استمتعوا
“أود التحدث مع ابنتي، لذا أرجو من دوق براون مغادرة الغرفة.”
في غرفة الاستقبال التابعة لعائلة دوق براون،
وبعد انتظارٍ طال كثيرًا، لم تظهر أمامي سوفيلا وحدها.
ما الذي جاء به أيضًا؟ لم أستدعِ دوق براون، لذا طلبت منه المغادرة.
سيسوء الأمر إن ظنّ أحدهم أنني جئت أطلب المال،
رغم أن العون بين أفراد العائلة أمرٌ طبيعي.
“هل تظنين أنني سأدع غريبًا ظهر فجأة دون سابق إنذار يجتمع مع زوجتي العزيزة على انفراد؟“
ندبة قبيحة، وصوتٌ بارد كالصقيع.
إنه شريك مثالي لسوفيلا…
لا، لا يجوز أن أفكر بذلك…
لقد كنتُ مخطئة بشأن عينيها الحمراوين، ويجب عليَّ أن أُعاملها بلطفٍ من الآن فصاعدًا.
“الكونتيسة. ما الذي جاء بكِ؟“
“سوفيلا، يمكنكِ من الآن فصاعدًا أن تناديني بـ‘أمي‘.”
“……”
“لقد كنتُ قاسية معك لأن غلين لم يخبرني بالحقيقة المهمة، لكن الآن وقد زال سوء الفهم، فلا بأس. سأحبك كما أحب روز تمامًا.”
“لا، لست بحاجة إلى محبتك.
كل ما أريده هو حب عائلتي الحقيقية، وهذا لا يشملك.”
ارتعش قلبي من البرودة التي تكسو حديث سوفيلا الخالي من أي تعبير.
ما هذا؟ أنا عائلتها، فكيف تتحدث هكذا؟ ولماذا لا تظهر أي انفعالات؟ هل كانت دائمًا بلا تعبير؟
لا أعلم… لأنني لم أُمعن النظر في وجهها من قبل.
كنت دائمًا أخشى تلك العينين الحمراوين، وأشيح بوجهي عنها.
“أنتِ مخطئة يا سوفيلا. صدقيني، أنا أعتبرك جزءًا من عائلتي، فلا تقلقي. لقد كنتُ أعاني… حماتك، جدتكِ، قالت لي أشياء فظيعة، وتألمت كثيرًا… ثم، خدعني أحد التجار…”
“لا حاجة لسماع المزيد.”
يا للغرابة! لقد قطعت حديثي رغم أنني كنتُ أتحدث باكية.
“مهلًا! استمعي لي حتى النهاية!”
“لستُ مهتمة بسماع ما لديكِ.”
“ماذا؟! كيف تتحدثين هكذا مع والدتك الحقيقية؟!”
“الاستماع المتبادل وتبادل الآراء أمر ضروري للفهم بين الناس. لكنني لا أرغب بفهمك، لذا لا داعي لأن أستمع لشيء تقولينه.”
“ما الذي تقولينه؟ أنا أمك! من تعتقدين أنه أنجبك وربّاك؟ لولاي لما وصلتِ إلى ما أنتِ عليه! صحيح أنني ربما أسأت إليك قليلًا، لكن… لكنني…”
“لا حاجة لذلك.”
عينَا سوفيلا الحمراوان الخاليان من المشاعر كانا لا يزالان يرهبانني.
“لكننا… نحن عائلة، من دمٍ واحد! لابد أننا سنفهم بعضنا في النهاية!”
“بالنسبة لي، عائلتي هم ليو ورين، ومن ربّوني، ماري والبقية.”
مَن هؤلاء؟ ربما سمعتُ باسم ‘ماري‘ من قبل، لكن من هي؟
لا يهم.
“استفيقي يا سوفيلا! عائلتكِ الحقيقية أنا وجاريت! نحن من يجب أن تُحبينا وتحترمينا! لا بد أنكِ ما زلتِ تحملين الضغينة. سأُخبركِ بالحقيقة إذن: كنتُ أقسو عليكِ بسبب عينيك الحمراوين.
تلك العينان…”
“لا حاجة لذلك.”
“ما معنى ‘لا حاجة‘؟! استمعي إلي! ألن تريدي أن تعرفي؟“
“لا، لا أريد أن أعرف.”
