━━━●┉◯⊰┉ الفصل 28 ┉⊱◯┉●━━━
نهضتْ جميعُ السيداتِ النبيلاتِ اللواتي لاحظنَ رينا من مقاعدِهنَّ وأدَّينَ التحيةَ بأدبٍ.
“نتشرفُ بلقاءِ نجمةِ الإمبراطوريةِ وحاميةِ الشمالِ.”
“سعيدةٌ بلقائكنَّ جميعًا.”
بينما كانت رينا تردُ على التحياتِ بمهارةٍ وتتجهُ إلى مقعدِها، توقَّفتْ تمامًا أمامَ السيدةِ ماري.
بالصدفةِ، كانت السيدةُ ماري غارقةً في أفكارِها ولم تلاحظْ قدومَها، فنهضتْ متأخِّرةً لتحيِّيها.
“أتشرفُ بلقاءِ نجمةِ الإمبراطوريةِ.”
عندَ تحيتِها، انتفضَ الحضورُ قليلًا.
لقد تجاهلتْ عمدًا لقبَ ‘حاميةِ الشمالِ’.
كانَ ذلكَ يعني عدمَ الاعترافِ برينا كمواطنةٍ شماليةٍ.
لكنَّ رينا لم تعترضْ على تحيتِها.
بل ألقتْ كلامًا غامضًا:
“يبدو أنَّ ساقيكِ متعبتانِ. أم أنَّ سمعَكِ قد ضعفَ؟”
“ماذا؟”
“أقولُ ذلكَ لأنَّ الجميعَ نهضَ للتحيةِ، وأنتِ تأخَّرتِ في النهوضِ.”
أمامَ هذا التوبيخِ المباشرِ، سعلَ الجميعُ بإحراجٍ.
في المجتمعِ النبيلِ، كانَ التعبيرُ غيرُ المباشرِ عن الآراءِ قاعدةً ضمنيةً.
لكنَّ رينا تجاهلتْ ذلكَ وأشارتْ إلى الخطأِ بصراحةٍ، مما أذهلَ الجميعَ.
ابتسمتْ السيدةُ ماري ابتسامةً محرجةً واعتذرتْ:
“أعتذرُ، سيدتي الدوقةُ. كنتُ منشغلةً بأمورٍ كثيرةٍ مؤخرًا، فتأخَّرتُ في التحيةِ. أرجو أن تتسامحي معي.”
“يبدو أن مهامُّكِ كانت ثقيلةً جدًا عليكِ.”
“كلُّ ذلكَ بسببِ تقصيري. لكنني ممتنةٌ لثقةِ عائلة الدوق كرينسيا بي.”
“كلا، أعني بعدَ التفكيرِ في الأمر، يبدو أنَّ الكثيرَ من المهامِّ كانَ متراكمًا عليكِ. ماذا لو خفَّفنا عنكِ بعضَها في هذهِ الفرصةِ؟”
“ماذا؟”
أظهرتْ السيدةُ ماري تعبيرًا حائرًا، ففتحتْ رينا فمَها:
“لا يمكنُ أن نُرهقَ سيدةً مسنَّةً باستمرارٍ، أليسَ كذلكَ؟”
“…”
كانتْ المهمةُ الرئيسيةُ للسيدةِ ماري رعايةَ داليا، الوريثةِ.
وهذا يعني أنَّها ستكونُ في مقدمةِ قيادةِ كرينسيا في المستقبلِ.
بعدَ أن انغمسَ إيدن في بحوثِهِ، أصبحتْ تتولَّى شؤونَ العائلةِ بأكملِها تقريبًا.
كانتْ الرسالةُ الموجَّهةُ إليها، كونها القوةَ الحقيقيةَ في عائلةِ الأمير إيدن، واضحةً.
تحذيرٌ من أنَّهُ يمكنُ استبدالُ منصبِها بشخصٍ آخرَ.
تغيَّرَ جوُّ السيداتِ النبيلاتِ اللواتي فهمنَ ذلكَ بشكلٍ غريبٍ.
لمعَتْ عيونُ بعضِهنَّ وهنَّ ينظرنَ إلى رينا، وبدا القلقُ على وجوهِ أخرياتٍ وهنَّ ينظرنَ إلى السيدةِ ماري.
صرت السيدةُ ماري على أسنانِها متأخِّرةً بعدَ فهمِها لكلامِ رينا.
‘تريدين أن تواجهيني الآنَ؟’
كانتْ الأميرةُ الشابةُ، التي لم تنضج بعد، تتحدَّى دونَ خوفٍ النمر.
