سأل شيد باستغراب، وقد شدّته جملةُ “القدرة الخاصة” أكثر من خبر اختفاء الخدم.
عندها ارتسمت على وجه نوكس ابتسامة لا تمتّ للإنسانية بصلة.
「نعم. أقصد القدرات الخاصّة التي يمتلكها مؤسّسو الإمبراطورية. كأن يستدعوا المتاهة من خلال الظلال مثلًا…」
“وهل هذا ممكن حقًا؟”
「أجل. لكن لا بدّ من دفع الثمن. فلا شيء يُمنح دون مقابل، أليس كذلك؟」
كان في نبرة صوته عتمةٌ غريبة جعلت شيد يُدرك مدى خطورة هذا العرض.
ومع ذلك، فقد كان وقع كلمات “قدرة خاصة” مغريًا بشكل لا يُقاوَم.
بعد أن طلب من نوكس تفاصيل إضافية، أجابه بأنّه سيفكّر في الأمر، واتجه بعدها إلى جناحه الخاص.
لكنه، عندما عاد، فوجئ بالملكة بانتظاره، وكأنّها قضت ساعات في القلق والانتظار.
“بُني…”
أمسكت بيديه بقوة، وقد بدا عليها الإرهاق والإنهاك من شدّة القلق.
وبينما كان ينظر إلى والدته التي بدت متوتّرةً على غير عادتها، راوده شعورٌ قوي بأنّ أمرًا سيئًا قد حدث.
وسرعان ما تأكّدت شكوكه.
“من الأفضل أن تُغادر العاصمة لبعض الوقت. إنّها أوامر جلالته.”
“…ماذا تقولين؟”
حتى شيد، الذي كان يُعرف بسلوكه المستهتر، لم يستطع أن يصمت أمام هذه الكلمات.
وبينما كان واقفًا، متجمّدًا من الصدمة، رمقته الملكة بنظرةٍ مضطربة، ثم بدأت تُفصح عن الحقيقة بحذر.
“يبدو أنّ جلالته… استخدم شعرة من رأسك لإجراء اختبار كشف النسب. وقال إنّه لن يُخبر أحدًا، بشرط أن تُغادر بهدوء…”
اختفت كلّ التعابير من وجه شيد في لحظة.
تذكّر حينها كيف أنّ الخادم الذي كان يرتّب فراشه قد استُبدل فجأة بشخصٍ غريب لا يعرفه.
وقد وجد الأمر غريبًا حين قيل له إنّ التبديل كان بأمر من الإمبراطور. والآن فقط أدرك أن الهدف كان سرقة خصلةٍ من شعره.
مع أنّه لم يكن يُقال شيء أمامه مباشرة، كان شيد يعلم منذ وقتٍ طويل أنّ النبلاء يثرثرون حول نسبه.
وكان هذا أحد الأسباب التي جعلته يكره رينوس، ابن الإمبراطورة الشرعي.
لكن تلك المسألة قد طُويت منذ زمنٍ بعيد، فلماذا تُفتح من جديد الآن؟
شدّ على أسنانه، بالكاد قادرًا على كبح جماح الغضب المتصاعد داخله، وتحدّث بصوتٍ أجشّ يكاد لا يُسمع:
“ألم تُغلق هذه القضيّة منذ سنوات؟ لقد سمعنا صوت الحاكم! والآن يريد أن ينقضّ كل شيء؟ أضف إلى ذلك، لا أحد يعلم ما إن كان أخي ودوقة لابرينث قد عبثا بالأداة السحرية أم لا!”
“……”
“رجاءً، يا أمّي… قولي له إنني ابنه، وإنّه لا يجوز أن يتخلّى عن ابنه بسبب أداةٍ سحريةٍ كاذبة!”
كان صوته وكأنّه ينزف من قلبه، لكن الإمبراطورة لم تفعل سوى عضّ شفتيها وتجنّب النظر إليه.
وردّة فعلها تلك، التي كانت أشبه بما يصدر عن مذنب، جعلت ملامح شيد تتصلّب تدريجيًا، وقد بدأت الحقيقة تنجلي أمامه.
“لا تقولي لي… أنّ الأمر صحيحٌ حقًا…”
“لا! لا يا بُني، أنت بالتأكيد ابن جلالته!”
انتبهت الإمبراطورة أخيرًا، وسارعت إلى الإنكار.
لكن ردّها المتأخّر، ولو للحظة، كان كافيًا ليُدرك شيد الحقيقة، أنّ عالمه قد بدأ يتهاوى.
