بعد أن أنهيتُ جولتي مع ليدر في أرجاء متجر لومينوس الكبير، كان المساء قد حل بالفعل.
كنتُ قد وعدتُ بالعودة مبكرًا، لكن الوقت انقضى أسرع مما توقعت. نقرتُ بلساني بضجر وعدتُ إلى قصر لابرينث، حيث استقبلتني “ماي” والخادمات وهنّ يتراكضن نحوي بقلق بالغ.
قالت إحداهن بنبرة مرتجفة:
“لقد تأخرتِ كثيرًا، كدنا نظن أن مكروهًا أصابك.”
وسألت أخرى:
“كيف حال صحتكِ الآن؟”
وأضافت ثالثة:
“هل تشعرين بتعب أو دوار؟ هل تناولتِ شيئًا؟”
كان حرصهنّ مبالغًا فيه قليلًا، وكأنني قطعة زجاج يمكن أن تتحطم بأدنى لمسة. ومع ذلك، كان من الطبيعي أن يقلقن، فهذا أول خروج لي منذ أن استيقظتُ من غيبوبة دامت ثلاثة أشهر.
وفي الحقيقة، كان جسدي يشعر بثقل لا يُطاق.
“أنا متعبة قليلًا. لا حاجة للعشاء، أعدّوا لي حمامًا فقط. أود أن أنام مبكرًا.”
ومع انحسار التوتر عن جسدي، أخذت جفوني تثقل شيئًا فشيئًا. اتجهت مباشرة إلى الحمام، حيث كانت تطفو فوق الماء بتلات ورود زرقاء من ليلستاين—هدية قدّمها لي رينوس قبل فترة قصيرة.
كدن الخادمات أن يُغشى عليهن عندما أغمضتُ عينيّ وكدت أغفو في المغطس، لكن في النهاية، انتهى بي الأمر على سريري الوثير بسلام.
وقبيل أن أغفو، وبينما كنت أتنفس رائحة الورد الخافت الذي بقي عالقًا بجلدي، وقعت عيناي على دمية “بييك” الموضوعة على الطاولة الصغيرة بجوار السرير.
كانت مصنوعة من خيوط سوداء، وقد حاكها رينوس بالصوف بنفسه، مراقبًا المرآة في كل مرة زارني فيها على هيئة التنين الصغير.
ورغم أنها لم تكن مكتملة بعد—فلا تزال تفتقد عينين وجناحًا آخر—إلا أن جودة صنعها كانت متقنة بحيث يمكن بيعها كما هي.
وقد وعدني أنه سيكملها هذه الليلة.
لكن جفوني كانت أثقل من أن تنتظر قدومه المجهول.
تمتمتُ وأنا أفرك عينيّ اللتين يغلبهما النعاس:
“خمس دقائق فقط… مجرد خمس دقائق…”
كنت بالكاد أعي ما أفكر فيه.
لا أريد أن أنام…
ولأقاوم النعاس، شددت وجنتي بقوة، وخدشت ظهر يدي بأظافري، بل حتى صفعت وجهي.
لكن في النهاية، لم أستطع مقاومة أمواج النوم، وغرقتُ في سبات عميق.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
في ذلك الوقت، كان رينوس غارقًا في العمل.
كل جهوده كانت منصبّة على تصحيح تاريخ إلدورادو الملطخ بالأكاذيب، وبأسرع وقت ممكن.
لطالما كابد العجز لكونه غير قادر على محو تلك السجلات الزائفة. لم يزعجه قط أن ينعته البشر بـ(التنين الشرير)—لكن أن يُسجَّل اسم “إيل” كشريرة كان افتراءً لا يُحتمل.
ثم صادف، ذات يوم، أنه وجد في برج السحرة كتاب تاريخ عن إلدورادو.
وحده هذا الاكتشاف كان كفيلًا بأن يجعل حلمه في إنصاف الماضي أمرًا ممكنًا.
ومنذ ذلك الحين، لم يكف عن مراسلة برج السحر سرًّا، ساعيًا لإعادة كتابة تاريخ إلدورادو الذي زوّره نوكس.
بل إن الإعلان بأن الشيطان نوكس قد تلبّس الأمير الثاني، لم يكن سوى تمهيد لهذه الغاية.
حتى الليلة، ظل منشغلًا بالتواصل مع برج السحرة حول هذه المسألة حتى ساعة متأخرة من الليل.
وعندما عاد مسرعًا إلى غرفته، شرع على الفور في الاستعداد لزيارة سييلا.
صرف جميع الخدم متعللًا برغبته في النوم مبكرًا، وما إن بقي وحيدًا حتى استعاد هيئته الحقيقية كتنين.
تألّق جسده بوهج داكن، وتناثرت ثيابه على الأرض، وخرج من بينها بييك، التنين الصغير، مرتجفًا قليلًا.
– بييب…
فرد جناحيه الصغيرين ورفرف متوجهًا نحو المرآة الكبيرة، مثبتًا بصره على انعكاسه.
