04
ما هو الموت؟
أهو مجرد توقف أعضاء الجسد عن العمل؟ أو انتقال الوعي لحياة أخرى؟
هناك من يؤمن أن الموت هو النهاية والعكس صحيح، يعتقد البعض انه بداية شيء أكبر…بالنهاية جمعيها مجرد فرضيات.
فالموت هو المجهول.
يميل البشر الي تصديق ما يريدون تصديقه عما وراء الموت متجاهلين حقيقة انه لم يعد أحد لأخبارنا عما يحدث بعد توقف القلب.
لا يخاف البشر الموت بل هم يخشون المجهول.
يرتعب المجرم والمذنب من فكرة وجود عقاب لهم ويرتاحون لفكرة أن الموت هو العدم. يتمسك المسكين والضعيف بأنهم لو حاولوا العيش بمثابرة سيجازون بعد موتهم ويعتقد البعض الأخر انهم قادرون على تحمل مشاق الحياة لعلهم يولدون من جديد في حياة أكثر رفاهية واقل قسوة.
الموت مخيف إنها حقيقة يعجز الإنسان عن إنكارها…فهل فكرة إرسال أحد الي موته مخيفة بالحد ذاته؟
” أعفو عني أرجوك…أتوسل رحمتك فلم اقصد فعلتي…كيف يجرؤ عبد وضيع مثلي.”
بكى وتوسل. تلطخت ملابسه بالوحل جراء ركوعه متوسلًا العفو لحياته، رجل تجاوز عقده الرابع تذلل لبعض الفرسان الشباب الذي لم يبلغ بعضهم العشرينات حتى.
هل أجرم بحق أحدهم؟ السؤال الأول الذي سيراود فكر أي مم يرى المشهد، لكنه فقط أوقع بعض السيوف أثناء تنظيف الصناديق.
مرغد راس الرجل بالوحل ولطخت لحيته ببقايا روث الحصان. عجز عن فتح عينيه التي امتلأت بالوحل كان الألم بهما قاتلا ولكن الشعور بما دخل فمه وما تذوق لسانه أنساه الم عينيه…انتصر القرف على الألم وما هي لحظات حتى انتشر صوت التقيؤ حاملا صوتًا يعبر عن كم هو مهين ومقرف شعوره.
” اللعنة عليك…تجرؤ على التقيؤ أمامنا بعد فعلتك! “
عاد الفرسان للوراء مغطيين أفواههم بأيديهم ينتابهم القرف من العجوز محمر العينين من تكاد روحه تغادر جسده. باستثناء من توسطهم…الشاب المقبل على العشرينيات صاحب المستقبل الواعد.
رفع شعره البني الذي تجاوز كتفه قليلا على هيئة ذيل حصان قصير وقد اقطر العرق من خصلاته بعد مشقة التدريب، ملامحه حملت بعض النبل على الرغم من نسبه المتواضع…طويل القامة بارز العضلات سريع الاستجابة متمرس في الفنون القتالية…كان شينهانا المرشح لأول ليصبح جنديًا بالمملكة بدل العمل كفارس تحت عائلة نبيلة من هاولين.
قسمت مملكة لين بنظام طبقي قاسي، حصل الملك على الحق بفعل ما يريده…أين كانت قسوته، يلي الملك الزعماء الأربعة إرادتهم كانت القانون وكلماتهم هي السلطة المطلقة، لأربعة أقاليم عُين على كل إقليم زعيم وأسفله رتب النبلاء اهتم كل نبيل بقطاعية في إقليم الزعيم وكان يمتلك قصرا وأكثر من مئة عبد تحت خدمته. يلي النبلاء عامة الشعب.
عائلة مياراي كانت أحد عائلات النبلاء في إقليم هاولين الشمالي ولكنها تميزت قليلا بوجود عدد اكبر للمناجم في إقطاعهم.
للاهتمام بالإقطاعية والعبيد لابد من وجود فرسان…عدد من الأشخاص من العامة يتدربون على السيوف منذ طفولتهم…بكل إقطاعية وجب تكوين فرسان للحفاظ على الأمن والاستقرار. لم تكن الفروسية خيارا بكل كانت فرضا على عدة شباب يختارهم حاكم الإقطاعية.
