهدةً لأصبحَ عضواً في النقابة حتماً.
أكررُ، لم يكُنْ لديَّ خيارٌ سوى هذا الرجلِ.
نقابة الأغتيال تفخرُ بقوتِها الحربيةِ المُذهلةِ.
اعتادَ المُترفونَ ان يتحدثوا عنهم كقوةٍ يُمكنُها زعزعةُ مصيرِ البلادِ.
وهذا يدلُّ على قوتِهم الجبارةِ.
‘بالإضافةِ الى انني أملكُ معلوماتٍ لا يعرفُها أحدٌ سوايَ.’
آسلان، قائد نقابة الأغتيال.
انهُ الابنُ الخفيُ لدوقِ إيسغاروت.
‘إنهُ الرجلُ الذي سيصبحُ دوقاً في نهايةِ المطافِ.’
في غضونِ سنواتٍ قليلةٍ، كانَ من المُقررِ ان تصبحَ عائلةُ دوقِ إيسغاروت من أصحابِ النفوذِ الذينَ يُضاهونَ القصرَ الإمبراطوريَ.
وسأغزو قلبَ القائد الذي سيصبحُ دوقَ إيسغاروت، وسأحافظُ على أعضائي بكلِ تأكيدٍ.
***
اتفقتُ مع نقابة الأغتيال على ان ننتقلَ الى مقرِهم مُقسّمينَ الى ثلاثةِ فرق.
فإذا تم إمساك فرقه، يمكنُ للفرقتين الآخرتين تشتيتُ الانتباهِ وتأمينُ الفرارِ.
لكنْ كانتْ هناكَ مشكلةٌ.
“سنأخذُ تلكَ الفتاةَ معنا.”
“هراءٌ. نحنُ من سيأخذُها.”
“نحنُ أيضاً نتطلعُ الى الضِّلوعِ المطهوّةِ…… لا، لا يمكنُنا التخلي عن تلكَ الفتاةِ.”
اندلعَ شجارٌ بسببي.
“أنتم الأكثرُ عدداً!”
“لأننا الأكثرُ عدداً، فنحنُ بحاجةٍ الى حمّالِ أمتعةٍ!”
“أيُّ أمتعةٍ ستحملُها بهذينِ الذراعينِ!”
كادَ الأعضاءُ، الذينَ عاشوا على اللحمِ المُقدَّدِ لثلاثةِ أشهرٍ وعشرةِ أيامٍ، على وشكِ ان ينهشَون بعضُهم بعضاً.
في النهايةِ، تقدّمَ الرجلُ الأكبرُ سِناً.
سألَني.
“عليكِ ان تُقرِّري. مع أيِّ فرقة ستذهبينَ؟”
بالطبعِ، كانَ الجوابُ مُحدَّداً.
وقفتُ بسرعةٍ الى جانبِ القائد.
فاحتجَّ الأعضاءُ بضجيجٍ.
“ستندمينَ. فرقة القائد تسلكُ طريقاً أطولَ من الفرق الأخرى.”
“صحيحٌ. وأنتونيو معهم أيضاً.”
أخذوا يسردونَ العيوبَ بإلحاحٍ، ويحثونَني على التغييرِ، لكنني هززتُ رأسي بحزمٍ.
“رغمَ ذلكَ، أفضلُ ان أكونَ بجوارِ القائد.”
“ولماذا؟!”
“ذلكَ، أعني…”
لا أستطيعُ أن أقولَ إنّي أريدُ أن أُحسنَ صورتي أمام الدوق المستقبلي.
وبينما أبحثُ عن عذرٍ قلتُ.
“لأنّه… وسيم؟”
“تبًّا لهذا الهوسِ بالمظاهر….”
انسحبَ الأعضاءُ بوجوهٍ مُحبطة.
حاولتُ أن أُطيّبَ خاطرهم قائلةً.
“على كلِّ حال سنلتقي عندَ القاعدةِ القريبة، وسأُقدّمُ لكم ضلوعَ الضأن هناك.”