أمسكت به الملكة بارتباك، وشدّت على يديه بقوّةٍ أكبر. ثم، بدأت تواسيه بصوتٍ حنونٍ يشبه نغمةَ أمٍّ تحاول تهدئة طفلٍ يبكي.
“جلالته يعلم تمامًا أنّك ابنه، إنّه حقًا يعلم ذلك! لكن هناك من يسعى لتشويه سمعتك بالكذب والخداع، وقد حاول فقط أن يوقفهم—”
“وذلك بطردي من القصر؟”
سخر شيد، وهو يزيح يدَي الإمبراطورة عنه بعنف.
“لهذا السبب، كانت نظرات جلالته إليّ دائمًا أبرد من نظراته لأخي. ها. لا بدّ أنّه يشعر بالارتياح أخيرًا، لأنّه وجد سببًا لطردي! يا لها من ذريعة مثالية حصل عليها!”
“…جلالته يعلم أنك استخدمت لفافةً سحرية.”
أغلقت الإمبراطورة عينيها بيأس، وأفصحت أخيرًا عن السبب الحقيقي وراء طرد شيد من القصر.
“مَن يحاول إلحاق الضرر بأحد أفراد العائلة المالكة، ولو كان من العائلة نفسها، لا يُعفى من العقوبة. وفوق ذلك، حتى الماركيز الذي كان في صفك قد تخلّى عنك…”
“وماذا عنكِ؟”
قال شيد بحدّة، رافعًا طرف فمه في ابتسامةٍ ساخرة.
“هل تخلّيتِ عني أنتِ أيضًا؟ هل هذا سبب ما تفعلينه بي الآن؟”
“… لم أعد أملك القوة لحمايتك.”
انهمرت دموع الملكة على خديها، وهي تبكي بحرقة.
فبعد أن تصدّعت علاقتها مع دوقة لابرينث التي تصاعد نفوذها مؤخرًا، وتخلّي ماركيز تشيريش عنها بسبب قضيّة تيرييل، ثم تدهور علاقتها بالبابا، لم يتبقَّ لها ما يكفي من النفوذ لحماية ابنها.
أفضل ما يمكنها فعله الآن هو مساعدته على مغادرة العاصمة بهدوء، بعيدًا عن الأنظار.
“……”
شعر شيد وكأنّ الهواء انقطع عنه. ومع اختناق الشعور في صدره، بدأت نيران الغضب على والدته التي حاصرته في هذا المأزق، تشتعل ببطء.
تعمّقت ابتسامته الملتوية، وتحوّلت نظرته إلى الملكة نظرةً باردة خاوية تمامًا من المشاعر، كما لو كان ينظر إلى غريبة لا يعرفها.
لكن الملكة، الغارقة في دموعها، لم تلاحظ هذا التحوّل. مسحت عينيها بمنديل، ثم استعجلته بنبرةٍ راجية:
“لقد وجدتُ مكانًا يمكنك أن تستريح فيه. أعلم أنّ الأمر صعب، لكن تحمّل قليلًا. وسأبذل قصارى جهدي لأُليّن قلب جلالته، وأُعيدك إلى القصر مجددًا—”
“أمّي.”
قاطعها شيد، قابضًا على كتفيها بقسوة. وميضٌ خطير اشتعل في عينيه الذهبيّتين، فيما بدأت فكرة—كان عليه ألّا يفكر بها إطلاقًا—تتشكل داخله.
عندها فقط، شعرت الملكة أنّ هناك شيئًا غير طبيعي، فتراجعت بخوفٍ من نظرة ابنها.
لكن شيد لم يُرخِ قبضته.
وهمس بصوتٍ قاتم:
“ثمّة مكانٌ أريدكِ أن تذهبي إليه معي.”
“إ-إلى أين…؟”
“ستعرفين حين نصل.”
ثم اقتاد الملكة، شبه مرعوبة، نحو أحد الممرات المؤدّية إلى حيث كان نوكس ينتظر، دون أن يُتيح لها خيار الرفض.
حاول الخدم، الذين أصابهم الذهول من وجه الملكة الشاحب، اللحاق بهما، لكنه صدّهم ببرود، قائلًا إنّه لا حاجة لذلك، وأخذ الملكة بمفردها.
وكانت تلك آخر مرة يُرى فيها وجه الملكة.
ومنذ ذلك اليوم، لم يرَ أحدٌ الملكة مجددًا.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
لم تمضِ فترةٌ طويلة على تهدئتي لرينوس المرتبك وإعادته، حتى أعلنت العائلة الإمبراطورية عن موعد إقامة حفل توزيع جوائز بطولة المبارزة واختيار “سيف الشتاء”.