قالتْ السيدةُ ماري بسخريةٍ:
“حسنًا، أودُّ ذلكَ أيضًا، لكن الآنسةَ داليا والأمير الصغيرَ إيدن يثقانِ بي كثيرًا.”
“حقًا؟”
ابتسمتْ رينا ابتسامةً متكاسلةً وكأن رأي ماري غيرُ مهمٍّ، ثم انتقلتْ إلى مقعدِها.
جلستْ السيدةُ ماري، محرجةً ووجهُها أحمرُ، في مكانِها.
حاولتْ التباهيَ، لكنّ أنتهى الأمرُ بتعرضها
للإحراجِ بدلًا من ذلكَ.
***
كانت رينا تتفحَّصُ اللواتي يتبادلنَ الحديثَ بحماسٍ سرًا.
في الواقعِ، لم تُقمْ هذا اللقاءَ الاجتماعيَّ فقطْ للتعرُّفِ على وجوهِ السيداتِ النبيلاتِ في الشمالِ وتبادلِ التحياتِ.
كانَ الهدفُ الحقيقيُّ هوَ فهمُ الجماعاتِ الداخليةِ بينَ نبلاءِ الشمالِ.
من طبعِ البشرِ أن يتجمَّعوا مع من يشاركونَهم الصداقةَ.
يُشكِّلونَ جماعةً داخليةً متماسكةً.
كما يتنافسونَ مع جماعاتٍ داخليةٍ أخرى ذاتِ حجمٍ مشابهٍ.
ركَّزتْ رينا على اللواتي تجمَّعنَ حولَ السيدةِ ماري.
في الوقتِ نفسِهِ، حدَّدتْ الجماعةَ الداخليةَ التي تنتمي إليها بارونةُ برينغتون.
كانت تعرفُ منذُ زمنٍ أنَّ علاقةَ عائلةِ برينغتون وعائلةِ ماري ليستْ جيدةً.
لذا، رتَّبتْ عمدًا مقعدَ بارونةَ برينغتون بجانبِ السيدةِ ماري لاستفزازِها.
كما توقَّعتْ رينا، لم تستطعْ السيدةُ ماري إخفاءَ عدمِ رضاها.
ومعَ ذلكَ، بقاؤُها في المكانِ بثباتٍ كانَ لإظهارِ قوتِها.
في تلكَ اللحظةِ، لاحظتْ رينا مجموعةً أخرى.
على عكسِ الجماعتينِ اللتينِ تنافسانِ بعضَهما، كنَّ يحدِّقنَ في رينا طوالَ الوقتِ.
كانتْ ماركيزةُ سينت الأكثرَ لفتًا للانتباهِ بينَهنَّ.
كانت عائلةُ ماركيزِ سينت، مثلَ كرينسيا، إحدى العائلاتِ الرئيسيةِ التي تحمي الشمالَ.
كانتْ أيضًا جزءًا من قواتِ الإصلاحِ التي بقيتْ مع كرينسيا حتى النهايةِ قبلَ العودةِ في الزمنِ.
فقدوا الكثيرَ من أفرادِ عائلاتِهم بسببِ الإمبراطورِ، فلم تشعرْ رينا بالراحةِ.
كانتْ نظرةُ ماركيزةِ سينت هادئةً.
لم تُظهرْ عداءً مثلَ السيدةِ ماري، ولا ابتسامةً مليئةً بالتملُّقِ مثلَ بارونة برينغتون.
عدمُ إظهارِ التعبيراتِ يعني الخبرةَ الكبيرةَ.
‘كيفَ يمكنني كسبَ ثقتِهنَّ؟’
من يساعدونَ كايدنَ سيكونونَ حلفاءَ لها أيضًا.
عزمتْ على جعلِهنَّ من أتباعِها بأيِّ وسيلةٍ، ولكن قاطعَ سلسلة أفكارها صوت إحداهنَّ وهي تقول بدهشةٍ:
“يا إلهي!”
معَ صيحةِ الدهشةِ، تفرَّقَ اللواتي كنَّ يتحدَّثنَ وانقسمْنَ يمينًا ويسارًا.
ومن بينَهنَّ، كانَ كايدنَ يسيرُ نحوَ رينا.
سادَ الصمتُ معَ ظهورِ الدوقِ المفاجئِ.
نظرتْ رينا بذهولٍ إلى كايدنَ الذي اقتربَ منها.
“كايدن، ما الذي أتى بكَ إلى هنا؟”
“سمعتُ أنكِ تقيمينَ لقاءً، فجئتُ بدافع الفضول.”