“حقًّا؟”
“لن تستهلكي كلَّ اللحمِ، أليسَ كذلك؟”
لم يتركوا الكهفَ إلا بعد أن أومأتُ برأسي عشرَ مرّات.
كانَ تشكيلُ فرقتِنا بسيطًا للغاية. القائدُ، وأنا، وأنتونيو فحسب.
رمقني أنتونيو بعينينٍ ضيّقتين سائلاً.
“هل أنتِ حقًّا ابنةُ القائد أم… آآخ!”
بدأتُ أفهمُ لماذا اعتبرَ الأعضاءُ وجودَ أنتونيو، مع أنّه من النخبة، عيبًا.
انطلقنا فورًا.
غادرنا الكهفَ عندَ سفحِ الجبل، مررنا بالوادي، واتجهنا شمالًا نحو كوخِ حارس الجبل.
‘شمالًا؟’
الشمالُ يعني أنّنا بالقربِ من السوقِ التجاريّ.
سألتُ بنبرة مُستغربة.
“سيدي، هذا الطريقُ يمرُّ بمنطقةٍ مكتظّةٍ بالناس، لماذا نسلكه؟”
أليستِ الفرقُ الاغتياليّةُ تختارُ الطرقَ النائية؟
فأجابَ أنطونيو.
“لأنّنا بحاجةٍ إلى دخولِ السوق.”
“ولماذا؟”
“لأنّ لدينا شيئًا نبحثُ عنه. أثرٌ قديمٌ ـــ”
لكنّه لم يُكمل؛ فقد نظرَ إليه القائدُ نظرةً حادّةً مشبعةً بالإنذار.
كانتْ رسالةً واضحةً. لا تُعطهُ المزيدَ من المعلومات.
‘إنّه لا يثقُ بي البتّة.’
دوري يقتصرُ على الأعمالِ الوضيعةِ فحسب.
وحينَ أصبحت صامتةً، اكتفى أناونيو برفعِ كتفيه.
“حتى لو تضايقتِ، لن يفيد.”
“عذرًا؟”
“ألم تتضايقي؟”
“كنتُ فقط أفكّرُ أينَ سأُعدُّ العشاءَ الليلة.”
رفعتُ حاجبيّ دهشةً فبدا أناونيو مُستغربًا.
“ألا تُصابُ الفتياتُ بالإحباطِ في مثلِ هذا الموقف؟”
“لو صدّقني أحدُهم فورًا لكان ذلك أغرب.”
“صحيح، ولكن…”
ضحكَ أنتونيو ضحكةً باهتة.
“إنّكِ حقًّا فتاةٌ غريبة.”
قال ذلك، لكنّي لم أشعر بأيّ ضيقٍ لعدم نيلِ ثقته.
فالثقةُ أصلاً لم تكن يومًا من نصيبي في الحياة.
لم أحصل عليها حتى من عائلتي، وكنتُ متّهمةً ظلمًا بمحاولة قتل أختي غيرِ الشقيقة.
فكيف أحزنُ لأنّ غريبًا التقيتُه اليومَ يشكُّ فيّ؟
‘الأجدى أن أفكّرَ في كيفيّةِ كسبِ ثقتهِ بدلًا من ذلك.’
وبينما كنتُ غارقةً في تلكَ الأفكارِ وصلنا إلى السوقِ التجاريّ.
اجتزنا نقطةَ التفتيش ببطاقاتِ هويةٍ مزوّرةٍ مع أنتونيو، أمّا أنا فلطالما عملتُ هنا فعرَفني الحراسُ وأدخلوني فورًا.
وكانت وجهتُنا متجرَ الخردةِ في أعماقِ السوق.
قال أنتونيو أمام الباب.
“أنتِ انتظري بالخارج.”
“إن تأخّرتم قليلًا أيمكنني أن أشتري ما أحتاجه في هذه الأثناء؟”
“افعلي ما شئتِ.”
دخل القائدُ وأنتونيو إلى المتجرِ، وأنا طويتُ عباءتهُ في حقيبتي.
‘حسنًا، أسرعْ يا نفسي.’
