ساد الصمت الجليدي أرجاء القاعة. فقد كان ظهور قائمة الموت، التي تفوح منها رائحة الدم، كفيلًا بإخماد كل صوتٍ وإسكات كل لسان.
لم يجرؤ أحد على التنفّس بحرّية، خشية أن يُتّهم بشيءٍ عن غير قصد. وفي هذه الأثناء، سلّم ماركيز تشيريش القائمة التي استلمها من جيرالد، بكل احترام، إلى الإمبراطور الذي كان قد أُبلِغ بالأمر مسبقًا.
“……”
فتح الإمبراطور دفتر الإيستالوت وبدأ يقرؤه بدقة من الصفحة الأولى، دون أن ينطق بكلمة.
أما النبلاء الذين كانوا يراقبونه بوجوه متوترة، فلم يدركوا إلا لتوّهم أن الفرسان الإمبراطوريين قد أغلقوا أبواب قاعة الحفل، فأُصيبوا بالذعر.
لم تكن هذه المناسبة للاحتفال بخطبة الآنسة تشيريش فحسب، بل كانت فخًّا نُصب بعناية، لاجتثاث من استخدموا عشبة الإيستالوت المحرّمة!
وقد اتّضح أخيرًا السبب وراء حضور ولي العهد، رغم بروده الظاهر تجاه عائلة تشيريش.
طَقّ.
أغلق الإمبراطور دفتر السجلات بهدوء، لكن ذلك الصوت بدا كالرعد في آذان النبلاء المذعورين.
ثم تحدّث دون أن يلتفت:
“ولي العهد.”
“نعم، يا جلالة الإمبراطور.”
“أفوّض إليك كامل الصلاحية في هذه القضية. لا تدع أيًّا من هؤلاء المجرمين يفلت من العقاب.”
“مثلما تأمر جلالتك.”
ردّ رينوس بصوت منخفض وهو يتسلّم السجل. ثم غادر الإمبراطور القاعة برفقة كبير الخدم، دون أن يلتفت.
وبدأ رينوس في قراءة أسماء أولئك الذين ستنتهي حياتهم كأعضاء في طبقة النبلاء.
“كاليت يوترا.”
أُجبر الابن الأكبر لعائلة يوترا، المشهورة في تجارة العطور، على الركوع على ركبتيه من قِبل الفرسان.
وتبعه سريعًا المركيز بليميز، أحد أعمدة التجارة والاستيراد، ثم البارون كورتي، الذي لمع اسمه في عالم المطاعم، إذ جرى تقييدهم جميعًا واحدًا تلو الآخر.
“تيرييل بيوريتنا.”
“……!”
تفاجأ النبلاء حين سمعوا اسم شخص غير حاضر في القاعة، فتبادلوا النظرات المصدومة. إذًا، كان الأمر حقيقيًا!
وقفت أليس بكل فخر، وقد رأت أخيرًا اسم والدها يُبرّأ، وازداد إعجابها بجيرالد الذي مهّد الطريق لهذه اللحظة، إلى ذروته.
في غضون ذلك، واصل رينوس قراءة الأسماء.
“إيبال إيسيت.”
“أنا بريء!”
وكأنه كان ينتظر لحظة النداء، صرخ الكونت إيسيت باستياء شديد.
وتردّد الفرسان للحظة وهم يقتربون منه، ليجثو الكونت على ركبتيه من تلقاء نفسه ويصرخ مدافعًا:
“أقسم أنني لم أستعمل تلك العشبة أبدًا! لم أسمع باسمها حتى هذا اليوم!”
“وأنا كذلك، يا سمو ولي العهد!”
“إنها مؤامرة! هناك من يلفق لنا التهم!”
واستمدّ الآخرون، الذين كانوا مقيّدين بالفعل، القوّة من صرخاته، وقد كانوا يدّعون البراءة الواحد تلو الآخر. بل وصل الأمر ببعضهم إلى اتهام جيرالد نفسه.
“كيف يمكن الوثوق بسجل جلبه مجرد عامّي؟!”