راقب كايو من اعلى شجرة شينهانا يدوس على رأس الرجل بحذائه ملطخا وجهه في خليط صنع من الوحل وروث الحصان والقيء…صمد بمكانه عكس البقية الذين ابتعدوا حالما بدا الرجل التقيؤ…قرر إذلاله أكثر وأكثر حتى يشبع قلبه.
فتى موهوب اعتقد بان العالم سيكون ملكه متناسي حقيقة ولادته بمملكة لين حيث تنهي الطبقية كل الأحلام.
استل سيفه بعد انتهائه من الإذلال موجهه لوجه العبد الباكي…ابتسم متعجرفا حين لمع الخوف في عينيه المحمرة…عندما انتصرت الرغبة بالحياة على القرف والألم.
” سيدي أرجوك…” بكى الرجل ” لا أريد الموت. ” وضع جبينه أرضا على كومة القرف…نسى التقزز والألم وخاف الموت.
” لا أريد الموت. “
صوت الرجل اليأس ذكره باليأس ذاته…جينتا من توسل لحياته بلحن مشابه.
الموت…الموت…الموت
كرر كايو الكلمة في عقله مبتعدا عن الفوضى وعن نحيب الرجل
عبد أو ملك…كل البشر يمكن قتلهم…كان الموت هو نقطة ضعف الأنسان…العامل المشترك الذي يهدم الطبقية. فمهما علت رتبتك مازلت تمتلك النهاية ذاتها وتخشاها.
” الموت. “
همس كايو ما اثأر انتباه الأخران المنسجمان بالتحدث عن نوعهم المفضل من الفاكهة.
” الموت؟ “
رددت اسايو متعجبة.
” وأخيرا عاد البطل كايو حاملا مصيبة وفكرة ستؤدي الي قطع أعناقنا جميعا.” سخر توما واستقام بعد أن كان متمددًا على العشب، جلس بجانب كايو على الصخرة التي أحب الجلوس عليها. ” أين كان ما تفكر به أرجوك عش. ” كلماته اقتربت من السخرية عن النصيحة.
” توقف عن نحسك له بكلامك وابتعد عنه فلم تتخلص من القمل تماما بعد.” ألقته اسايو بقشرة الموز وجلست على العشب بدل تمددها تنظر الي كايو قلقة. ” هنالك ما يزعجك؟ أحصل شيء عند السيد الصغير؟ “
” هل فكرتما بما يعنيه الموت قبلًا؟ ” نظر الاثنان لبعضهم باستغراب فأعاد كايو صياغة سؤاله. ” هل فكرتما بما يعينه القتل قبلًا؟ ”
وقعت اسايو للخلف وأعادت التمدد على العشب مصدومة بما سمعت عندما ربت توما على كتف كايو. ” بطني تؤلمني عندما أراك صامتًا تحدق بالآفق. أدرك جيدا أنك ستلقي قنبلة عندها. “
ابتسم كايو…وجد ردود أفعالهم لطيفة ما جعله يحب حقا مشاركتهم أفكاره. كبح رغبته بالضحك ونظر الي توما. ” ألست تحلم بان تصبح جنديًا أو جنرالًا؟ الحروب تعني القتل. “
توقف توما عن إصدار الضجيج وتلقى صاعقه لم يفكر بها قبلًا…فرك شعره والتعابير الغبية التي تعكس عدم تفكيره طغت على وجهه.
” غاب هذا عن بالي. “
ابتسم كايو يجد أحيانا غباء توما لطيفًا ويغضبه قليلا بأوقات أخرى.
” لو كان القتل هو السبيل الوحيد لنيل حريتكم من العبودية، ستقومان بفعلها؟ “
نزل السؤال أشبه بصاعقه على الاثنان. صراخا وتذمرا بكل مره القى كايو سؤالًا وللمرة الأولى يجدان أنفسهم عاجزان عن الرد. التحرر من العبودية هو حلم سلب العبيد حتى حق الحلم به فلم يكن هناك أي مهرب إلا الموت.
