“أعتقد أنني أعرف كل شيء تقريبًا… باستثناء ما حدث في الحياة السابقة.”
“…هل أخبركِ الروح بذلك؟”
“كلا، لقد بحثتُ في الأمر بنفسي. وقد حصلتُ على إذنٍ منك في ذلك الوقت، ألا تذكر؟ قلتَ لي إنّه لا بأس أن أتحرّى.”
“أنا؟”
“نعم.”
بدت عليه الحيرة والارتباك.
وبدأ يتمتم لنفسه كما لو أنه يحاول تذكّر شيء ما: متى قلتُ لها ذلك؟
لكن، من الطبيعي ألّا يتذكّر، فقد كان ذلك إذنًا مُنتزعًا عنوة وهو غير واعٍ.
اقتربتُ منه بهدوء، وجلستُ إلى جانبه، ثم بدأتُ بفتح أغلفة المكملات الصحية التي جلبتها معي.
ولأنها فرصة لا تتكرّر كثيرًا، فقد اخترتُ بعناية أشدّ ما تذوّقته مرارةً من تلك التي جُرّبت من قبل.
وأخرجتُ منها أسوأها على الإطلاق، وقدّمتها له.
تناولها رينوس تلقائيًا دون تفكير، وما إن وضعها في فمه حتى اتّسعت عيناه من الصدمة.
تجمّد في مكانه دون أن يتمكّن حتى من مضغها، وكأن ملامحه تسألني: ما هذا الذي أطعمْتِني إياه؟
لكنني لم أُجبه، بل لوّحتُ أمامه بالغلاف الفارغ:
“شيء اعتدتَ أن تقدّمه لي كثيرًا، يا صاحب السمو.”
“…!”
“لا يمكنك أن تبصقه. مفهوم؟”
وهكذا بدأ عرض رينوس لتناول المكملات الصحية.
كنتُ أطعمه كل ما أحضرتُه دون تردد، واحدةً تلو الأخرى.
حتى الأعشاب الطبية، قمتُ بغليها على نار هادئة بمساعدة أحد الخدم، وقدّمتها له مباشرة.
أخذ الوعاء بيدين مرتجفتين، ونظر إليّ وكأنما يسأل: هل يجب عليّ حقًا أن أشرب هذا؟
فأومأت إليه برأسي دون تردد.
“لقد شربتُه أنا أيضًا.”
“…”
“يجب أن تتناوله لتستعيد عافيتك.”
“…أعتقد أنني بصحة جيدة بما فيه الكفاية.”
قال ذلك وهو يضع الوعاء جانبًا بخفة، لكن يا له من ماكر.
ابتسمتُ ابتسامة خفيفة، ثم أخذت الوعاء بيدي وأطعمته بنفسي.
كان يواصل التراجع بجسده، لكن عندما هددته قائلة: “إن لم تشرب هذا، فلن تحصل على قُبَل مني بعد الآن”، أغمض عينيه بإحكام وشربه مكرهًا حتى آخر قطرة.
وبهذا، لم يعد يملك الحق في أن يلومني إن أهملتُ تناول المكملات الصحية لاحقًا.
وحين استلمتُ الوعاء الفارغ بيدٍ ثابتة، خاطبته بحماس، رغبةً في مساعدة رينوس على استعادة توازنه النفسي الذي اختلّ بعد لقائه مع نوكس:
“استعد عافيتك بسرعة، لنذهب سويًا مجددًا لتحطيم نوكس. أنا أبذل كل جهدي لأعثر على المكان الذي فرّ إليه، لذا ركّز فقط على استعادة صحتك، مفهوم؟”
“…حسنًا.”
“بما أنك أنهيت الشراب، استلقِ هنا.”
ربّتُّ على فخذي.
كانت عيناه متورمتين ومحاطتين بهالاتٍ سوداء، وكأنه لم ينم جيدًا. خشيت أن يذهب إلى غرفته وحده فتطارده الكوابيس مجددًا، لذا رغبتُ في أن يحظى بلحظة راحة إلى جانبي، وإن كانت قصيرة.
تردّد رينوس للحظة، لكن عندما نظرتُ إليه بحدةٍ وحثثته قائلة: “أسرع”، استسلم في النهاية، وأسند رأسه إلى فخذي.
وضعتُ يدي برفق فوق عينيه، متمنيةً له نومًا هادئًا، وأمسكتُ بيده الأخرى بإحكام.
في البداية، ارتجفت أصابعه ارتجافة خفيفة، لكن سرعان ما هدأت، وبدأ نفسه ينتظم شيئًا فشيئًا.
