منذ وقتٍ ليس ببعيد، وتحديدًا في اللحظة التي انتهت فيها المباراة النهائية لبطولة سيف الشتاء، وبدأ الناس يتناقشون بشأن تمثال سييلا—
كانت عائلة ماركيز تشيريش في عين العاصفة.
فقد استغلّ الماركيز ضعف نفوذ الإمبراطورة ليُعلن رسميًا عزمه على شطب اسم تيرييل من السجل العائلي.
“الآنسة بوريتينا ليست ابنتي. لم تربطني علاقة بأي امرأة غير زوجتي. وليس لي من الأبناء سوى أليس.”
“ولماذا قلتَ سابقًا إنها ابنتك؟”
“لكن الآنسة بوريتينا قالت إنك فقدت جزءًا من ذاكرتك.”
“لم أفقد ذاكرتي، بل استعدتُ وعيي فحسب. أما ما قلته سابقًا…”
تردّد الماركيز للحظة، ثم انحنى برأسه بخجل.
حتى من وجهة نظره، كان تصريحه السابق غير مسؤول، لكنه لم يجد وسيلة أفضل للتعبير.
“…كل ما يمكنني قوله هو أنني لم أكن بكامل وعيي حينها.”
بدا تصريحه غير منطقي إطلاقًا، ما دفع النبلاء إلى تبادل النظرات فيما بينهم، ثم شرعوا في الهمس بصوتٍ منخفض لا يكاد يُسمع، كي لا يلتقط الماركيز ما يقولونه.
“إن كان ما يقوله صحيحًا، فهل يعني ذلك أن قداسة البابا قد كذب علينا؟”
“مستحيل. لا يمكن أن يتجرأ على الكذب باسم الحاكم.”
“أظن أن الآنسة بوريتينا لم تعد ذات قيمة، فقرروا التضحية بها. يا للأسف، لم أكن أظن أن الماركيز من هذا النوع.”
“الأمر واضح. من تخلّى عن ابنته مرّة، ما الذي يمنعه من فعلها مجددًا؟”
وبذلك، انهارت سمعته التي كانت قد بدأت تميل، وتدهورت سريعًا إلى الحضيض.
وحتى لو استعان بجهاز فحص النسب من السيّدة لابرينث لإثبات أن تيرييل ليست ابنته، فسيُتّهم بتزوير النتائج.
صحيحٌ أنه تدارك الموقف قبل أن تُلقي زوجته بأوراق الطلاق في وجهه، لكن أصابع الاتهام التي توجّهت نحوه لم يكن بوسعه إيقافها.
وكان يتقدّم في السنّ يومًا بعد يوم.
كان عليّ أن أفجّر هذه الحقيقة منذ البداية، حتى وإن كانت أختي تضغط عليّ بشدّة…
لقد ندم أشدّ الندم على أنه لم يكشف الحقيقة إلا الآن، بعدما انهارت سمعة تيرييل تمامًا، وأخذ يقضي لياليه غارقًا في الخمر.
وفي خضمّ ذلك، أحضرت أليس شابًا إلى المنزل.
“أبي، أريد أن أخطب لهذا الرجل.”
“همم؟”
كان الماركيز قد شرب كثيرًا في الليلة الماضية، فاستيقظ بعينين محمرّتين ليرى من أتى مع ابنته.
وبينما نظر إليه، تفاجأ في سره.
شعرٌ أحمر كاللهيب، وعينان بلون الدم—أليس هذا ذلك الشاب الذي طُرد من عائلة ماركيز لابرينث بعد صراعه على الوراثة؟
لقد سمع أنه يعمل الآن تحت إمرة الكونت إيسيت…
والآن، بعد أن بدأ نفوذ إيسيت في الانهيار، يبدو أنه قرر التقرّب إلينا.
قطّب الماركيز جبينه، وأخرج أليس من الغرفة بلطف. كان ينوي مواجهة جيرالد على انفراد.
لكن جيرالد سبقه في الحديث.
“سأُزيل عن كاهلكم هذا الهم، يا سيدي الماركيز.”
توقّف الماركيز فجأة، وكان على وشك أن يحذّره بشدة: لا تقترب من أليس إن كنت لا تريد المتاعب.
ما الذي يتفوه به هذا العاميّ؟
“بمجرّد حصولك على هذا، ستتمكّن من تبرئة نفسك تمامًا.”
بهدوء، أخرج جيرالد سجلًا كان قد أعدّه مسبقًا. وكان برفقته عدة مستندات توضّح معلومات عن “الإيستالوت”، بالإضافة إلى رسالة سريّة من سييلا مختومة بخاتم عائلة لابرينث.
عبّر الماركيز عن دهشته وهو يتسلّم الأوراق بتعبيرٍ متسائل، ثم ما لبث أن تجمّدت ملامحه.
وبعد أن قرأ السجل، والمذكّرات التوضيحية، والرسالة حتى نهايتها، حدّق في جيرالد بعينين مضطربتين.
