المبارزة بين الرجلين، التي بدت وكأنها لن تنتهي إلا بموت أحدهما، انتهت دون أن يُصاب أيٌّ منهما بأذى.
لأسباب لم يستطع أحد أن يفهمها، استيقظ روبليت، ثم ألقى سيفه أرضًا فجأة بعدما كان يرمق رينوس بنظراتٍ حادّة، وكأنه أدرك شيئًا ما فجأة.
“أُعلن انسحابي.”
“…ماذا؟”
ما هذا؟ لم أكن أتمنّى رؤية حمّام دم، لكن هذا التغيّر المفاجئ في سلوكه كان محيّرًا للغاية.
«إذًا، لماذا استيقظ من الأساس؟»
ألم يكن يتهيّأ لخوض قتال شرس؟
حتى رينوس بدا عليه الحيرة، إذ رمق روبليت لُهْلةً بصمت، ثم أومأ برأسه إيماءة خفيفة وكأنه أدرك السبب، وتقبّل انسحاب روبليت بنبرةٍ باردة:
“أقبل بانسحابك.”
وهكذا، انتهت المبارزة على الفور.
بل إنّهما اتفقا ضمنيًّا على كتمان حقيقة أن الدوق جاستس قد تجرّأ على تحدّي وليّ العهد إلى مبارزة.
ونظرًا للشائعات التي كانت تنتشر عن اهتمامهما بي، لم يكن من الصعب أن يُساء تفسير ما حدث على أنه صراع غرامي قذر، وأنا محوره.
“إذًا، لنعتبر أن ما حدث اليوم لم يحدث.”
“اتفقنا.”
من كان يظنّ أن من توعدا بقتل أحدهما الآخر سيتفقان بهذا الانسجام؟ تناغمهما كان غريبًا بحق.
ما الذي حدث بينهما في غيابي ليتوافقا بهذا الشكل؟
«هل هي تلك الصداقة الأسطورية التي تنشأ بين رجالٍ تبادلوا الضرب بالسيوف؟»
وفيما كانت الأحداث تُطوى بسرعة غير متوقعة، وقفت مذهولة، لا أملك سوى نظرة فارغة.
كل ما جرى بدا أشبه بحلم، وكأنني عالقة في وهمٍ غامض.
في تلك اللحظة، بدأ الرجلان اللذان أنهيا الفوضى يقتربان مني.
رفعتُ بصري نحو روبليت الذي أصبح فجأة طويل القامة بطريقةٍ غير مألوفة، وشعرتُ ببعض الحرج في النظر إليه.
وفي داخلي، لم يسعني سوى أن أُبدي إعجابي:
«واو…»
كان وسيمًا بحق، إلى درجة لا تُصدَّق.
حتى عندما كان صغيرًا، كان مظهره يوحي بأنه سيغدو آسرًا حين يكبر، لكن رؤيته الآن جعلت الكلمات تعجز عن الوصف؛ لم أجد ما أقول سوى إنه “وسيم”.
قامته الممشوقة، شعره الفضيّ المتلألئ، ونظراته نصف المغلقة التي تنمّ عن تعبٍ دائم—
روبليت البالغ كان يشعّ بجاذبيةٍ غامضة تميل إلى الغطرسة والتمرّد.
لم يُلقَّب عبثًا بـ”الرجل المهووس” في الرواية الأصلية.
إضافةً إلى ذلك، فهو يحمل لقبًا نبيلًا رفيعًا، وثروةً طائلة، ما يجعله العريس المثالي من جميع النواحي.
لم أستطع التوقف عن التحديق فيه. صحيح أنه لا يصل إلى وسامة رينوس، لكن ملامحه فريدة لا تُملّ مهما نظرتُ إليها.
لاحظ روبليت نظراتي، فارتسم على طرف فمه ابتسامةٌ متعجرفة، وقال بنبرةٍ ساخرة:
“هل تفاجأتِ بي لأنني كبرت؟”
حتى صوته، وقد أصبح أكثر عمقًا بعد البلوغ، كان عذبًا ومغرٍ.
لكن… لحظة، ما الذي طرأ على أسلوب حديثه؟ شخصيته تبدو مختلفة عمّا كانت عليه.
كنت أعلم مسبقًا أن الاستيقاظ قد يُحدث بعض التغييرات في الشخصية بحسب ظروفه.
بدا أقل كسلًا بكثير—وأكثر وقاحة.
لو أن روبليت في الرواية الأصلية كان مهووسًا بنسبة 100%، فإنّ روبليت الحالي يبدو وكأنه مزيج من 50% هوس و50% وقاحة.
«ما الذي دار في رأسه أثناء استيقاظه ليُصبح هكذا؟»
الآن وقد تذكّرت… قبل أن يستيقظ، كان روبليت يحدّق في رينوس مطولًا.
«…لا تقل إنه وقع في حب رينوس؟»
لا، لا يمكن! رينوس لي أنا! هل يعني هذا أن روبليت أصبح الآن خصمي العاطفي؟ وبينما كنت أحدّق فيه بشك، وكأنني أختبر نواياه الخفية، حدث أمر غير متوقّع.
فجأة، وضع روبليت يده على رأسي بكل ثقة، وقال بنبرةٍ ممتلئةٍ بالفخر:
“أنتِ صغيرة. أما أنا، فوسيم وغني أيضًا.”
…لم يكن مجرد وقح فقط، بل يبدو أنه مجنون تمامًا أيضًا.
لكن بما أنه قد استيقظ لتوّه، فقد يكون في حالة مزاجية جيدة أكثر من اللازم. لذا، ابتلعت الشتائم التي كادت أن تخرج من فمي، ونطقت بكلماتٍ أخرى:
“أه، نعم، جيد. مباركٌ لك.”
“أسمع صوتكِ، لكن لا أراكِ لصغر قامتك. هل تريدين أن أعلّمكِ المبارزة؟”
“لا.”
“سأعلّمكِ جيدًا. إذا تعلمتِ المبارزة، يمكنكِ أن تصبحي أطول أيضًا. مثلي.”
“لست بحاجة إلى أن أطول، حسنًا؟ ثم إن كانت المبارزة تطيل القامة، فلماذا لم تكن طويلًا قبل الآن؟”
أجبتُه بحدّة، وحاولت إزاحة يده الموضوعة فوق رأسي. لكن رينوس سبقني بحركةٍ سريعة، وقد بدا عليه الانزعاج.
فقد دفع يد روبليت جانبًا بعنف، ثم عانقني بقوةٍ وتراجع خطوة إلى الوراء، وكأنه يريد إبعادي عنه.
كانت تفوح من رينوس رائحة خفيفة من العرق والمعدن.
انحنيت في حضنه، أتفحّصه بحثًا عن إصابات، وأنا أفكّر: “أتمنى ألا يكون قد تأذى.”
عندها قال بصوتٍ جاد:
“آنستي، أنا أطول منه. ووسيم أكثر، وأنا أغنى منه أيضًا.”
“نعم، بالطبع.”
يبدو أن تباهي روبليت أثار في نفسه نوعًا من الشعور بالخطر. فتجاوبت مع محاولات رينوس لإبراز نفسه بطريقة طبيعية قدر الإمكان.
لم أكن قد أدركت بعد أن هذه المنافسة بينهما سببها ما قلته ذات مرة عن نوعي المثالي.
“سيرييل، أنا أطول منكِ الآن.”
كان روبليت متحمّسًا جدًا لإظهار أنه قد تجاوزني في الطول، فظلّ يكرّر كلمة “أطول” بينما يربّت بخفّة على رأسي مرارًا.
هذا الأحمق…
ورغم محاولات رينوس لإيقافه، استمرّ روبليت في تكرار فعلته، حتى اضطررتُ في النهاية إلى ضرب ظهر يده ضربةً مدوّية جعلته يتوقّف أخيرًا.
بعض الأشخاص لا يفيقون إلا إذا ضُربوا.
على كل حال، من حسن الحظ أن الأمور انتهت بسلام.
ومهما كان السبب، فقد أعلن روبليت انسحابه من مبارزةٍ كانت تعني الموت، وهذا يعني أنه لن يحاول قتل رينوس بعد الآن.
ولم يتبقَّ سوى أمرٍ واحد.
تيرييل.
ما إن خطر اسم تيرييل في ذهني حتى تجمّدت ملامحي على الفور.
شعرتُ بغليانٍ من الغضب انفجر في داخلي كحممٍ بركانية، فقبضتُ على كفّي بإحكام.
رغم أن الكثير قد تغيّر عن أحداث القصة الأصلية، فإنّ محاولة تيرييل جعل رينوس يشرب من الإيستالوت لم تتغير.
كانت حتمًا تحاول قمع تحوّله الوشيك بالتطهير، كي تحتفظ به إلى جوارها، تمامًا كما فعلت في القصة الأصلية.
مجنونة…
لم أتمالك نفسي عن إطلاق شتيمة. هل فقدت عقلها تمامًا؟
بعد انتهاء حفلة “سنو وايت”، وحين قصّ عليّ رينوس ما جرى، ذهبتُ مباشرة إلى الخادم الذي قدّم له النبيذ.
وهددته—وسألته إن كان يدرك ما فعله، وأنه كاد يتسبب في إيذاء فردٍ من العائلة الإمبراطورية.
فأصبح وجهه شاحبًا كالجير، ثم اعترف بالحقيقة.
قال إنّ تيرييل قدّمت له رشوة، وطلبت منه بإلحاح أن يُوصل النبيذ إلى سمو ولي العهد، لأنها ترغب في التقرب منه.
“أنا… أنا حقًا لم أكن أعلم شيئًا!”
ثم أخذ يضرب رأسه بالأرض مرارًا. نعم، من الممكن أنه لم يعلم حقًا.
لكن الجهل لا يعفي من العقوبة.
فوق ذلك، فقد خان واجبه كخادم إمبراطوري، وقبل رشوة من طرفٍ خارجي.
فتمّ تجريده فورًا من منصبه كخادمٍ إمبراطوري، وسُحب من قبل الجنود.
ولأنه ليس المتهم الرئيسي، فلن يُعذَّب—لكن سيظل في السجن لفترةٍ غير محددة.
جرى التعامل مع الأمر بسرعةٍ وسرية، خوفًا من أن يهرب الآخرون إن انتشر خبر القبض على خادمٍ بتهمة نشر “الإيستالوت”.
ومع ذلك، لم يُعثر على زجاجة النبيذ التي قدّمتها تيرييل، والتي كانت ستكون الدليل الحاسم ضدها.
كان ذلك لأن تيرييل، ما إن عادت إلى قاعة الحفل في ذلك اليوم، تخلّصت من كل شيء على الفور.
“في مثل هذه الأمور، تكون تصرّفاتها دائمًا سريعة.”
لو أنها تصرّفت بغبائها المعتاد، لكان الأمر أفضل.
لكن هذا مجتمعٌ هرمي. حتى في غياب الأدلة، يمكن للسلطة وحدها أن تسحق أي شخص.
وهكذا، وباسم ولي العهد، وضعها رينوس تحت الإقامة الجبرية في منزلها ليمنعها من الهروب.
ولأنه لم يُفصح عن سببٍ واضح لذلك، فقد استشاطت الملكة، التي كانت تخطط لجعل تيرييل “القديسة” القادمة، غضبًا، مطالبةً بتفسيرٍ لما يحدث. بل وهدّدت بأنها لن تصمت إن لم تُرفع الإقامة الجبرية على الفور.
لكن لسببٍ ما—
“رجاءً، افعلوا ما يراه سمو ولي العهد مناسبًا.”
—أبدى ماركيز تشيريش، الوصي على تيرييل، تعاونًا مفاجئًا، مما سهّل تنفيذ القرار. كان رأسه ملفوفًا بضمادات، ما جعلني أتساءل: هل إصابته العنيفة جعلته يعود إلى رشده؟
وفي هذه الأثناء، وبينما كانت أليس تتريث بسبب مراقبتها الدائمة من الملكة، تواصلت مع “نقابة التلاعب بالحب في سيل” طالبةً لقاءً بشأن فحص النسب.
