“لا يمكن مقابلة وكيل الحاكم إلا بشكلٍ فردي. إذا دخل أكثر من شخص، فلن يظهر الوكيل.”
حدّقت في البابا بعينين شاردتين، وهو يكرّر الجملة نفسها كالببغاء.
حسنًا، دعنا نحن نقرّر ذلك، فقط اسمح لنا بالدخول أولًا.
بدأتُ أُدرك السبب وراء هذا الشرط الغريب للقاء نوكس. بما أن السحر المستخدم محاكاة لقوة رينوس الحقيقية، فمن المرجّح أنه لا يستطيع التأثير على أكثر من شخص في وقتٍ واحد.
ولهذا بالتحديد، كان من الضروري أن أدخل مع رينوس. فإن دخلتُ وحدي ووقعت تحت تأثير السحر، فستكون النتيجة كارثية.
وحين لاحظ رينوس عبوسي وضيقي، تولّى مهمة الإقناع نيابةً عني.
“لم أسمع من قبل أن وكيل الحاكم يخجل من الغرباء.”
“الأمر لا يتعلق بالخجل، بل لأنه يجد صعوبة في التركيز حين يكون أكثر من شخص حاضرًا.”
“سنحرص على أن نبقى هادئين ولا نزعجه.”
“هذا غير مسموح. ماذا لو شعر الوكيل بالإهانة وامتنع عن نقل الرسائل؟ من سيتحمّل المسؤولية؟”
استمرت المجادلة العقيمة بلا جدوى. نظرت إليهما بصمت، وهما يخوضان هذه المعركة الكلامية التي لا تنتهي.
كان البابا متمسّكًا بالبروتوكولات بشكلٍ متعنّت، رافضًا التراجع قيد أنملة، بينما كان رينوس واضحًا في أنه لن يسمح لي بمواجهة نوكس وحدي، حتى لو اضطر إلى استخدام القوة.
هممم…
وفجأة خطرت لي فكرة.
الكونت إيسيت، الأمير الثاني، وتيرييل—كل الأوغاد الذين اقترفوا أفعالًا مشينة، نالوا جزاءهم بطريقة أو بأخرى.
لكن البابا، الذي عبث بدواء رينوس محاولًا تحويل تيرييل إلى قدّيسة، نجا من أيّ عقاب، وما زال يعيش حياةً هادئة من دون أن تطاله يد العقاب.
لقد جرت التستّر على التلاعب بدواء رينوس بإحكام، بعد إسكات الكهنة الذين أُلقي القبض عليهم. أما قضية “الأب البيولوجي لتيرييل”، فقد غُطِّيت باستخدام الإيستالوت، تلك العشبة التي استخدمتها لتخدير عقل البابا.
ومع ذلك، ومع توالي الفضائح، بدأت المطالبات بتنحيه تزداد يومًا بعد يوم.
لكن يبدو أنه سدّ أذنيه، مكتفيًا بالانتظار حتى تمرّ العاصفة.
ما إن وصلت أفكاري إلى هذا الحد، حتى شعرت بالغضب يغلي بداخلي. أيظنّ أنه يمكنه المساس برينوس والخروج سالمًا؟
هذا أمر لا يُغتفر.
وهكذا، عقدت العزم على معاقبة البابا باسم الحاكم.
وبتصرف تمثيلي مباغت، فتحت عينَيّ على اتّساعهما، وكأنني تذكّرت شيئًا مهمًا، واقتحمت حديث الرجلين بصوتٍ مفعم بالافتعال:
“آه، صحيح! كان هناك شيء عليّ تقديمه لقداستك، لكنني نسيته تمامًا!”
“ماذا؟”
“في الواقع، هناك روح—أقصد، أحد الأرواح التي ترافقني—أوصاني بشدّة أن أسلّمه لقداستك.”
في تلك اللحظة، وبمجرّد سماعه لكلمة «روح»، اتسعت عينا البابا بدهشة. لقد صُدم لسماع أن كائنًا أسطوريًا من الأساطير القديمة اختار أن يرسل له شيئًا خصيصًا.
وبدون أن يرفّ لي جفن، تابعتُ بثقة مطلقة أكاذيبي:
“إنه رداءٌ كهنوتيّ مصنوع من خيوطِ روحٍ شفّافة، ويُقال إنه يضاعف قوى مرتديه المقدّسة.”
“……!”
إنّ قوة النعمة المقدّسة هي ما يُحدّد منزلة الشخص داخل المعبد.
ولم يكن غريبًا أن تتّسع عينا البابا إلى أقصاهما فور سماعه أن تلك القوة قد تتضاعف. حتى رينوس بدا وكأنه صُدم، فاقترب من أذني وهمس على عجل:
“لا وجود لشيءٍ اسمه خيوط الأرواح. يبدو أنكِ تعرّضتِ للاحتيال.”
أعلم ذلك. فقط الزم الصمت.
ركلتُ قدم رينوس بخفة من تحت فستاني، في إشارة له بأن يراقب بصمت.
