هزّ رينوس رأسه يمينًا ويسارًا، وعلى وجهه تعبيرٌ قاتم.
“عثرنا على مرآة مريبة، لكن لم يكن هناك أحدٌ. لم يتبقَّ سوى أثرٍ خافت، وكانت مجرّد مرآة عاديّة لا أكثر. أظن أنّ نوكس تسلّل إلى متاهة الأمير الثاني…”
وبحسب شرحه، فإنّ المتاهة هي في النهاية مساحة تُحتجز فيها أرواح الموتى. أي أنّ نوكس، بعد أن فقد جسده، قد يكون تحوّل إلى روحٍ شريرة ودخل المتاهة كذلك.
يبدو أنّه رأى أن البقاء على قيد الحياة داخل المتاهة أفضل من البقاء محبوسًا داخل المرآة.
إذا حالفه الحظ، فقد يتمكن من السيطرة على جسد المضيف. ألقيتُ نظرةً خاطفةً مجددًا نحو ظلي.
فأنا أيضًا، إن نضبتْ قُوايَ الذهنيّة تمامًا، سينتهي بي الحال فريسةً لتلك الأرواح الشريرة.
لا شكّ أنّ نوكس استغل هذا الوضع، واندسّ في متاهة الأمير الثاني مترصّدًا اللحظة المناسبة.
وبالطبع، لا يمكنه السيطرة على جسد الأمير بمفرده، بل سيتعيّن عليه أن يُشاركه مع أرواحٍ شريرة أخرى…
يبدو أنّه يرغب في البقاء حيًّا، ولو بهذه الطريقة.
وبينما كنتُ غارقةً في أفكاري، تحدّث رينوس مجددًا بنبرةٍ جادّة، بعدما كان يفكّر بصمت:
“في الواقع، عدد الأشخاص الذين اختفوا من القصر حتى الآن لا يكفي لإبقاء المتاهة قائمة. وهذه هي المشكلة الحقيقية…”
“هل تعني… أنّ هناك حاجةً إلى المزيد من الأرواح البشريّة؟”
“نعم.”
أومأ رينوس برأسه إيماءةً خفيفة بالكاد تُلاحظ.
فحتى متاهة لابرينث كانت تعجّ بمئات الأرواح الشريرة، بينما لم يتجاوز عدد المختفين من القصر عشراتٍ قليلة.
وهذا يعني أنّ الأمير الثاني ونوكس، الهارِبَين، سيستمران في قتل الناس لجمع المزيد من الأرواح لتغذية المتاهة.
ولأنّ الجميع لا يعلمون أنّ الأمير الثاني اكتسب مثل هذه القدرة، فربما يُلقى اللوم عليّ في النهاية.
لا، بل سيُلقى اللوم عليّ حتمًا. حتى اليوم، ألم يسيء كلّ من رينوس وروبليت الظنّ بي فورًا؟
هؤلاء الأوغاد…
من الذي تحاولون توريطه؟!
تجهّمتُ وأنا أضمّ ذراعيّ، أفكّر في كيفية الإيقاع بهؤلاء الحثالة، وفجأةً خطرت ببالي فكرة، فعبّرت عنها بصوتٍ عالٍ:
“لننصب لهم فخًّا. سأكون الطُعم.”
“…ماذا؟”
“ماذا؟!”
حدّق الاثنان بي بدهشة. وضعتُ يدي بهدوء على صدري، وواصلتُ حديثي بنبرةٍ وكأنّ الأمر لا يثير أي قلق:
“ألن يكون من الأفضل لهم التهام مئات الأرواح دفعةً واحدة، بدلًا من واحدة تلو الأخرى؟”
“هذا مستحيل.”
“هل جننتِ؟”
اعترض الاثنان على الفور، كما لو كانا يتوقعان منّي هذا. خاصّةً روبليت، الذي تجمّدت ملامحه فجأةً، ثم قال محذّرًا:
“إذا حدث خطأ، فلن تكوني الوحيدة التي تموت.”
