استمتعوا
أنا أؤمن بعمق بعملي كخادمة، وأحمله في قلبي كقناعة لا تتزعزع.
وأرى أنني محظوظة غاية الحظ، إذ قُدّر لي أن أخدم آنساتٍ نبيلات رائعات.
“لماذا لا يُسمح لي بلقاء عائلتي؟“
حين سألتني الآنسة سوفيلا، ذات الأعوام الخمسة، تلك الكلمات البريئة وهي تحدّق فيّ بعينيها الحمراوين البراقتين كالياقوت، شعرتُ أن صدري يكاد ينفجر من الألم.
فقط لأن عينيها كانتا حمراوين…
مجرد ذلك السبب وحده، جعل والدتها تنبذها… لم أستطع،
مهما حاولت، أن أُخبرها بهذه الحقيقة القاسية.
عندما بدأت عملي في قصر عائلة ستانلي،
كانت السيدة الكونتيسة حاملًا بطفلها الأول.
وعلى الرغم من علاقتها المتوترة مع حماتها، السيدة الكبرى، إلا أنها كانت تبتسم بسعادة وهي تربّت على بطنها المتنامي يومًا بعد يوم.
ثم وُلدت الآنسة روز.
غير أن فرحة الولادة لم تدم طويلاً، إذ بدأت السيدة الكبرى فورًا تعبر عن قلقها بشأن الوريث.
“روز فتاة، ولن تتمكن من وراثة لقب عائلة ستانلي! ماذا ستفعلين؟ الحفاظ على دم العائلة هو أعظم واجباتك ككونتيسة!”
وفي كل مرة كانت السيدة الكبرى توبّخ الكونتيسة بهذه الكلمات،
لم يكن من رد سوى دموع صامتة.
كانت تبذل كل جهدها لتنجب ولدًا،
لكن الحمل الثاني طال انتظاره كثيرًا.
وحين بلغت الآنسة روز الثالثة من عمرها،
مرضت السيدة الكبرى فجأة.
وكأنها تنتقم من كل ما سبق، أمرت الكونتيسة بنقل حماتها إلى غرفة للخدم، وقلّصت عدد الخادمات إلى الحد الأدنى.
ربما كان ذلك السبب في تدهور حالتها الصحية.
ولم يمضِ وقت طويل حتى غادرت السيدة الكبرى هذا العالم.
لم أستطع كتم رعشتي حين رأيت الابتسامة الملتوية على وجه الكونتيسة عند سماعها نبأ الوفاة.
وبعد وفاة السيدة الكبرى، حملت الكونتيسة مباشرة.
وكما في السابق، كانت تبتسم بسعادة وهي تربّت على بطنها الذي بدا أكبر من المرة السابقة.
وُلد توأم، ذكر وأنثى.
وبمجرد أن علمت بولادة ولد، انفجرت الكونتيسة بالبكاء فرحًا.
لكن تلك الفرحة انطفأت في لحظة.
فعندما وقع بصرها على عيني الآنسة سوفيلا الحمراوين،
صرخت وسقطت مغشيًا عليها.
في هذا البلد، تعتبر العيون الحمراء نادرة للغاية.
وبحسب علمي، لم يكن يحملها سوى السيدة الكبرى الراحلة.
“لماذا؟ لا أصدق! مستحيل أن أُحب عيونًا بتلك الحمرة… مستحيل…”
حين أخبرني الخدم بما كانت تهمهم به الكونتيسة بوجه شاحب وكلمات مرتجفة، ساورني الشك في قواها العقلية.
بل ما زلت، حتى الآن، لا أعلم إن كانت قد فقدت عقلها أم لا.
أن تنبذ طفلتها لمجرد أنها تحمل ذات لون عيني حماتها…
ذاك تصرف لا يصدر إلا عن عقلٍ مضطرب.
وهكذا، عاملت الكونتيسة الآنسة سوفيلا كما لو أنها لا وجود لها.
فلم يُخصص لها أي ميزانية، ولا أي شيء.
كانت ترتدي ملابس جمعتها الخادمات لها، لا تختلف عن ملابس العامة، وتتناول طعامًا بسيطًا من ذات المائدة التي نأكل منها نحن الخدم.
