كنتُ أُحدّق في وليّ عهد الإمبراطورية، وهو يجلس في غرفة استقبال الضيوف التابعة لنقابة سريّة، ويخيط دمية التنّين الشرير بوجهٍ جاد.
بدا المشهد غيرَ متناسق تمامًا، ومع ذلك، منحت ملامحه المهيبة الصورة بأكملها نوعًا غريبًا من الانسجام.
وفوق ذلك، كان رينوس يُخيط بإتقانٍ يفوق ما توقّعتُه من شخصٍ يقول إنه “يعرف القليل فقط”.
لو بالغتُ قليلًا، لقلتُ إنه لو وُلِد ابنًا لعائلة عاديّة، لكان يستطيع كسب لقمة عيشه من الحياكة.
وبينما أُراقب ذلك، عزمتُ أن أُرغمه ذات يوم على الخياطة حين يكون في هيئة تنّين صغير. تخيّلي يدَيه الصغيرتين، كأغصان السرخس، وهما تخيطان—لا بدّ أنه سيكون مشهدًا في غاية اللطافة.
هل أجعله يجرّب حياكة الصوف أيضًا؟
نعم، ستكون فكرة ممتازة. سأفكّ كرات الصوف عمدًا، وألفّها حول جسد “بييك” وقرنيه، كأنّها تشابكت بالصدفة—
وبينما كنتُ سارحةً في مثل تلك الأفكار السخيفة، انتهت الجراحة على بييك بيكي. كانت خياطة دقيقة، إلى حدٍّ جعلني لا أميّز أين كان التمزّق.
ولم يكن هذا فحسب، بل إنّ رينوس أصلح أيضًا مواضع الخياطة الرخوة الأخرى بدقّةٍ بالغة، فحدّقتُ في النسخة الجديدة من بييك بيكي بإعجابٍ حقيقي.
ولأتأكّد من أنّ الدمية تعافت كما تبدو ظاهريًا، ضغطتُ بكلّ قوتي على بطنها.
بييييييييب—!
لا بدّ أن الجانب الممزّق قد تعافى تمامًا، لأن صرخة بييك بيكي كانت عالية وقويّة هذه المرّة. أمّا رينوس، فارتجف بتعبيرٍ متألّم، وكأنّ بطنه هو من تعرّض للضغط.
تجاهلتُ ردّة فعله، وواصلتُ فحص الدمية بالضغط هنا وهناك، لأتأكّد أن الحشو لا يتسرّب. وعندما اطمأننت، أومأتُ له تعبيرًا عن الامتنان:
لو كان قد فعل، لما كان الأمر انتهى بالخياطة فحسب، بل لكان عليه صنع دمية تنّين جديدة من الصفر. أو ربّما، لكان تحوّل إلى تنّين بنفسه ليتقمّص دور الدمية.
فغضبُ امرأةٍ خسرت دميتها المفضّلة، لا يُستهان به أبدًا.
وبما أنّ بييك بيكي أصبحت أقوى وأكثر متانة، ضممتُها إلى صدري بسعادةٍ كبيرة.
وحين فعلتُ ذلك، أخذ رينوس يرمق الدمية بنظرةٍ غريبة، ثم تمتم بصوتٍ خافت:
“الحمد لله… على الأقل، ليست ألطف منّي.”
“عذرًا؟”
“لا شيء. انسِي ما قلت.”
أدار وجهه مبتعدًا عنّي. ما هذا؟ هل هو حقًا يشعر بالغيرة من دميةٍ صُنعت على صورته؟
ولأتحقّق من شكوكي، عانقتُ بييك بيكي بقوّةٍ أكبر. وما إن فعلت، حتى ازدادت نظرات رينوس الحاسدة وضوحًا.
وكأنّه يقول: كان يجدر بي أن أكون مكان تلك الدمية في حضنكِ.
لو علم بوجود نسخة دمية أخرى من وليّ العهد، فستكون كارثة.
اتّخذتُ قرارًا نهائيًا بأني لن أخبره بالحقيقة مطلقًا—وخاصةً بشأن أنّني استخدمت تلك الدمية لأتدرّب على التقبيل. هذا السرّ سيرافقني إلى قبري.