“وماذا إذن؟ هل نترك الأمور على حالها؟”
“سوف نمسك بهم. سنُرسل الفرسان—”
“وكأنّ البشر العاديّين يمكنهم الصمود داخل متاهة. هذا سيكون بمثابة قول: ‘تفضّلوا، التهموني.’ أنتم بذلك تُسهّلون عليهم استكمال طقوس المتاهة.”
عندما وخزتُه بهذا التعليق، صمت روبليت. فهو قد خاض تجربة دخول متاهة لابرينث في معركته معي سابقًا.
أمّا رينوس، فلم تُثنه كلماتي، بل أمسك بيدي بشدّة، وتوسّل بنبرةٍ يائسة:
“سأعثر عليهم بنفسي، لذا أرجوكِ، لا تُفكّري أبدًا في هذا الأمر.”
“لكنّنا لا نعرف حتّى إلى أين هربوا. هل ستبحث بمفردك؟ العالم واسعٌ جدًّا.”
“سأُساعده.”
“سواء أكنتما اثنين أو فردًا واحدًا، فالمعاناة واحدة. طالما لم يُكشَف أنّ الأمير الثاني هو من يقف وراء هذا الأمر، سيعتقد الجميع أنّني المسؤولة. فماذا سنفعل حينها؟”
“إذا تحدّثنا إليهم وشرحنا—”
“سموك، أنت تعلم جيّدًا أنّ ذلك لن يُجدي.”
لو كان تغيير الرأي العام بهذه السهولة، لما التصقت بالأميرة من إلدورادو تلك السُمعة السيّئة منذ البداية.
في الآونة الأخيرة، كانت سمعة “لابرينث” تشهد ازدهارًا كبيرًا، وإذا بدأت الشائعات السيئة بالانتشار، لكان كثيرون ممّن يتربّصون لاقتناص الفرصة، قد ينقضّوا عليها كالضواري.
فضلًا عن ذلك، كنتُ بالطبع أقوى من الأمير الثاني، الذي لم يكد يكتسب قواه بعد، فلماذا الخوف؟ ولماذا التردّد؟ يكفي أنّ عدد الأرواح الشريرة التي إلى جانبي يفوق ما لديه بعشرة أضعاف.
شدَدتُ على يدِ رينوس، التي كانت تمسك بيدي بقوّة.
“إن شعرتِ أنّ الأمر أصبح خطِرًا، سأنسحب على الفور. أنتما أيضًا ستكونان هناك، لذا لن يحدث شيء خطير.”
“……”
“أفتظنّ أنّني سأُهزم فعلًا أمام شخصٍ بالكاد حصل على قواه؟”
“……”
ورغم أنّني بقيتُ ممسكةً بيده، وأهزّها برفقٍ لفترةٍ طويلة، لم يردّ رينوس، بل أشاح بنظره بعيدًا، يحدّق في السماء وكأنّه يقول: “لن أوافق على هذا أبدًا.”
وكان روبليت على المنوال نفسه.
فهو، وإن لم يستطع الاعتراض بشدّة، لأنّه يعلم أنّني على حق، لم يتمكّن أيضًا من إعطاء موافقته. كانت ملامحه تنطق بحيرة مَن وقع بين خيارين مستحيلين.
وفي النهاية، بدأ الاثنان يعرضان أن يكونا هما الطُعم بدلًا منّي. لكن، منذ البداية، لم يكن المقصود بالطُعم “أنا” وحدي، بل مئات الأرواح الشريرة المحاصَرة داخل متاهتي. ولذا فإنّ اقتراحهما لم يكن منطقيًّا.
“لا أحد سواي يمكنه تنفيذ هذه الخطة. أنتما تعلمان ذلك جيّدًا.”
وعندما أشرتُ إلى هذه الثغرة الواضحة، لم يجدا ما يردّان به، فاكتفيا بالصمت.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
وبعد جهدٍ كبير، نلتُ موافقة رينوس وروبليت أخيرًا. ومنذ ذلك اليوم، بدأت أنشر شائعة مفادها أنّني مريضة بشدّة، بغرض تخفيف حذر العدو.
وسرعان ما انتشرت الأنباء في كلّ ركنٍ من أركان العاصمة، بأنّني أعاني من حُمّى شديدة، وبالكاد أعي ما حولي.
“دوقة لابرينث مريضة؟!”
“يا إلهي!”