لعقت اسايو شفتها السفلية وسمحت للقليل من الخيال للتسرب الي عقلها…الفساتين الجميلة والمجوهرات…تناول وجبة دافئة على طاولة مرتفعة مع والداتها والجلوس حول الموقد يقران كتاب مسليًا، سيكون الخروج معا الي السوق لشراء مستلزمات العشاء شيئًا لطيفًا تتمنى تجربته. خارج إرادتها وجدت شفتيها رسمت ابتسامة ممتلئة بالحنين…حنين لشيء لم تجربه ولن تجربه.
” يمكنني فعلها. ” أجابت اسايو وعينيها تحدق بالعشب. رفعت راسها بتجاه كايو وأكملت: ” إذا كان ثمن حريتي هو القتل لن أتردد في فعلها. “
هرب طيف ابتسامة من كايو. كانت إجابتها اخر ما توقع ولكنه أعجب بما قالت…حول نظره الي توما من كان غارقا بأفكاره الي حد الذي جعله لا يستمع الي إجابة اسايو.
” توما؟ “
نداه كايو.
” انه مخيف. ” صمت قليلًا محاولا جمع ما يود قوله. ” القتل مخيف كما الموت. “
كانت الإجابة الأكثر طبيعية لسماعها من فتى بالتاسعة.
الموت مخيف…حقيقة لا يمكن الجدال بها جعلت اسايو من كانت واثقة قبل لحظات تخفض نظرها كأنها تحتضن كل اليأس بالعالم بمقلتيها البنية.
غمر كايو تأنيب الضمير لتعكير مزاجهما، نقر وجنته بلسانه يفكر بموضوع وسريعا ما تذكر ذلك الرجل العجوز والفارس.
” توما أنت تعمل بساحة الفرسان فلبد أنك تعرف المدعو شينهانا. “
رسم توما ملامح أوضحت أن سؤال كايو لم يزد إلا الطين بله…حاول تغيير الموضوع السيء باخر بالسوء ذاته.
” الجميع يعرفه أفضل فرسان عائلة ميراي المشهور بانه السياف الأكثر موهبه اكتشفه السيد والمرشح لتمثيل العائلة. “
” لا تبدو سعيدا بما تقوله. “
أجاب كايو لملاحظة الاستياء بوجه الأخر.
” لما سأكون سعيدا؟ لديه شخصية سيئة. متنمر يعشق افتعال المشاكل. “
” كيف أصبح رجل بشخصية سيئة المرشح لتمثيل العائلة؟ ”
سالت اسايو.
” يجيد التملق للنبلاء وكما يعرف كيفية التصرف كمقامه وبالقدر ذاته يعامل الأسفل منه كالعبيد والخدم.”
الفرسان المختارون للعمل بعوامل النبلاء يسلبون الحق في الانضمام لجيش المملكة هم ملزمون بالعمل كفرسان لا كجنود طوال حياتهم. يلزم على كل عائلة نبيله إرسال الابن الثاني للعمل بالجيش ولو لم يكن هناك ابن ثاني ينقل هذا الفخر الي أحد فرسان العائلة، شخص يختاره رئيس العائلة لتمثيلهم في الجيش.
تنسب كل انتصارات وإنجازات هذا الشخص للعائلة الذي يمثلها بالوقت ذاته سينال الشهرة والمال ومناصب بالجيش.
” ذهاب متنمر للجيش سيجعل عملك اقل صعوبة. “
ربتت اسايو على كتف توما.
” يبدو شينهانا كشخص يؤمن بالطبقية. “
قال كايو.
” بشدة. ” أجاب توما متنهدًا. ” يضع على عاتقه ضبط الآداب العامة دائما…على الخادم التصرف كخادم وعلى العبد الطاعة كعبد. سيطير راس من يخالف الانضباط أمامه. “
” العمل بمكان حيث يقطن وحش كهذا لابد انه يجعلك تمر بوقت عصيب توما. “
رفعت يدها لتربيت على راسه لكنها تذكرت القمل فأعدتها للأسفل.