وبينما كنتُ أُرافقه إلى الخارج بعد انتهاء هذا اللقاء المُربك، خطر لي أمرٌ أردت التأكّد منه، فسألته:
“هل جلالتُك بحاجة إلى جهاز كشف النسب حالًا؟ أم أن الأمر ليس مستعجلًا؟ هناك من يحتاجه أولًا.”
وأعني بذلك تيرييل، المسجونة حاليًا في الزنزانة.
فبما أنّ أليس قد أدّت دورها ببراعة ووافقت على خطوبة جيرالد، فقد وجب عليّ أيضًا أن أفي بوعدي.
لذا، كنتُ أعتزم إعارة جهاز كشف النسب غدًا، في يوم استجواب تيرييل من قبل الماركيز تشيريش بنفسه.
توقّف رينوس لحظة، كأنّه يحسب التوقيت في رأسه، ثم أجاب:
“كلّما كان أبكر كان أفضل، لكن لا حاجة مُلحّة. يمكنكِ إعارته بعد أن تنتهي.”
“أها، حسنًا. سأستخدمه غدًا، ثم أُرسله إليك.”
وعندما ذكرتُ “غدًا”، بدا أنّ رينوس قد خمّن فورًا أين سأستخدم الجهاز، فأومأ برأسه بهدوء.
وبعد أن حصلتُ على إذنه، ذهبتُ في اليوم التالي بالجهاز إلى السجن الذي كانت تُحتجز فيه تيرييل.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
كان الكونت إيسيت المحبوس خلف القضبان، يرمق البارون ألفريد بنظرة حادّة كالسهام، وقد سُجن هو الآخر في الزنزانة المقابلة.
لقد كان في هذا الوضع المزري بسبب البارون تمامًا. كيف له أن يرتكب حماقةً كهذه ويسلّم شيئًا بالغ الأهمية، مثل سجل حسابات الإيستالوت، إلى شخصٍ آخر؟
في الجهة الأخرى، كان البارون ألفريد، الذي أُلقي القبض عليه أثناء محاولته الهرب سرًّا بعد تسرب أخبار فضيحة سجلات الإيستالوت، يحدّق بالكونت إيسيت بنظرة لا تقل عداءً.
تلك العائلة اللعينة… لم يكتفِ أحدهم بسرقة زوجتي، بل ماذا فعل أيضًا حتى يدفع ذلك الشاب اللطيف جيرالد إلى خيانتي والتفكير في كشف السجل للعامة؟
لو لم تكن هناك قضبان حديدية تفصل بينهما، لكانا قد أمسكا بعضهما من الياقات، وتحوّلت الزنزانة إلى ساحة شجار.
ولو لم يكن الحراس متواجدين، لصرخ كلٌّ منهما في وجه الآخر حتى انتفخت عروقه.
كان الاثنان في حالة يُرثى لها؛ ملابس ممزقة، وهيئة بائسة، وكلٌّ منهما ينظر إلى الآخر كما ينظر إلى عدوٍّ لدود لا يُغتفر.
كانت نظراتهما تصرخ بوضوح: “أنا في هذا الوضع بسببك!”
في تلك اللحظة، نادى المحقق على البارون ألفريد.
كان صوته باردًا ومخيفًا، كأنّه قابض الأرواح ذاته. شحب وجه البارون وتلاشت الدماء منه، مسترجعًا كل ما ذاقه من تعذيب في الأيام الماضية.
ومع ذلك، لم يكن له أن يعصي أمر المحقق، فنهض مترنّحًا وخرج من الزنزانة.
ألقى الكونت إيسيت نظرة متأمّلة على ظهره المتراجع، ثم نقر بلسانه باستياء.
لكن، ما إن سمع وقع الأقدام يقترب، حتى انكمش لا إراديًا، مفترضًا أنّ دوره قد حان.
لكن من خرج من الظلام الحالك لم يكن المحقق.
“جيرالد؟”
قال الكونت بصوت متفاجئ، وهو ينهض ببطء من مكانه.
كان جيرالد يبدو في أبهى حال، أكثر إشراقًا من أي وقت مضى، ربما بسبب خطوبته من أليس. فانحنى له بأدبٍ مصطنع، ثم أردف ساخرًا بنبرة لا تخطئها الأذن:
“تبدو في حالٍ جيّدة.”
“كيف تجرؤ أيها الـ…!”
اندفع الكونت إيسيت نحو جيرالد بغضب، لكن القضبان الحديدية أعاقت حركته، فلم يستطع سوى التلويح بيديه بطريقة بائسة.
تراجع جيرالد خطوة إلى الوراء، متفاديًا حركته، وتابع حديثه ببرود:
“تعويضًا عن خدمتي الشاقة في عائلة إيسيت، قررتُ أن أستحوذ على ما تبقّى من ممتلكاتكم. رغم أنها لم تعد كثيرة.”
“ماذا قلت؟”
“بفضلك، سيدي الكونت، كانت عملية تحويل الملكية إلى اسمي سهلة وسريعة. لذا، أود أن أستغل هذه الفرصة لأعبّر عن امتناني.”
ثم انحنى له مجددًا، لا احترامًا، بل على سبيل السخرية الواضحة، ما جعل الكونت إيسيت يطحن أسنانه غيظًا.
ظن الكونت أن جيرالد أقدم على فعلته هذه فقط لأن عائلة إيسيت باتت على وشك الانهيار، فأطلق تهديدًا مغلّفًا بالازدراء:
“أتظن أنّك ستظل بأمان بعد هذا؟ أتعتقد حقًا أن الماركيز تشيريش سيقبل خائنًا مثلك، يتنقّل بين الأطراف كخفاشٍ جبان؟ انتظر فقط… ما إن تُحل هذه الأزمة، ستكون أوّل من يُلقى به جانبًا!”
“آه… تقصد ذلك؟”
ضحك جيرالد بسخرية، وهو يرفع أحد طرفي فمه بابتسامة لاذعة:
“لا يهم. لديّ مكان آخر وافق على استقبالي.”
“هاه، وماذا الآن؟ هل أغويتَ ابنة أحد النبلاء من الطبقة الدنيا؟”
“ليست من الطبقة الدنيا. بل من دوقية لابرينث. أوه، لا بدّ أنك لم تسمع بالأمر بعد. بعد نهائيات بطولة سيف الشتاء، تمّت ترقية عائلة لابرينث إلى مرتبة دوقية.”
عند سماع كلمات جيرالد، اتسعت عينا الكونت إيسيت من الصدمة.
أولًا، صُدم من كون عائلة لابرينث — التي لم تكن تُذكر إلا باعتبارها من مؤسّسي الإمبراطورية — أصبحت دوقية، وهذا بحد ذاته حدث هائل.
وثانيًا، ما فاجأه أكثر، هو أن تلك العائلة، التي نالت هذا المجد حديثًا، قررت استقبال جيرالد، الذي خسر معركة الوراثة.
لم يكن جيرالد يكذب على رجلٍ محبوس في زنزانة معزولة عن العالم، فليس هناك ما يكسبه من كذبة كهذه.
وهذا يعني أن كل ما قاله جيرالد… حقيقة.
ولم يكن هناك سوى سببٍ واحد يجعل دوقية لابرينث تقبل بشخص مثل جيرالد، الذي خسر فرصته في وراثة اللقب.
“أيها الوغد…!”
ضرب الكونت القضبان الحديدية بقوة، بعدما أدرك الحقيقة بعد فوات الأوان.
“إذًا، لم تُطرَد من لابرينث من الأساس!”
“أجل، لم أُطرَد قط.”
أجاب جيرالد بابتسامة هادئة وباردة:
“خرجتُ بإرادتي… لكي أُطيح بك، يا كونت.”
“ماذا…! وما الذي بيني وبينك من عداوة لتفعل هذا؟!”
“ألا تذكر؟ لقد لفّقتَ تهمة التسميم لوالدتي زورًا.”
أخيرًا، فهم الكونت سبب هذا الانتقام، فتجمّدت كلماته على شفتيه. ثم، وكأن فكرة خاطفة خطرت له، زمّ شفتيه وهمس بنبرة غاضبة:
“تهمة، تقول؟! انتقِ كلماتك بعناية! حتى لو لم أكن أنا من فعل ذلك، فإيزابيلا كانت ستفعلها على أي حال، من أجلك! لتجعلك ماركيز لابرينث!”
“ربما كنتَ محقًّا في ذلك. لكن النتيجة الوحيدة التي تهمّني هي أن والدتي اتُّهِمَت ظلمًا بفعلٍ لم ترتكبه… بسببك.”