لقد صُدم الجميع عند سماعهم أنّ سيّدة الأرواح، والمباركة من قِبل الحاكم، قد مرضت، فاندفعوا لزيارتي كما يتقاطر النحل إلى الزهر.
وسرعان ما تكدّست الهدايا المتمنّية لي الشفاء، فوق بعضها، في قصر الدوقة حتى بلغت الجدران.
بل إنّ الإمبراطور نفسه أرسل كبير أطبّاء القصر الإمبراطوري ليُجري فحصًا طبيًّا لي شخصيًّا.
وقد غمرني الامتنان لذلك الاهتمام، لكنّ رينوس تدخّل في الوقت المناسب ومنع دخول الطبيب، وإلّا لانكشف زيف القصّة أمام الإمبراطوريّة بأسرها.
فالشعبيّة الزائدة قد تتحوّل إلى مأزقٍ أيضًا.
على أيّة حال، بعدما نُصِب الفخ، لم يبقَ إلا انتظار ظهور نوكس والأمير الثاني.
لكن لم يحدث أيّ تحرّك منهم.
وبحسب رأي رينوس، فإنّ احتواء المتاهة داخل الجسد مُرهق للغاية، ما يجعل الإقدام على أيّ خطوة متهوّرة أمرًا صعبًا عليهم.
“أو ربّما يتوخّون الحذر.”
فلو اندفعوا بناءً على الشائعات فقط، وفشلوا، ستكون العواقب وخيمة. لذا، من الممكن أنّهم يستهدفون أشخاصًا عاديّين عوضًا عنّي.
ولأنّ فتح المتاهة يُجهد الجسد بشدّة، فالأرجح أنّهم كانوا بانتظار فرصةٍ يتجمّع فيها عددٌ كبيرٌ من الناس في مكانٍ واحد—لينهوا كلّ شيءٍ بضربةٍ واحدة.
“كاحتفال تسليم سيف الشتاء، على سبيل المثال.”
ومن أجل الحفاظ على استقرار الإمبراطورية، أبقت العائلة الإمبراطورية اختفاء الملكة وهروب الأمير الثاني طيّ الكتمان.
لذا، استمرّت الاستعدادات للحفل حسب الموعد المقرّر.
وكان أنسب وسيلةٍ لحماية الأبرياء هي إلغاء الحدث تمامًا، لكنّ إيقافه إلى الأبد غير ممكن.
وفوق كلّ ذلك، فإنّ هذه الفترة، حيث لم يستقرّ بعد امتلاكهم لقوّة المتاهة، كانت أضعف فتراتِهم. ولهذا قرّرتُ أن أستغلّ هذه المناسبة للإيقاع بنوكس والأمير الثاني.
“من خلال استخدامي أنا كطُعم.”
وأخيرًا، حلّ اليوم المنتظر.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
انطلق حفل توزيع جوائز مسابقة المبارزة المتأخر، إلى جانب احتفالية اختيار سيف الشتاء، في ساحة العاصمة المركزيّة.
“واااااااه!”
“يحيا سموّ وليّ العهد!”
“مبارك فوزك في مسابقة المبارزة!”
“تهانينا لاختيارك سيف الشتاء لهذا العام! إنّك تبدو رائعًا بجانب الدوقة لابرينث!!”
منذ وقتٍ ليس ببعيد، كان وليّ العهد منبوذًا بوصفه ملعونًا بلعنة التنّين الشرير—أمّا الآن، فقد بلغت الهتافات باسمه حدًّا يكاد يُصمّ الآذان.
وكانت الهتافات الموجّهة إليّ، بصفتي حبيبته المعلنة، تتخلّل ذلك الصخب بين الحين والآخر.
في تلك اللحظة، كنتُ أستقلّ عربةً مغطّاةً بستائر سوداء، متذرّعةً بمرضي، متّجهةً إلى الساحة المركزيّة لحضور الحفل.
وكان روبليت يجلس أمامي داخل العربة، مرافقًا لي بغرض الحماية. وقد حدّق بي بقلقٍ بالغ، قبل أن يفتح فمه أخيرًا ليتحدّث…
“فلنعد أدراجنا الآن قبل فوات الأوان.”