” لا اهتم. انه تدريب لأصبح اقوى. “
وضع يده على صدره متفاخرا.
” ابله. ” تجاهلته اسايو وركزت بكايو الغارق بأفكاره. ” ما القنبلة التي تصنعها بعقلك الآن؟ “
أفاق كايو من شروده وابتسم بخفه
” هل تريدان القدوم للمبيت بمنزلي؟ “
” ها؟ “
حدق الاثنان ببعضهما قبل العودة للنظر الي من اقترح فكره عجيبة فجأة.
” والده جينتا تحبني بشكل عجيب سأحاول أقنعها حتى يأتي معنا، يبدو كئيبا للغاية مؤخرا لنتجمع لجعله أكثر سعادة. “
” سأسأل والدتي. ” أجابت اسايو يليها توما: ” سأخبر جدي. “
” اتفقنا إذا! لنلتقي عند غروب الشمس. “
_______
وقف أمام مطبخ السيد الكبيرة حيث تعمل والدة جينتا مع ابنها. تأمل تلك المراءة التي تبدو عجوزا تحمل صناديق الفاكهة للداخل ومن خلفها جينتا…لا امل ولا حياة أشعث من عينيه. لم يكن غريبا بالنسبة لعبد ولكنه غريب لجينتا الساخر…غريب على طفل بالثامنة.
أحبت والدة جينتا كايو أكثر مما فعلت مع طفلها…تلك العجوزة المتوهمة أن كايو كان من المفترض به أن يولد كابنها وان تاري سرقه زوجها وابنها. كره كيف عاملت العجوز والدته الحبيبة.
عاشت بذكرياته ليله إيجاد والدته لجثة شقيق جينتا بالبئر والشجار الذي نشب بينهم…كيف جرت تلك المجنون شعر والدته الجميل عندما بكى هو وتمسك بقدمها محاولا إنقاذها وبدون فائدة فوالده الحبيب اختار الوقوف بعيدا ومشاهده زوجته تتعرض للضرب من قبل عجوز شابه.
ربما تلك كانت بداية كرهه لوالده والذي كبر بمرور أيام من سوء المعاملة والصراخ.
أغمض عينيه محاولا أخذ نفس عميق قبل التحدث الي امرأة يكرهها من صميم قلبه ولكنه أحب ابنها بالقدر ذاته.
تردد بكل مرة أراد السير الي الأمام. هل ما يفعله صحيح؟ ارتجفت أصابعه كما قلبه…عقل طفل بالتاسعة كان ضد ما يفعله ولكن تلك الصورة لصديقة مدمرا تغطي الندوب جسده جعلته يدوس على قلبه ويتقدم.
” جينتا، عمتي. “
دخل المطبخ مع ابتسامة الطفل البريء خاصته.
استقبله وجهان مختلفان، ابتسامة العجوز الشابة وشحوب جينتا.
” كايو! ماذا تفعل هنا؟ “
” مضى وقت طويل لم أراكما به، جينتا توقف حتى عن القدوم للغابة. “
تجاهل شحوب وسؤال جينتا وصب تركيزه على والدته.
” أخبره دائما أن يذهب للاعب معكم ولكنه يصر على البقاء ومساعدتي فكما ترى صحتي تصبح أسوء كل يوم. “
ربتت على شعر كايو بابتسامه تظهر أسنانها المصفرة والمفقود بعض.
” أتمنى لك الشفاء عمتي يمكنه تعويض تجاهله لنا لفترة طويلة…أيمكنني استعارة جينتا الليلة؟ “
” ماذا؟؟؟ ” صرخ جينتا فالتفت له والدته غاضبة: ” اخفض صوتك هل تريد تلقي العقاب من الأسياد! “
” عمتي أنا والأطفال قررنا أقامه حفل مبيت صغيرة في منزلي ولن تكتمل الحفلة بدون جينتا. “
توقفت العجوز عن التحدث كما الابتسام…بمنزله أي منزل العاهره تاري كما تدعوها. مكان تكرهه وتمقته.