حتى لو سلكنا البوّاباتِ السحريّة سيستغرقُ الطريقُ إلى القاعدةِ أكثرَ من أربعةِ أيّام، ولإطعامِ ‘الأشباح’ طوال تلك المدّة عليَّ أن أشتريَ المكوّناتِ مسبقًا.
‘الطعامُ الذي التهموه في الكهف كادُ ينهي مخزوني كلَّه.’
يبدو أنّ اللحمَ يؤمّنونه محليًا بالصيد، لذا بقي عليَّ شراءُ التوابلِ والخضروات.
اتّجهتُ رأسًا إلى السوقِ الداخليّ.
“مرحبًا يا خالة.”
“من هذه؟ أليست يوستيا؟”
كنتُ أزورُ السوقَ كثيرًا أثناء عملي بالمطعم لشراءِ المكوّنات، لذا استقبلتني النساءُ بودّ.
“أريدُ شراءَ خضرواتٍ مُجفّفة.”
طعمُها أقلُّ من الطازجةِ لكنّها أخفُّ وزنًا وأطولُ حفظًا.
“لديّ ما هو ممتاز.”
وأخرجت أنواعًا من الخضرواتِ المُجفّفة.
“هذه لم تُجفّف جيدًا يا خالة.”
“كنتُ أضعُها جانبًا، هاكِ ما أردتُ أن أريكِ إياه…”
“خالة؟”
“وهذه أيضًا كنتُ أريدُ أن أضعَها جانبًا لكن يدي أخطأت. تفضّلي هذه…”
“خالة؟”
“ما أكثرَ ما عليَّ أن أضعهُ جانبًا.”
ما إنْ تُعطيهنّ فرصةً حتى يُحاولنَ تمريرَ ما عندهنّ.
“إنّكِ دقيقةُ الملاحظة.”
رغمَ تذمّرِها باعتني الخالة أفضلَ مخزونِها.
ثمّ قصدتُ متجرَ البهارات.
“عمّي؟”
“هذا ملحُ نازا.”
“عمّي؟”
“من ذاك اللصُّ الذي يريدُ أخذَ ملحِ نازا بعشرين كوبرًا؟!”
“عمي..”
“اللعنة. خذي كل شيء. كل شيء!”
اشتريتُ البهاراتِ التي أردتُها بسعرٍ زهيدٍ من متجرِ التوابلِ.
‘حسناً، إذاً لم يتبقَّ سوى البضائعِ المُتنوِّعةِ.’
سأشعرُ بالأمانِ إذا كانَ لديَّ أداةٌ مُتعددةُ الاستخداماتِ بها سكينٌ، وفتاحةُ زجاجاتٍ، ومطرقةٌ صغيرةٌ، وحتى مفكُ براغٍ.
وأحتاجُ أيضاً الى خيطٍ وإبرةٍ.
يبدو ان أغطيةَ الرأسِ الخاصةَ بنقابة الأغتيال كانتْ مُهترئةً كلها.
يجبُ ان أُصلحَها.
بينما كنتُ أحملُ كميةً كبيرةً من مُكوناتِ الطهيِ وأتجهُ نحو متجرِ البضائع المتنوعة، فجأةً……
اِصطدَمْتُ بأحدهم بكتفي.
“آه، أنا آسفة……”
“يا إلهي، الآنسةُ.”
ارتعشتُ وأنا على وشكِ ان أعتذرَ بانحناءةٍ.
كانَ صوتاً مألوفاً.
رفعتُ رأسي فرأيتُ الوجوهَ التي طالما حاولتُ جاهداً تجنّبَها.
كانوا مُوظَّفي قصرِ ماركيزِ أندريس.
“ما هذهِ الحالةُ التي أنتِ عليها؟ أحزنتِنا.”
ابتسمتِ الخادمةُ وهي تنظرُ اليَّ.
لم يكُنْ على وجهِها أيُّ أثرٍ للحزنِ رغمَ كلامِها.
انهم خُدَّامٌ يُقدِّرونَ ستيلا – بطلةُ هذهِ اللعبةِ وابنةُ حُبِ أبي الأولِ – تقديراً عظيماً.