قبلَ كايدنَ يدَها بلطفٍ وقالَ بحنانٍ:
“ظننتُ أنَّ أولَ لقاءٍ اجتماعيٍّ سيُتوتركِ، لكن يبدو أنَّهُ يناسبُكِ.”
“كلا، أنا متوترةٌ جدًا لدرجةِ أنني لا أستطيعُ شربَ الماءِ.”
“هاها!”
ضحكَ كايدنَ بصوتٍ عالٍ عندما هزَّتْ رينا كتفيها.
تبادلتْ نظراتُ السيداتِ النبيلاتِ بسرعةٍ أمامَ الجوِّ الحميمِ الواضحِ بينَ الاثنينِ.
في الواقعِ، كانَ معظمُ نبلاءِ الشمالِ يشكُّونَ في زواجِهما.
على عكسِ عصرِ التأسيسِ، كانت العائلةُ الإمبراطوريةُ ميرنييه الحاليةِ تُفرطُ في كبحِ دوقية كرينسيا.
خاصةً قبلَ ثلاثِ سنواتٍ، عندما حلَّت مجاعةٌ كبيرةٌ في الإمبراطوريةِ، أرسلتْ العائلةُ الإمبراطوريةُ دعمًا ضعيفًا جدًا للشمالِ مقارنةً بالمناطقِ الأخرى.
قالتْ إنَّها آسفةٌ لعدمِ قدرتِها على مساعدةٍ أكثرَ، لكنَّ السببَ الحقيقيَّ كانَ سياسيًا وهو لإضعافِ القوةِ العسكريةِ في الشمالِ.
في النهايةِ، فتحَ دوق كرينسيا خزائنَ العائلةِ بنفسِهِ للإغاثةِ.
لذا، كانَ من الصعبِ تصديقُ أنَّ دوق كرينسيا قبلَ بأميرةٍ كدوقةٍ بأمرِ الإمبراطورِ فقطْ.
نظرتْ ماركيزةُ سينت إليهما بنظرةٍ غريبةٍ.
تباهى الإمبراطورُ بأنَّهُ هوَ من رتَّبَ هذا الزواجَ.
كانَ الجميعُ يعرفونَ أنَّ الحفلَ الكبيرَ في العاصمةِ كانَ لإظهارِ نفوذِهِ.
لكنَّ مشاهدتَهما بعينيها جعلَها تشعرُ أنَّ الأمرَ ليسَ مجرَّدَ أمرٍ إمبراطوريٍّ.
اقتربتْ ماركيزةُ سينت خطوةً بعدَ أن خلصتْ إلى وجودِ شيءٍ آخرَ بينَهما.
“أتشرفُ بلقاءِ حاميةِ الشمالِ.”
“إنها ماركيزة سينت.”
“رغمَ التأخيرِ، أهنئُكما على الزواجِ. أتمنَّى أن يجتمعَ كرينسيا وميرنييه معًا.”
أومضتْ رينا بعينيها عندَ التحيةِ التي تذكِّرُ بالعهدِ الأولِ.
ذكرُ نبيلةٍ شماليةٍ تكرهُ العائلةَ الإمبراطوريةَ لميرنييه مباشرةً كانَ لهُ معنى خاصٌّ.
كانَ تعبيرًا ضمنيًا عن قبولِ رينا كمواطنةٍ شماليةٍ.
نظرَ كايدنَ إلى ماركيزةِ سينت برضا، إذ يعرفُ ذلكَ جيدًا.
“شكرًا. أتمنَّى أن تكون عائلةُ سينت معنا آنذاك.”
“بالطبع، سيدي الدوقُ.”
ابتسمتْ ماركيزةُ سينت ابتسامةً خفيفةً وودَّعتْ رينا بأسفٍ:
“لديَّ أمرٌ، فسأنصرفُ الآنَ. أودُّ أن نكملَ حديثَنا في قلعةِ سينت لاحقًا.”
كانَ ذلكَ يعني أنَّها انتهتْ من الاستطلاعِ وستنصرفُ.
ابتسمتْ رينا ابتسامةً خفيفةً أيضًا وأبدتْ موافقتَها.
“سألبِّي الدعوةَ في أيِّ وقتٍ.”
“سأتواصلُ معكِ قريبًا.”
وبعد ذلك اختفتْ ماركيزةُ سينت بابتسامةٍ أنيقةٍ معَ مجموعتِها…
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي
التعليقات لهذا الفصل " 28"