للتحقّق مما إذا كانت الشائعة تدور حقًا حول نوكس، كان عليّ أن أذهب إلى قصر الأمير الثاني.
لكن لم تكن بيني وبين الأمير الثاني أي علاقة شخصية، لذا لم يكن من الممكن أن أظهر فجأة هناك وأطلب منه رؤية المرآة.
طلبت من رينوس أن يتحقق نيابة عني، لكنه لم يتمكن من الدخول أيضًا، إذ رفض الأمير بنفسه مقابلته.
‘أشعر أنه نوكس فعلًا…’
أجهدت ذهني محاوِلةً التفكير في طريقة تمكنني من دخول مكان محصّنٍ إلى درجة أن وليّ العهد نفسه لم يستطع الوصول إليه.
“إن لم أتمكن من الدخول… فلا بد من إيجاد وسيلة لإجبار الطرف الآخر على الخروج. ألا توجد وسيلة لذلك…؟”
وفي تلك اللحظة تمامًا، وصلتني دعوة من الإمبراطور.
لكنها لم تكن موجهة إلى “دوقة لابرينث”، بل إلى “قائدة نقابة التلاعب بالحب في سيل”.
كما أشار راينوس سابقًا، كانت الدعوة لأجل إحضار جهاز كشف النسب. ودون تردّد، تنكّرتُ بهويّة القائدة وتوجّهت مباشرةً إلى القصر الإمبراطوري، حاملةً الجهاز معي.
ومرة أخرى، بفضل ترتيب الإمبراطور، وصلت إلى قاعة العرش دون أن تنكشف هويتي.
وما إن خرج الإمبراطور من خلف الستار، حتى انحنيت وألقيت التحية الرسمية الطويلة:
“هذا الشخص البسيط يحيي شمس الإمبراطورية، بداية المملكة ونهايتها، من بدّد الظلام ومنح نعمة حاكم الشمس – جلالة الإمبراطور المعظّم.”
كان الحاضرون في قاعة العرش ثلاثة فقط: الإمبراطور، رينوس، وأنا.
وعلى عكس المرة الماضية، التي كان فيها عدد من الفرسان واقفين تحسّبًا لأي طارئ، لم يكن هناك أحد هذه المرة، وهو ما جعلني أشعر بعدم الارتياح.
‘منذ متى أصبح الإمبراطور يثق بالناس بهذه السهولة؟’
من خلال محادثاتنا السابقة، لم يكن كذلك. فهل هناك سبب آخر وراء ذلك؟
وبينما كنت غارقة في التفكير، فتح الإمبراطور فمه فجأة بنبرة هادئة، وكان يرمقني بنظرة دافئة بشكل مريب:
“هل استمتعتِ بخداعي؟”
“عذرًا…؟”
ما الذي يقوله…؟
رفعت رأسي مذعورة من وقع الصدمة، وما إن التقت عيناي بعيني الإمبراطور حتى أسرعت في خفض جسدي مجددًا.
“م-ما الذي تعنيه، جلالتك؟”
وقبل أن أتمكن من تدارك الموقف، تدخّل رينوس ليردّ بدلًا مني، وقد بدا عليه الارتباك، ما دلّ على أن هذا الأمر لم يكن متفقًا عليه مسبقًا.
ردّ الإمبراطور بهدوء متأنٍ:
“تلك الفتاة هناك… أليست هي دوقة لابرينث؟”
“…!”
شعرت بصدمة جعلتني أنسى أن أتنفّس. ويبدو أن رينوس قد صُدم بنفس القدر، فلم يتمكن من إنكار الأمر فورًا.
وفي ظلّ صمتنا المطبق، بدا أن الإمبراطور قد تأكد من شكوكه، فقال متراخيًا:
“ولي العهد، لم أرك تهتم بهذا الشكل بأحد من قبل… سوى دوقة لابرينث.”
“… هذا، لأن القائدة تربطها علاقة وطيدة بالدوقة –”
“إلى متى تنويان خداعي؟ دوقة، أخبريني بنفسكِ: إلى أي مدى يجب أن أواصل التظاهر بأنني لم أكتشف الأمر؟”
وعند سماع ذلك الصوت الهادئ، الخالي من أي انفعال، هوت روحي إلى قدمي.
شعرت بجسدي كله يرتجف وأنا أغمض عيني.
أن تخدعي أحد أفراد العائلة الإمبراطورية – بل الإمبراطور نفسه – جريمة لا تُغتفر… عقوبتها الموت.
استنادًا إلى ما عرفته حتى الآن عن طباع الإمبراطور، لم يكن من المرجّح أن يصل إلى حدّ الحكم بالإعدام، لكن ما بدا مؤكدًا أن عائلة “لابرينث”، التي نالت لقب الدوق مؤخرًا، ونقابة “التلاعب بالحب في سيل”، ستتكبّدان عواقب وخيمة.