“قلتُ لك، أنا بخير.”
صراحةً، كنتُ أشعر ببعض التوتر.
فمهما بلغت ثقتي بأنني لن أُهزم، لا يوجد إنسان في هذا العالم يظلّ هادئًا بالكامل وهو يستخدم نفسه كطُعم.
لكن، لو اعترفتُ بما أشعر به حقًا، فسيقوم رينوس بالتعاون مع روبليت لتقييدي وإخفائي في مكانٍ آمن. لذا بذلتُ قصارى جهدي كي لا يظهر عليّ أي توتر.
فتحتُ الستارة قليلًا لألقي نظرة على الخارج من خلال الشق.
وكان رينوس، بطل هذا اليوم، يرتدي زيه العسكري، يرافق العربة على جوادٍ أبيض ناصع. كان متشنّجًا من شدة التوتر، تمامًا مثل روبليت.
كانت عيناه اليقظتان تجولان في الأرجاء بين الحين والآخر، وكأنه يحاول التحقق مما إذا كان الأمير الثاني مختبئًا بين الحشود.
أما أولئك الذين يجهلون الحقيقة، فظنّوا أنه يردّ على هتافاتهم، فزادوا في الهتاف والحماس أكثر فأكثر.
“آه…”
أنا ممتنّة لقلقهم عليّ، لكن بدا لي أن قلقهم مبالغ فيه، وأشعرني بقليلٍ من الذنب. أغلقتُ الستارة من جديد، وعدّلتُ جلستي، ثم تنهدتُ تنهيدةً طويلة.
متى سيظهر نوكس؟
يُقال إنّ اللحظة التي تسبق الضربة هي الأصعب. طالما أنه سيظهر عاجلًا أم آجلًا، فليته يُعجّل فحسب.
لكن روبليت أساء فهم تنهيدتي مجددًا، وحاول مرة أخرى أن يثنيني.
“فلننسحب الآن.”
“قلتُ لك، لا.”
“… إذًا، لا تبتعدي عني قيد أنملة، مفهوم؟”
كان روبليت يتحدث، ويده لا تزال ممسكةً بمقبض سيفه، لم يفلته ولو للحظة.
حقًا، يبدو أن الجميع يبالغ في قلقه. تنهدتُ داخليًا بضيق، ثم أجبته بجوابٍ باهت لمجرّد تهدئته:
“نعم نعم، مهما حصل، سألتصق بك وبصاحب السموّ رينوس التصاقًا لا يُفكّ، فلا تقلق.”
سواء كان ذلك حظًا جيّدًا أم سيئًا، فإنّ نوكس والأمير الثاني لم يظهرا حتى لحظة وصول عربتنا إلى الساحة المركزيّة.
وبمرافقة روبليت، نزلتُ من العربة، متظاهرةً بالضعف، متكئةً عليه كأنني مريضة، بينما كنا نتوجّه إلى المقاعد المخصّصة للنبلاء من ذوي المراتب الرفيعة.
وبطبيعة الحال، كنتُ قد وضعتُ طبقةً من المكياج الشاحب لإخفاء ملامح الحيويّة من وجهي، وارتديتُ حجابًا خفيفًا فوقه. وعندما رآني الحضور بهذه الهيئة، أطلقوا جميعًا تعبيراتِ شفقةٍ وأسى.
لكنّ ذلك الجوّ الكئيب اختفى تمامًا، عندما ظهر البابا ومرافقوه في الساحة.
“……”
“……”
“……”
صمت.
أينما مرّ البابا، كان الصمت يتبعه.
الجمهور، الذي كان يُبدي تعاطفه معي، وكذلك رينوس وروبليت اللذان كانا بجانبي، جُمّدت نظراتهم على البابا، وظلّا مذهولين يحدّقان في البابا دون أن يرمشا.
نظرتُ بعينين مرتجفتين إلى البا
با وهو يتقدّم بخطى واثقة… مرتديًا ملابسه الداخليّة فقط، وخلفه تسعة من كبار الكهنة، يتبعونه بوجوهٍ ساكنةٍ وجادّة، وكأنّ الأمر في غاية السموّ.
يا للجنون…
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 170"