كانَ مُوظفو أندريس الآخرونَ يحتقرونَني بعدَ طردي، لكنَّ هؤلاءِ كانوا يكرهونَني بشكلٍ خاصٍ.
لأنهم كانوا يعتقدونَ انني السببُ في تسميمِ حبيبهم ستيلا، فكانوا كالعميانِ من الغضبِ.
‘سببُ تنقُّلي المُتكررِ في أماكنِ العملِ كانَ بسببِهم.’
في كلِّ مرةٍ، كانوا يكتشفونَ أينَ أعملُ ويُعذّبونَني بضراوةٍ.
عندما عملتُ في مطعمٍ، كتبوا على البابِ.
“هذا مكانُ عملِ العاقّةِ التي حاولتْ قتلَ أختِها”.
عندما كنتُ أصطادُ سمكَ التونةِ، كانوا يدفعونَ المالَ للقبطانِ ليطردَني.
وفي ثكناتِ الفرسانِ، كانوا ينشرونَ شائعاتٍ كاذبةً بينَ العمالِ لعزلي.
‘إذا حدثَ شغبٌ، فسأكونُ في ورطةٍ.’
استدرتُ بسرعةٍ وهربتُ.
لا، سأقولُ كانَ هذا هو ما أردتُ ان أفعلهُ بالضبطِ.
في اللحظةِ التي كدتُ أركضُ فيها، تعثّرتُ بقدمِ أحدِ الخدَمِ وسقطتُ.
“آه!”
اصطدمَ أنفي بزجاجةِ توابلَ أثناءَ سقوطي.
كسرتِ الزجاجةُ، ونزفَ دمٌ قانيٌ من أنفي، لا بدَّ انَّ شظيةً خدشتْني.
ضحكَتْ حاشيةُ ستيلا ضحكةَ استهزاءٍ.
لقد أصبحَ التحرّشُ والضربُ أمراً روتينياً بالنسبةِ لهم.
حتى لو تعاملوا معي بهذهِ القسوةِ، لم يكُنْ هناكَ من يُساعدُني.
خوفاً من ماركيزيةِ أندريس.
“يا لهُ من سلوكٍ خشنٍ لا يليقُ بكِ.”
انحنَتِ الخادمةُ التي كانتْ بمثابةِ قائدةِ الحاشيةِ أمامي وأنا مُلقاةٌ.
ثم أمسكتْ بخدّي.
“يا للبؤسِ.”
“اتركيني.”
“مزاجُكِ لم يتغيرْ بعدُ. ألمْ يكنْ عقابُ والدتِكِ الذي حلَّ بها هو بسببِ سوءِ نواياكِ؟”
شددتُ على فكّي لا إرادياً.
هذا هو السببُ الذي يجعلُني لا أستطيعُ ان أُقاومَ حتى لو علمتُ ان المضايقةَ ستنتهي بسرعةٍ إذا التزمتُ الصمتَ.
لم أستطعْ احتمالَ ذكرِ والدتي في كلِّ مرةٍ.
صفعتُ الخادمةَ على خدِّها.
“يا للعجبِ!”
ارتسمَ الغضبُ على عينيِ الخادمةِ المصفوعةِ.
“أيتها الجرِيئةُ……!”
نهضتِ الخادمةُ بحدةٍ وركلتْني على الفورِ، فتساقطتِ الأشياءُ التي كنتُ أحملُها من بينِ يديَّ.
صاحتِ الخادمةُ بأعلى صوتِها.
“ما زلتِ مُتكبِّرةً وأنتِ التي مُحيَ اسمُها من سجلِّ العائلةِ!”
“……”
“أنتِ الآنَ نَكَرةُ لا مأوى لها!”
ركلةٌ أخرى أَلقَتْني أرضاً.
في هذهِ الأثناءِ، تشبّثَ زرُّ الحقيبةِ بملابسي وتمزّقَ.
‘لا! لا!’
كادتِ الحقيبةُ ان تُفتَحَ.
بداخلِها كانَ رداءُ أنتونيو الذي أوكلني حفظَهُ.
لقد رأيتُه في الكهفِ.