“لا شك أن هذا كله خدعة نسجها لخدمة مصالحه مع ماركيز تشيريش!”
“مولاي! نلتمس منك الحكم العادل!”
لكن تلك المزاعم الكاذبة قُطعت على الفور بصوت راينوس الجليدي:
“معاقبة كل مذنب دون ظلم أو افتراء، أليس هذا هو أول ما كُتب في القانون؟”
ثم أخذ يُمعن النظر في النبلاء المقيّدين أمامه.
ونظراته، التي كانت خالية من أي دفء، أرعبت الحاضرين دون أن يشعروا.
“أتظنون حقًا أن العائلة الإمبراطورية قد رتّبت كل هذا دون تحقيق أو تدقيق؟”
“…….”
“من الآن، إن تجرأ أحدٌ غير مظلوم على فتح فمه، فسأجعله يندم على ذلك أشدّ الندم.”
وبهذا التحذير الصريح لإلزام الجميع بالصمت، خيّم الهدوء فورًا على أولئك الذين كانوا يصرخون ببراءتهم.
وكان من بينهم كونت إيسيت، الذي أصبح بدوره مقيّدًا على يد الفرسان، لا يملك سوى أن يرمق جيرالد بنظرات حانقة.
‘كيف تجرؤ، أيها الوغد…!’
وفي النهاية، تم استدعاء جميع الأسماء المدرجة في السجل.
وباستثناء تيرييل، التي كانت قد اقتيدت إلى السجن مسبقًا، كان جميع المعنيين حاضرين. وكان ذلك يعني أن الهدف الثانوي لحفل الخطوبة قد تحقق بنجاح.
بدأ النبلاء المقيّدون يُسحبون واحدًا تلو الآخر إلى الخارج، في حين لم يجرؤ من بقي منهم إلا على التزام الصمت بوجوه شاحبة مرتعدة. وفي خضم هذا المشهد، تقدّم رينوس بعد أن أتمّ مهمّته، ليتوجّه بالشكر إلى ماركيز تشيريش.
“لم يكن قرار استخدام حفل الخطوبة بهذه الطريقة بالأمر السهل، لذا أشكركم على تعاونكم. وسيتم تقديم التعويض المناسب في الوقت الملائم.”
“لا داعي لذلك يا صاحب السمو. إن كان في ذلك ما يُنصِفُني ويُعيد لي اعتباري، فهو أكثر مما أرجو.”
خلف الماركيز الذي تحدّث نيابة عن عائلته، انحنت أليس وجيرالد بهدوء تعبيرًا عن الاحترام.
وقبل أن يغادر راينوس القاعة مع الفرسان، اقترب من جيرالد وهمس له بصوت لا يسمعه غيره:
“سنلتقي على انفراد قريبًا… أيها الصهر.”
ثم غادر على الفور بخطوات هادئة.
‘…صهر؟’
تجمّدت تعابير وجه جيرالد من الدهشة، وبدأ يردد الكلمة التي قالها ولي العهد مرارًا وتكرارًا في رأسه.
كان يعلم أن سييلا قد أخبرت صاحب السمو عن وضعه، لكن…
‘منذ متى تزوّجت سييلا الخاصة بي؟’
وما الذي يدعو ولي العهد لاستدعائي على انفراد؟ هل ارتكبت خطأً ما دون أن أدرك؟
أما رينوس، فقد كان يحاول كسب ودّ عائلة سييلا فحسب، لكن جيرالد، الذي لم يكن يدرك شيئًا من هذا، ظل يرهق ذهنه حتى موعد اللقاء المرتقب، محاولًا معرفة ما الخطأ الذي ارتكبه.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
مثلما لو أن ما حدث في المباراة النهائية لم يكن كافيًا، جاءت فضيحة عشبة الإيستالوت لتزيد الطين بلة.
وهكذا، لم يُختتم مهرجان سيف الشتاء بعد، حتى بدأت رياح الربيع تهبّ على الإمبراطورية، مصحوبة بعاصفة حادة كالسيوف.
