سمعتُ لأول مرة عن الشائعات الدائرة في قصر الأمير الثاني خلال الحفلة المقامة في قصر دوقية لابرينث.
فبعد وقتٍ قصير من معركتي مع نوكس في المعبد، أقيمت حفلة بسيطة في قصر الدوق.
لقد كانت حفلة أقامها الأتباع احتفالًا بتعييني دوقة جديدة، لكنها لم تكن ضخمة بسبب الاضطرابات السياسية التي شهدتها الإمبراطورية آنذاك.
لكن “حفلة صغيرة” كان في حجمها فقط؛ أما بالنظر إلى قائمة الحضور، فكان من المستحيل اعتبارها حفلة متواضعة.
كان ولي العهد حاضرًا، إلى جانب دوق جاستيس، بل وحتى الإمبراطور نفسه ظهر للحظةٍ وجيزة.
أما النبلاء المحظوظون الذين نالوا شرف تلقي الدعوة، فقد بقوا مبهورين عاجزين عن الحديث، بينما استمر توافد الضيوف البارزين واحدًا تلو الآخر.
وكانت من بين الحاضرين “أليس”، التي كانت يومًا ما تكنّ مشاعر قوية نحو “روبليت”. أما الآن، فرغم أنها ما زالت تنظر إليه بإعجاب خافت، إلا أنها لم تُظهر شيئًا من حماستها السابقة.
“لماذا يطارد الدوق فتاة مثلها…؟”
بالطبع، لم تكن تكفّ عن التذمّر كلما رأتني أتحدث مع روبليت.
وبينما كانت تزمّ شفتيها كعادتها متبرّمة، رمقت أليس “جيرالد” الذي كان واقفًا إلى جانبها.
وما إن حدّق بها جيرالد بنظرةٍ حاسمة، وكأنه يقول “يكفي”، حتى صمتت أليس وبدت حزينة وهي تُسدل كتفيها بانكسار.
شاهدتُ ذلك المشهد مصادفة، ولم أتمالك نفسي من الابتسام.
“أهذه تستمع إلى غيرها؟”
حقًا، لا بدّ للمرء أن يعيش طويلًا ليرى كل شيء.
ربما كان ذلك بسبب الحجر الساخن محدود الإصدار الذي أعطيتُها إياه سرًّا، لكنها، وعلى خلاف توقّعاتي، تعلّقت بجيرالد أكثر مما تخيّلت.
لدرجة أنه عندما قال لها فور انتهاء حفل الخطوبة:
“متى ترغبين بإعلان فسخ الخطوبة؟ سأقوم بذلك في الوقت الذي يناسبك.”
فقد أصيبت بصدمةٍ جعلتها تفقد شهيتها تمامًا.
“فسخ الخطوبة… فسخ الخطوبة…”
رؤيته لها وهي تتلوّى ألمًا جعله يدرك أخيرًا أنها كانت تحبه بصدق، وبعد طول تفكير، قرّر أن يصارحها بالحقيقة:
“في الحقيقة… أنا أنتمي إلى سييلا. هل لا زلتِ تكنّين لي المشاعر، رغم ذلك؟”
“ماذااا…!”
تحطّمت أليس تمامًا، ودخلت في يأسٍ عميق، حتى إنها توقّفت عن الأكل، وظلت طريحة الفراش.
لكن ما حطّمها لم يكن خداعه لها، بل إدراكها المفزع بأنه إن استمرّت علاقتها بجيرالد، فستنتهي بها الحال كأحد أقربائي.
وبعد أن بقيت طريحة الفراش لعدّة أيام، استدعت جيرالد وصرخت فيه بحدّة:
“لو وقعت أنا وسييلا في الماء، فمن ستنقذ أولًا؟!”
“سييلا لا يمكن أن تسقط في الماء، لذا سأبدأ بإنقاذ الآنسة أولًا.”
“ولِمَ لا تسقط؟ قد تسقط فعلًا، من يدري!”
“سييلا لا تحب الماء، ولا تقترب من ضفافه، لذا هذا افتراض غير وارد. وإن سقطت فعلًا، فستفتح المتاهة وتهرب.”
“…!”
أليس، التي لم تتلقَّ الإجابة التي أرادتها، انتفخت خَدّاها غيظًا، وأخذت تلهث بغضب.
لكن بما أنه قال إنه سينقذها أولًا، فقد تظاهرت بالرضا، وتقبّلته كمن يغضّ الطرف عن الحقيقة.
أما جيرالد، فبدا أنه بدأ يكنّ لها مشاعر حقيقية أيضًا—رغم كونها متقلّبة وصريحة أكثر من اللازم، إلا أنها كانت صادقة ومخلصة في مشاعرها. فقرّر ألا يفسخ الخطوبة، وأن يمنح علاقتهما فرصة حقيقية.
وبالتالي، فإن خطتي لإعطائه منصبًا فور عودته قد أُلغيت، لكنها لا تُلغي وعدي بإعادة لقب “لابرينث” إليه كما وعدت.