وحين اختفى وخز رموشه على راحة يدي، علمتُ أنه انغمس في نومٍ هادئ وساكن.
رفعتُ يدي بحذر، وعندها فقط رأيت وجه رينوس وقد تبدّل تمامًا عن ذاك الذي رأيته في غرفة النوم سابقًا—بات الآن مرتاحًا، مطمئنًا.
فلتحمل هذه اللحظات القليلة له حلمًا جميلًا.
نظرتُ إليه من علٍ، وارتسمت على شفتيّ ابتسامة رقيقة.
✧ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ✧
في تلك اللحظة، وفي مكانٍ آخر—
“ذلك التنين اللعين…”
محاصرًا داخل فضاءٍ مظلم بعدما حطّم رينوس مرآة إلدورادو، وقف نوكس وسط آلاف المرايا، كلٌّ منها يختلف في شكله وتصميمه، يحدّق فيها بعينين تائقتين وهو يتفحّصها بسرعة.
في الحقيقة، كانت مرآة إلدورادو أداةً سحرية صنعها آبشوليكتار لأجل الأميرة التي اشتدّ بها المرض حتى أصبحت حبيسة الفراش. كانت تُمكّنها من رؤية العالم بأسره من مكانها.
وبعد وفاتها، انتقلت المرآة إلى حوزة نوكس.
ولكي ينجو من غضب آبشوليكتار الهائج، استخدم نوكس تعويذة سحرية قديمة لختم نفسه داخل المرآة.
وبذلك، فقدت المرآة معظم قدراتها الأصلية.
لكن قدرةً واحدة بقيت: الانتقال الفوري بين المرايا الموجودة في العالم.
غير أن هذا الانتقال لا يسمح بالعودة، ولهذا السبب لم يستخدم نوكس هذه القدرة قط—لأن من دون مرآة إلدورادو الغنية بالطاقة السحرية، لم يكن بإمكانه استخدام قدرته الفريدة: “السحر الزائف للإغواء”.
لكن الآن—
إلى أين أذهب؟
مع تحطّم مرآة إلدورادو، لم يعد للسحر أيّ أهمية—كان عليه أن يفرّ فورًا.
وإلا، فسيُدفن في هذا المكان إلى الأبد.
أخذ نوكس يتفحّص المرايا الطافية أمامه بسرعة.
كلّ ما رآه كان ضوءًا أبيض ساطعًا، وكان الصمت مطبقًا.
لم يكن يعرف أيّ مرآة تؤدي إلى أين.
ولحسن الحظ، استطاع أن يستشعر المسافة والاتجاه تقريبًا، لذا ركّز على المرايا الأقرب إلى القصر الإمبراطوري.
ولمواجهة كلٍّ من ولي العهد والماركيزة الصغيرة لابرينث في آنٍ واحد، لم يكن له سوى خيار واحد: أن يقع بين يدي أحد أفراد العائلة الإمبراطورية الذين يكرهونهم.
ولم يكن هناك شخصٌ أكثر ملاءمة لهذا الدور سوى الملكة.
وأثناء بحثه عن مرآة الملكة، وقعت عيناه على مرآة فريدة—كبيرة بشكلٍ استثنائي وزخرفتها فاخرة.
تردد في دخولها، خائفًا أن تكون الخطأ، لكن في تلك اللحظة، سُمع صوت تصدّعٍ مدوٍّ في الفضاء المحيط به.
كان عالم المرايا ينهار.
تبًا!
قبض نوكس يده حتى انغرست أظافره في جلده، ثم اندفع دون خيارٍ آخر نحو تلك المرآة المزخرفة.
غطّاه ضوء ساطع، وفي اللحظة التالية، كان يقف في قلب أحد الأروقة العتيقة الفاخرة داخل القصر الإمبراطوري.
لكن، كان من المبكر جدًا أن يشعر بالأمان.
“انتظر لحظة!”
ارتد نوكس مذعورًا، وهو يرى الأمير الثاني يرفع مزهرية ليقذفها نحوه.
كان الأمير قد رأى للتو المرآة – التي كانت تعكس صورته فحسب – تبدأ في التحدّث، فلم يستطع إخفاء فزعه.
“مرآة تتحدث؟!”
مفزوعًا إلى أقصى حد، ألقى المزهرية بكل قوّته نحو المرآة التي كانت قد أهدتها له الملكة.
تحطّم!
ارتطمت المزهرية بالمرآة محدثةً صوتًا صاخبًا، وتحطّمت إلى شظايا، بينما لم تُصَب المرآة إلا بتشققاتٍ طفيفة سرعان ما التأمت، وعادت إلى ما كانت عليه.