ومع ذلك، كانت تنمو بابتسامة لا تفارق وجهها.
في يوم الحُكم على المهارة — ذاك اليوم الذي سيُغيّر مصيرها —
فرحت الآنسة سوفيلا فقط لأنها ستخرج من القصر لأول مرة في حياتها.
حتى داخل عربة الأحصنة التي تقودها إلى القصر الملكي،
جلست وهي تبتسم بسعادة لا توصف.
بين بوابة القصر والمبنى المُخصص للاختبار،
وُجدت أماكن مهيأة للاستراحة.
“ماري… العالم في الخارج فسيح ومضيء بهذا الشكل؟
هل يمكنني التنزه قليلاً بين هذه الأشجار؟ فقط قليلاً…”
لقد حُرمت الآنسة سوفيلا من الحرية طوال حياتها.
لم يكن يُسمح لها حتى بالسير بحرّية داخل القصر خشية أن تقع تحت أنظار الكونتيسة.
ولأن عربة الكونت قادمة ومعها السيد جارت، شقيقها التوأم،
لم تكن هناك خشية من أن تُبلّغ الكونتيسة عنها إن تغيّبت للحظات.
لهذا، استمتعنا سويًا بنزهة قصيرة من الحرية.
“أمرٌ ممتع للغاية!”
حين رأيتها تضحك بفرح عارم فقط لأنها تسير تحت الشمس بحرية، شعرت بألم يعتصر قلبي.
ذهبت لأتفقّد بوابة القصر، لأتأكد من وصول السيد جارت،
وحين عدت، رأيتها تتحدث بسعادة مع شقيقين بدا أنهما من النبلاء.
كانت تلك أول مرة لها تتواصل مع من هم في سنّها من خارج القصر، فراقبتهم بعين مليئة بالطمأنينة.
★☆★
“أنا آسفة… بسببي فقط… تم طردك أنتِ، وجون، وتوم…
لأنكم عاملتموني بلطف… أنا آسفة… آسفة جدًا…”
عندما عرفت الكونتيسة بنتيجة مهارة الآنسة سوفيلا،
بدأت تعاملها بفظاعة.
فقد نالت الآنسة سوفيلا مهارة ‘المرآة‘،
وهي مهارة لم تُمنح لأحد من قبل في هذا العالم.
بينما كان وريث العائلة، السيد جارت،
قد نال مهارة عادية في ‘الإدارة‘،
ونالت الآنسة روز مهارة نادرة في ‘الشفاء‘،
لكن لا شيء يقارن بما نالته الآنسة سوفيلا.
وحين أعلنت الكونتيسة: “كل من يتقرّب من سوفيلا سيُطرد“،
لم تستطع الآنسة سوفيلا كتمان حزنها،
وذهبت تتوسل للكونتيسة حتى لا تطردنا.
لكن ذلك تسبب لها في صفعة شديدة، تركت أثرًا مؤلمًا على وجنتها.
“آنستي سوفيلا… لا تقلقي… سنلتقي من جديد،
وسأعود إلى خدمتك في يومٍ من الأيام…
فقط كوني بخير حتى ذلك الحين، أرجوكِ…”
في اليوم الذي سبق مغادرتي القصر،
تسللتُ لمقابلتها خلسة لأودعها.
كلماتي لم تكن من قبيل المواساة، بل وعدًا قلبيًا.
نحن، أنا وجون وتوم، سنعود لخدمة آنسة سوفيلا في يومٍ ما.
لكن، وحتى يحين ذلك اليوم، ستضطر الآنسة سوفيلا إلى مواصلة حياتها في هذا القصر الموحش دوننا.
لا أملك الآن ما أفعله لأجلها…
لكنني، من أعماق قلبي، سأدعو لها كل يومٍ بالسعادة والطمأنينة.
يا إلهي…
احمِ قلب الآنسة سوفيلا النقي من الحزن،
ولا تدعها تتألم أكثر بسببنا.
واجعل خطيبها، ابن الفيكونت بيلي، يُغدق عليها حبًا وسعادة…
فهي تستحق من النعيم ما يعادل كل ما ذاقته من الألم.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 2"