حين خيّم جوٌّ ثقيل على المكان فجأة، لم تكن “إل” هي من ردّت، بل لم تفعل سوى أن أمالت رأسها بحيرة، بينما كان نوكس، المنحني برأسه إلى الأرض، هو من التقط طرف الحديث.
“بما أن شقيقتي أصبحت راشدة الآن… ففي إلدورادو، يختار المرء شريك حياته خلال حفل البلوغ.”
“شريك حياة…”
تمتم آبشوليكتار بصوتٍ شارد.
صحيح… لدى البشر شيء يُدعى “شريك حياة”.
وقد سمع أن الإنسان إذا اختار شريكًا له، فلا يعود يلتفت إلى أي شخصٍ آخر من الجنس الآخر. وبالتالي، إن وجدت “إل” شريك حياتها، فلن تنظر إليه مجددًا.
اجتاحه عطشٌ لاهب جفّف حلقه، ولم يكن البلع المتكرّر كافيًا لإطفائه.
دون أن يدرك، قبض بشدةٍ على يد “إل” حتى أوجعها، وتمكّن بصعوبة من أن يسأل بصوتٍ مبحوحٍ وجاف:
“هل… هناك إنسانٌ ترغبين في أن تتخذيه شريكًا؟”
كانت حدقتاه قد انكمشتا عموديًا مثل عيني زواحف، وكأنه على وشك الانقضاض وتمزيق ذلك الشخص على الفور إن جاء الجواب بالإيجاب.
لكن “إل” اتّسعت عيناها دهشة، وسرعان ما أنكرت بارتباك:
“لا، لا يوجد أحد.”
“لكن—”
تدخل نوكس في تلك اللحظة، وهو يراقب تعبير وجه آبشوليكتار عن كثب:
“لكن لا يمكننا التأكد من ألا يظهر أحد لاحقًا. في النهاية، أختي تحظى بشعبية كبيرة.”
“آه، الناس يتوددون إليّ فقط بسببك، يا ريتي، هذا كل ما في الأمر.”
هزّت “إل” رأسها بإصرار، وكأنها تنفي تلك الادعاءات.
لكن “آبشوليكتار”، الذي كان قد غرق بالفعل في دوامةٍ من الاضطراب، لم يعد يسمع شيئًا مما يُقال. بل، إن فكرة أن كثيرين يتوددون إليها باتت تثير أعصابه بشكلٍ أكبر.
ومن دون أن يمنح نفسه مزيدًا من الوقت للتفكير، قال بحسم:
“سآتي.”
“ماذا؟ لا داعي لأن تأتي حقًا…”
“ألا تريدينني أن آتي؟”
“لا، ليس الأمر أنني لا أريدك… بل فقط سيكون هناك كثير من الناس، وظننتُ أن ذلك قد يزعجك، يا ريتي.”
“ما دمتِ لا تمانعين، فهذا يكفيني.”
تلك العينان الذهبيتان، التي كانت دومًا لا تعبّران عن شيء، بدتا الآن مشتعلةً بمزيجٍ من التملّك والرغبة العميقة.
“سآتي، لا محالة، اعتبري الأمر محسومًا.”
✧ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ✧
وبعد فترةٍ وجيزة، أُقيم في القصر الملكي في إلدورادو حفلُ بلوغٍ فاخرٌ للتوأم، اللذين أنجبتهما المحظية السابعة والثلاثون للملك.
وفي ذلك اليوم، حضر التنين العظيم “آبشوليكتار” الحفل متّخذًا هيئةً بشريّة، بفضل قدرته على التحوّل.
“نحن نُحيّي العظيم!”
“نحن نُحيّي العظيم!”
لم يكن أحدٌ من العائلة المالكة أو النبلاء يتوقّع أن يظهر بنفسه، إذ كان يكتفي دائمًا بإرسال هدايا نادرة في عيد ميلاد الأميرة “إل”. لذا، ما إن رأوه حتى أصيبوا بالذهول، وانحنوا فورًا إلى الأرض.
ولم يكن النبلاء وحدهم من فعلوا ذلك، بل حتى الملك نفسه، صاحب أعظم سلطةٍ في المملكة، انحنى كما فعل الجميع.
ومن بين جميع الحاضرين، كانت “إل” الوحيدة التي وقفت على قدميها لتحيّي التنين
في الحقيقة، كانت “إل” على وشك أن تنحني كغيرها، لولا أن آبشوليكتار منعها من ذلك.
قرّب جبينه من جبينها برفق، وهمس بصوتٍ خفيض:
“قلتُ لكِ من قبل… لا تطلقي عليّ لقب العظيم.”
“إل”، العالقة في حضنه، رمشت بعينيها سريعًا. وأرادت الإيماء برأسها لتُبدي موافقتها، لكن المسافة بينهما كانت ضئيلة للغاية، حتى إن أي حركة منها قد تؤدي إلى تلامس شفاههما.
وعندما لم يتلقّ ردًّا منها، ألحّ آبشوليكتار بنبرةٍ لطيفةٍ مليئة بالعتاب:
“ماذا طلبتُ منكِ أن تناديني؟”
“…ليتي.”
