استمتعوا
لو سألني أحدٌ يومًا.
“ما رأيك في أختك التوأم، سوفيلا؟“
لأجبتُ مبتسمًا.
“إنها كيان ثمين لا يُقدَّر بثمن.”
لكن تلك كانت مجرّد كلمات ظاهرية،
مبررًا اجتماعيًا ملفوفًا بالزيف.
أما في أعماقي، فكانت مشاعر الغيرة، والتفوق، والكراهية تتخبط كدوامة مظلمة لا تهدأ.
لقد نشأتُ محاطًا بحبٍّ لا محدود من والدتي.
“جاريت… ملاكي. أنا أحبك وحدك، أنت فقط، وريث عائلة ستانلي.”
كنتُ مدلّلها المُفضل.
أكثر من روز أختي الكبرى،
وبالطبع أكثر بكثير من تلك التوأم التافهة.
لماذا كانت أمي، رغم أننا توأمان، تحبني أنا وتكرهها هي؟
السبب؟ لم أهتم قط.
لأنني أنا من كان محبوبًا.
طالما كانت محبّة أمي ملكي،
فلم أبالِ قط بما كانت تتعرض له أختي من معاملة.
لم أرغب يومًا في لقائها،
ولا اهتممت بعالمها البائس المختلف عن عالمي.
بالنسبة لي، لم تكن تعني شيئًا.
“مجرد واجب… سنجعلها تخضع لاختبار المهارة، لكن لا داعي لأن تقلق بشأنها، جاريت. دعواتي فقط أن تُمنح مهارة رائعة.”
في اليوم الذي بلغتُ فيه العاشرة وخضعت لاختبار المهارة، تحدثت أمي بصوت رقيق كوجه العذراء، وأمرتني بأن لا أعير سوفيلا أي اهتمام، وقد فعلتُ.
في الواقع، لم أكن حتى أعرف شكل وجهها.
حتى عربة النقل كانت مختلفة.
أنا ركبت عربة النبلاء المزينة بشعار عائلتنا،
بينما أُرسلت هي مسبقًا في عربة عامة مع الخدم.
“مهارة الابن النبيل، جاريت ستانلي، هي ‘الإدارة‘.”
أُعلنت نتيجة الاختبار علنًا.
“تشيه…”، تنفستُ بامتعاض.
مهارة ‘الإدارة‘ مفيدة للحاكم، لكنها شائعة ومتواضعة.
شعرت بخيبة أمل لأنها لا تليق بشخص محبوب مثلي،
كنت أتوق إلى شيء نادر.
وبينما كنت على وشك أن أفرغ غضبي على أحد الخدم،
علت الهمسات من حولي فجأة.
“الآنسة راين، شقيقة دوق براون، مُنحت مهارة ‘الحُلم‘.”
ما هذا؟ لم أسمع يومًا بمهارة كهذه.
لماذا تُمنح تلك المرأة المعطوبة مهارة نادرة بينما أنا…؟
وبينما أنا مشتعِل غيظًا،
دوّى إعلانٌ آخر جعل الدم يتجمد في عروقي.
“الآنسة سوفيلا ستانلي، مُنحت مهارة ‘المرآة‘.”
ماذا؟! لم أسمع بهذه المهارة من قبل.
أن يظهر نوعان من المهارات النادرة في عام واحد أمر غير مسبوق.
وأن تكون واحدة منهما لأختي التوأم؟ كان ذلك ضربًا من الجنون.
في تلك اللحظة، رأيت سوفيلا للمرة الأولى.
ربما كان وجهها يشبه وجهي،
لكن عينيها الحمراوين جعلتا منها مخلوقًا مختلفًا تمامًا عني.
كانت ثيابها رثة كأنها من بقايا الخدم.
ومع ذلك، حين رأيتها بهذه الحالة البائسة،
شعرتُ بشيء من الرضا.
مهما كانت مهارتها نادرة،
أنا من تحبه أمي، وهذا يجعلني أكثر قيمة منها.
لكن… كلمات الحاضرين بدأت تُربكني.
“من هذه؟ لم نسمع قط عن ابنة ثانية لعائلة ستانلي.”
“نعم، الوحيد الذي خرج من عربة العائلة كان السيد جاريت.”
“انظر إلى ملابسها… لا يمكن أن تكون من فتيات الطبقة النبيلة.”
بسبب مهارتها النادرة، أصبحت محل أنظار الجميع.
لم تتوقع أمي أبدًا أن تجذب سوفيلا الأنظار،
ولذلك لم تحاول تزييف مظهرها أو مكانتها.
وبسبب هذا الإهمال، بدأتُ أنا نفسي أتعرض لنظرات الفضول.
نحن من نفس العائلة، ومع ذلك كانت الفجوة بيني وبينها فادحة.
ومع أنني أملك مهارة عادية، فإنها تملك واحدة لم تُسمع من قبل.
ما من شيء أذلّ من هذا.
غادرتُ القاعة خلسة، كأنني أهرب.
ومنذ ذلك الحين، ترسّخت في داخلي مشاعر كراهية خافتة نحوها.
بناءً على أمر من أمي بعد إعلان النتائج،
أصبحت سوفيلا فجأة جزءًا من ‘عائلتنا‘.