لذا، قرّرت أن أستغلّ هذه الحفلة لأُعلن على الملأ عن علاقتي بجيرالد.
“التابعون كانوا يعلمون بالأمر مسبقًا.”
حين كشفتُ في اجتماع الأتباع أن جيرالد لم يكن خائنًا في الحقيقة، أبدى التابعون دهشةً لا تقل عن تلك التي أظهروها حين أخبرتهم بأنني الزعيمة الحقيقية لشركة لومينوس.
وخاصة ماركيز لابرينث السابق، الذي تلقّى صدمةً مضاعفة من خيانة كلٍّ من ابنته وابنه، فقد أمسك بمؤخرة عنقه، وقد ارتسم على وجهه تعبيرٌ ينبئ بأنه على وشك الإغماء.
“لقد جنى على نفسه.”
من ذا الذي طلب منه أن يكون بذلك القدر من التردد؟ لو لم يظهر ذلك التقلّب في موقفه أمام إيزابيلا كأعواد القصب في مهب الريح، لما كان هناك ما يدعونا إلى إخفاء الحقيقة.
على أي حال، فإن التابعين الذين حضروا الحفل، وإن كانت مشاعرهم معقّدة في الباطن، فقد قابلوا جيرالد، الذي عانى كثيرًا في سبيل لابرينث، بلُطفٍ حذرٍ لا يخلو من التقدير.
“أليس هؤلاء من أتباع عائلة الدوق؟ لماذا يبدون هذا القدر من العناية بشخصٍ من المفترض أن يكون عدوّهم؟”
“بالفعل. في الحقيقة، استغربتُ من حضوره للحفلة اليوم، بدا لي أمرًا غير طبيعي.”
“كنتُ أتوقّع أن تُعلّق دوقة لابرينث بكلمة واحدة على الأقل، لكنها لم تقل شيئًا…”
وبينما بدأوا يتلفتون نحوي بفضولٍ وقلق، التفتُّ أنا بدوري نحو جيرالد. وفي اللحظة التي خطوتُ فيها في اتجاهه، خيّم الصمت التام على قاعة الحفل التي كانت قبل قليل تعجّ بالحيوية.
“……”
“……”
الحاضرون، الذين ارتسم التوتر على وجوههم في مواجهة دوقة لابرينث الحالية وغريمها السابق، ابتلعوا ريقهم بصعوبة.
وفي صمتٍ عميقٍ لدرجة أنه لو سقطت إبرة لأمكن سماعها، تبادلنا النظرات بلا تعبيرات.
ثم كنتُ أنا من بادر بالابتسام أولًا.
رفعتُ يدي كأنني أدعوه لمرافقتي، وتحدّثتُ إلى جيرالد، الذي كنت أراه وجهًا لوجه لأول مرة منذ أن ترك لابرينث، بلطفٍ بالغ:
“لقد مرّ وقتٌ طويل منذ آخر لقاء بيننا.”
“بالفعل.”
أجاب جيرالد بصوتٍ هادئ، ثم أمسك بأطراف أصابعي وطبع قبلةً خفيفة على ظاهر يدي.
كان وقع ذلك المشهد على النبلاء الحاضرين صادمًا إلى حدٍّ جعلهم يتجمّدون في أماكنهم.
“ما الذي أشاهده الآن؟”
“هل ما يحدث أمامي حقيقي؟”
كانت تعابير وجوههم تنطق بالحيرة والذهول، الأمر الذي زاد من ابتسامتي—فقد أدركتُ حينها مدى براعتنا في خداعهم طوال الوقت.
ثم وجّهتُ حديثي بلينٍ إلى جيرالد، الذي انحنى أمامي بتقدير:
“سأعيد إليك لقب لابرينث، كما وعدت.”
“أُعبّر عن امتناني لعطفكِ، سيدتي الدوقة.”
أجاب جيرالد بنبرةٍ خافتة يكاد يغلبها التأثر، ثم طبع قبلةً أخرى على يدي ووقف إلى جانبي بهدوء.
حينها، نظرتُ إلى الحضور الذين خيّم عليهم الصمت، كأنما طار صوت الحياة من القاعة، ورفعتُ صوتي قائلة:
“اعتبارًا من هذه اللحظة، يعود جيرالد ليكون أحد أبناء عائلة لابرينث. صحيحٌ أنه لا يملك حق الوراثة، لكنه يظلّ من أفراد العائلة، لذا أرجو من الجميع الانتباه في حديثهم.”
“……”
“……”
لم يستوعب بعض النبلاء ما حدث بعد، واكتفوا بتوسيع أعينهم دهشةً دون أن يصدر عنهم أي ردّ فعل يُذكر.
ثم، في تلك اللحظة بالذات، دوّى صوت تصفيق.
التفتُّ نحو مصدر الصوت، فرأيتُ رينوس يصفّق، وكأنه يعبّر بذلك عن دعمه لقراري.
وسرعان ما انضمّ إليه روبليت، مصفّقًا هو الآخر.
حين صفق الشخصان الأرفع منزلةً في القاعة، لم يكن بمقدور الآخرين أن يظلوا على الحياد.
