━━━●┉◯⊰┉ الفصل 1 ┉⊱◯┉●━━━
في قبوٍّ سفليٍّ لا يضيئُه إلّا بصيصُ ضوءٍ
من شمعةٍ ذابلةٍ وحيدة…
أفاقَت رَيْنا من غفوتها الّتي أشبهَتِ الموتَ، على وَقْعِ خُطى غريبةٍ لم تألَفْها أُذُناها.
‘مَن هناك؟’
منذُ أن سُلب منها بصرُها، ازدادت حواسُّها حدّةً حدَّ الألم، وبسببها أدركت فورًا…
أنّ القادمَ ليس الإمبراطور.
هذا المكان لم يكن يُسمَحُ لأحدٍ بولوجه سوى الإمبراطور نفسِه.
ومع ذلك، ها هو ذا دخيلٌ غيره يسيرُ هنا.
نهضت رَيْنا بهدوءٍ مِن موضعها، وقد أيقنت أن النبوءَةَ الأخيرةَ التي نطقت بها قد تحقَّقت،
وأنّ الثورةَ الّتي تعثّرَت طويلًا…قد نجحَت.
‘مضى على ذلك عَقدٌ من الزمن…ربّما.’
في ما مضى، كانت تُنادَى بـ’الأميرة’ أمّا الآن…
فلا أحد يذكُرُ مَن هي، ولا اسمَها، فمنذ أن انكشفت قدرتُها على التنبّؤ، وسُلِب منها بصرُها، قد احتُجِزت في ظُلمةٍ لا يبلُغُها ضوء.
النبوءة كانت تأخذُ من عمرها، والإمبراطور…لم يكن ليعبَأ بحياةِ ابنتِه أصلًا.
لقد جعل من قُوَّتِها سلاحًا لحربه
التوسُّعيّة الّتي طالما حلمَ بها.
‘حَتّى لو فقدتِ حياتَكِ، فأَثبتي أنكِ نافعة…فالأميرةُ العاجزةُ عن النفع، لا تستحقّ الحياة.’
وإن صمتَت…أجبَرَها على الكلام بتعذيبٍ لا يُحتمل.
لم يُبالِ بجسدها الذابل الّذي أخذَ يَنحلُّ
كلّما استُنزِفت قواها بعد كُلِّ نبوءةٍ.
وربّما لهذا السبب… كذبت رَيْنا عليه في غفلةٍ منه.
‘دوقُ كرينسيا…ستكونُ هذه حربَه الأخيرة.’
حين نطقت بنبوءةِ موتِ خصمه اللدود، ارتسمت على وجه الإمبراطور ابتسامةٌ مشبَعةٌ بالرضا.
ولم يُدرِك المعنى الحقيقيّ لـ ‘حربَهِ الأخيرة’…
ومنذ ذلك الحين، لم يعُد يَطلُّ عليها.
فقد ظنّ أنّها باتت عاجزة، وأن لا شيء يُرتجى منها.
وهكذا…دنت ساعةُ رحيلِها، بعدَ راحةٍ عابرةٍ من عذابِ الأمبراطور لم تَكُنْ سوى سرابٍ بالنسبةِ لها.
‘أخيرًا…سأرتاح…’
جلست جلوسَ من يَنتظرُ موتَهُ في سكون،
تُحدِّقُ بعينَيها العمياءَين في فراغٍ لا تُبصرُه.
ثم…توقّفت الخُطى أمامها.
لكنّ القادمَ لم ينطقْ، بل خُيِّل إليها أنّه يتأمّل حالَها.
وفي صمتٍ يخنقُ الأنفاس، قال صاحبُ الصوتِ أخيرًا:
“الأميرة رَيْنا… هل تستطيعين الوقوفَ وحدكِ؟”
‘…!’
ارتفعَ رأسُها من فوره حين سمعت هذا اللقب، ولم يكن الدافعُ مجرّدَ اندهاشٍ فقط…
بل إنّ القادمَ كان نقيضًا لما توقّعت.
مَن كان يظنّ أن الأميرةَ التي قيل إنّها ماتت مريضة،
ما زالت حَيّةً، مُحتجَزةً في ظُلمةِ القصر؟!
أدركَت رَيْنا هُويّتَه، فابتسمت ابتسامةً باهِتة:
“لا تُخبرني…بأنّك جئتَ لتُنقِذَني؟”
“وإن كُنتُ كذلك؟”
“لا يَنبغي لك هذا. أنت قائدُ المُتمرّدين…وأنا ابنةُ الإمبراطور. يجب أن تحافظ على الشّرعيّة. وها أنت تعلمُ أنّني كنت أُعينُ الإمبراطورَ في حربه التوسّعية.”
“لستُ ممّن يهتمُ بمثل هذهِ التُّرَّهات. فهذه ليست طريقتي.”
“أنا…لم يَعُدْ لي حياةٌ لأعودَ إليها–”
قاطعَها كايْدِن فجأةً وهو يَرفعها بين ذِراعَيه بخفّة.
وزنُها الخفيفُ جعله يَعبِسُ بضيق.
“هل كنتِ تأكلين أصلًا؟ جسدُكِ كأنّه خِيارَةٌ ذابلة.”
“عدمُ الأكل…يُسهِّلُ عليّ استخدامَ قوّة التنبؤ.”
“تبًا لذلك الأمبراطور الوغد…!”
لكنّهُ لم يستمر في شتمِ الأمبراطور وكَتمَ
غضبهُ مُتجاهلًا هذا.
“سأُطعمُكِ أوّلًا…وبعدها سنتحدّث.”