جسد قصير ممتلئ، وعينان حمراوان مستديرتان لا تحملان شيئًا من مهابة التنانين… وهو ما أثار استياءه، لكنه ابتسم عندما تذكّر أن سييلا تراه لطيفًا. وذلك كان كافيًا.
أمسك بالمنشفة الجافة التي أعدّها سلفًا، وأخذ يمسح قشوره السوداء حتى غدت لامعة.
ثم أمسك شريطًا أحمر طويلًا، رماه في الهواء، وحلّق نحوه، ليلفّه حول عنقه، ويعقده على شكل ربطة أنيقة بمهارة متقنة.
كانت تلك طريقة ابتكرها بنفسه، إذ إن ذراعيه القصيرتين لا تساعدانه على ربط أي شيء يدويًا.
– بييب!
وقف رينوس أمام المرآة يضبط الشريط الأحمر بعناية، متأكدًا ألا يطول أحد طرفيه أكثر من الآخر. وحين شعر بالرضا عن النتيجة، أومأ برأسه إيماءة إعجاب صغيرة، ثم التقط باقة الأزهار الكبيرة التي أعدّها مسبقًا، وانطلق خارج النافذة محلّقًا.
وحلّق بمهارة، متفاديًا أنظار الناس في سماء الليل. وبعد فترة من الطيران، وصل أخيرًا أمام نافذة غرفة سييلا.
طرقات خفيفة.
– بييب؟
كانت سييلا قد أبقت القفل مفتوحًا ليتمكن من الدخول متى شاء، إلا أن رينوس تعمّد أن يطرق.
فمهما كان لديه إذن مسبق، لم يكن من اللائق اقتحام غرفة آنسة من دون استئذان.
لكن، على الرغم من طرقه المتكرر، لم تظهر سييلا.
تساءل: هل يمكن أنها غفت بينما كانت تنتظره؟
وبتردد فتح النافذة بنفسه وانسل إلى الداخل.
بخطوات خفيفة اقترب من السرير، وكما توقع، وجد سييلا تغط في نوم عميق.
رغم خيبة أمله لعدم رؤيتها مستيقظة، لم يشأ إزعاجها. فوضع الباقة بحذر، ثم مد مخالبه الأمامية ليلتقط دمية “بييك” غير المكتملة الموضوعة على الطاولة.
لقد كانت مشابهة له في الشكل والحجم إلى درجة أن المرء، من بعيد، قد يظن أنهما صغيرا تنين حقيقيَّين.
حين تستيقظ وترى الدمية مكتملة، ستسعد بذلك حتمًا.
جلس بأدب، مطويًّا ذيله تحت جسده، واتخذ من نور القمر المتسلل عبر النافذة مصباحًا، ليواصل حياكة الجناح المتبقي.
وما هي إلا لحظات حتى أنهى الغرزة الأخيرة، وربط عقدة أنيقة، ثم قطع الخيط بأسنانه الحادة.
وبإضافة زرين أحمرين مكان العينين، اكتمل صنع دمية “بييك”.
رفع رينوس الدمية الصوفية عاليًا، وحين تأملها تحت ضوء القمر، لم يسعه إلا الاعتراف بأنها بدت في غاية اللطافة.
آمل أن تعجب الآنسة حين تراها…
لكن ما إن ألقى نظرة على سييلا النائمة، حتى تجمّد في مكانه.
فقد تذكّر تلك المرة حين ذهب إلى النقابة، ورآها تحتضن دمية “بييك” بقوة.
وهذه الدمية الصوفية أيضًا ستبقى بجانبها.
أما هو… فلا يستطيع.
دمية تافهة يمكنها أن تبقى قربها، أما هو فلا.
دمية لا أكثر… مجرد دمية…
وبانفعال مفاجئ، ركل رينوس الدمية دون وعي، فتدحرجت على الأرض بارتطام خافت.
وفي تلك اللحظة عينها، وكأن القدر شاء السخرية منه، أطلقت سييلا تنهيدة خفيفة وهي تتقلب في نومها.
“ممم…”
تجمّد رينوس كتمثال.
بدا أنها غير مرتاحة، إذ عقدت حاجبيها قليلًا، ثم تقلبت ببطء وفتحت عينيها نصف المفتوحتين. وجالت نظراتها المرهقة نحو الطاولة—حيث كان التنين الأسود الصغير يتلألأ بوميض غامض تحت نور القمر.
بخشخشة خفيفة، جلست سييلا ببطء.
أما رينوس، وقد أثقله الذنب لركله الدمية الصوفية، فلم يستطع إلا أن يرتجف قليلًا، عاجزًا عن الحركة.
لكنّه انتفض مذعورًا حين مدّت يدها نحوه ورفعته عن الأرض.
– بي… بييب!
“نعم، نعم…”
همست وهي شبه نائمة، متوهمةً أن ما بين ذراعيها دمية “بييك”.
