استولى الارتباك على الحاضرين؛ كيف يمكن أن تفشل عملية التطهير؟ لم يستوعب أحد ما حدث لتوّه.
لكن تيرييل، المعنية بالأمر، كانت الأكثر ذهولًا من الجميع.
رغم أن وجودها كان دائمًا باهتًا، إلا أنها كانت الوحيدة التي تمتلك قدرة التطهير. ومع ذلك، تبيّن أمام أعين الجميع أن تلك القدرة لا جدوى منها.
“أه… أأه…”
تلعثمت تيرييل، وقد عجز لسانها عن النطق.
أما أولئك القادمون من المعبد، الذين كانوا يستعدّون لتنصيبها قديسة جديدة، فقد وقفوا في حيرةٍ تامة لا يعرفون ما يفعلونه.
حان الوقت لأن أتدخّل.
كما اتفقنا مسبقًا، نهضتُ بهدوء ونظرتُ نحو رينوس.
فأومأ لي بإيماءةٍ خفيفة بالكاد تُلحظ، ثم قال بصوتٍ منخفض:
“هل لديكِ ما تقولينه، ماركيزة لابرينث؟”
فورًا، تحوّلت أنظار الجميع نحوي. استشعرتُ ثقل تلك النظرات، لكنني تمسّكتُ بالوقار وقلتُ بثبات:
“نعم، لديّ ما أقوله بخصوص هذه الحادثة.”
لم يكن صوتي عاليًا، لكنه كان كافيًا ليحوز اهتمام الحضور.
ومن أجل تصعيد التوتر، توقّفتُ للحظة قصيرة. ثم، حين بلغ الترقب ذروته، أعلنت بنبرةٍ مهيبة:
“في الواقع، لقد نلتُ مؤخرًا بركة الحاكم. ولذلك أعلم تمامًا ما الذي جرى لصاحب السمو الأمير الثاني. ومما يؤسفني قوله، أن صاحب السمو…”
توقفتُ عمدًا للحظة أخرى.
ثم وجّهتُ نظري نحو كبار الكهنة المجتمعين عند منصة الكهنة، والذين بدت الحيرة والتوتر مرتسمين على وجوههم، فابتسمتُ في داخلي.
كانوا يخطّطون لاستغلالي، ولم يخطر ببالهم قط أنني سأعلن بنفسي أنني نلتُ بركة الحاكم.
أبعدتُ بصري عنهم، وألقيتُ بالضربة الأخيرة:
“…قد حلّ عليه غضب الحاكم.”
“……!”
“غضب الحاكم؟”
“صاحب السمو الأمير الثاني؟!”
كلماتي كانت صادمة كالصاعقة، وتفجّر الهمس من كل ناحية، مصحوبًا بالذهول، كما لو كان نارًا في هشيم.
في الأصل، تُعرف إمبراطورية أرجينتايم بإيمانها العميق. ورغم ما طال المعبد من فساد، ظل الشعب متمسكًا بعقيدته.
ولذا، فإن مجرّد أن يسمع الناس بأن أحد أفراد العائلة الإمبراطورية، بل أميرٌ ثانٍ، قد نال غضب الحاكم، كان صادمًا بكل المقاييس.
وقبل أن يتجاوز الجمهور صدمتهم ويعمّ الهرج، تابعتُ سريعًا:
“منذ وقتٍ ليس ببعيد، وصلتنا معلومات تفيد بأن أحدهم عبث بالأدوية التي يرسلها المعبد إلى صاحب السمو وليّ العهد.”
“ماذا؟!”
“ما هذا الادعاء الآثم؟! كيف تجرؤين على النطق به؟!”
قفز كبار الكهنة من مقاعدهم صارخين. أولئك، بخلاف الكهنة الواقفين في ساحة النزال، لم يكونوا على علمٍ بنوايا البابا الخفية.
تجاهلتهم كليًا، وبدأت بالنزول تدريجيًا إلى الساحة. ثم أضفتُ بحذر، دون استعجال:
“وقد وصلتني معلومات أخرى تقول إن صاحب السمو الأمير الثاني كان على علمٍ بالأمر، لكنه لم يُبلّغ وليّ العهد بشيء، بل اختار الصمت والمراقبة فقط.”
“ما هذا الهراء الذي تقولينه، ماركيزة لابرينث؟!”
شقّ صوتٌ حاد الهواء. رفعتُ بصري لأجد الملكة تحدّق بي بعينين مشتعلتين، وقد شحب وجهها تمامًا من الغضب.
“أن تدّعي أن المعبد عبث بأدوية وليّ العهد أمرٌ لا يُصدَّق، لكن أن تجرئي على زجّ الأمير الثاني في الأمر؟! ألستِ الأدرى من بين الجميع بعِظم جريمة إهانة العائلة الإمبراطورية؟!”