فأخذ الناس يتوارون مثل السلاحف، ينكمشون على أنفسهم خوفًا من أن يطالهم شيء. لم يجرؤ أحد على اتخاذ خطوة متهورة وسط أجواء مشحونة بالتوتر.
ومع ذلك، فإن من يُضيء وسط الظلام لا بد أن يبرز.
“سييلا لابيرينث، تقدّمي.”
نعم، تلك التي كانت تتلألأ وسط هذا الظلام… كنت أنا، سييلا لابيرينث.
قاعة العرش، وقد انتظم فيها كبار النبلاء من رتبة مركيز فما فوق.
كنت أرتدي زيًّا رسميًا أنيقًا، بعد أن تخلّيت عن ملابسي الفاخرة المعتادة. وبناءً على نداء كبير الخدم، تقدّمت بهدوء نحو المنصة وركعت على الوسادة.
كان هذا الاحتفال تكريمًا لي من قِبل الإمبراطور، على ما قمتُ به خلال المباراة النهائية، مثلما أخبرني رينوس سابقًا.
انحنيت برأسي وانتظرت الأمر التالي بصمت.
فتح كبير الخدم اللفافة وبدأ بقراءة بيان يتضمن ثناءً على إنجازي:
“الآنسة سييلا لابرينث، الابنة الكبرى لعائلة ماركيز لابرينث، قد كشفت عملًا شنيعًا جرى في المعبد، وبهذا أنقذت شرف العائلة الإمبراطورية الذي كان على وشك أن يُدنّس.”
“…….”
“وبفضل نِعمة الحاكم، ساهمت مساهمة عظيمة في تهدئة غضب الحاكم الذي أُلصق ظلمًا بالأمير الثاني.”
سُررر…، سُمِع صوت الإمبراطور ينهض من على عرشه.
كنت أتوقع أنه سيمنحني قطعة أرض خصبة أو يضع على كاهلي لقبًا سخيفًا مثل المختارة من الأرواح… لكن مع هذا التحرك المفاجئ، بدأ التوتر يتسلل إلى داخلي.
‘ما الأمر؟ لماذا يتحرّك الإمبراطور بنفسه؟’
ثم فجأة… سُرررررررررنغ!، صوت سيف يُسحب من غمده.
كدت أرفع رأسي من الخوف، ظننت للحظة أنه ينوي قطع رأسي.
لكن سرعان ما تداركت الأمر: لا يعقل أن يقتلني الإمبراطور بنفسه. لا بد أن السيف الذي حمله هو سيف مراسم الاحتفال.
…لكن، لماذا أخرج سيف المراسم الآن؟ بحسب ما رأيت من تصميمه، فهو من النوع الذي لا يُستخدم إلا في مراسم منح الألقاب.
وبينما كنت في حيرة من أمري، عاجزة عن تفسير ما يجري، اقترب الإمبراطور ونادى باسمي.
“سييلا لابرينث.”
“نعم، جلالتك.”
انحنيتُ برأسي أكثر، حتى لامس جبيني الأرض تقريبًا.
ثم، قام الإمبراطور بلمس كتفيَّ بسيفه لمسًا خفيفًا، قبل أن ينطق بكلمات كادت تفقدني وعيي من شدّة وقعها:
“أمنحكِ لقب دوقة لابرينث.”
“ماذا؟!”
رفعتُ رأسي دفعة واحدة من شدة الصدمة، حتى نسيت ما يُعدّ سوء أدب في حضرة الإمبراطور، وبمجرد أن التقت عيناي بعينيه، أسرعتُ بإعادة رأسي إلى موضعه.
ولم أكن الوحيدة التي أصيبت بالصدمة؛ إذ عمّت الصدمة أيضًا صفوف النبلاء المصطفين خلفي.
“جلالتك!”
“لقب دوق لا يُمنح إلا لمن أنقذ الإمبراطورية من كارثة عظيمة، فكيف—!”
“حتى وإن كانت تمتلك روحًا، فهذا كثير للغاية! تلك مجرد أسطورة قديمة—”
“كفى.”