ثم عدتُ إلى البابا، الذي بدا غارقًا في أحلام يقظته، وفمه مفتوح نصف فتحة من شدة الدهشة.
فجذبته إلى الواقع بعبارة مدروسة:
“لكن، يا صاحب القداسة… إن كان هناك من يُعطي، فلا بدّ أيضًا أن يكون هناك من يُعطيه شيئًا في المقابل، أليس كذلك؟”
ما إن أدرك البابا أنني أطلب شيئًا، حتى اسودّ وجهه وتغيّرت ملامحه.
فأسرعت لطمأنته بنبرة خفيفة، وكأن الأمر لا يستحق القلق:
“لا أطلب شيئًا عظيمًا. كل ما أرجوه هو السماح لصاحب السمو رينوس بلقاء وكيل الحاكم معي. إن منحتمونا هذا الامتياز، فسأرسل رداء الكهنة المصنوع من خيوط الأرواح إلى المعبد في أقرب وقت ممكن.”
“…ولكن، الوكيل لا يظهر أبدًا إن تواجد أكثر من شخص واحد…”
“سنتولّى نحن معالجة هذا الأمر. ما أطلبه من قداستك هو الإذن فقط.”
بسبب إلحاحي المستمر، بدت على وجه البابا ملامح التردد، وانغمس في تفكيرٍ عميق لبرهة طويلة.
لكن في النهاية، انطلت عليه كذبة الرداء الأسطوري الذي لا وجود له، فهز رأسه موافقًا.
“…إن كنتم تصرّون إلى هذا الحد، فلا بأس. لكن أرجوكم، لا تُخبروا أحدًا بأمر هذا الرداء. أخشى أن يسبّب تسريب المعلومة خللًا أمنيًا.”
“وهل هناك شك في ذلك؟ بالطبع لن نُخبر أحدًا.”
هاهاها، يا لها من ضربة موفّقة.
وبينما أعد نفسي أنني سأُلبس البابا ذلك الرداء الشفاف المزعوم أمام أعين الجميع، أمسكت بطرف فستاني وانحنيت له خفيفةً.
وهكذا، دخلت غرفة البابا أخيرًا برفقة رينوس.
・。゚✧:・゚☽゚・:✧。゚・
على عكس كل الجهد الذي بذلناه للدخول، لم تكن غرفة البابا مميزة بشيء يُذكر.
بضعة قطع من التحف المقدسة وُضعت فوق المكتب، وتصميم الغرفة يغلب عليه اللون الأبيض بالكامل—عدا ذلك، كانت أقرب إلى مكتبي الشخصي في بساطتها.
أين يمكن أن يكون نوكس؟
وبما أنني كنت أظنه إنسانًا، بدأت أبحث عنه في أنحاء الغرفة بعينيّ.
رفعت الستائر المعلّقة على الجدران، تفقدت أسفل المكتب، بل وذهبت بي الظنون إلى أنه ربما يكون مخلوقًا صغيرًا كالنملة، فأخذت أقلب وسائد الأريكة الواحدة تلو الأخرى.
لكن نوكس لم يكن في أي مكان.
هل كان البابا على حق، وأنه لا يظهر فعلًا بوجود شخصين؟ حتى لو كان كذلك، لا بدّ من وجود مكان يختبئ فيه…
كنت أميل رأسي في حيرة، عندما—
“آنستي.”
على عكسي، لم يكن رينوس يتجوّل عبثًا، بل كان يتحرّك نحو هدفٍ واضح. ناداني وهو يشير إلى شيءٍ ما.
“هنا.”
وأشار إلى ستارة ذهبية مطرّزة بشعار المعبد. وما إن سحب الحبل حتى انزاحت الستارة، لتكشف عن مرآة بيضاوية فاخرة، مزخرفة بنقوشٍ قديمة.
كنت قد مررت بها سابقًا، لكنني افترضت أنها مجرد مرآة عادية، فلم أُولِها اهتمامًا.
حدّق رينوس في انعكاس صورته بتركيزٍ شديد.
“لم أكن لأتخيّل أنه مختبئ هنا.”
“ما هو هذا الشيء؟”
“نوكس.”
“…ماذا؟”
نوكس… هو المرآة؟
هل هو من نوع تلك المرايا الموجودة في قصص الأطفال، كمرآة سنو وايت؟
شعرت بالحيرة وأنا أحدّق في سطح المرآة بتمعّن. هل سيخرج شخص من داخلها الآن؟
لكن، مهما تمعّنت النظر، لم أرَ سوى انعكاسي. لم أشعر حتى بأدنى طاقة غريبة.
“تراجعي.”
دفعني رينوس برفقٍ بعيدًا عن المرآة، واقترب منها بحذر، ثم وضع كفّه على سطحها.
وفي اللحظة التالية، بدأ يشعّ بهالةٍ قوية—مزيجٍ من النور الذهبي والظلال السوداء. كانت تلك الطاقة تتقلب وتضطرب، تتسع وتنكمش، وكأن السيطرة عليها صعبة.