كانت ترتجف من شدّة الغضب، ثم التفتت إلى الفرسان تصرخ فيهم بأعلى صوتها.
“ما الذي تفعلونه؟ ألقوا القبض على الماركيزة في الحال، فقد تجرأت على التفوّه بمثل هذا الهراء الفاضح!”
“توقّفوا.”
توقّف الفرسان الذين كانوا على وشك الانقضاض عليّ في الحال.
كان رينوس هو من أوقفهم، بصوتٍ خفيض لكنه آمر، ثم وجّه حديثه إلى الملكة:
“الماركيزة الصغيرة لم تُنهِ حديثها بعد.”
“صاحب السمو وليّ العهد!”
“لن يضرّنا الانتظار حتى نتحقّق من الحقيقة قبل أن نقدم على أيّ تصرّف.”
صرخت الملكة، وقد بدا عليها الذعر، إذ شعرت أن زمام الأمور بدأ يفلت من بين يديها، حتى انتفخت عروق عنقها من شدّة انفعالها.
“إن صدّقنا الماركيزة الصغيرة، ألا يعني ذلك أن وليّ العهد، بعد تناوله دواء المعبد، كان يجب أن يتحوّل إلى تنين شرير منذ زمن؟! ألا يُعدّ عدم تحوّله بحد ذاته دليلًا كافيًا؟!”
لكن رينوس ردّ عليها بهدوء وثبات، دون أن يتأثر بانفعالها:
“لم أتناول الدواء.”
“…!”
“ماذا… ماذا قلت؟”
لم تكن الإمبراطورة وحدها من صُدمت من كلماته، حتى الإمبراطور الجالس بجوارها بدت عليه علامات الدهشة. بل إن جميع من في القاعة، ما عداي، أصيبوا بالذهول التام.
تابع رينوس كلامه بنبرة لا تتزعزع:
“مع مرور الوقت الذي قضيته برفقة الماركيزة الصغيرة، بدأت لعنة التنين الشرير تهدأ تدريجيًّا، إلى حدّ أنني لم أعد بحاجة إلى الدواء. لطالما تساءلت عن السبب… وها أنا الآن أدركه أخيرًا.”
أنهى حديثه وهو ينظر إليّ بنظرةٍ فيها تأكيد وامتنان:
“لا بد أن الأمر يعود إلى أن الماركيزة الصغيرة قد نالت بركة الحاكم.”
فرفعت طرف تنورتي برقة، وانحنيتُ انحناءةً خفيفة، تعبيرًا عن امتناني لاعترافه بقيمتي الحقيقية.
وفي تلك الأثناء، كان الإمبراطور، الذي غمره الذهول، يتمتم بتلعثم:
“أهذا… أهذا صحيح؟ لم تعد بحاجة إلى الدواء؟…”
“أجل، أستطيع الآن السيطرة على لعنة التنين الشرير.”
وعند هذا التصريح الحازم من رينوس، رفع الإمبراطور يده إلى جبينه واهتزّ جسده قليلًا.
“جلالة الإمبراطور!”
“مولاي!!”
أسرع النبلاء القريبون منه لمساعدته، لكنه أبعدهم بإشارة واحدة من يده، كأنه يقول إنه بخير، ثم تمتم:
“يا لها من بشرى سعيدة… إنها بشرى عظيمة.”
طالما كان قلقًا على ابنه الذي ورث لعنة التنين الشرير، وسماعه الآن أن ابنه لم يعد بحاجة إلى الدواء… لا بد أن سعادته لا توصف.
نظر الإمبراطور إلى رينوس الواقف في الساحة، ثم إلى الأمير الثاني الملقى أرضًا، مقيّدًا بين يدي الفرسان، قبل أن يصدر أمره لي:
“تابعي حديثكِ، يا ماركيزة.”
“مولاي!”
صرخت الملكة، وقد بلغ بها الذهول أن خالفت البروتوكول ورفعت صوتها أمام الإمبراطور، لكن الإمبراطور أوقفها بإشارةٍ حازمة من يده:
“سأستمع أولًا إلى ما ستقوله الماركيزة، ثم أتّخذ قراري.”
ثم حدّق فيّ بثبات، وبدا من حزمه أن الملكة لم تجد بُدًّا من الجلوس، وقد أُجبرت على الاستسلام.
“مثلما تأمر جلالتك.”
انحنيتُ بأدب، ثم نزلتُ السلالم وتقدّمتُ نحو الساحة.
ومع كلّ خطوةٍ أخطوها، كان الكهنة والفرسان يفسحون لي الطريق، حتى وقفت أمام الأمير الثاني، الذي تحوّل إلى مخلوقٍ يشبه السحلية، دون أن يعترضني أحد.
“ما هذا الهراء الذي يجري هنا؟!”
بسبب فقدانه لحواسه، لم يكن الأمير الثاني يُدرك ما يجري من حوله، فبدأ يصرخ في وجهي بهستيريا.