غير أن هذه لم تكن مرآة إلدرادو المفعمة بالـ(مانا)، لذا فإن الضرر انعكس بالكامل على نوكس.
“كآآه…”
جثا نوكس على ركبتيه، وسعل بشدة وهو يتقيّأ كمية من الدم.
وعندما رأى ذلك، ظنّ شيد أن المرآة قد تلبّستها روحٌ شريرة، فأمسك بقطعة زخرفية ضخمة كانت بجانبه، مستعدًا لتحطيمها كليًا.
ضربة واحدة بتلك القطعة كانت كفيلة بإنهاء حياته. ومع رغبته العارمة في النجاة، ابتلع نوكس دمه بصعوبة، ونطق بعجلة:
“سأ… سأخبرك بكيفية هزيمة ولي العهد…!”
“ماذا؟”
سكنت الأجواء المضطربة قليلًا. توقّف شيد عن التحرّك بعدما أثارت اهتمامه جملة “بكيفية هزيمة ولي العهد”.
وحين رأى نوكس ذلك، قبض على يده بإحكام.
لم يكن قد رأى وجه الأمير الثاني من قبل، لكنه راهن على أن الشعر الذهبي والعينين الذهبيتين تعنيان أنه هو، ويبدو أن رهانه قد نجح.
قاوم الألم الذي بدا وكأن قلبه يُنتزع ويُحرق في الجحيم، وتابع حديثه:
“ألا ترغب… كحّ… في هزيمة ولي العهد… وأن تصبح الإمبراطور؟”
“من تكون؟”
“أنا… رسولٌ أرسله الحاكم. أما الشائعات التي تقول إن سموّك قد نال غضب الحاكم فهي غير صحيحة… ولإسكاتها، أرسلني الحاكم لمساعدتك.”
استحضر نوكس وضع الأمير الثاني الحالي، ولفّق كذبةً مقنعة على الفور.
لكن شيد، الذي يغيظه ذكر “الحاكم”، سأله بحدة:
“وما دليلك؟”
“إذا ذكرت اسمي لقداسة البابا، فسيتعرّف إليّ. اسمي نوكس. كنتُ مقيمًا في أحد الأديرة التابعة للمعبد. ولكن، عندما علم الحاكم بمأساتك، أمرني بأن آتي لمساعدتك… وهكذا وصلت.”
وما إن سمع شيد اسم البابا، حتى ازدادت تعابيره قسوةً.
فقد كان البابا يتجاهل طلباته المتكررة بتفنيد شائعة أنه نال غضب الحاكم،
بل حتى حين فشل في العبث بدواء أخيه الأكبر، لم يكلّف البابا نفسه عناء لقائه، مبرّرًا ذلك بأن حالته الصحية لا تسمح.
ومع ذلك، لم يسمح لغضبه بأن يُفوّت عليه هذه الفرصة.
فأرسل فورًا رسالة إلى البابا ليتحقق من هوية نوكس.
وما إن قرأ البابا الاسم، حتى أصابه الذعر، وأسرع إلى قصر الأمير، الأمر الذي أكد لشيد أن نوكس كان صادقًا. فارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ خبيثة.
وبعدما رفض طلبات البابا للقائه بحجة المرض، التفت الآن إلى نوكس وسأله:
“ما الذي ينبغي عليّ فعله لهزيمة أخي؟”
“الأمر بسيط.”
بعد أن تأكد نوكس من وقوع الأمير الثاني في الفخ، ابتسم ابتسامة خفيفة، كأنما هو مخطّطٌ ماكر على وشك كشف لعبته الكبرى.
“فقط اتبع تعليماتي بدقة.”
ثم، بصوتٍ خافت، بدأ يسرد خطته على شيد.
أن تُعلّق المرآة التي يسكنها نوكس في نهاية ممرٍّ مظلم، وأن يمرّ الخدم من ذلك الممر بانتظام.
“لكن على كل خادم أن يمرّ بمفرده. قوتي لا تزال ضعيفة، ولا أستطيع التعامل مع أكثر من شخص في الوقت ذاته.”
بعد أن قال ذلك، التزم الصمت. لم يتمكن شيد من فهم مغزى تلك الحيلة تمامًا.
لك
ن بما أنه لا يخسر شيئًا، أمر في اليوم التالي بتعليق المرآة في الممرّ المظلم، وبدأ بإرسال الخدم واحدًا تلو الآخر.
ومنذ ذلك اليوم… بدأت الشائعات الغريبة تنتشر داخل قصر الأمير الثاني.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 164"