كانت العاصمة تعيش حالة من الاضطراب، بسبب ما قيل عن عقاب الحاكم الذي حلّ بالأمير الثاني، والإشاعات المشؤومة التي تحيط بقصره، لكن الإعلان بدا كأنّه محاولة يائسة من العائلة الإمبراطورية لتُثبت أنّها ما تزال تملك زمام السيطرة.
على عكس “نجمة الصيف”، التي يُعلن عنها في قاعة الرقص الملكية، يُكشف عن “سيف الشتاء” في الساحة المركزيّة، ثم يُقام عرضٌ مهيب يجوب أنحاء العاصمة، بمشاركة “نجمة الصيف” أيضًا.
وكان من الواضح أنّهم يهدفون إلى كسر الأجواء المتوتّرة وتهدئة الأوضاع بهذه الطريقة.
لعقتُ شفتي بامتعاض، وأنا أستعيد في ذهني صورة الإمبراطور، الذي شحب وجهه بعد أن علم بما فعله الأمير الثاني.
لا بدّ أن قلبه يتمزّق.
حتى وإن لم يكن شيد ابنه بالدم، إلا أنّه كان ابنًا تبنّاه وربّاه بمحبّة—ثم يحاول هذا الابن أن يؤذي ابنه الحقيقي.
لا بدّ أنّه كان أمرًا مفجعًا إلى حدٍّ لا يُوصَف. ومع ذلك، وبصفته الإمبراطور، لم يكن بوسعه أن يُفضي بمكنونات قلبه إلى أحد.
على أيّ حال، وانطلاقًا من رغبة العائلة الإمبراطورية في إعادة الاستقرار، قضيتُ وقتي بين مراقبة تحرّكات الأمير الثاني والاستعداد لحفل توزيع جوائز “سيف الشتاء”.
وفي أحد الأيام—
وصلت رسالة من المعبد.
كانت مملوءةً بالعبارات المتزلفة المبالغ فيها حتى امتدّت إلى عشر صفحات، لكن محتواها الفعلي كان بسيطًا للغاية:
[متى ستهدينا الزيّ الكهنوتي المصنوع من خيوط الأرواح؟]
آه، كنتُ قد نسيتُ تمامًا ذلك وسط الفوضى الأخيرة. لا يزال هناك خدعة واحدة لم أُنهِها—احتيالي على البابا.
“لو أنّه بقي صامتًا، لكان تجنّب هذه الإهانة.”
تنهدتُ متأسفةً على البابا الذي جلب المذلة لنفسه، وأرسلتُ له ردًا فوريًا:
[أعتذر على التأخير، قداستك. سأزورك غدًا شخصيًا.]
ثم كما فعلت سابقًا، قمتُ برشوة “جودوري” ببعض المال لأقنعه بالمشاركة في هذه الخدعة. وفي اليوم التالي، حملتُ صندوقًا ضخمًا على متن عربة، وتوجّهت إلى المعبد.
كان البابا، على ما يبدو، ينتظر قدومي بلهفة، حتى إنّه خرج لاستقبالي عند مدخل المعبد.
“لقد وصلتِ.”
“نعم، يا صاحب القداسة.”
أومأتُ له برأسي بتعابير جادة، وتبعته. وطوال الطريق إلى قاعة الاستقبال، لم تُفارِق عيناه الصندوق الذي كنتُ أحمله.
وما إن دخلنا القاعة، حتى وضعتُ الصندوق على الطاولة.
لكن بدلًا من فتحه مباشرةً وكشف ما بداخله، استدعيتُ “جودوري” أولًا ليُحيّي البابا بأدب.
كانت تلك خطوةً محسوبة—كانت خطتي أن أربط محتوى الصندوق بروحٍ ما منذ البداية، حتى لا تساوره أيّ شكوك.
– مرحبًا! أنا جودوري!
قالها جودوري بصوتٍ طفولي لطيف، ثم مدّ يده في الهواء وانحنى قليلًا عند ركبتيه، تمامًا كما تفعل سيدة أنيقة تُؤدّي التحيّة في قاعة رقص.
أنتَ ذكر، فلماذا تُحيّي بهذه الطريقة؟
في هذه الأثناء، البابا الذي كان يشاهد روحًا حقيقية لأول مرة—بعد أن سمع عنها فقط في الشائعات—أطلق تنهيدة إعجابٍ خفيفة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 168"