“جيسيكا! هل حقًا كنتِ تضربين الآنسة سوفيلا بالسوط حين كنتِ تعملين كمعلمة خصوصية في منزل الكونت ستانلي؟ لا بد أن هذا كذب، أليس كذلك؟“
اندفع زوجي إلى غرفتي فور عودته إلى المنزل،
يلهث من شدة توتره.
لكنني لم أستطع أن أجيبه قائلة. “ذلك كذب“.
لكن… ألم يكن ذلك الأمر من المفترض ألّا يُكشف خارج جدران منزل الكونت ستانلي؟
“جيسيكا! لماذا لا تجيبين؟ لا أصدق أن إنسانة لطيفة مثلك قد تقوم بأمر كهذا…”
“…من أخبرك بذلك؟“
أجابني زوجي على سؤالي الذي فاض عن شفتي دون وعي.
“يبدو أن الانسة سوفيلا، التي أصبحت الآن دوقة، قالت ذلك خلال إحدى حفلات الشاي. وقد أخبرني أحد أصدقائي أن الشائعة انتشرت كالنار في الهشيم.”
سوفيلا؟ هذا مستحيل. لا، بل كذب!
فسوفيلا لم تكن من ذلك النوع، لم تكن تملك مشاعر،
لم تكن تعترض، وكانت كيانًا لا يهم إن أُذِي.
أليس هذا ما كنا جميعًا نراه؟
الجميع في منزل الكونت كانوا يعاملونها هكذا.
ولهذا… لهذا أنا أيضًا…
نعم، كنت أشعر بالطمأنينة لأن من كنت أضربها هي سوفيلا.
“جيسيكا! هل ضربتِ الآنسة سوفيلا حقًا؟“
“…لم يكن بوسعي الرفض! لقد أمرتني كونتيسة ستانلي بذلك،
ولم يكن بوسعي، كزوجة لفيكونت، أن أعارضها!”
صدقني زوجي حين توسلت إليه بكل قوتي.
“ولكن، ما فعلتِه لا يُغتفر.”
“أنا آسفة… آسفة، يا عزيزي. لقد جلبت العار على اسم عائلتنا.”
“كلا! لا يهمني ما جلبته من عار! ليس هذا ما يهم! بل إن إيذاء إنسانٍ أعزل، مهما كانت الأوامر، أمر لا يُسمح به أبدًا!”
كان زوجي، الذي لطالما كان هادئًا،
يصرخ الآن وهو يوبخني، رغم أنه صدّق أنني كنت مجبرة.
لم يسبق له أن وبخني قط.
لكن… لكن سوفيلا لم تكن سوى تلك الفتاة التي كان الجميع يحتقرها في منزل الكونت.
ولهذا، ظننت أن ما فعلته لم يكن خطأ…
“علينا أن نعتذر للآنسة سوفيلا. قد لا يكون ما فعلناه قابلًا للغفران، لكن يجب أن نبذل كل جهدنا لتخفيف وطأة الألم في قلبها. سأتواصل مع دوق براون لأطلب لقاءً معها.”
كان زوجي، الذي أحببته وأحبني، رجلًا مخلصًا بحق.
زوج مخلص، وعمل نبيل، كنت أظن أن حياتي مثالية.
ولهذا، لا… لا يمكن أن تنهار هذه السعادة بسبب أمر تافه كهذا.
فهي في نهاية المطاف سوفيلا، لا أكثر.
ألم أحصل على مكافآت خاصة من الكونتيسة مقابل ضربها؟
لقد كنت مجبرة.
وهي… سوفيلا، حتمًا ستسامحني إن اعتذرت.
✦✦✦
“الآنسة سوفيلا، أعتذر بشدة نيابة عن زوجتي.”
تواصل زوجي سريعًا مع دوق براون، وبعد أسبوعين، زرنا قصره.
وحين انتهت التحيات الرسمية،
بادر زوجي بالاعتذار لسوفيلا قبلي.
رغم أنها أصبحت دوقة، لم يتغير شيء في مظهرها.
وهذا طمأنني… فخشيت أن تظهر غاضبة،
لكنها لم تفعل، لذا انحنيت بدوري وقدّمت اعتذاري.
“أعلم أنني كنت عاجزة عن رفض أوامر كونتيسة ستانلي،
لكن أرجو أن تقبلي اعتذاري.”
لكن، وبملامح جامدة، سألتني سوفيلا.
“وعن ماذا تعتذرين؟“
صُدمت.
كنت أظنها ستسامحني ببساطة.
ابتلعت قلقي ومشاعري، ورددت بأشد ما استطعت من حزن.
“بالطبع، أعتذر عن ضربي لكِ بالسوط.”
“آنسة سوفيلا، زوجتي، رغم عملها كمعلمة، امرأة ضعيفة القلب!
لم تستطع مقاومة أوامر كونتيسة ستانلي!”
دافع عني زوجي، لكن الرد لم يأتِ من سوفيلا، بل من دوق براون، بوجهه البارد.
