لم أكن الوحيدة التي انتابها شعورٌ معقّد. ما إن نطق رينوس بعبارة “دوقة لابرينث”، حتى بدا صوته متكسّرًا بعض الشيء.
كما احمرّت وجنتاه.
تظاهرت بأني لم ألحظ ذلك، ورددت بصوت منخفض:
“لا يجمعنا سوى قدر بسيط من العلاقة.”
“أعلم. لذا، هناك أمر أود طلبه منكِ… هل بوسعكِ استعارة جهاز كشف النسب من الدوقة؟”
“جهاز كشف النسب؟”
فوجئت بالسؤال غير المتوقع. لماذا يحتاج رينوس إلى ذلك؟ لا أظن أن لديه طفلًا مخفيًا أو ما شابه.
ألم يكن من الأسهل أن يطلبه مني مباشرة؟
باستثناء الاستخدام المخصص لتيرييل، ما زالت هناك فرصة واحدة متبقية. ولو طلبها، لأعرتُه الجهاز بلا تردد.
بينما كنت أتعجّب في داخلي، أوضح رينوس قائلًا:
“جلالة الإمبراطور يرغب في رؤية جهاز كشف النسب. لكنه، نظرًا لكون الأمر حساسًا، لا يريد طلبه بشكل رسمي. لذا يفضّل التعامل معه سرًّا من خلالكِ.”
“آه.”
عندها فقط فهمتُ لماذا طلبه مني بصفتي “سيدة نقابة التلاعب بالحب في سيل”، وليس من “دوقة لابرينث”.
فأي اتفاق بين الإمبراطور والنبلاء، مهما كان بسيطًا، يُسجَّل دائمًا ويُوثَّق في السجلات الرسمية ويُخلّد في التاريخ.
أما إن جرى الأمر عبر قائدة نقابة سرية، فهو لا يتعدى صفقة عابرة.
بهذه الطريقة، يكون الأمر أقل عبئًا على الإمبراطور بكثير.
ومع ذلك، لا أفهم لماذا يسعى فجأة وبشكل سري للحصول على جهاز كشف النسب. هل حدث أمرٌ ما؟
باستثناء الأمير الثاني، الذي تدهورت سمعته مؤخرًا بسبب نهائيات البطولة، لا يخطر ببالي سبب آخر محتمل.
على أي حال، أجبتُ رينوس، الذي كان ينتظر ردي، بإيجاب حاسم:
“حسنًا، فهمت. متى تود أن أُحضره لك؟”
“في الوقت الذي يناسبكِ، آنستي… أعني، في الوقت الذي يناسبكِ. و… إن لم يكن وقتكِ ضيقًا، فهناك سؤال آخر أود طرحه.”
“بالطبع، تفضّل.”
“أرجو ألا أكون قد شغلتكِ عن شيء مهم.”
“لا، أبدًا. لدي متسع من الوقت، فلا تتردد في سؤالي ما تشاء.”
في الواقع، لم يكن لدي وقت على الإطلاق. كنت قد وصلت للتو إلى العمل، وهناك كومة من المهام تنتظرني.
لكن بالنسبة لي، كانت محادثة رينوس الأهم على الإطلاق، ولهذا قلت ما قلت.
رفع رينوس يده إلى وجهه المحمر، كما لو كان يجاهد لإخراج كلمات يخجل من قولها.
ثم تردد قليلًا قبل أن يتحدث:
“في الواقع… الشخص الذي كان يأتي إليكِ طوال الفترة الماضية لطلب نصائح عن الحب… أنا هو.”
“عذرًا؟ ماذا قلت؟”
“أعني ذاك الأمر… عن الأطفال الخمسة، وكتاب الحب الأحمر.”
“…”
“ما أعنيه هو—”
“لا!”
قاطعته بسرعة قبل أن يُكمل.
“أعلم! أعلم مسبقًا!”
“آه.”
تنفس رينوس بارتياح حقيقي، وكأنه أُزيل عنه عبء ثقيل. أما أنا، فسارعت بإغلاق الموضوع قبل أن يُطلق العنان لأي هراء إضافي.
“كنتَ أنت إذًا! لم أتخيل ذلك مطلقًا! يا إلهي! من كان يظن؟!”
قلتُ ذلك بنبرة مبالغ فيها، فما كان من رينوس إلا أن غطّى وجهه بكلتا يديه، ثم انحنى بجذعه للأمام وبدأ يرتجف من شدة الإحراج.