أجابت “إل”، وقد احمرّت وجنتاها بخجل، ثم أشاحت بنظرها عن عينيه.
“أجل، أحسنتِ.”
ثم ابتسم آبشوليكتار بعينيه الساحرتين، وطبع قبلة خفيفة على خدّها، حررها من بين ذراعيه، ثم أمر البشر من حوله بالوقوف.
أولئك الذين ترددوا في الوقوف تبادلوا النظرات في صمت، مندهشين من المشهد الحميمي الذي شهدوه لتوّهم.
وفي ذلك اليوم، تحوّل حفل البلوغ إلى عرضٍ خاصٍّ بالأميرة “إل” وحدها.
فأينما مرّت الأميرة، تبعها الناس كالسحاب المتراكم، وكلما فتحت فمها لتتحدث، انطلقت عشرات الكلمات من حولها، يتسابق الجميع لمبادلتها الحديث.
جميع الهدايا التي أُعدّت سلفًا لمرشّح العرش الأقوى، نوكس، أصبحت من نصيبها، بل وحتى المقعد المخصّص بجانب الملك، الذي كان من المفترض أن يكون لنوكس، احتلّته “إل”.
رؤية هذا المنظر دفعت “نوكس” إلى طحن أسنانه غيظًا.
لم يكن يتخيّل أن آبشوليكتار سيتجاهله بهذا الشكل العلني.
كان يعلم أن التنين لا يكنّ له ودًّا، لكنه ظنّ أنه، على الأقل في الأماكن العامة، سيتصرّف بحذر مراعاةً لمكانة شقيقته. لكن لم يحدث شيءٌ من ذلك.
والأسوأ من ذلك، أن “إل” نفسها لم تُبدِ أي انزعاج، بل كانت تضحك بارتياح، كأن كل شيء على ما يرام.
لقد استأثرت بمحبّة التنين وحدها، والآن يبدو أنها تسعى للاستيلاء على العرش أيضًا.
“…سنرى يا أختي، هل تظنّين أنني سأتراجع هكذا ببساطة؟”
قالها نوكس وهو ينسحب من القاعة بغضب، وقد تصدّع كبرياؤه بشدة. ومع أنه كان يُعدّ المرشح الأقوى للعرش، لم يعره أحد اهتمامًا.
وهكذا، انتهى حفل بلوغ التوأم، وبدأ العدّ التنازلي ليوم اختيار ولي العهد الجديد.
دخل الملك في دوّامةٍ من التفكير.
كان نوكس ذكيًّا، يتمتّع بسرعة البديهة، وله نفوذٌ كبير في الساحة السياسية. لكنه لم يحظَ أبدًا برضى التنين.
أما “إل”، فلم يكن لها نفوذ سياسي يُذكر، لكنها نالت شيئًا لم يحظَ به أحد منذ قرون… محبّة التنين الأسطوري.
فمن الأجدر بولاية العهد؟
من الذي يستطيع قيادة المملكة نحو مزيدٍ من الازدهار، ويجعل الدول المجاورة تكفّ عن الاستهانة بمملكة إلدورادو الصغيرة؟
وبعد تفكيرٍ طويل، قرّر الملك أن يُعلن “إل لاتِيانا”، الابنة الصغرى من محظيّته السابعة والثلاثين، وليّةً للعهد.
ثم استدعى نوكس، وخاطبه برجاء:
“أرجو منك أن تُكمل ما قد ينقص الأميرة. إن اتحدتما معًا، فستبلغ إلدورادو آفاقًا لم تبلغها من قبل.”
“…نعم، سأفعل.”
أجاب نوكس وهو يضغط على شفتيه حتى كادت تنزف، إشارةً إلى الغضب الشديد الذي أخفاه.
كان رأسه منحنيًا بعمق، لذا لم يتمكّن الملك من رؤية تعبير وجهه.
وبعد خمس سنواتٍ تمامًا، في فصل الشتاء—
هلكت مملكة إلدورادو على يد تنينٍ شرير.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
بعد أن كسرت مرآة نوكس، مرض رينوس بشدة لعدة أيام.
يبدو أن السبب هو استخدامه المفرط لقوة التنين الشرير، التي يصعب السيطرة عليها في الأصل.
ذهبتُ إلى قصره حاملةً معي كمية من المكملات الصحية. كنتُ دومًا أتلقاها منه، والآن وقد انقلبت الأدوار، شعرتُ بشعور غريب يصعب وصفه.
لكن، بدلًا من أن يقتادني خادم ولي العهد إلى غرفة الاستقبال، أخذني مباشرة إلى غرفة النوم.
ورغم علاقتي القريبة برينوس، شعرتُ أن دخول غرفة نومه فجأة أمرٌ غير لائق، فرفضت بأدب.
“إن كان نائمًا، فسأعود لاحقًا.”
“في الواقع… سموّه ظلّ يناديكِ يا آنسة طوال نومه. كأنه يرى كوابيس، كان يكرر اسمكِ بلا توقف.”