“عشرون ألف مرة.”
“ماذا؟“
“ذلك هو عدد المرات التي تلقت فيها سوفيلا ضرباتٍ بالسوط من زوجتك.”
“ماذا قلت!؟“
“زوجتك، خلال السنوات الخمس التي عملت فيها كمعلمة، كانت تضرب سوفيلا عشرين جلدة على الأقل في كل حصة من الحصص الأربع الأسبوعية.”
“…عشرون ألف…؟“
ذهل زوجي، وحدّق بي بصدمة.
لكن… لم يكن بوسعي رفض الأوامر!
“كنتُ مجبرة! لا يمكنني مخالفة أوامر الكونتيسة! أرجوكم، سامحوني!”
رجوتهم بشدة. لكن نظرة دوق براون لم تلِن، وبقيت باردة كالجليد.
لماذا؟ كيف؟ أنا لم أكن مخطئة…
“كمنزل دوقي، لا يمكننا التغاضي عن ما تعرضت له زوجتي.
لكن، سنعتبر الأمر منتهيًا إن جُلدتِ عشرين ألف جلدة.”
“ماذا؟ ما الذي تقوله؟ إن تلقيت هذا القدر من الجلد سأموت!”
صرخت غير مصدقة.
“ألم تقولي إنك كنتِ مجبرة؟ إذن، من المنطقي أن يكون جلدكِ الآن مبررًا، حفاظًا على شرف دوقية براون.”
قالها الدوق بصوتٍ متجمد.
ثم دوّى صوت زوجي العميق في أذني، بنبرة حزينة.
“دوق براون، انسة سوفيلا، أعتذر بشدة. ما فعلته زوجتي لا يُغتفر. لكنها وحدها لا تتحمل المسؤولية، بل منزل الفيكونت بأكمله.
حتى وإن تم حلّ منزلنا، نقبل ذلك. أرجو فقط أن تُعفوا عن زوجتي.”
ذلك هو زوجي، الذي وقف بجانبي دومًا.
لقد قال إنه مستعد لخسارة لقبه من أجلي…
شعرت بامتنانٍ لا يوصف تجاهه. وأدركت كم هو ثمين في حياتي.
لكن، قطعت سوفيلا مشاعري الجياشة بصوتها الخافت.
“جيسيكا، رغم أنكِ كنتِ معلمة، إلا أنك لم تُعلميني شيئًا.”
“لم تعلميها شيئًا؟ جيسيكا… ألم تقومي بجلدها لأنها أخفقت في التعلم؟! إن لم يكن لذلك، فإنكِ لم تعلمينها، بل أسأتِ معاملتها فقط!”
نظر إليّ زوجي بنظرةٍ لا تصدق.
فحولت بصري عنه، حينها سمعت صوت سوفيلا مجددًا.
“في حفل الشاي الأخير، أثنى الجميع على تصرفاتي.
وحين سألوني عن معلمتي، أوضحت أنني تعلمت كل شيء في دوقية براون. وقلت الحقيقة. ‘أن جيسيكا لم تُعلمني شيئًا، بل كانت تضربني بالسوط فقط‘ .”
“ماذا؟ قولكِ هذا سيفسد حياتي! كيف تجرأتِ على فعل شيء كهذا؟ لهذا السبب لن تنجحي أبدًا!”
وبلا وعي، انفجرت في وجهها،
تمامًا كما كنت أفعل حين كنت معلمتها.
ساد الصمت المكان.
لكن، لكنني كنتُ مجبرة!
“معلمة جيسيكا، أنتِ تعلمين أن قدرتي هي ‘المرآة‘، أليس كذلك؟“
بالطبع أعلم.
كانت الكونتيسة تسخر منها دومًا وتقول إنها قدرة عديمة النفع.
قبل أن أجيب، واصلت سوفيلا كلامها.
“قدرتي تمكنني من عرض ما رأيته في الماضي على المرآة.”
ما الذي تقوله؟
قبل أن أتمكن من الفهم، بدأ أحد المرايا الكبيرة في الغرفة يتوهج.
“معلمة جيسيكا، لماذا لا تُعلّميني شيئًا؟“
كان ذلك صوت سوفيلا عندما كنت معلمتها.
ثم ظهرت صورتي في المرآة، وأنا أرفع السوط بمهارة.
سمعنا شهقات سوفيلا، وأصوات الجلد…
كانت سوفيلا تنظر إلى الأرض،
لذا أظهرت المرآة أرضية الغرفة طوال الوقت.
ثم رفعت وجهها، ونظرت إلى المرآة.
وفيها ظهرت فتاة نحيلة، تتلقى الجلد من امرأة.
كانت سوفيلا، تنظر إلى نفسها وهي تُضرب،
وتراني وأنا أضربها بلا تردد.
“…جيسيكا… أنتِ…”
همس زوجي مذهولًا، ثم تجمّد حين شاهد ما ظهر بعد ذلك.