ولأجل تقليل وقع الجريمة، حاولت أن أبادر بالاعتراف، لكن رينوس كان أسرع مني، إذ وقف حائلًا بيني وبين الإمبراطور، ودافع عني على الفور.
“دوقة لابرينث بريئة. كل ما حدث كان بأمري أنا.”
“…!”
“كانت تنوي أن تكشف عن هويتها الحقيقية منذ البداية، لكنني أنا من نصحتها بعدم فعل ذلك، تحسّبًا لأي طارئ.”
شعرت بنظرات الإمبراطور، التي كانت موجّهة إليّ، تنتقل إلى راينوس. هل كان من نسج خيالي، أم أنّ تلك النظرة كانت تحمل برودة صقيع لا يُحتمل؟
خشيت أن يُسقَط رينوس من نظر الإمبراطور بسبب جرم لم يرتكبه، فأسرعتُ بكشف الحقيقة.
“كلا، إخفاء هويتي كان قراري الشخصي بالكامل. فعلت ذلك بدافع أناني. أرجوك، عاقبني وحدي.”
لكن رينوس لم يتراجع.
“لا، أنا من أمرها بذلك. دوقة لابرينث لا ذنب لها.”
“هذا غير صحيح! صاحب السمو لم يكن يعلم إطلاقًا أنني القائدة! لذا أرجوك، عاقبني أنا فقط—”
“يكفي.”
ما إن نطق بهذه الكلمة الهادئة حتى أطبقتُ فمي على الفور.
كان قلبي يخفق بعنف كما لو أنه على وشك أن يخرج من صدري.
ماذا أفعل الآن؟ حتى لو تمكنتُ من النجاة، فماذا عن ليدر؟ ماذا عن أعضاء نقابتنا؟ وماذا عن جيرالد، الذي عاد لتوّه إلى لابرينث…؟
ازدحمت رأسي بالأفكار، وأخذت أعضّ شفتي بتوتر، غير قادرة على التفكير بوضوح.
لم أكن أجرؤ على رفع رأسي، لذا لم أستطع قراءة تعابير الإمبراطور، لكنه نطق أخيرًا بصوت خالٍ من الانفعال:
“سأُصدر عقوبة بحق دوقة لابرينث.”
“جلالتك!”
صُدم راينوس حتى كاد يسقط، فتحرّك وكأنه يهمّ بالاعتراض، لكنه توقّف حين سمع ما قاله الإمبراطور تاليًا:
“يجب أن تُخطب الدوقة لوليّ العهد في أقرب وقت ممكن.”
“…عذرًا؟”
كنت قد تخيّلت احتمالات للعقوبة: خفض رتبة، أو منع دخول العاصمة لعدة سنوات… لكن الخطوبة؟! لم أصدّق ما سمعته أذناي.
وعندما لم يصدر أي أمر آخر، رفعت رأسي ببطء، مترددة، ونظرت إلى وجه الإمبراطور لأتأكّد.
وإن لم تكن عيناي تخدعانني، فقد كان ينظر إليّ بابتسامة وديعة.
لماذا… يبتسم بهذه الطريقة…؟
صُدمت تمامًا، لكن الإمبراطور أجاب على سؤالي غير المنطوق:
“مع أني استأت من خداعكِ لي، إلا أن نُبلكِ في التفكير بوليّ العهد أثار إعجابي، لذا سأكتفي بهذه العقوبة. هل من اعتراض؟”
“الخطبة يجب أن تكون مبنية على رغبة الطرفين، أرجو من جلالتك أن تراعي مشاعر الدوقة.”
على عكسي أنا، التي لم أستوعب بعد ما يحدث، عبّرت ملامح رينوس المتحجّرة عن رفض قاطع.
لكن الإمبراطور، الذي بدا عليه بعض الجمود هو الآخر، ردّ بنبرة حادة:
“هل يجب عليّ أن أراعي مشاعر من أُنزِل به العقوبة أيضًا؟”
“ليس هذا ما أقصده، لكن فرض الخطبة، وهي مسألة مصيرية، بأمر مباشر من جلالتك–”
“ومع ذلك، لم تتفوّه بكلمة واحدة تُعبّر فيها عن رفضك.”
عند هذه العبارة المباغتة، لاذ رينوس بالصمت.
استغل الإمبراطور تلك اللحظة، ووجّه إليّ نظرة مباشرة، وسألني بصوت بدا لطيفًا بشكل مربك:
“تحدثي، يا دوقة لابيرينث. هل تفضلين أن يكون عقابكِ خطبتكِ لولي العهد، أم ترغبين في عقوبة أخرى؟”
“أفضل أن يُعاقبني جلالتك بخطبتي لسمو ولي العهد.”
لم أحتج إلى التفكير مطولًا. أجبت على الفور، بوضوح وثبات، ثم انحنيت برأسي بعمق.
ارتبك رينوس وحاول أن يثنيني عن قراري.