انَّ شعارَ نقابة الأغتيال مطرّزٌ على الجزءِ الداخليِ من الرداءِ.
إذا انكشفَ هذا بالخطأِ، فستكونُ كارثةً.
احتضنتُ حقيبتي على عجلٍ.
“انظري الى هذا.”
تغيرتْ تعابيرُ حاشيةِ ستيلا عندما رأوا ذلكَ.
“يبدو ان شيئاً ثميناً بداخلِها.”
“مُستحيلٌ ان تكونَ هناكَ أشياءُ ثمينةٌ في يدِ الفتاةِ الوضيعةِ المطرودةِ من العائلةِ.”
“لعلَّها مسروقةٌ إذاً.”
اقتربوا مني وابتسموا بمكرٍ.
جذبَ أحدُ الخدَمِ ذراعيَّ بقسوةٍ.
في تلكَ اللحظةِ، عضضتُ ساعدَ الخادمِ بقوةٍ.
“آخ! أيتها……!”
بدأَ الخادمُ والخادمةُ ورجالٌ بالغونَ أقوياءُ يركلونَني.
شعرتُ بألمٍ مُبرِّحٍ وكأنَّ عظامي تتكسّرُ، لكنني تمسّكتُ بالحقيبةِ بيأسٍ.
‘لا يجبُ ان يحدثَ هذا.’
مُستحيلٌ.
إذا أخذوا غطاءَ الرأسِ، فلن أتمكّنَ أبداً من الانضمامِ الى نقابة الأغتيال.
“حسناً، لقد وقعتِ في شرِّ أعمالِكِ اليومَ.”
تنفسَ الخادمُ الذي عضضتُهُ بغضبٍ ونظرَ حولَهُ.
ثم أتى بمِضربِ غسيلٍ كانَ على مائدةِ متجرِ البضائع المتنوعه.
وفي اللحظةِ التي أوشكَ فيها على توجيهِ الضربةِ اليَّ.
طَقْطَقَةٌ.
سُمعَ صوتٌ غريبٌ.
ارتعشتُ، ورفعتُ رأسي.
كانَ ذراعُ الخادمِ ملتويّاً بطريقةٍ شاذةٍ.
“آآآآه!”
أطلقَ الخادمُ صيحةً مُروّعةً.
حدّقتُ في القائد خلفَ الخادمِ وأنا أحتضنُ حقيبتي.
لقد كانتْ سلاسلُ القوةِ السحريةِ المُنبعثةُ من يدِهِ هي التي لوَتْ ذراعَ الخادمِ.
“من، من أنت!”
سألته الخادمةُ بارتباكٍ.
كانتْ قوةُ القائد السحريةُ جبارةً لدرجةِ انَّ شخصاً عادياً لم يتعلّمِ السحرَ يمكنهُ الشعورُ بها.
حتى لو لم يكُنْ الأمرُ كذلكَ، كانتْ هيبتُهُ تُثيرُ الخوفَ الغريزيَ.
في غمرةِ ارتباكِ الحاشيةِ، اقتربَ أنتونيو.
“أنتِ—”
كانَ غطاءُ رأسِ أنتونيو بارزاً قليلاً من بينِ فتحةِ الحقيبةِ التي كنتُ أحتضنُها.
تحوّلَ نظرُهُ من غطاءِ الرأسِ الى وجهي المُشوّهِ.
وأخيراً الى الخضارِ والبهاراتِ المُتناثرةِ على الأرضِ.
سارعتُ الى تبريرِ موقفي.
“لقد اشتريتُها بمالي الخاصِ.”
“ماذا؟”
“لذا لم أُضيّعْ ثروتَكم. لقد حميت غطاءَ الرأسِ أيضاً.”
“……”
“أنا آسفةٌ لأنني أحدثتُ ضجيجاً. لن أسمحَ بحدوثِ هذا أبداً مرةً أخرى. أنا آسفةٌ. أنا آسفةٌ……”
راقبني القائد وأنتونيو بصمتٍ وأنا أتوسّلُ بيأسٍ.