آه، لماذا…
لم يكن ثمة شك. كان إما يبكي، أو يضحك، أو كلاهما في آنٍ معًا. وبالنظر إلى احمرار شحمة أذنه، رجّحت الاحتمال الثالث.
أقرّ بأنني كنتُ درامية بعض الشيء، لكن أليس التصرف بهدوء في مثل ذلك الموقف هو ما يُعد غريبًا في الأصل؟
كان قلبي يخفق بعنف، وكأنه على وشك أن يخرج من بين ضلوعي. ولأتمالك نفسي، تشبثتُ بمسند الأريكة بإحكام، منتظرةً أن يهدأ.
وبعد برهة، استطاع بالكاد أن يكبح بكاءه ورفع رأسه. كان وجهه قد احمرّ بالكامل، وتجمعت بعض قطرات الدموع عند طرفي عينيه.
تجنب النظر إليّ وهمس بصوت خافت فيه شيء من التردد:
“في الحقيقة… هناك أمر أود سؤالكِ عنه.”
“تفضل، أنا أستمع.”
“ذاك… همم. أقصد…”
وفجأة، عاد ليغطي وجهه بكلتا يديه من جديد. ما الذي ينوي قوله هذه المرة؟ ما سبب كل هذا التردد؟
حاولت أن أطرد عني شعورًا خفيًّا بعدم الارتياح، وظللت أترقب بصمت حتى ينطق بكلماته.
كم من الوقت مضى ونحن على هذه الحال؟
وأخيرًا، وهو لا يزال يخفي وجهه، تمتم قائلاً:
“لو أن عدد الأطفال الخمسة يبدو كثيرًا جدًا وقد يدفعكِ للهرب… كم عدد الأطفال الذي ترينه مناسبًا لكِ؟ أعني… لا أريدكِ أن تهربي، لكني لست متأكدًا… أردت فقط… أن أعرف رأيكِ…”
“……”
“هل أربعة لا بأس بهم؟… أو ربما ثلاثة؟”
“……”
“وإن كان ذلك كثيرًا أيضًا، فاثنان؟ وإن بدا حتى اثنان كثيرًا… فواحد؟ وإن بدا ذلك كثيرًا أيضًا، فلا بأس ألا ننجب إطلاقًا—”
“كلا!”
ماذا يعني بـ”ألا ننجب”؟ هل ينوي القضاء على نسل الإمبراطورية بهذا الشكل؟
في لحظة، كأن روحي انسحبت من جسدي من شدة الصدمة، فاندفعت بالرد دون حتى أن ألتقط أنفاسي:
“أعتقد أن هذا ليس أمرًا ينبغي حسمه الآن! حين يحين وقت الإنجاب، سننجب، أليس كذلك؟!”
“لكن إن كانوا كثيرين، فقد تهربين—”
“لن أهرب! أو بالأحرى، أظن أنني لن أهرب!”
أزاح رينوس يديه عن وجهه ونظر إليّ مليًّا، وكأن عينيه تسألان: “حقًا؟” فهززت رأسي بسرعة دون تردد.
“لن أهرب، نعم، متأكدة تمامًا.”
فما إن سمع كلماتي حتى أضاء وجهه بالسرور، لكن ذلك لم يدم طويلًا، إذ عاد سريعًا إلى هيئته الخجولة المعتادة.
ما الأمر هذه المرة؟ ما الذي سيسأله الآن؟
“ذاك… سمعتُ أن الجزء الثالث من «السبب الذي يجعل تلك المرأة تبكي كل ليلة» قد صدر مؤخرًا. هل هذا أيضًا من ترشيحاتكِ؟…”
كدت أن أفقد وعيي في مكاني.
أحسست بدوار حاد فرفعت يدي إلى جبيني وأنا أترنّح، وحين رآني رينوس في تلك الحال، ارتبك واقترب خطوة وهو يقول:
“يا آنسة! آه، أقصد، يا أنتِ!”
ثم توقف فجأة، وأخذ يبرر سريعًا وكأنه يلهث:
“أنا لا أسأل بدافع غريب، فقط ظننت أنه قد يفيدني في فهم بعض الأمور… من باب الدراسة.”
حقًا… تمنيت من أعماقي أن أفقد الوعي في تلك اللحظة.
ترنحت ثم ارتميت على الأريكة شبه منهارة، وجبهتي ما تزال بين كفّيّ. وحين لم أنطق بكلمة، بدا أن رينوس التقط الإشارة أخيرًا، وقرر إنهاء الحديث من تلقاء نفسه.
“…لن أطرح المزيد من الأسئلة. أعتذر عن تطفّلي.”