كلمة واحدة فقط من الإمبراطور كانت كفيلة بإخماد أصواتهم جميعًا.
أما الملكة، التي كان من المفترض أن تكون أول من يعارض، فلم تحضر هذا الاحتفال بسبب مرضها جرّاء ما جرى مع الأمير الثاني.
ما الذي يحدث؟ ما معنى هذا كله؟
قلبي بدأ يخفق بعنف في ظل هذا التحوّل المفاجئ تمامًا. شعرت أنّ أي كلمة أنطق بها ستندفع من فمي كالسهم المنفلت على الأرض من شدة الارتباك.
صحيح أن عائلة لابرينث تُعامَل منذ زمن على أنها توازي عائلة دوق، ولكن…
أن تُعامَل كدوق أمر، وأن تُمنَح اللقب رسميًّا أمر آخر تمامًا.
فإن حدث ذلك، ستضم الإمبراطورية رسميًّا ثلاث دوقيات بدلًا من اثنتين فقط.
وسط هذا التوتّر، توجّه الإمبراطور بهدوء إلى أولئك النبلاء الذين بدَت على وجوههم اعتراضات كثيرة:
“ألستم على علم بأنّ العلاقة الوديّة مع برج السحر قد أُقيمت بفضل السيدة لابرينث الصغيرة؟”
“نعم، نحن نعلم… ولكن—”
“وألستم على دراية بأنها هي من منعت انتشار تلك المادة الخبيثة المسماة روبينا التي نشرها كونت إيسيت؟”
“…….”
“ليس الخطر العظيم على الإمبراطورية بالضرورة حربًا. إن سُحقت سمعتها تحت الأقدام وسُخِر منها، فذلك يُعدّ أزمة بحدّ ذاته.”
أمام هذا المنطق القاطع والواضح، عجز النبلاء المعترضون على منحي لقب الدوق عن الرد.
وبعد أن ألقى عليهم نظرة تمعّن، تابع الإمبراطور حديثه:
“إن لم يكن ما فعلته إنقاذًا للإمبراطورية من أزمة عظيمة، فماذا يكون إذًا؟”
“…….”
“كان ينبغي أن تُمنَح هذا اللقب منذ زمن، لكنني أخّرت ذلك متعمدًا، لأنني كنت أتوقّع مثل هذه الاعتراضات.”
بمعنى آخر، لقد خطّط منذ البداية لرفع عائلة لابرينث إلى مرتبة دوقية.
واو…
بلعت ريقي بصعوبة بينما كنت أستمع لكلمات الإمبراطور.
عائلة لابرينث… تصبح دوقية؟
وللتوضيح، رغم أن العائلات المؤسسة الثلاث كانت من نفس المنزلة، إلا أن الألقاب التي مُنحت لها اختلفت لأسباب بسيطة:
فأول من المؤسسين للإمبراطورية من عائلة جاستيس، وكان يعشق القوة، مُنح لقب الدوق لقوة طموحه وسعيه للسلطة. أما لابرينث، التي اختارت الحياد، فقد اكتفت بمكانة مناسبة دون أن تسعى لأكثر، في حين أن عائلة بيوريتنا، التي كانت تتطلّع إلى السلام دون أطماع، نالت لقبًا متواضعًا يعكس روحها.
ولذلك، مُنحت كل عائلة اللقب الذي يناسب توجهها.
ففي النهاية، الإمبراطورية قبل ألف عام لم تكن بهذا الحجم في الأصل.
…لكن، لحظة. لا يزال ماركيز لابرينث حيًّا، فهل يصح أن يُنادى بي كـ”دوقة لابرينث”؟
ويبدو أن الإمبر
اطور فكّر بالأمر نفسه، إذ التفت فجأة إلى ماركيز لابرينث الذي بدا مصدومًا لا يتحرك:
“أيها الماركيز، يبدو أنك ستضطر إلى تقديم موعد تقاعدك أبكر بقليل مما كنت تخطط له.”
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 153"