” يمكنكم اللعب صباحا في الغابة ارفض جعل ابني ينام خارج المنزل. “
ليس كما لو أنك تهتمين لابنك حقا.
” أرجوك عمتي. ” رفرف كايو رموشه السوداء الطويلة محاولا سرقه بعض تعاطفها. ” والدي قال انه سيعلمنا بعض الخدع السحرية المضحكة، أريد تعليمها لجينتا فلا يمكنه رؤية والدي إلا بمنزلنا فهو مشغول مع السيد كما تعلمين. “
كذب ليس وكأنه والده صاحب أسوء مزاج بالمملكة سيلعب معهم على الأرجح سيصرخ عليهم للنوم باكرا…لكنه علم جيدا كيف تصبح العجوز الشابة عندما يتم ذكر اسم والده.
” يصعب الرفض عندما تخبرني بأشياء ممتعه أود أن يجربها جينتا، لا تنسى فقط إيقاظه باكرا غدا دوره بالمناجم. “
سيطرت ابتسامة ضخمة على وجه كايو وانحنى شاكرا. ” شكرا لك عمتي لا تقلقي سأتأكد من ذهابه للمنجم. ” نقر على وجنته الداخلية بلسانه معبرا عن قرفه مما يفعله قبل أن يرفع راسه.
” أيمكنني أخذ جينتا الآن؟ “
” بالطبع. “
تلك الأم التي تتظاهر بانها محبه لم تعطي أي اهتمام لراي طفلها…غضت بصرها على شحوب وجهه أو تجنبه الحديث أو عدم مقابلته لأصدقائه الذين كبر معهم لفترة من الوقت.
” لنذهب جينتا. “
امسك كايو يد الأخر وسحبه خلفه ملقي التحية على والدته.
استمرا بالسير خلال غابة العبيد حيث تقطن منازلهم بعيده عن بعض، فكان من غير المسموح لهم العيش بجانب بعضهم خوفا من تجمعهم ليلا لتخطيط أو القيام بأعمال الشغب.
تواجدت غابة العبيد بعد حديقة السيد مقابل القصر وكان يتخللها عدة ابأر ونهر يعج بالأسماك بعد الغابة حل مكان تدريب الفرسان وقريب بعض الشيء من بوابة القصر المؤدية للمدينة كان منزل الحارس، وضع الفرسان والحارس بالقرب من بعضهم لحراسه العبيد من الهرب وللتأكد من امأن قصر السيد.
ويمين القصر كانت غابة السيد الخاصة…مكان يعج بالحيوانات والطيور والأشجار المثمرة. منع على العبيد دخولها تماما خوفا من تلوث مكان صيد واكل الأسياد كما حرم التناول منها للعامة فكانت مكان مقدس لسيد القصر وذريته حيث وضع معبد صغير بوسط الغابة يؤمنون انه مركز رزقهم وبركتهم كنبلاء هناك يسلم السيد رئاسة الإقطاعية لوريثه.
توقف جينتا عن السير بمنتصف الغابة وابعد يد كايو عن معصمه…اخفض راسه حتى غطت ملامحه بخصلات شعره الناعمة. كان يجاهد لكبح رغبته بالبكاء ولإخفاء الغصة بصوته قبل الحديث.
لما من بين الجميع كان كايو من أتى لمقابلته…هو متأكد من معرفه كايو لما يمر به ويكره هذه الحقيقة المخجلة…يثق بانه رأى كايو وقد بكى عاريا.
” ماذا تريد. ”
همس جينتا.
” أريد الاستمتاع بحفلة مبيت ممتعه والاجتماع معا كالماضي.”
نبره الإجابة خرجت بلهاء.
” كايو لا تتظاهر بالجهل!! “
صرخ الفتى واتضحت تعابيره أخيرا. لم يبكي ولكنه بدا كما لو كان قد فعل…فعل كثيرا لدرجه التي تجعل دموعه جفت.