قررت حينها أن أستغل هذه الفرصة الثمينة، التي نزلت عليّ كنعمة من السماء.
بمعنى آخر، عقدت العزم على طرد تيرييل من منزل ماركيز تشيريش قبل أن تتمكّن من تنفيذ أي مخططاتٍ ملتوية أخرى.
وحين اتخذت قراري، شدّدت قبضتي حتى برزت عروق يدي.
في تلك اللحظة، كان روبليت يحدّق بي طويلًا، ثم همّ أن يربّت على رأسي، لكن رينوس منعه، فمال برأسه متسائلًا:
“فيمَ تفكرين بكل هذا العمق؟”
“ليس من شأنك.”
“هل ترغبين في تعلّم المبارزة؟ عندما تتدرّبين، تختفي الأفكار المزعجة.”
“قلت لك إنني لا أريد. وإن كرّرت ذلك مجددًا، سأرميك في المتاهة، دون تردد.”
رفعتُ قبضة يدي مهدّدة، فضحك هو ساخرًا وكأن موقفي لا يخيفه أبدًا.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
وفي تلك الأثناء، في مكانٍ آخر…
ما إن وصل إلى مسامع البارون ألفريد نبأ وضع تيرييل تحت الإقامة الجبرية، حتى أدرك أن الأمور خرجت تمامًا عن السيطرة، وبدأ في إحراق كل الوثائق المتعلقة بـ”الإيستالوت”.
“لقد جُنّت، جُنّت تمامًا.”
شتم نفسه التي سلّمت “الإيستالوت” لتيرييل بغباء، وقد أعماها الحقد عن رؤية العواقب.
وفي تلك اللحظة، زاره صديقه العزيز، جيرالد، الذي صُدم من مشهد الفوضى العارمة داخل المنزل، وكأن انفجارًا قد وقع.
“ما الذي يحدث هنا؟ هل أنتم على وشك الرحيل؟”
“ليس انتقالًا… بل ربما علينا الرحيل فعلًا، بما أن الآنسة الصغيرة من عائلة تشيريش تسببت بكارثة كبرى!”
أطلق البارون تنهيدةً يائسة بدت وكأنها ستسقط الأرض من تحت قدميه، وأخذ يُلقي بالأوراق والممتلكات في المدفأة المشتعلة.
جلس جيرالد يراقبه بهدوء. بل كان يُمعن النظر جيدًا في الدفاتر المحترقة وما تبقى في يد البارون.
ثم، من بين دفاتر معاملات الإيستالوت المتناثرة على الأرض، لمح واحدًا يحمل اسمي الكونت إيسيت وتيرييل. فاستغل ارتباك البارون وسرقه خلسة دون أن يلحظه أحد.
وساعد بعدها في إلقاء ما تبقى من الوثائق في النيران، وعندما انتهى كل شيء تقريبًا، انحنى قليلًا بأدب.
“تبدو مشغولًا اليوم، لذا سأغادر الآن.”
“ابقَ قليلًا واشرب فنجانًا من الشاي!”
حاول البارون منعه، ظانًّا أنه نجح في طمس الأدلة بفضل مساعدة جيرالد.
لكن جيرالد اعتذر بأدب:
“لا، سأشربه في المرة القادمة.”
في الواقع، لم يأتِ جيرالد إلى هنا اليوم إلا بهدف إيجاد دليلٍ يُثبت أن البارون ألفريد أعطى تيرييل عشبة “الإيستالوت”.
ولم يعثر على ذلك الدليل فحسب، بل وجد مكسبًا غير متوقّع — وهو دليل على معاملاتٍ تمت مع الكونت إيسيت.
«إن انكشف هذا، فلن أخرج سالمًا أيضًا، فأنا مشترك معه في التهمة.»
لكنه لم يكترث. فمنذ اللحظة التي دخل فيها قصر الكونت إيسيت، لم يكن يظن أن بإمكانه الخروج سالمًا من الأساس.
وأرسل جيرالد الوثيقة مباشرة إلى سييلا.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 143"