وسرعان ما غمر صوت التصفيق المدوي أرجاء قاعة الحفل، فتابع النبلاء التصفيق بوجوهٍ مذهولة لا تخلو من الارتباك.
وبما أن التفاصيل أُوكِلت إلى الأتباع لشرح الأمر لاحقًا، فمن المرجّح أن تنتشر هذه القصة في العاصمة بأسرها بحلول الغد.
وفي خضمّ ذلك، وقعت عيناي على دموع لمعت للحظة في عيني جيرالد، الذي كان يشيح بنظره إلى زاوية مائلة.
لا بد أن الآلام التي عاناها في الماضي قد انهمرت على ذاكرته دفعة واحدة.
“وأيضًا، أفكاره عن إيزابيلا…”
حين عقدتُ الاتفاق مع جيرالد، كنتُ قد قطعتُ وعدًا له: أن أضمن بقاء إيزابيلا على قيد الحياة حتى يعود إلى لابرينث.
لكن الآن، وقد عاد جيرالد، فإن موت إيزابيلا لم يعد أمرًا مستبعدًا في أي لحظة.
ومن أجل جيرالد، الذي أفنى نفسه في خدمتي، قرّرت أن أطلب من رينوس تأجيل موعد تنفيذ الحكم بحق إيزابيلا قليلًا.
يقال إنها ظلت هادئة كفأر مذعور في زنزانتها على أية حال.
وبينما أخذت المشاعر المعقّدة تهدأ شيئًا فشيئًا وتخفت حرارة الأجواء، همست أليس، الواقفة بجوار جيرالد، بنبرة حادة:
“لكن، إن تزوجتني فعليك أن تحمل لقب عائلة تشيريش! لا، بل يجب عليك ذلك. هل تفهم، أيها السيّد؟!”
كان من المضحك أنها، التي كانت تتحدث إليه بنبرة عامية جافة حين كان من العامة، بدأت فجأة تستعمل أسلوب الاحترام حين عاد ليحمل لقب عائلة لابرينث.
دون وعي، ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي. وحين لاحظت أليس ذلك، رمقتني بنظرة حادة، ثم زفرت بانزعاج وأشاحت بوجهها بعيدًا.
احمرّت أذناها بشدة، وكأنها غاضبة من السخرية التي تلقتها، لكن بما أنني كنت أعلم بأنها تطارد جيرالد بإعجاب ظاهر، فقد بدا لي ذلك التصرف أقرب إلى اللطافة منه إلى السخط.
✧ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ✧
بعد أن هدأ الاضطراب الذي أثاره جيرالد، عاد النبلاء إلى أحاديثهم المعتادة.
أخذوا يناقشون موضوع استعادة جيرالد لمكانته، وتبادلوا الآراء بشأن كيفية شغل المناصب الشاغرة في الطبقة الأرستقراطية، التي خلّفها حادث إيستالوت.
أما أنا، فقد انشغلت باغتنام كل ما يمكن انتزاعه من الحفل، فبدأت أروّج لمتجر لومينوس الفاخر، القريب من الافتتاح، عبر إشعال فضول الشابات النبيلات بحديثي عنه.
ثم، وبينما كنتُ أتجه نحو غرفة الاستراحة لأخذ قسطٍ من الراحة، استوقفتني همسات قلقة صدرت عن إحدى السيدات النبيلات، فأرهفت السمع دون أن أتحرك.
“هل سمعتم تلك الشائعات؟ يقال إن العاملين في قصر الأمير الثاني بدأوا يختفون واحدًا تلو الآخر.”
“لكن سمعت أن سموّه أرسلهم في مهام عاجلة.”
“هذا ما ظننته أيضًا… لكن دعيني أخبرك عن ابن الكونت هانيبي، ذاك الذي يعمل خادمًا في قصر الأمير الثاني…”
خفضت السيدة صوتها وهمست بحذر، بينما أخذت تنظر حولها للتأكد من أن أحدًا لا يتنصّت، مما دفعني إلى إدارة وجهي سريعًا وتمثيل الانشغال بشيء آخر.
وحين اطمأنت إلى أنها غير مراقبة، تابعت همسها بخفوت:
“نسي شيئًا خلفه، فتبعته إحدى الخادمات لإعادته إليه، لكن ما إن استدار عند زاوية الممر… حتى اختفى! ويقولون إنهم سمعوا صوتًا غريبًا، كأن أحدهم كان يصرخ أو يئن…”
“ربما كان ذلك مجرد وهم؟ أو لعلهم توهّموا الأمر…”
“كنت أظن ذلك في البداية، لكنهم انتظروه طويلًا ولم يعد أبدًا. وعندما ذهب الخدم الآخرون ليتفقدوا المكان… وجدوا هناك مرآة تُشعّ بلونٍ أحمر قاتم،
بدت مشؤومة للغاية…”
“مرآة مشؤومة”، هكذا قالت.
ولم يخطر في ذهني سوى اسمٍ واحد فقط.
نوكس.
عضضتُ شفتي السفلى بقوة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 165"