” لا افهم. هل هناك ما يزعجك؟ أفعلت ما يجعلك تكرهني؟ تجنبتنا كثيرا وأخبرت توما واسايو بانك ربما تحتاج لبعض الوقت بمفردك وهذا الوقت أصبح فجأة طويلا للغاية. “
أكنت احلم؟ جهل كايو بما يتحدث عنه أوهم جينتا بانه يحلم ولم يرى كايو ضعفه ولا يعلم بما يحدث معه.
” جينتا يمكنك إخباري إذ كنت تخفي شيئا ما. ربما تعذبك والدتك؟ “
تجنب النظر لعيون صديقه السوداء الفارغة…تلك المقلتين التي تسحبك بداخلها كتنويم مغناطسي عندما يهرب عنها بريق الطفولة.
” لا شيء حقا كايو. أنا بخير. “
” تبدو شبيها بكل شيء إلا كونك بخير. ” رفع كتفيه مستهزأ وأكمل السير: ” تذكر فقط إنني في صفك دائما أيها الجميل ولن اقتصر جهدا في مساعدتك. “
للمرة الأولى منذ زمن طويل شفتيه تذكرت كيف تبتسم…لحق كايو محاولا القى تعاسته بعيدا وتذوق بعض السعادة ولو كانت للحظة.
” لن اطلب المساعدة من متعجرف منك. “
_________
دخلت مبتسمة بالرغم من سوء المكان…منزل صغير بغرفة واحده ينامون ويأكلون بها ولكنه منزلها حيث تقضي وقتها مع والدتها الحبيبة.
توفى والد اسايو ظلما عندما كانت بالسادسة وهو ليس بالشيء العجيب لعبد ولكن حضن والدتها الدافئ عوضها عن كل تعاسه العالم فقط الجلوس معا وتناول حساء الخضروات الدافئ أو شواء بعض البطاطا الحلوى كان كفيلا لتكون سعيدة.
خدمة والدة اسايو السيدة كما فعلت والدتها وأسلافها وصارت ابنتها خادمة لسيدة الصغيرة ميناكي. ربطت عائلة اسايو وعائلة كايو قرابة دم فكنت والدة اسايو ابن خاله والد كايو.
” أمي، لدي طلب.”
قالت الطفلة وجلست على أرضا مقابل طاولتهم البسيطة المنخفضة.
” إذا كان بمقدوري سأفعل أي شيء لطفلتي اللطيفة. “
تسمع كلمات والدتها الحلوة طاول حياتها ومازلت باللذة ذاتها.
” دعاني كايو للمبيت. “
” ابن ذلك النكد جونها. ” ضحكت اسايو لتعابير والدتها المشمئزة. ” هل الابن كابيه؟ دائما غاضب وثائر؟ “
هزت راسها نافيا سريعا ووضعت صحنها الخشبي على الطاولة.
” كايو لطيف للغاية يحب اللقاء الدعبات حتى لو لم تكن مضحكة ” أخفضت نبره صوتها قليلا: ” إنها مخيفة لو قلنا الحقيقة. أين يكن. فهو فتى ذكي يحب التعلم من دروس السيد وغالبا ما يشاركنا ما تعلمه..” أخفضت نبرة صوتها مجددا: ” مع انه يحضر أفكار مخيفا أحيانا. لا يهم فقط قضاء الوقت معه مسلي. “
دعبت وجنه ابنتها مستمتعة بحديثها النشيط: ” صحيح فقط يهم أنك تقضين وقتًا ممتعًا برفقته. لم أكن اتفق حقا مع والده فكل مره نلتقي ستحدث مصارعة. “
” حقا! ومن الفائز؟ “
سالت متحمسة.
توترت والدتها قليلا قبل الإجابة:
” بالطبع والدتك قد لا يبدو واضحا لكنني قوية! “
عادت اسايو لتناول الخضروات من الحساء.