“ما الذي… ما الذي تقولينه؟! كيف تتحدثين هكذا مع أمك الحقيقية؟! أنا لم أرغب أصلًا بالزواج من غلين! كان زواجًا سياسيًا، واضطررت للارتباط برجلٍ ممل! ثم أنجبتُ فتاة، وبدأ الجميع بالحديث عن وريث ووريث! لذا أنا…”
“لا يهمني ما تشعرين به.”
نظرتُ إليها بعينين ممتلئتين بالدهشة والغضب،
لكن دوق براون وقف أمام سوفيلا وكأنّه يصدّ عني نظرتي.
“ظننتُ أنكِ ستعتذرين ولو شكليًا… لكنك لم تفعلي حتى ذلك.”
كان صوته باردًا، باردًا كالجليد.
“كنتُ سـ… أعتذر. لكن تصرف سوفيلا كان فظًا للغاية، لذا…”
“أنا أيضًا لا أنوي سماع ادعاءاتك الأنانية. لقد التقيتك اليوم فقط لأخبركِ ألا تعودي ثانية. وإن اقتربتِ من سوفيلا مجددًا، فسأُسلمك للشرطة فورًا.”
عينا دوق براون الحادتان وندبته القبيحة أصابتني بالخوف حتى أخذ جسدي يرتجف.
استنجدت بسوفيلا، أحاول التشبث بالأمل.
“سوفيلا، أنتِ ابنتي، أليس كذلك؟ ستساعدينني، أليس كذلك؟“
لم أنادِ أحدًا بهذا التوسل والرجاء من قبل، أبداً.
لكن رد ابنتي التي استعنتُ بها كان…
“أرجوكِ غادري.”
ذلك فقط.
“… سوفيلا! كل ما حدث كان بسبب عينيك الحمراوين! لو كانت عينك بنية، لما حدث شيء! كنتُ سأحبك، ولبقي زوجي، ولأصبح جاريت الكونت بكل فخر! كل ذلك بسبب عينيك!”
“أرجوكِ غادري.”
“لماذا؟ لماذا لا تقولين شيئًا؟ لماذا لا تكرهينني؟
لا تعبّرين عن مشاعرك؟ أخبريني بما تشعرين به!”
“أنا لا أريد أن أتفاهم مع الكونتيسة.”
لطالما خشيتُ من النظر إلى عينيها الحمراوين،
لكن هذه المرة، كانت تنظر إليّ مباشرة.
لكنّ تلك العينين لم تُظهر أي مشاعر.
كنت أظن أنها قد تقول: ‘لن أسامحك‘.
أو ربما تفرغ نحوي كل الكراهية.
لكنني لم أكن أتصور… أنها لن تُظهر أي شعور على الإطلاق.
كنت أظن أنه من المستحيل أن يولد طفلٌ بعيونٍ حمراء،
ولذا كنتُ خائفة.
خائفة من عيني سوفيلا الحمراء.
لكن في النهاية، لم يكن الأمر غير طبيعي.
لذا… ظننتُ أنه ما زال لديّ فرصة.
ظننتُ أننا سنتفاهم في النهاية،
لأننا أم وابنتها، تحملان نفس الدم.
كنتُ أظن أنها، لأجل جاريت الذي أحبّه أكثر من أي شيء، ستُعطينا المال.
لكن أن تُرفض حتى قبل أن أُكمل حديثي؟ لم أتخيل ذلك.
… لو لم ترني من البداية، ربما كان لدي أمل برؤيتها لاحقًا.
“أرجوكِ غادري.”
رنّ صوت سوفيلا الخالي من الأحاسيس في غرفة الاستقبال.
★☆★
“أمي، أريد التحدث معك.”
عندما وصلتُ إلى المنزل، كان جاريت ينتظرني، بوجهٍ لم أره من قبل: جادٌ جدًا.
لابد أنه فهم ما جرى مع سوفيلا.
“جاريت، دعنا ننسى أمر سوفيلا. يمكننا الاستمرار معًا، أنا وأنت…”
“اللورد بيلي وافق على مساعدتنا بمبلغٍ بسيط.”
“بيلي؟ من يكون هذا؟“
“أمي… بيلي هو خطيب روز.”