“الكلمات، ما إن تُقال، لا يمكن التراجع عنها. كنت آمل أن تفكري مليًّا قبل أن تنطقي بها—”
“لكنها قيلت الآن، ولا يمكن استرجاعها.”
عند تدخّل الإمبراطور الحازم، ابتلع رينوس بقية كلماته بصمت.
ثم وجّه الإمبراطور كامل انتباهه إليّ وتابع حديثه:
“أن تُخطبي لولي العهد يعني أنكِ ستصبحين فردًا من العائلة الإمبراطورية. وهذا بدوره يعني أنكِ لن تتمكني من العناية بدوقية لابيرينث كما كنتِ تفعلين. هل أنتِ مستعدة لذلك؟”
“نعم، يا صاحب الجلالة. إن منحتموني إذنكم، أنوي الاحتفاظ بلقبي، وتفويض والدي بتمثيلي في إدارة شؤون العائلة. سبق وأن طبقت هذا النوع من النظام حين كنت في رتبة النائبة، لذا لا أظن أن الأمر سيكون بالغ الصعوبة.”
إجابتي، التي خرجت دون تردد وكأنني كنت أنتظر هذا السؤال، أربكت رينوس أكثر فأكثر.
وتظاهرت بعدم ملاحظة اضطرابه، واسترسلت في النقاش مع الإمبراطور بكل جدية.
في الحقيقة، منذ أن منحني الإمبراطور الإذن باستخدام قصر الكريستال، كنت أتوقع لحظة كهذه.
“حين تُصبحين فردًا من العائلة الإمبراطورية، سيزداد عدد من يسعون لتقييد نفوذ دوقية لابيرينث. هل فكّرتِ في الصعوبات التي قد تواجهينها في إدارة شؤون الدوقية بسبب ذلك؟”
“أشعر بالخجل وأنا أقول هذا، لكن دوقية لابيرينث مرت بالفعل بأزمات قاسية ومتكررة. لذا، وإن وُوجهنا بالمزيد من العراقيل، أعتقد—ولو بشكل غامض—أنها لن تكون أشدّ مما واجهناه من قبل.”
“أفهم… حسنًا. إذن، هل فكّرتِ في مسألة وريث لابيرينث؟”
“أعتذر، لكنني الوحيدة المتبقية من سلالة لابيرينث، وأرى أن من الطبيعي أن يرث أحد أبنائي هذه الدوقية. بطبيعة الحال، لن يتحقّق ذلك إلا بموافقة جلالتكم…”
“هذا شأنٌ ينبغي لكِ مناقشته مع ولي العهد، لا معي. بطبيعة الحال، يجب أن تحظى السلالة المالكة بالأولوية في الامتداد.”
كنت أرد على كل سؤال بسلاسة وكأنني أعددتُ نفسي مسبقًا لكل الاحتمالات، حتى بدت ملامح الرضا واضحة على وجه الإمبراطور.
شعرت ببعض الارتياح في داخلي، مطمئنة بأنني نلتُ مزيدًا من استحسانه. لكن فجأة، خفّض الإمبراطور صوته وغيّر مجرى الحديث بشكل مباغت:
“يكفينا حديثًا في هذا الشأن… لا بد أنكِ تدركين السبب الحقيقي الذي دعاني إلى استدعائكِ سرًّا اليوم.”
“إنني فخورة باستدعاء جلالتكم، لكن لا أجرؤ على الادعاء بأني أفهم نواياكم السامية.”
حتى وإن كنت قد خمّنت السبب، فمثل هذا الأمر لا بد أن يُقال من الطرف الآخر. لذا انحنيت من جديد. فأومأ الإمبراطور برأسه ببطء، وكأنه راضٍ، ثم انتقل إلى لبّ الموضوع.
“اليوم، أنوي التأكّد من نسب الأمير الثاني باستخدام جهاز كشف النسب.”
كما توقّعت.
كان حدسي في محلّه.
لكنني تصرّفت وكأنني أجهل الأمر تمامًا، وانخفضت أكثر إلى الأرض في تواضع مصطنع.
“في هذه الحالة، سنحتاج إلى خصلة شعر واحدة من جلالتكم، وأخرى من سمو الأمير الثاني.”
“لقد أعددتُ كل شيء مسبقًا.”
وبإشارة من الإمبراطور، سلّمه رينوس قارورة زجاجية صغيرة بداخلها شعرة ذهبية واحدة.
ثم انتزع الإمبراطور خصلة من شعره مباشرة، ما يشير إلى أن ما في القارورة تعود للأمير الثاني.
دون أي تأخير، وضعتُ كل شعرة على كفة من كفتي جهاز كشف النسب أمام ناظري الإمبراطور.
وبعد لحظات، بدأت الج
وهرة في منتصف الميزان تتوهّج بلون أزرق صافٍ.
ذلك اللون لم يكن يعني شيئًا سوى حقيقة واحدة:
الأمير الثاني… ليس ابن الإمبراطور.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 166"