” لا تحاولي التظاهر أمي. أنتِ ضعيفة. “
شابة جميلة بالثالثة والعشرين ذات عيون سوداء تشبه خاصة عائلة كايو وشعر اسود ورثته ابنتها منها. تزوجت وحملت بابنتها بالسادسة عشرة وقبل سنتين ترملت. كانت امرأة مشاكسة بطفولتها وناضجة منذ أن أصبحت أم…فقدت الاهتمام بكل شيء لم يكن ابنتها وابتسامه ابنتها.
” جونها مخيف بعض الشخص تدركين ذلك صحيح؟ أيمكنك الذهاب للنوم عندهم ألن تخافي ليلا؟ “
” وجود كايو معي ينسيني ما هو الخوف. “
” يبدو الفتى مخالف لأبيه. ” سكتت قليلا تقضم من الخبز الساخن تتذكر أيام ولت: ” كان جونها يمثل الفتى المتمرد…طفل بأفكار لا يجب أن تتواجد في عبد. حملت نظراته التمرد ورغبة بالدم، ربما من أصل سبع أيام كان يحجز لثلاثة منها…شككت لعدت مرات انه سيعدم ومن حسنه حظه مكانته كعبد السيد بالوراثة أنجته من الإعدام عدة مرات…لا أتذكر رؤية ابتسامته ابدأ إلا للمرة واحدة. “
تأملت اسايو والدتها تذكرها أفعال وأفكار ابن خالة والدتها بكايو…لم يكن مخالف لأبيه بل نسخة طبق الأصل عنه.
” فقط بيوم زواجه من النبيلة السابقة تاري…كانت المرة الأولى والأخيرة التي أرى بيها ابتسامته لم أكن اعلم حتى انه قادر على الابتسام مثلنا. “
إخبار والدتها عن امتلاك كايو أفكار وتصرفات شبيه لوالده ربما ستسبب بأبعدها عنه. اختارت الصمت لحماية علاقتها بمن تعتبره أخيها، اخفت عنها…أنها بكل مرة تعود للبيت بوجنه محمرة بسبب صفع السيدة لها أو عند رؤية ندبات تكسو جسدها أو دموع والدتها الصامتة ليلا…كل تلك الأفعال جعلتها تتشارك الفكر ذاته مع كايو.
تريد فعل أي شي لرؤية والدتها سعيدة…تتمنى رؤية وجه والدتها الجميل ببعض مستحضرات التجميل وان ترتدي مجوهرات تزين عنقها الطويلة البيضاء.
تمنت أن تفعل والدتها ما تحب…أن تعيش سعيدة فحتى لو ابتسمت طوال الوقت أمامها تدرك كم هي تعيسة أمها تحديدا عندما تعيش تحت كنف سيدة تغار جمالها.
_______
عاد لمنزله لإعلام والدته بشأن زيارة أصدقائه رفقة جينتا. غربت الشمس وانتشرت رائحة العشاء اللذيذة بالمنزل الصغير كان والدته تشوي بعض السمك وجلس والده كما اعتاد يصلح شيء ما بهدوء.
” لقد عدت. ” خلع حذائه وقال: ” أمي لدينا ضيوف. “
” أهلا بعودتك كايو…والطفل الجميل جينتا. “
احمرت وجنتي جينتا لابتسامة تاري وترحيبها به…يشعر بالخجل من التحدث لها لمعرفته كم تكرهها والدته. كيف تكره امرأة لطيفة مثلها؟
” ليس فقط جينتا، اسايو وتوما قادمان. “
” أوه…ولكن السمك لا يكفي. “
” أخبراني انهما سيتناولان العشاء مع عائلتهم فقط جينتا. ” جلس على الطاولة وبجانبه جينتا ورمق والده بنظرة سريعة. كان هدوئه مثيرا للقلق.
” بالمرة القادمة ادعوهم لتناول العشاء ليس فقط المبيت! ” وضعت صحن الأرز أمام جينتا ثم كايو وأبيه. غمر الفتى أحراج غير مريح بكل لحظة تتعامل معه تاري بطيبة.
” لا علاقة لك بما يحدث بين البالغين استمتع بتناول وجبتك ولا تفكر عميقا. “
همس كايو لصديقه وتناول صحن الأرز.