ابتسمتِ الخادمةُ بشماتةٍ وهي تُراقبُ الوضعَ وقالتْ. “آه.”
“يبدو انكم رؤسائها الجددُ.”
“……”
“كما ترونَ، هذهِ لن تنفعَكم. هل تعرفونَ ابنةَ ماركيزِ أندريس المطرودةَ؟”
“……”
“هذهِ هي المُذنبةُ التي حاولتْ تسميمَ الآنسةِ ستيلا الشهيرةِ.”
نظرتْ اليَّ الخادمةُ بوجهٍ مُنتصرٍ.
كانتْ تعتقدُ انني سأُطردُ الآنَ.
كانَ اعتقاداً مُبرَّراً، لأنَّ هذا الكلامَ كانَ كافياً ليجعلَ أيَّ شخصٍ يطردُني من قبلُ.
أخفيتُ وجهي.
‘هل سيتمُ التخلّي عني أيضاً؟’
كنتُ قد أوضحتُ انني ابنةُ أندريس منذُ البدايةِ، لكنني كنتُ قلقةً.
لا بُدَّ انهم أدركوا انني لا أنفعُ لنقابة الأغتيال التي يجبُ ان تتحرّكَ سراً.
لكنْ في تلكَ اللحظةِ.
“أوه؟”
تمتمتِ الخادمةُ بصوتٍ مُرتبكٍ وهي تتحسَّسُ خدَّها.
ظهرتْ على وجهِها علامةُ سيفٍ غريبةٌ.
وتدفّقَ الدمُ منها……
بدأَ يسيلُ على وجهِها.
“آآآآآه!”
“……!”
“……!!”
لم يكُنْ الأمرُ مقتصراً على الخادمةِ.
ظهرتْ علاماتُ سيفٍ أيضاً على وجهيِ الخادمينِ اللذينِ ركلاني معها.
شكلٌ يشبهُ الصليبَ المعكوسَ.
هذا الشكلُ هو شعارٌ شهيرٌ لا يمكنُ ان يجهلَهُ أيُّ مواطنٍ إمبراطوريٍ.
“صـ، صليبٌ معكوسٌ!”
“انهُ شعارُ نقابة الأغتيال!”
صرخَ بعضُ المُتفرجينَ.
نعم، كانَ هذا هو الصليبُ المعكوسُ، شعارُ نقابة الأغتيال.
تقدّمَ القائد نحوي بخطواتٍ واسعةٍ.
“إذا أردتِ، سأُزهقُ روحَهُم.”
عندَ هذا القولِ، شحبَتْ وجوهُ حاشيةِ ستيلا الذينَ كانوا يصرخونَ بسببِ العلامةِ المحفورةِ.
حدّقتُ في القائد في ذهولٍ.
‘لماذا……؟’
لا، إذا فكّرتُ قليلاً، سأعرفُ السببَ.
السببُ الذي يجعلُه يفعلُ شيئاً كهذا من أجلي أنا.
إنهُ……
“القائد أيضاً كانَ يتطلعُ الى الضِّلوعِ المطهوّةِ……”
“ماذا؟”
“لا تقلقْ. لقد كُسرتْ بعضُ زجاجاتِ البهاراتِ، لكنَّ الباقي سليمٌ. يمكنني ان أُعدَّها لكَ هذهِ الليلةَ.”
“……”
لو لم يكُنْ الأمرُ بسببِ الضِّلوعِ المطهوّةِ، فلن يكونَ لديهِ سببٌ للتدخلِ من أجلِ شخصٍ مثلي.
‘لكنني شاكرةٌ حقاً.’
لقد مرّتْ ثلاثُ سنواتٍ على طردي من العائلةِ.
لم أتخيّلْ قطُّ ان هناكَ من سيحميني.
“سأعدُّ لكَ الضِّلوعَ المطهوّةَ اللذيذةَ.”
تنهدَ القائد وكأنَّهُ يشعرُ بالصداعِ.
“انْهَضي فحسبْ.”
مدَّ يدَهُ اليَّ.
كانَ القائد أَكُولاً طيبَ القلبِ.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة. شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات