“وأنا أيضًا التنين الشرير، أبشوليكتار، ذاك الذي ساق البشرية إلى الهلاك قبل ألف عام. هل هذا يجيب عن سؤالك؟”
عند هذا التصريح الصادم، شدّ روبليت على أسنانه ونظر إلى رينوس بعينين متصلّبتين.
رغم كونها حقيقة مروّعة، إلا أنها لم تكن صادمة تمامًا. فقد سبق أن راوده هذا الشك.
ولذلك، لم يكن هناك سوى سؤال واحد يستحق أن يُطرح.
“أنتَ… لا، ما هو هدفك الحقيقي؟ هل تواصل العودة إلى الحياة مرارًا، مثلما في أسطورة تأسيس الإمبراطورية، لأجل الانتقام للأميرة؟”
“أنا…”
عند ذكر “الأميرة”، تصاعدت هالة شرسة من رينوس، وازداد ثقل ضرباته كمن يضرب بسيفه لينهي كل شيء.
ثم تمتم بمرارة، وكأنما يمضغ الكلمات بأسى:
“…لم أكن يومًا أرغب في أن أعيش هذه الحياة.”
ارتجف روبليت عند سماع تلك الكلمات—كلمات عن حياةٍ لم يخترها.
أيمكن أن تكون تلك السجلات… حقيقية؟
لاحظ رينوس نظرة روبليت، فزمجر بصوتٍ أجش:
“لا أعلم إلى أي مدى قرأ الدوق من السجلات، لكن بعد موت الأميرة، فقدتُ كل رغبة في الاستمرار بالعيش. حتى الانتقام لم يكن ضمن أفكاري.”
“ولكن… ألم تُدمّر المملكة؟ ألم يكن ذلك بدافع غضبك من موت الأميرة؟”
“ذلك لم يكن السبب الوحيد.”
تحوّلت طبيعة الغضب المنبعث من رينوس.
في السابق، كان غضبًا يتسع ليشمل الجميع، والآن صار حادًّا كالسهم، موجّهًا نحو شخصٍ بعينه.
تحدّث بصوتٍ منخفض قاتم:
“لولا ذلك الرجل… لما وصلتُ إلى ذلك الحد.”
في تلك اللحظة، ارتخت يد رينوس التي تمسك بالسيف.
استغلّ روبليت الفرصة ودفع سيفه بعيدًا. اعتدل في وقفته التي كانت على وشك الانهيار، ثم تراجع خطواتٍ ليلتقط أنفاسه، وسأل:
“ذلك الرجل؟”
لكن رينوس لم يُجب.
وكأنه يطرد ذكرى يودّ نسيانها، مرّر يده الحرة في شعره المبلّل.
كانت حركة خالية تمامًا من الحذر—لكنها زادت من توتر روبليت.
حدّق رينوس بالأرض لبرهة، ثم، وكأنه يحدث نفسه:
“وكأنني امتلكتُ هدفًا في يومٍ من الأيام. لقد عشتُ فقط لأُستَخدم—متى شاءوا، وكيفما أرادوا.”
ثم رفع عينيه هامسًا، بصوت لا يكاد يُسمع:
“ومع ذلك… بفضل هذا كله، التقيتُ بها. وربما كانت هي النعمة الوحيدة في حياتي.”
وبهذه الكلمات، خمد غضب رينوس كما لو أن العاصفة لم تقع أبدًا.
عاد إلى جموده المعتاد، وأمسك بسيفه بإحكام بدلًا من قبضته المتراخية، ثم نظر إلى روبليت، الذي بلع ريقه بصمت، وحرّك شفتيه ببطء قائلاً:
“أنا أتفهّم قلقك، يا دوق. لكن ليست لديّ أي نية للتصرّف مثلما يُشاع عني. ولا أملك القوة لفعل ذلك من الأساس.”
“حين تقول إنك لا تملك القوة… هل ذلك بسبب أن جسدك الحقيقي أصغر حجمًا؟”
ظلّ رينوس صامتًا.
ولم يكن هناك أحد في المكان يجهل أن هذا الصمت يعني: نعم.
فتح روبليت شفتيه ليقول شيئًا، لكنه تراجع. كان يريد أن يسأله كيف آلت الأمور إلى هذا الحد، لكنه أدرك من ملامح رينوس أنه لن يجد جوابًا.
لذا، قال شيئًا آخر بدلًا من ذلك.
“رأيتُ نهايتك في السجلات التي خلفها المؤسس الأول. لم تكن أنت من ألقى اللعنة على الإمبراطور الأول، بل هو من لعن نفسه بنفسه، أليس كذلك؟”
توقّف روبليت للحظة وجيزة، يراقب ردّة فعل رينوس.
وعندما لم يُبدِ رينوس أي اعتراض، واصل روبليت حديثه بثقة:
“بعد وفاتك مباشرة، تناول الإمبراطور الأول قلبك، طمعًا في قوتك.”
وكان ذلك صحيحًا.
الإمبراطور المؤسس للإمبراطورية، أرجينتايم، الذي هزم التنين الشرير بمساعدة حكمة نوكس، سمع أن قلب التنين الشرير يُخفي قوة عظيمة، فاستولى عليه دون تردّد.
لكنه فشل.
فقلب التنين هو، حرفيًا، جوهر التنين—كل ما هو عليه.
وكان القلب، الذي لم يكن قد توقّف عن النبض تمامًا، لا يحتوي على قوى آبشوليكتار فحسب، بل على روحه أيضًا.
وفي النهاية، استعادت روح أبشوليكتار وجودها، متّخذة من جسد أرجينتايم وعاءً لها. إذ لا يمكن لروح بشرية أن تقمع روح تنين شرير، فكان ذلك متوقّعًا.
وبفعل تأثير آبشوليكتار، تحوّل شعر أرجينتايم الأشقر إلى اللون الأسود، وتحولت عيناه الذهبيتان إلى حمراوين.
وحين فاضت قوة التنين واستعاد وعيه الذاتي، تحوّل إلى تنينٍ مجنون دمّر كل ما وقعت عليه عيناه.
فجسد أرجينتايم البشري لم يكن قادرًا على تحمّل روح التنين العظيمة.
وعليه، استعان المعبد بحكمة نوكس ليخلق كيانًا يُدعى “بوريتينا”، قادرًا على السيطرة على وعي التنين الشرير. ومن ثمّ تم ختمه.
لكن ذلك لم يكن سوى حلٍ مؤقّت.
إذ إنّ روح التنين الشرير، التي امتصّها الإمبراطور المؤسس من خلال القلب، سرت في دماء نسله.
وكان أرجينتايم على يقينٍ تام بأن آبشوليكتار سيستولي يومًا ما على جسد أحد أحفاده.
ولمنع ذلك، أصدر مرسومًا يقضي بقتل كل أفراد العائلة الإمبراطورية الذين لم يُولدوا بشعرٍ ذهبي وعيونٍ ذهبية.
غير أن آبشوليكتار لم يبقَ ساكنًا.
فحين استعاد شيئًا من وعيه، استخدم ما تبقّى من قواه السحرية ليؤسس عائلةً سرية تُدعى “أبشلكتي”، متحديًا الإمبراطور الذي أيقظه من سباته دون إذنه، ثمّ سعى إلى قتله مجددًا.
وقد فعل ذلك استعدادًا ليوم يستعيد فيه وعيه الكامل، حتى يتمكن من التحرّك بحرية حين يحين الوقت.
تذكّر روبليت السجلات المحذوفة حول تأسيس الإمبراطورية، ورفع سيفه موجهًا إياه نحو رينوس.
“إن كان كل هذا صحيحًا، فهي حكاية مأساوية بحق. لكن لهذا السبب بالذات، لا يمكنني أن أُغضِي الطرف عنك.”
فمهما كانت الأسباب، فقد خسر آبشوليكتار محبوبته، وسُلب منه حتى راحته الأبدية على يد أرجينتايم.
ومن الطبيعي لأي كائن ذي عقل أن يحمل رغبةً في الانتقام.
وحتى وإن قال الآن إنه لا يرغب بذلك، فمن يدري؟ ربما، ما إن يستعيد قوته كاملة، يسعى إلى تدمير العالم مجددًا.
“لقد سمعتُ أن التنانين من الأجناس التي لا تنسى أبدًا. وإن كنت قد أحببت الأميرة بذلك العمق، فلا بد أنك لا تزال غير قادرٍ على نسيانها. فلماذا إذن تكون بقرب سييلا؟”
كان يسأله، بطريق غير مباشر: لماذا تبقى إلى جانب سييلا بينما لا تزال أسير حبك للأميرة؟
ولو علمت سييلا بهذه الحقيقة، فلا شك أنها ستحزن حزنًا عميقًا.
تفاجأ رينوس بهذا السؤال غير المتوقع، فخيّم عليه صمت، قبل أن يبتسم ابتسامة باهتة، انعكست في عينيه المنخفضتين قليلًا:
“لا داعي لتلك المخاوف التافهة.”