لما يلوم نفسه؟ لم يكن هكذا…جينتا الفتى المشاغب طويل اللسان…غالبا ما ضايق الأخرين بردوده الساخرة كما أجاد المزاح والتقرب للأكبر منه سنا…كان يجيد التحدث بالكلمات المُرة والحلوة على حد سواء فكيف أصبح انطوائيا وكئيبا.
” شكرا يا خاله سأستمتع بتناول الوجبة. “
حاول المجاملة وردت والدة كايو عليه بابتسامة سعيدة.
” سأسكب لك المزيد حتى تشبع، أنت ضيفنا. “
طرق الباب بعد لحظة معلنا وصول باقي الضيوف الأطفال.
اجتمع الأطفال للعب وتناول بعض أقراص الأرز الحلوى…استمروا بالتحدث عن أشياء عشوائية وسؤال تاري عن الكثير من الأشياء، ربما كانت أكثر من استمتع بالتحدث مع الأطفال ومشاركتهم القصص عن حياتها قبل العبودية.
وسط الضحكات والتجمع ركز كايو فقط بظهر والده…الرجل العصبي الذي ضربه ووالدته وأهانهم بالكثير من الأوقات…لم يقل كلمة واحدة عن إزعاج الأطفال أو الشكوة…كان غريبا لكنه اعتقد فقط أن الرجل أراد سمعة حسنه.
نام الجميع قبل منتصف الليل…فمازالوا بحاجة للاستيقاظ باكرا من اجل العمل. أغمضت كل العيون إلا خاصة من جمعهم بمنزله…ليس لجمع الذكريات أو لتناول الطعام.
تسلل بين النائمين بهدوء خائفا من أي أصوات…يعلم بامتلاك والديه نوما ثقيلا ولكنه يجهل نوم الأطفال.
خطا بينهم حابسا انفسه ينبض قلبه بكل مره تقلب أحدهم بفراشه…وصل الي الباب والعرق يتصبب من جبينه بالرغم من برودة الجو بالخريف وسريعا ما امسك حذائه المهترئ وفتح باب المنزل الخشبي ببطء…كره بابهم الخشبي عندما أصدر صريرا مزعجا جعل اسايو تتقلب هامسة ” أمي. “
أخذ نفسًا عميقًا بعد خروجه…مهما جرب التسلل فما زال مخيف بالدرجة ذاتها.
سلك طريقه بين الأشجار لتنفيذ خطته التي تقتصر على إشعال النيران بالمطبخ…أراد أن يسجن جينتا رفقة والدته في الحجز لثلاثة أيام ليبعده عن الحارس نوا ويفكر بالحل خلال هذه الأيام.
سار يتنفس هواء الليل البارد وكل ما يسمعه بالهدوء عواء الذئاب من غابة الأسياد…كان الصوت مخيفا وإضافة البومة الحان أكثر إخافة.
ذئاب أو بومه؟ اقل إخافة من صوت البشر.
توقف عن السير واختباء خلف أحد الأشجار عندما اقترب من الوصول الي المطبخ لسمعه صوت رجل. ارتجفت قدميه وابتلع ريقه متخيلا ما سيحدث له إذا تم إمساكه.
” أنا اسفه. “
كان الصوت مألوفا.
” وبماذا يفيدني اسفك واللعنة؟ “
والده جينتا ورجل لم يسمع صوته قبلا تقريبا ولكن عقله أدرك هويته.
” أراد الفتى أخذ جينتا للنوم مع اقرأنه ولم أجد سبب للرفض.”
” احتاج الطفل جينتا! الآن! “
صرخ الحارس نوا
” سيدي يمكنني أن أكون محل طفلي…حتى لو لم أكن جميلة مازلت امرأة. “
تسارعت نبضاته مكذبا ما حط على أذنيه…كانت والده جينتا تعلم. كانت تعلم بما يمر به ابنها.
لا لم تكن تعلم فحسب بل سلمت الطفل بإرادتها!
________
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "04"