شكرًا جزيلًا.
أغمضت عيني ببطء، وأخذت أرسل له برسائل ذهنية مستمرة: اذهب الآن، أرجوك، اذهب. لم يسبق لي أن رغبت في مغادرته بهذا الشكل من قبل.
لكن، ويا للأسف، لم يكن رينوس مستعدًا للرحيل بعد.
“هل يمكنني أن أطرح سؤالًا أخيرًا فقط؟ واحدًا فقط؟”
كنت أرغب في أن أقول له: “لا.”
لكن، إن تركته يرحل الآن، فسوف أموت من الفضول لمعرفة ما الذي كان رينوس ينوي أن يسألني عنه.
“تلك الدمية التي على هيئة التنين الشرير… هل يمكنني رؤيتها مرة أخرى؟ أعني تلك التي قلتِ إنكِ صنعتِها من تنين حقيقي.”
ربما خشي أنني لا أتذكّر ما قلته وسط ذلك الهراء، فأخذ يعيد عليّ بلطف كل ما كنت قد تفوّهت به من ترهات.
يا إلهي…
وقد استسلمت للأمر كليًا، فأمرت أحد أفراد النقابة بإحضار دمية التنين الشرير. ثم، أغمضت عيني بإحكام، ومددت يدي المرتجفة وسلّمتها له.
وأخيرًا، وصلت تلك الدمية المشؤومة إلى يدي رينوس.
بييييييب—
بييييب—
بيييييييييب—
في كل مرة ضغط فيها رينوس على الدمية، صدرت منها أصوات حادة ومزعجة، وهي تتهشم تحت ضغط أصابعه. ومع كل صوت، كان قلبي يتكوم هو الآخر تحت وطأة الحرج.
بدأ رينوس يتفحّص الدمية بعناية؛ وجهها، بطنها، جناحيها، وذيلها. صافحها كما لو كانت شخصًا حيًّا، ثم أخذ يحرّك جناحيها الصغيرين بأصابعه.
أما أنا، فغطيت وجهي بكلتا يدي، متمنية أن تبتلعني الأرض.
وفجأة، سمعت صوت تمزّق واضح، فخفضت يدي ببطء بتوجس.
ورأيتُ ذلك بأم عيني.
“……!”
رأيت حشوة قطن بيضاء ناصعة تتسلل خارجة من خاصرة الدمية، بينما هي بين يدي رينوس!
تجمدت من الصدمة، أحدّق دون قدرة على التفاعل. أما رينوس، الذي بدا عليه الارتباك أكثر من أي وقت مضى، فهرع ليبرر الموقف:
“أ-أنا لم أكن أنوي تمزيقها، حقًا، أعني…”
“……”
“أ-أنا لم أقصد تمزيقها، أقسم! فقط… كنت أضغط عليها هنا وهناك، لأنها كانت مثيرة للاهتمام، وفجأة، من تلقاء نفسها—”
“……”
حدّقت فيه بصمت، وهو يُلقي بهذا العذر السخيف. هل يُعقل أن تتمزق الدمية من تلقاء نفسها؟
في الواقع، كانت الدمية قد بدأت تتمزق عندما ضغطت عليها بقوة وأنا أجادل “ليدر” سابقًا، لكنني لم أكن أعلم ذلك، ورينوس بالطبع لم يكن يعلم أيضًا.
وبالتالي، بدا وكأن رينوس هو من مزّق الدمية.
بييييييب…
ربما بسبب التمزق، بدا صوت الدمية هذه المرة أكثر حزنًا من ذي قبل، وكأنها تبكي بمرارة.
حدّقت بها وهي تخرج الحشوة من خاصرتها في صمت، وتمتمت بحزن، متسائلة في نفسي إن كان قد مزقها بسبب سوء فهم:
“لم أصنعها كي ألعن التنين الشرير… أنا حقًا أحب التنين الشرير. في الحقيقة، صنعتها لأنني أحبها… فقط… أردت أن أحتفظ بواحدة بقربي… حتى أراها دائمًا، لا أكثر…”
“…آه… آسف…”
اعتذر رينوس بصوت خافت وهو يخفض بصره، وقد خيّم على ملامحه شعور عميق بالذنب.
ثم، بأصابعه الطويلة، أخذ بلطف الحشوة البيضاء التي خرجت من جانب الدمية، وحاول إعادتها إلى مكانها. لكنها عادت للخروج مجددًا، فتمتم بصوت خجول وكأنه يخشى السؤال:
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 155"