ثم أسرعَ خارجًا مِن القبو المُظلم.
***
نَجحت الثورة.
طُهّر القصرُ من سُلالة الطغيان، وتربّع دوق كرينسيا، حامي الشّمال، على العرش.
لكنّه نصرٌ مبتور.
فـ كايْدِن كرينسيا، الأمبراطور الجديد، فقدَ أعزَّ رجاله،
كأنّ يدَيه قد بُترتا…فما عاد قادرًا على الإمساك بشيء.
ومن كان السّبب في ذلك…لم تكن سوى رَيْنا.
لولا نبوءاتها، ما كُشِفَت خُططُهم، وما سقط أحبّاؤهُ واحدًا تلو الآخر.
ظنّت رَيْنا أنّه يُبغضُها، بل أنّه يتمنّى تمزيقَها إربًا.
لكنّه، عوضًا عن قتلها، عيّن لها طبيبًا
وخادمةً خاصّة لرعايتها.
“أنتِ بحاجةٍ إلى الطعام أوّلًا…ثم العلاج.”
لم تستوعب رَيْنا ما يفعله.
‘كيف لكَ أن تُعاملَني بكلّ هذا اللُّطف؟’
كلّما أحسنَ إليها، ازدادَت ألَمًا.
وحين قالت إنّها لا تستحقّ الحياة…تجاهلها.
وحين امتنعت عن الطعام مرارًا، أتاها بنفسه.
“هل تحاولين استفزازي؟ إن كان هذا هدفكِ، فقد نجحتِ…أيتها الأميرة.”
“لن يُجدي هذا نفعًا. أنا أعلمُ بأمر جسدي…ولم يتبقَّ لي وقت. لذلك اقتلني وخُذ بثأركَ فقط.”
لكنّهُ صرخَ بغضبٍ ردًا على كلماتِ رينا
التي أستمرت في تِكرارها مِرارًا:
“كفاكِ قولًا لهذا الهراء!”
ثم وضع وعاءَ الحساء في حِجرها قائلًا:
“كُلي. وإن رغبتُ بالانتقام، فلن يكون مِن الممتع الأنتقامُ من شخصٍ يحتضرُ بالفعل.”
“…”
“ثمّ إنّني أعلمُ أنّكِ لم تفعلي ما فعلتِهِ بإرادتكِ.”
رمقها بنظرةٍ لم تَحمِل كراهيةً، بل شيئًا آخر…
‘كيفَ يُمكن ذلك…؟’
لقد كرهَت رَيْنا الإمبراطور الّذي سَجنها، وكَرِهتْ أهل والدتها الذين هَجروها، وكرهت أخاها الذي اختفى دونَ وداعٍ.
كرهت الجميع…لتبقى على قيد الحياة فقط.
حينها أمسكت بذراعه، وقالت بيأسٍ:
“بسببي…ماتَت عائلتكَ، وأصدقاؤكَ، وحتى ورجالكَ. فكيفَ تستطيعُ أنّ تتركني حيّةً؟”
نظر إلى يدها المرتجفة، ثم قال بهدوء:
“لماذا تسألين سؤالًا سخيفًا كهذا؟ ولمَ تظنّين أن كلَّ هذا ذنبُك؟”
“لأنّني أردتُ أن أعيش…كنتُ خائفةً…كنتُ أشتاقُ إلى عائلتي. نبوءاتي لم تكُن سوى وسيلةٍ للنجاة… لكنّها جرّتَك أنتَ إلى عذابٍ طويل.”
عرفت هذا لأنها سمعت همساتِ الخادمات كُلَّ ليلة…
‘يُقال إنّه لا ينام…حتى بعدَ شربهِ للنبيذ مرارًا
وتكرارًا كلّ ليلة.’
‘لم يتبقَّ لهُ شيءٌ يُقاتلُ مِن أجلهِ…الشّمال أضحى أرضًا ميتة.’
أغمضت رَيْنا عينيها، والدموعُ تنهمر في صمتٍ كسيرٍ على وجنتيها، كطفلةٍ تائهةٍ.
“أنا…لا أستحقّ الحياة.”
“ذاك هو الغرور، يا أيتها أميرة. الحياةُ ليست شيئًا نمنحه أو نمنعه. الإنسان، ما دام حيًّا…فواجبُه أن يُكملَ الحياة.”
“…”
“وإن رغبتِ بالموت، فجرّبي الحياة أوّلًا.
فلعلّني أشتهي قتلكِ لاحقًا…مَن يدري؟”
قالها كايْدِن بلا مبالاةٍ ونهضَ من مقعدهِ ببطءٍ.
في تلك اللحظة…تمنّت رَيْنا لو أنّ بصرَها يعود.
كانت ترغبُ في أن ترى تعابير وجهه…لا مجرّد ظلالِ مشاعره.
‘ألهذا السبب…كان الإمبراطور يَخافه؟’
فرغم صلابته…كان قلبُه دافئًا.
قلبٌ قويّ، يحمل المسؤوليّة دون أن يتخلّى عن الرّحمة.
رفعت وعاءَ الحساء، وبدأت تأكل بصمتٍ عميق.
خشيت أن تنهمر دموعُها، فخفضت رأسها أكثر.
وحين انتهت، أخذَ كايْدِن الذي كانَ يُراقِبُها،
الوعاء منها وقال:
“أحسنتِ. في المرّة القادمة…سأراقبكِ أيضًا. فلا تتجاهلي الطعامَ مُجددًا أيتها الأميرة.”
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 1"