لكن هذا لم يكن أكثر من السماح لها بتناول الطعام معنا وتعلّم قواعد السلوك.
بل على العكس، أصبحت أمي تزداد قسوة تجاهها.
“سأطرد ماري وتوم وجون.
كل خادم يقترب من سوفيلا سيلقى المصير نفسه.”
كانت أمي تعلم أن ماري ورفاقها يعاملون سوفيلا بلطف،
فأرادت أن تجعل منهم عبرة.
“أرجوكِ… لا تطرديهم.
افعلي بي ما شئتِ، لكن لا تؤذيهم، أرجوكِ…”
ويا للصدمة،
توسلت سوفيلا إليها بعبارات واهنة تفتقر لأبسط مظاهر التهذيب.
وحتى أنها انحنت على الأرض أمام الجميع.
أمي… أمي نظرت إليها حينها بابتسامة متوحشة مفرطة في السعادة، لا يمكن تبريرها حتى بحبي الكبير لها.
“أوه، هل تظنين أن الركوع سيمنحك شيئًا؟ يا لسخافة.”
توسلاتها لم تجدِ نفعًا.
ثم… تقدّمت سوفيلا نحوي، وعينها متورمة، وهمست.
“ارجوك اطلب منها إلا تطردهم، يا أخي.”
كانت هذه أول وآخر مرة تناديني فيها ‘أخي‘.
لكنني، حينها، لم أفكر سوى في شيء واحد.
‘يا لها من إزعاج.’
فتظاهرتُ بالحزن وقلت.
“أنا آسف… لا أملك القوة الكافية لمساعدتك، سوفيلا.”
رفعت نظرها إليّ بعينيها الحمراوين،
ثم أشاحت بهما بحزن، وكأنها فقدت كل أمل.
رحلت بصمت، وأنا لم أشعر بشيء.
وطبعًا، لم تغير أمي موقفها.
وغادرت ماري والآخرون المنزل مطرودين.
وفي ذلك اليوم، يوم فقدت سوفيلا آخر من بقي لها،
اقتربتُ منها وهمستُ بلطف.
“سوفيلا… أنا آسف على ما حدث. كنت أود مساعدتك، لكنني عاجز. لكن لا تقلقي، فأنا هنا… وسأكون دومًا إلى جانبك.”
آه، كم أنا رحيم…
فتاة فقدت كل شيء، لا تجد حولها إلا الظلم،
وأنا… أمدّ لها يدًا دافئة بالكلمات.
‘لن أساعدك حقًا… لكنني سأمنحك كلمات لطيفة كلما احتجتِ إليها.’
أمي استمرت في إيذائها بلا رحمة.
بل كانت تكافئ الخدم والمربيات على مضايقتها.
حتى روز، أختنا الكبرى، كانت تتعمّد إذلالها.
ترمي طعامها على الأرض قائلة.
“هذا يكفيكِ.” ثم تعطيها بقايا طعامها.
خُطبت سوفيلا إلى ابن أحد الحُكّام الصغار،
مجرد ابن فيكونت مغمور.
وقد كان ذلك مقصودًا من أمي،
فهي لا تريد أن تُعطي روز خاطبًا بهذا المستوى.
لكن روز لم ترضَ بذلك أيضًا.
“كيف لفتاة مثلك أن تكون زوجة لفيكونت؟
تلك المرتبة من حقي، حتى هو يفضّلني عليكِ!”
أعلنت ذلك أمام العائلة، والأب بدا متردّدًا، لكن أمي كانت مسرورة بسوء حظ سوفيلا، وسارعت بإجراءات تغيير الخطوبة.
آه… سوفيلا، المسكينة التي لا يناصرها أحد.
أنا وحدي كنت أواسيها، خفية.
“لا تقلقي… أنا في صفكِ دومًا.”
لا بد أن هذه الكلمات خففت عنها بعض آلام وحدتها.
أجل، يا سوفيلا… ليس لكِ أحد سواي.
في هذا الجحيم، يمكنكِ أن تتعلقي بي وحدي.
لكنني لن أنقذكِ.
لن أخرجكِ من هذا البؤس.
أنا فقط سأمنحك ‘أملًا كاذبًا‘.
لذا، لا تفكري أبدًا في استخدام مهارتكِ.
المهارات النادرة لا تليق بكِ.
ابقَي كما أنتِ… لا قيمة لكِ.
هذا وحده ما يشبع تفوّقي.
حقدي عليكِ… يهدأ حين أراكِ تحت قدمي.
كنت أتمنى أن يظل الأمر هكذا.
لكن…
“ميرور.”
في اليوم الذي غادرت فيه سوفيلا منزل ستانلي،
استخدمت مهارتها للمرة الأولى.
كيف؟!
أمي لم تسمح لها حتى بتجربتها.
لم يكن مسموحًا لها بفهمها، فكيف أتقنتها بهذه الجرأة؟
دون تردّد، استخدمتها على عائلتها، على نفسها، علينا جميعًا.
ومهارتها تلك…
غيرتني.
غيرتنا.
غيرت عائلة ستانلي.
غيرت كل شيء.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 3"