فاكتفى جيرالد بابتسامة خفيفة، شبه ساخرة.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
وبعد ذلك بوقتٍ وجيز، أُقيم حفل خطوبة أليس وجيرالد.
ورغم أن سمعة عائلة تشيريش كانت قد انحدرت إلى الحضيض بسبب تيرييل، إلا أن مكانتها كواحدة من أقوى خمس عائلات في الإمبراطورية كانت كفيلة بضمان إقامة حفل خطوبة فخم.
وكانت قائمة الحضور باهرة، إذ اجتمع كبار النبلاء من مختلف أنحاء الإمبراطورية، بل حتى الإمبراطور وولي العهد حضرا بنفسيهما.
أما الإمبراطورة التي كانت وسط زوبعة من الفضائح، والأمير الثاني، وعائلة لابرينث، الذين لم يكونوا على وفاق مع جيرالد—فلم يحضر أيٌّ منهم.
“هذا الشاب هو السيّد وينتر من عائلة بلاين، وتلك الآنسة بلينا من عائلة لاكتور…”
أليس، التي كانت واقعة تمامًا في حب جيرالد، كانت تجرّه من مكان لآخر، وتعرّفه بحماسة على النبلاء الذين تعرفهم.
وفي أثناء ذلك، كانت تتحدث بحيوية عن مكانة عائلتها المرموقة، بينما كان جيرالد يواجهها بتعبيرات وجه توحي بالإرهاق التام.
“ما رأيك؟ أليست عائلة تشيريش أرقى بكثير من عائلة لابرينث أو عائلة إيسيت؟”
“حسنًا، أعتقد أن…”
“ما هذا الوجه؟! هل تعني أن أحدهما أفضل من تشيريش؟”
“أستطيع أن أقول إنني أوافق… إلى حدٍّ ما.”
“ماذا؟! أيّهما تعتقد أنه الأفضل؟ هيا أجب!”
تفاجأ الحاضرون وهم يشاهدون أليس تتجادل مع جيرالد بهذه الأريحيّة. فمن الواضح لأيّ شخص أنها واقعة في غرامه حتى النخاع.
ورغم أنهم حضروا بناءً على دعوة رسمية، إلا أن النبلاء لا يفوّتون فرصة للثرثرة، خصوصًا في مناسبات كهذه.
وسرعان ما بدأت الهمسات تنتشر بين الحشود:
“يا للعجب! من كان يظن أن الآنسة أليس من تشيريش ستقع في حبّ رجل من العامة؟ رغم أن سمعة العائلة في الحضيض…”
“أجل، لا شيء يفاجئك بعد الآن. والأسوأ من ذلك، أليس هذا هو نفسه الرجل الذي كان من المفترض أن يُخطب للآنسة إيسيت في قصر الياقوت؟”
“أيّ سحرٍ هذا الذي يجعله ينتقل من فتاة نبيلة لأخرى حتى بعد أن طُرد من عائلة لابرينث؟”
“…يبدو أن الأمر يعود إلى ذلك الشيء.”
“ذلك الشيء؟”
عند همهمة خجولة من إحدى النبيلات، التفتت جميع الأنظار إليها، حتى أولئك الذين كانوا يسخرون من جيرالد قبل لحظة.
وبينما تراجعت تحت وطأة النظرات، واصلت النبيلة الخجولة حديثها بحذر:
“أعني، ما جرى مع ماركيز تشيريش… هناك من يقول إن هذا العاميّ يملك مفتاحًا لسرّ تلك القضية.”
اتّسعت أعين الجميع في آنٍ واحد.
خفضت النبيلة الخجولة صوتها أكثر، وكأنها تفشي سرًا عظيمًا، رغم أنها في الواقع كانت قد تلقت مبلغًا ضخمًا من سييلا لتوجيه الرأي العام.
“سمعتُ أنه لم يُقدّم مهرًا تقليديًا، بل قدّم كتابًا رفيعًا واحدًا فقط… وقد كان الماركيز مسرورًا للغاية بذلك.”
وهنا تدخّلت نبيلة أخرى كانت قد تلقت مالًا من سييلا كذلك، وأضافت بحماس:
“آه، نعم! سمعتُ هذه الشائعة أيضًا. لكن، ما هو هذا الكتاب تحديدًا؟”
“لا أعلم تمامًا…”
ومع ذلك، كان هذا كافيًا لتغيير نظرة النبلاء إلى جيرالد، من الازدراء إلى الفضول.
ما نوع ذلك الكتاب الذي جعله يحظى بخطوبة من آنسة من كبار النبلاء؟
حاول بعضهم التفكير واستنتاج الجواب، لكن لم يُصب أحد كبد الحقيقة.
ومع ازدياد الأسئلة دون أي إجابات، كانت نيران الفضول تتضخّم طيلة مراسم الخطوبة ككرة ثلجٍ تتدحرج منحدرة.