تدريجيًا، تسللت تلك الطاقة إلى داخل المرآة، وأخذت تملأ سطحها بهدوء، كضبابٍ غامضٍ يزحف في سكون.
دون أن أشعر، التفتُّ لأتفقد ما خلفي.
كانت المشاهد المنعكسة في المرآة تُظلم تدريجيًّا، كما لو وُضع عليها فلتر، ومع ذلك لم يتغير شيء خلفي. بدا الأمر وكأن ما في المرآة ينتمي إلى فضاءٍ آخر تمامًا.
سرعان ما اسودّت المرآة بالكامل. وبينما ظننت أن الأمر قد انتهى، والتفتُّ نحو رينوس بلا مبالاة، فوجئت.
كان شعره الذهبي قد تحوّل إلى أشقر داكن مائل للسواد، أما عيناه، اللتان كانتا بلون الذهب الساطع، فقد انقلبتا إلى لون السماء عند الغروب، ممتزجًا بحمرة مقلقة.
إذًا، هذه هي الهيئة التي استخدمها عندما جاء لتقديم طلبه إلى النقابة…
شعر رينوس بنظراتي، فردّ بنبرة فيها شيء من الحرج:
“عندما أستخدم قوتي بهيئةٍ بشرية… أبدو هكذا.”
وفي تلك اللحظة، بدأ السواد في المرآة يضطرب، مشكّلًا تموّجات غامضة تنذر بالخطر. فتقدّم رينوس ليقف أمامي، وكأنه يحميني، ووقف حائلًا بيني وبين المرآة.
وبعد ثوانٍ، ظهر رجل داخل المرآة، بشعرٍ أزرق داكن، وعينين حمراوين.
كان يبدو مستاءً، كمن أُجبر على الحضور رغماً عنه.
『آبشوليكتار…』
صدى صوته تردّد في المكان كما لو كان يصدر من كهف، يتردّد من كل الجهات.
هذا هو نوكس إذن… ولكن، لماذا أشعر أنه يشبهني بعض الشيء؟ هل هو مجرد وهم؟
بدأ يصب طاقته في المرآة من جديد، وهذه المرة كانت أقوى بكثير مما سبق—طاقة مهيبة تنبعث منه وتتغلغل في سطح المرآة.
ومع تصاعد طاقته، اسودّ شعره تمامًا. وعلى الرغم من أنني لم أرَ عينيه، فقد كنت واثقة بأن لونهما صار أحمر كلون الدم.
نوكس، وهو يشاهد ذلك، لم يتردّد في إطلاق سخرية لاذعة:
『حتى وأنت في جسدٍ بشري، لا تتردد في قتل البشر. لو رأتك شقيقتي من السماء… لبكت.』
ردّ عليه رينوس ببرود:
“وهل تُعدّ نفسك بشريًا؟ أنت مجرد وحشٍ يرتدي قناع البشر.”
『وماذا عنك؟ ألست أنت مَن قتل شقيقتي، وسفك دماء عشرات الملايين من البشر؟ أهذا يعني أنك شيطان؟』
“…ربما.”
أجاب رينوس بهدوء، لكن صوته كان يختزل ألمًا دفينًا.
وكان من الجليّ أن ندبةً في أعماق قلبه قد انفتحت من جديد، إذ خفّ وهج الطاقة المتدفقة من يديه بشكلٍ ملحوظ.
حينها، ولأول مرة، رأيتُ جانبًا هشًّا من رينوس.
فعضضت شفتي السفلى بتوتر.
لم يكن لي الحق في أن أغفر الفظائع التي ارتكبها رينوس.
ورغم أنني لا أملك الحق في مسامحته على ما اقترفه، فإن كنت قادرة على فعل شيء لتخفيف ذلك العبء من على كاهله… فعلى الأقل، أستطيع أن أواسيه ليشعر بأنه ليس وحده.
وبتلك النيّة، أمسكت بطرف ردائه بقوة.
عندها، شعرت بجسده يرتجف بخفة.
لاحظ نوكس ردّة فعله، وأدرك أخيرًا أن رينوس ليس وحده، فسأل بنبرة يشوبها الريبة:
『ومن تكونين أنتِ في الخلف؟ …لا تقولي إنكِ الماركيزة الصغيرة لابيرينث؟』
أوه، لقد اكتشفني بسرعة…
لكنه ناداني بلقب “الماركيزة الصغيرة”، مما يعني أن معلوماته قد تكون متأخرة.
على أية حال، لم أكن أنوي الاختباء طويلًا. بما أن تيرييل وروبليت قد سمعا منه هراءً لا طائل منه، أردت أن أرى ما سيقوله لي أنا
أيضًا.
خرجت من خلف رينوس بهدوء، وخطوت أمامه بتأنٍّ.
وما إن التقت عينا نوكس بعينيّ، حتى اتسعتا من الدهشة:
『أختي؟ لا… هذا غير ممكن. لقد ماتت…』
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 159"