لكنني تجاهلته تمامًا، واستدرتُ نحو الحضور كأنني ممثلة تؤدي ذروة مشهدٍ مسرحي، ثم صرختُ بنبرة درامية مشحونة:
“لقد خاطبني الحاكم الليلة الماضية! وحذّرني بأن عقابًا رهيبًا سيحلّ بمن يتجرأ على إنكار روابط الدم ويتخلى عن أخيه في محنته!”
“أوهه…”
“يا إلهي…”
بعض الحاضرين، وقد انطلت عليهم الخدعة تمامًا، رسموا علامة الصليب على صدورهم بتأثّر.
استدرتُ نحوهم بحركةٍ مسرحية مبالغ فيها.
“لكن سموّ وليّ العهد لم يكن يرغب في أن يرى أخاه العزيز يتلقّى عقاب الحاكم. ولهذا، وكوني من نال بركة الحاكم، فإنني أعتزم أن أرفع هذا العقاب الذي أُنزل على سمو الأمير الثاني!”
ثم أخرجتُ من بين طيّات ردائي “جودوري”، الذي كنتُ قد خبأته هناك بعناية، ورفعته عاليًا أمام أنظار الجميع.
“بهذا الروح المقدسة!”
– مرحبًا بالجميع!
كان “جودوري” واقفًا على راحة يدي، يرفع إحدى ذراعيه القصيرتين وهو يحيّي الجمهور بحماسة.
[ أوهانا: مدري ليه ضحكت 😂]
صمت.
صمتٌ ثقيل ومطلق عمّ الساحة.
لم يكن من الحاضرين من فعل شيئًا سوى التحديق بدهشةٍ في ذاك القنفذ الأزرق اللامع، وهو كائن روحاني تقول الأسطورة إنه يظهر في زمن الفوضى لينقذ العالم.
وقد منحتني وجوههم المذهولة شعورًا بالارتياح.
‘يبدو أنني الوحيدة التي لم تكن تعلم بشأن هذه الأسطورة.’
في الحقيقة، لم أكن أعلم أبدًا أن جودوري مرتبط بمثل هذه الأسطورة. ولو علمت، لاستخدمته منذ زمن بدلًا من اعتباره مجرد دمية سخيفة لا نفع منها.
لم أكتشف الأمر إلا بالصدفة، حين كنت أبحث عن طريقة لتعزيز صورتي كمقدّسة.
وبينما كان الجمهور في حيرة من أمرهم، وقف “جودوري” بثقة، وأشار نحو الأمير الثاني وهو يصرخ:
– سوف أقضي على هذه السحلية القبيحة!
“ما الذي يحدث هنا بحقّ الجحيم؟! دعوني! قلت دعوني أذهب!”
لاحظ الأمير الثاني متأخرًا أن الوضع بدأ ينقلب عليه، فأخذ يصرخ ويقاوم بشراسة، وعروقه تكاد تنفجر من عنقه.
وفي تلك الأثناء، من زاوية مظلمة في طرف الساحة، أرسل أحد أعضاء النقابة إشارة إليّ بواسطة مرآة.
بريق…
كانت تلك إشارة استعدادهم لإبطال تعويذة الوهم المفروضة على الأمير الثاني.
أسرعتُ على الفور وأخذتُ جودوري نحو الأمير الثاني.
وفجأة، أخرج جودوري، لا أعلم من أين أخرجها، ريشة كتابة فاخرة وبدأ يضرب بها وجه الأمير الثاني بلا رحمة.
– نقاط ضعف السحلية القبيحة هي الرأس، الصدر، والبطن! الرأس، الصدر، البطن!
[ أوهانا: ياخي جودوري فله 😂]
تركتُ جودوري يواصل عمله بحرية، ثم شبكتُ يديّ أمام صدري كما لو أنني أتهيّأ للصلاة.
ثم بدأت أتمتم بكلماتٍ عشوائية كأنها تراتيل مقدّسة، وفي اللحظة الحاسمة، صرختُ بأعلى صوتي:
“يا إلهي!”
وكانت تلك هي الإشارة.
في اللحظة نفسها، مزّق عضو النقابة لفافة إبطال السحر.
وفي التو، أحاطت هالةٌ من الضوء الخافت جسدي وجسد شيد. كان ذلك تأثيرًا بصريًا أضفناه حتى لا يبدو إبطال السحر عاديًا أو باهتًا.
تلألأ الضوء قليلًا، مانحًا المشهد هالةً مقدّسة، ثم بدأ يخبو تدريجيًّا.
وعندما اختفى الضوء كليًّا، كان على أ
رض الساحة—
“أبعدوا عني هذا القنفذ المجنون حالًا! أبعدوه عن وجهي فورًا!!!”
عاد شيد إلى هيئته الأصلية، وكان مقيّدًا بالفرسان، يصرخ بأعلى صوته غاضبًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 150"