يا إلهي…
سلّمتُ المكملات للخادم، ودخلتُ غرفة رينوس دون تردد.
وما إن وطأت قدماي الغرفة، حتى باغتتني رائحة اللافندر الثقيلة. أليس هذا من الأعشاب المهدّئة للنوم؟ لماذا أشعلوه بهذه الكثافة؟
شرح الخادم قائلًا وهو يفتح النافذة لتهوية المكان:
“لقد كان يجد صعوبةً في النوم، لذا اتخذنا هذا الإجراء المؤقت.”
بعد أن خرج الخادم، جلستُ على الكرسي بجانب السرير، وحدّقت به في صمت.
كان يبدو فعلًا غارقًا في كابوس؛ حبات العرق تغطّي جبينه، وجبهته معقودة قليلًا من الألم.
“ما الذي ينبغي علي فعله؟”
هل أمسِك بيده؟ لا، ماذا إن استيقظ وارتعب؟ لذا اكتفيت بإعادة ترتيب الغطاء المبعثر برفق، وسحبته عليه حتى لا يبرد.
وفجأة، فتح عينيه ونظر إليّ. كانت نظراته ضبابية، كما لو لم يصحُ تمامًا بعد.
وقبل أن أستوعب ما يحدث، جذبني نحوه بقوة.
“آه!”
وفي غمضة عين، وجدتُ نفسي مستلقيةً إلى جانبه. بل لم يكتفِ بذلك، بل انقلب بجسده ليعلو جسدي.
استند بكلتا يديه على السرير كي لا أهرب، وحدّق بي بنظراتٍ ضبابية. شعرتُ بارتباكٍ شديد، وتقطّعت كلماتي حين حاولتُ الحديث:
“س… سموّك! أنا سييلا! لستُ لصّة!”
“هممم…”
لم أدرِ إن كانت تلك إجابة أم مجرّد تمتمةٍ بلا معنى، وفجأة، ضمّني إليه بعنف.
تجمّدت أطرافي، وارتفع شعر رأسي من الصدمة، لكن ما إن التصق جسده بي، حتى أدركتُ أنه كان كالجمرة. قطبتُ جبيني، ومددتُ يدي ببطء نحو مؤخرة عنقه… كان يشتعل، وكأنه مصابٌ بحمى شديدة.
وفي غمرة غيابه عن الوعي، تمتم رينوس بصوت خافت:
“لا تفعلي هذا…”
“…….”
“أنا المخطئ… سأفعل كل ما تقولينه… فقط، لا تفعلي هذا… سأفعل أي شيء… فقط ابقي بجانبي.”
“…….”
“سأكون مطيعًا… أرجوكِ… فقط…”
أخذ جسده يرتجف، ثم تبعه صوت بكاءٍ خافت.
ترددتُ للحظة، لا أعلم ما عليّ فعله. لكن رؤيته يتألّم هكذا مزّق قلبي، فاحتضنته وربّتُ على ظهره بلطف. بدأتُ أتحدث إليه بصوتٍ هامس، علّه يستفيق من كوابيسه.
“سموك، أنا لن أذهب إلى أي مكان. أعدك، لن أتركك أبدًا. فقط، افتح عينيك قليلًا—أوخ!”
وفجأة، شدّ ذراعيه حولي بقوةٍ أكبر.
لم أصدق أن مريضًا يمكن أن يملك هذه القوّة. كدت أختنق من شدة الضم، بينما هو يواصل احتضاني بعمق، وهمس بصوتٍ منكسر، كمن يقاوم الحقيقة:
“أنتِ سترحلين.”
“لن أرحل، فقط… فقط افتح عينيك، أرجوك… آه…”
“لا.”
ثم أحاطني بذراعيه بقوةٍ أكبر، كأنما يخشى أن أختفي إن خفّف قبضته.
لم أرَ رينوس عنيدًا هكذا من قبل.
رغم شعوري بالشفقة عليه، كنت أختنق، لذا تخلّيت عن اللطف، وبدأتُ أصفعه بخفّة على خدّه:
“سموك! سموك!! …راينوس!!!”
عند سماعه اسمه، ارتجف جسده.
ثم، شيئًا فشيئًا، خفّ الضغط في يديه. لكنه لم يتركني تمامًا، وكأنه كان يتأكّد من أن ما بين ذراعيه حقيقي وليس وهمًا.
بذلتُ كل ما في وسعي، بما تبقّى لي من قوّة، ودفعته من كتفه لأطلب منه أن يتركني.
تمتم وهو يرمش بذهول:
“آنسة…؟”
“نعم، أنا.”
“حلم؟”
“كلا. هذه حقيقة. جئتُ لأطمئن عليك.”
حينها فقط، ابتعد رينوس عني قليلًا، ونظر إلى
وجهي بحذر.
وما إن تأكّد من هويتي، حتى قفز من السرير مرتاعًا، نظر إلى ما يرتديه، ثم شهق وغطّى جسده باللحاف بسرعة.
لو رآنا أحدٌ في هذه اللحظة، لظنّ أنني أنا من هاجمه.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 163"