بدأت تربّت عليه كما لو كانت تهدهد طفلًا باكيًا، ثم ضمّته إلى صدرها وعادت لتستلقي محتضنةً إيّاه.
تجمّد رينوس تمامًا كقطعة خشب، مذهولًا مما وقع فيه من مأزق لم يتوقعه أبدًا.
ومع ذلك، سرعان ما اضطررتُ إلى قضاء الليل بأكمله مستيقظًا، ووجهي يشتعل حمرة من حرارة أنفاسها ولهيب جسدها الدافئ المنسكب عليّ.
وعندما اقترب الفجر، استطعتُ أخيرًا أن أدسّ بين ذراعي سييلا دمية التنّين الشرير المتدحرجة على الأرض، ثم نهضتُ على عجل لأفرّ هاربًا.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
في صباح اليوم التالي.
— آنستي، آنستي! لقد رأيتُ كل شيء!
كان جودوري، الذي أنهكه استخدام رينوس لقوّته فلم يعد يتوهج من تلقاء نفسه بل قضى معظم النهار غارقًا في النوم، يهتف بفخر.
أما أنا، وما زلتُ نصف نائمة، فقد فركتُ عينيّ المثقلتين بالنعاس بينما كنتُ أحتضن دمية التنين الشرير في فراشي. يا له من هراء… ما الذي يهذي به منذ الصباح الباكر؟
“ماذا رأيتَ؟”
— التنين الشرير، يا آنستي! البارحة… لقد ربّتِ عليه!
“…ماذا؟”
— هكذا! تمامًا هكذا!
قفز جودوري واقفًا على قدميه، محتضنًا الدمية بين ذراعيه وهو يصفعها، مقلّدًا ما ادّعى أنّه شاهده.
حدّقتُ فيه بذهول، وأحسستُ بقلبي يهبط في صدري، فسارعتُ إلى التحقق من الشيء الذي كنت أحتضنه.
أيمكن أن يكون هذا… ليس دمية بل رينوس نفسه؟
“عمّ تتحدث؟ هذه مجرد دمية.”
— التنين الشرير قد بدّلها!
“قلتُ لك إنها مجرد دمية.”
— لكن جودوري رأى كل شيء! لقد ركل السيد التنين الدمية بقدمه، وتظاهر بأنه الدمية نفسها! ثم… ثم استبدلها!
…أيمكن أن يكون رينوس ماكرًا إلى هذا الحد؟
وعندما أمعنتُ النظر، لاحظتُ أن الدمية التي كانت غير مكتملة قد اكتمل ظهرها بجناحين، بل إن عينين صغيرتين حمراوين من أزرار قد خيطتا عليها بإتقان.
لا يمكن أنني حِكتُ ذلك وأنا نائمة… مما يعني أن رينوس حقًا جاء البارحة. ولكن، لماذا يفعل أمرًا كهذا؟
…وبالتفكير مليًّا، بدا لي أنني أدركت السبب. ألم يشعر بالغيرة من الدمية من قبل؟
ربما حين أنهى أخيرًا حياكة الدمية البارحة، استبدّت به الغيرة فركلها بقدمه غيظًا. لكن أن يتظاهر هو نفسه بأنه الدمية؟ يا له من تصرف طفولي ظريف.
لو لم يخبرني جودوري بذلك، لما كنتُ خمّنت أبدًا.
وبتثاؤب كسول، كافأتُ جودوري المتكوّر على نفسه بنعاس بجائزة قدرها مئة مليون، لقاء إخلاصه.
وفي تلك الليلة، ذهبتُ للنوم معانقةً دمية التنين الشرير المكتملة، متظاهرةً بأنني غارقة في النوم.
انتظرتُ… وانتظرتُ.
صرير…
— بيبب…
تردّد صوت طرق خافت، ولما لم يصدر مني أي رد، سُمِع صوت النافذة تُفتح، يعقبه خفقان أجنحة صغيرة ترفرف في الهواء.
ظلّ يحوم في الفراغ لحظة، ثم هبط بخفة على سريري حيث كنتُ أستلقي.
استشعرتُ نظراته الحادة المثبتة على الدمية بين ذراعيّ. ولو كان بإمكان الدمية أن تتصبب عرقًا باردًا، لكانت غمرت نفسها به عشرات المرات.
تابعتُ التظاهر بالنوم، وأخفيتُ ابتسامةً كادت تفلت من شفتي، محاوِلةً أن أضبط أنفاسي على وتيرة هادئة منتظمة.
لكن حين مدّ مخالبه الصغيرة
، كما لو كان يختبر شيئًا لم يرق له، فتحتُ عيني فجأة وأمسكتُ بمخلبه.
— بييبب!
ارتعب رينوس وأطلق صرخة عالية النبرة. فبادرتُه بنبرة ماكرة:
“هل كنتَ تغار من الدمية؟”
═══∘ ° ❈ ° ∘═══
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 180"