نقلت سوفيلا نظرها من المرآة إليّ.
وما رأته في عينيها يومها…
— كان وجه امرأة قبيحة تضحك وهي ترفع السوط لتجلدها —
مستحيل… هل كنت أبدو هكذا؟ هل كنت أضحك؟
لكن، لا… لقد كنتُ فقط أنفّذ الأوامر… لم أكن أعلم أنني كنت أبتسم…
لكن، حتى لو كنت أضحك،
لم يكن من المفترض لأحد خارج منزل الكونت أن يرى ذلك.
“لكن، نعم، الكونتيسة قالت إن سوفيلا ستتزوج من منزل فيكونت أدنى شأنًا. لذا لن تتمكن أبدًا من معارضتي. ولهذا، أنا…”
لهذا السبب، كنت أضربها بطمأنينة.
“جيسيكا! …أنتِ…”
نظر إليّ زوجي، الذي كان يدافع عني قبل لحظات،
بعينين مليئتين بالاحتقار.
“أرجوك… لا، لم أكن أملك خيارًا… كنتُ مجبرة…”
“يبدو أنكِ لم تفهمي شيئًا من كلام دوق براون.”
“ماذا؟“
“جيسيكا قامت بجلد الانسة سوفيلا بالسوط، مبررة فعلتها بأنها ‘لم تكن تملك خيارًا‘. وهذا يعني، باختصار، أنها إن تعرّضت هي للأمر ذاته، فلا بد أن تقبليه باعتباره أمرًا لا مفر منه، أليس كذلك؟“
“ماذا؟ لا… ولكن، أعني… لقد فعلتُ ذلك مجبرة، بأمر من الكونتيسة…”
“إن كنتِ قد جلدتِ أحدهم بالسوط عشرين ألف مرة،
فعليكِ أن تكوني مستعدة لتلقي العدد ذاته من الجلد، بالسوط.”
عشرون ألف جلدة؟ بالسوط؟ مستحيل! لا… لا يمكنني تحمل ذلك… هذا يفوق طاقتي…
“رجاءً… صدقني، يا عزيزي، لقد كنتُ حقًا مجبرة… لم يكن بوسعي الرفض…”
“كفى! الأمر ليس كما تظنين! لا شيء يُدعى ‘لم يكن بوسعي‘! لا يوجد مبرر في هذا العالم يبيح لكِ أن تجلدي إنسانًا أعزل لا يملك حولًا ولا قوة! لا يمكن تبرير ذلك أبدًا، تحت أي ذريعة كانت!”
“ولكن، ولكن… الكونتيسة… لقد كانت…”
“دوق براون، أرجو أن تسمح لي بتعديل ما قلته قبل قليل.”
حين رأيت ملامح زوجي الجادة والصلبة،
تسلل إلى قلبي شعور مظلم، نذير شؤم ثقيل…
“عزيزي؟ ماذا تقصد بتعديل ما قلته؟“
“ما زلت عند قولي: نحن، كعائلة فيكونت، نقبل بأي عقوبة تُفرض علينا. أما بالنسبة للعقوبة الموجهة إلى جيسيكا كشخص،
فإننا نترك أمرها لحكم دوق براون وتقديره.”
ذلك الصوت، البارد كجليد الشتاء،
لم أصدق أنه خرج من فم الرجل الذي لطالما غمرني بحنانه ودفئه.
“لماذا؟ لماذا؟ ألم تكن تحبني؟“
همستُ بتوسلٍ، متشبثة بأمل واهٍ… لكن زوجي أجابني، بصرامة مريرة.
“كنتُ أحبكِ، نعم… حتى رأيتكِ تضحكين وأنتِ تجلدين فتاة بريئة لا تقوى على المقاومة. كنتُ أظنكِ إنسانة نزيهة، ساذجة قليلًا ربما، لكن صادقة ومجتهدة في كل ما تفعلينه. كنتُ أراكِ رمزًا للإخلاص… لكنني كنتُ مخطئًا. المرأة التي أحببتها لم تكن إلا وهمًا.”
كان ينظر إليّ مباشرة، دون أن يشيح ببصره، لكن نظراته تلك، التي طالما كانت تغمرني بالدفء، لم تعد تحمل شيئًا من الحنان، لا ذرة واحدة.
“لا يمكنني أن أحب إنسانة تضحك وهي تجلد طفلة لا حول لها ولا قوة، بلا أي ذنب اقترفته.”
لماذا؟ لماذا؟ أنا… أنا فقط كنت أنفذ أوامر الكونتيسة! لم أكن أملك خيارًا…!
قالت لي الكونتيسة إن ما يحدث لن يعلم به أحد… ولهذا… لهذا فقط، فعلت ما فعلت دون خوف…
لو كنت أعلم أنني سأفقدك، ما كنت لأفعل ذلك أبدًا…
لكن، ورغم الندم الذي ملأ قلبي كالسيل،
لم يكن لزوجي أن يحبني مجددًا… أبدًا.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 5"