أملًا في التقاط أيّ تلميح، لم يستطع النبلاء صرف أنظارهم عن جيرالد ولو للحظة.
بل إن بعضهم بدأ يخاطبه بأدب، متخلّين عن استعلائهم تجاه كونه من عامة الشعب
وفي تلك الأثناء، اعتلى ماركيز تشيريش المنصة، جاذبًا أنظار الحاضرين جميعًا.
“أشكركم على تخصيص وقتكم الثمين اليوم للاحتفال بهذين العاشقين الجميلين.”
بدأ الماركيز يُلقي خطابًا أنيقًا، يحفل بالبلاغة والزينة اللفظية.
ومع ترقّب الجميع أن يتطرّق في حديثه إلى “ذلك الكتاب” الذي قدّمه جيرالد، انصبّ التركيز على المضيف، ماركيز تشيريش.
وبينما كانت الأنظار مشدودة إليه، لم ينتبه أحد إلى أن فرقة من الفرسان الإمبراطوريين المدجّجين بالسلاح دخلت القاعة بصمتٍ تام.
لكن الماركيز، الذي كان يحدّق ناحية الباب، رآهم بوضوح. ومع ذلك، تابع كلمته المعدّة مسبقًا حتى نهايتها دون أن يبدو عليه اضطراب.
ثم سلّم الكلمة إلى جيرالد.
“يبدو أن السيد جيرالد قد أعدّ شيئًا خاصًا لكم جميعًا.”
تقدّم جيرالد إلى الأمام عند دعوة الماركيز، وانحنى بانحناءة رسمية، وكان يحمل في يده ما بدا أنه “الكتاب الرفيع” الذي أثار فضول الجميع.
فانطلقت الهمسات بين النبلاء وقد بلغ فضولهم ذروته:
“هل يمكن أن يكون هذا هو الكتاب؟”
“ما محتواه يا ترى؟”
“بما أنه أخرجه علنًا، يبدو أنه ينوي الكشف عنه…”
وبينما كانت أنظار جيرالد تجوب القاعة وتتأمل الوجوه، توقفت للحظة عند الكونت إيسيت.
كان الكونت يحدّق إليه بوجهٍ جامد، وعينين مثقلتين بالأفكار.
والحقيقة أنه حتى لحظة بدء حفل الخطوبة، كان الكونت يحاول جاهدًا تغيير رأي جيرالد.
لقد توهّم أن جيرالد انتقل إلى تشيريش طمعًا في النفوذ، فأصرّ على ربطه بابنته رايلا بأي وسيلة.
لكن جهوده باءت بالفشل.
كانت تلك اللحظة، في نظر جيرالد، الخاتمة الحاسمة لكل شيء. وهكذا، ارتسمت على شفتيه ابتسامة هادئة، ورفع صوته بثقة:
“أعلم تمامًا أن هذا يوم يفترض أن يسوده الفرح. ولكن، نظرًا لندرة اجتماع هذا العدد من كبار النبلاء في مكان واحد، أرجو أن تأذنوا لي بأن أتطرّق إلى أمر بالغ الجديّة.”
عند هذه المقدّمة غير المتوقعة، خيّم على القاعة صمت مهيب.
ألقى جيرالد نظرة أخيرة ليتأكد من أن الفرسان الإمبراطوريين قد أحكموا إغلاق جميع المداخل، ثم بدأ يتحدث بنبرة هادئة تحمل شيئًا من الجديّة المتوترة:
“هل سمعتم من قبل بعشبة تُدعى إيستالوت؟”
“إيستالوت؟”
“ما هذه؟…”
بدأ الهمس ينتشر في القاعة، فالعشبة نادرة للغاية ولا يعرفها معظم الحضور.
لاحظ جيرالد ارتباكهم، فشرع في شرح هادئ ودقيق:
“إنها عشبة تحمل قدرة خطيرة، إذ تُفقد من يتناولها إرادته الحرة، وتجعل من السهل التحكّم به وفق رغبة من يستخدمها. ولذلك، فإن زراعتها وتداولها محظوران تمامًا.”
ساد الصمت القاعة على الفور.
لقد أدرك الحاضرون مقصد جيرالد.
عشبة تُفقد الإنسان إرادته وتحوله إلى دمية تحرّكها يد من يملك السيطرة عليه…
وتصريح ماركيز تشيريش السابق بأنه لم يختر بنفسه قبول تيرييل كابنة له…
استقرت نظرة جيرالد مرة أخرى على الكونت إيسيت، الذي بات وجهه شاحبًا كالأموات، وقد ارتسمت عليه ملامح الانكسار والخيانة.
وكان ذلك مُرضيًا جدًا لجيرال
د.
فرفع السجلّ الذي كان في يده عاليًا، وفي زاوية فمه ارتسمت ابتسامة ساخرة، ثم أعلن بصوت جهير:
“هذا هو سجلّ معاملات عشبة الإيستالوت.”
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 152"