“آه! صحيح! ذلك الشاب الباهت الذي كان خطيب سوفيلا؟“
“… الوضع صعب، لكن سأعيد بناء مقاطعة الكونت ستانلي باستخدام مهارات الإدارة وبالاستعانة بمسؤولين مرسلين من الحكومة.”
“جاريت! كم أنت رائع! كما هو متوقّع من ابني العزيز!”
“… لذا، أمي، أرجو أن تعيشي بهدوء في منطقة سافاران.”
ماذا؟ ما الذي يقوله؟
هل هذه مزحة؟ هذا ليس وقت المزاح!
“سافاران؟ تلك البقعة النائية التي لا يسكنها أحد؟ لا يمكنني العيش هناك!”
“يبدو أنك تعرفينها. يوجد سكان… ولكن قلّة قليلة.”
“جاريت! هذا ليس وقت السخرية! دعنا نُقنع روز بإعطائنا المزيد من المال! وسنعيش بهناء كما كنا!”
نعم! نسيتُ أمر روز!
“أمي، هل نسيتِ؟ روز مخطوبة لفيكونت، تلك العائلة التي كنتِ تزدرينها.”
“وما المشكلة؟“
“ما عرضوه هو أقصى ما يمكنهم تقديمه.”
“مستحيل… لماذا لم تخطب روز لشخصًا نافعًا؟!”
“… أمي…”
“ما بك يا جاريت؟ لما هذا الحزن؟“
“إصلاح الإدارة لا يكفي،
يجب أن نستعيد سمعتنا في المجتمع أيضًا.”
“لا تقلق، سأبدأ بالمشاركة في الحفلات، وسنستعيد سمعتنا بسرعة!”
“أمي، هل تعرفين ماهو أصل المشكلة أصلًا؟“
كان وجه جاريت مليئًا بالخذلان أكثر من الحزن.
“ما فعلتِه أنتِ هو ما تسبب في فقداننا لسمعتنا.”
ما فعلتُه؟ هل… هل اكتشف أن جاريت ليس ابن غلين؟
“لقد أسأتِ إلى سوفيلا… وإلى جدتها أيضًا.”
“آه، هذا فقط؟ لا بأس! سأحضر الحفلات وسأكسبهم من جديد!”
“أمي!”
“ما الأمر؟ لمَ تنظر إليّ بهذه الطريقة؟“
نظرة جاريت لم تكن تلك النظرة الرقيقة التي اعتدتُ عليها… كانت مخيفة!
“أرجوكِ، اذهبي إلى سافاران!”
“كنتَ جادًا في حديثك؟“
“هذا شرط العائلة التي ستساعدنا.
طالما أنكِ هنا، لا يمكننا إنقاذ مقاطعة ستانلي.”
“ما هذا؟! كيف يجرؤون؟! أين روز؟ يجب أن أؤدبها!”
“ليست تلك مشكلتي فقط… أنا أيضًا… أوافق على ذلك.”
همس جاريت بكلماتٍ مؤلمة…
“أمي، أرجو أن تغادري هذا القصر.”
لم أصدق ما سمعت.
ابني العزيز… يطردني؟
“لماذا؟ أنا أحبك أكثر من أي شيء! لطالما كنتُ أرغب بأن تكون أنت سيد هذا المنزل! فكيف تُرسلني الآن إلى مكان مجهول وحقير؟!”
“سافاران أيضًا جزء مهم من مقاطعة ستانلي.”
كان جاريت يبدو وكأنه كبر فجأة، أصبح رجلًا.
منذ ذلك اليوم الذي عاد فيه من عند سوفيلا، مرهقًا ومتعبًا…
“… لو أنكِ فقط لم تسيئي إلى سوفيلا…”
“ماذا؟“
“أرجوكِ، أمي… لا أريد أن أكرهك…”
حين رأيت ملامحه الحزينة، فهمت أخيرًا أن حديثه جاد.
عندما وُلد جاريت، كنتُ في قمة سعادتي.
شعرتُ أنني تغلبت على حماتي أخيرًا.
وأردته أن يكون سيد هذا المنزل.
لكني لم أتوقع أبدًا أنه في لحظة تحقيق أمنيتي… سأُرمى في المنفى.
غلين تخلّى عني.
وجاريت… أيضًا تخلّى عني.
… فما الذي تبقّى لي؟
“ميرور…”
تردّد صدى صوت سوفيلا في رأسي،
عندما غادرت هذا القصر…
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 11"