“حتى لو لم يكن هذا هو السبب، كانت ستلقى المصير نفسه! أتظن أن من يطمح لأن يرث لابرينث يمكنه النجاة دون أن يُسحق؟!”
“ومن علّم إيزابيلا كيف تتواصل مع ‘غريم ريبر’ إن لم تكن أنت، يا كونت؟”
بما أن الكونت إيسيت هو من أخبر إيزابيلا بكيفية الوصول إلى “غريم ريبر”، فهو في نظر جيرالد ليس شريكًا فحسب، بل العقل المدبر. وقد أشار جيرالد إلى تلك النقطة بدقة.
قهقه الكونت بسخرية غليظة:
“هراء لا يُصدّق!”
“آه، ربما كان دوفال من فعلها إذن. أو لعلّها كانت رايلا؟ لا يهم. أيًّا يكن منهم، فلن تشعر والدتي بالوحدة في العالم الآخر.”
“ما حدث مع إيزابيلا لا يمتّ إلى عائلة إيسيت بصلة! يبدو أنك تتشبث بأي شيء، لكنك لا تملك دليلاً واحدًا!”
“هاه…”
ضحك جيرالد بسخرية من رد الكونت، الذي لم يُبدِ أي ندم، بل أخذ يصرخ كمن فقد أعصابه.
“صحيح، كما قلتَ، لا يوجد دليل. ألم تقم أنت بحرق كل الأدِلّة بنفسك؟”
“أنت لا تكفّ عن الثرثرة الفارغة! ولمَ أُخفي شيئًا لم يكن موجودًا من الأساس؟!”
انتفخ صدر الكونت غرورًا، بعدما ظن أن افتقار جيرالد للأدلة يمنحه اليد العليا، وأخذ يتحدث بثقة وغطرسة.
لكن ما قاله جيرالد بعد ذلك جعله يتجمّد فورًا.
“لذا، سأصنع الدليل بنفسي.”
“…ماذا قلت؟”
“ألم تكن أنت من قال إن من يحتاج شيئًا عليه أن يصنعه بنفسه؟”
مثلما لُفِّقت تهمة التسميم لإيزابيلا كي تُثقل عقوبتها، كان جيرالد ينوي فعل الشيء نفسه: اختلاق أدلة تُدين الكونت إيسيت وتغرقه في التُهم.
كان هذا هو المعنى الواضح من حديثه.
ضرب الكونت القضبان مجددًا بغضب!
“أيها الوغد!”
“سأحرص على إعداد كل شيء أثناء وجودك في هذا السجن… أدلة تُثبت أن الكونت إيسيت حاول القضاء على وريثة لابرينث والاستيلاء على العائلة.”
“وتظن أنك ستنجو بفعلتك؟! ألستَ متورطًا في جريمة إيزابيلا أيضًا؟!”
“لو كنتُ أخشى ذلك، لما دخلتُ إلى عائلة إيسيت منذ البداية.”
وعند نهاية كلماته، انحنى جيرالد انحناءة عميقة، رسميّة.
كانت تلك تحيّة أخيرة لرجلٍ لن يرى نور الشمس بعد الآن… مجرم سيُصنّف قريبًا ضمن أخطر الجناة.
أدرك الكونت متأخرًا ما تعنيه تلك التحية، فناداه بيأس:
“جيرالد!”
لكن جيرالد ابتعد دون أن يلتفت. وحين بدأت نيران القلق تتأجج في صدر الكونت، حاول استمالته بكلماتٍ راجية:
“ما الذي تريده، ها؟ المال؟ سأمنحك ما شئت! وإن لم يكن المال كافيًا، فسأمنحك لقب الكونت!”
توقّف جيرالد عند تلك الكلمات.
ثم، وببطء شديد، استدار نحوه. كانت النار المنعكسة من المشعل على الجدار تلقي بظلال غريبة على وجهه، فأضفت عليه هيئة غامضة وباردة.
كان وجهًا خاليًا تمامًا من أيّ تعبير.
رؤية ذلك الوجه جعلت الكونت يفقد النطق للحظات، قبل أن يسمع جيرالد يجيب بصوت خالٍ من المشاعر:
“لا أريد سوى موتك، يا كونت.”
وكان ذلك نهاية كل شيء.
لم يجد الكونت ما يقوله بعد ذلك.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 156"