“كل ما في الأمر أنني لا أريد رؤية سييلا تتألم بسببك.”
“اطمئن… لن يحدث ذلك.”
“هل تقصد أنك ستخدع سييلا؟”
“لم أخدعها قط. لا في الماضي، ولا الآن.”
من ذلك الجواب، أدرك روبليت شيئًا مهمًا:
أن “الأميرة” و”سييلا” هما الشخص نفسه.
تبّ، تبّ، تبّ…
في تلك اللحظة، سُمعت خطوات قادمة من مدخل ساحة التدريب، حيث لم يكن من المفترض أن يكون هناك أحد. فاستدار الرجلان تلقائيًا نحو المصدر.
كانت سييلا واقفة هناك، تلهث من فرط الركض. بدا من ملابسها البسيطة، على غير العادة، أنها أسرعت إلى المكان ما إن سمعت بخبر المبارزة.
وحين رأت الاثنين يشهران سيفيهما في وجه بعضهما البعض، تشوّه وجهها بألم بالغ، وكأن العالم انهار أمامها.
لكن بما أن المبارزة كانت برضى الطرفين، لم يكن بوسعها سوى أن تصرّ على أسنانها وتراقب بصمت.
لم يستطع رينوس أن يشيح بنظره عن سييلا التي ظهرت فجأة، بدا وكأنه مجرم ضُبط متلبسًا بخطيئة فادحة.
وفي تلك اللحظة التي انكشفت فيها دفاعاته كليًا، عضّ روبليت داخل فمه على لحمٍ طريّ بأسنانه بهدوء.
كان موضع الضعف لدى رينوس واضحًا أمامه تمامًا.
كان بإمكانه أن يرى المسار المثالي الذي يمكنه عبره غرس سيفه مباشرةً في قلبه.
لو فعلتُ ذلك، سأتمكن من قتل التنين الشرير دون أن أضحي بحياتي…
لكن روبليت لم يستطع الحراك. لم يحرّك حتى إصبعًا واحدًا.
إن تحرّكت الآن، وقتلتُ التنين الشرير…
فما الذي سيحدث لسييلا؟
لم يكن قادرًا حتى على تخيّل ملامح وجهها حين تقف أمام جثة التنين.
ومع ذلك، لم يكن بوسعه أيضًا أن يترك التنين الشرير حرًا طليقًا. فذلك أشبه بالعيش مع قنبلة موقوتة توشك على الانفجار.
وبينما كان يتأرجح في صراع مؤلم بين العقل والعاطفة، خطرت في ذهنه فكرة.
السبب في فقدانه السيطرة، كان موت الأميرة.
فإذا بقيت على قيد الحياة، فهل لن يفقد صوابه مجددًا؟
…لكن في الماضي، فشل التنين في حمايتها.
قبل لحظات، حين كشف رينوس عن حقيقته وهاجمه، شعر روبليت بصعوبة بالغة في صدّ ضرباته.
بل شعر أنه لو تبادلا مزيدًا من الضربات، فسينتهي الأمر به مهزومًا لا محالة.
إن كان التنين بتلك القوة قد عجز عن حمايتها، فهل أنا قادر على ذلك؟
تأمّل روبليت يده الخالية من السيف وسط تلك الفوضى التي اعترت ذهنه. ثم، وهو يتأرجح بين مفترق طرق مصيري، رفع رأسه إلى السماء، وأغمض عينيه ببطء.
وفي تلك اللحظة، اندلع من جسده نور ساطع متوهج.
“…!”
سييلا، التي كانت تراقب المبارزة بقلق بالغ، شهقت من الذهول. وبدوره، استدار رينوس على عجل نحو روبليت بسبب ذلك الضوء المفاجئ.
بدأ شعاع نقي ومقدّس، أبيض كالثّلج، ينبعث من جسد روبليت.
اتسع تدريجيًا، وتضخّم وكأنه على وشك الانفجار، حتى أصبح ساطعًا لدرجة تعمي البصر—ثم اختفى فجأة في لحظة واحدة.
“آه…”
سييلا، التي كانت قد أمالت جسدها ورفعت ذراعها لتحجب الضوء عن عينيها، خفضت ذراعها ببطء. وبالكاد رفعت جفنيها، لتحدّق بصدمة لم تصدّقها عيناها.
فالدوق، الذي بدت هيئته كصبي في الثالثة عشرة، لم يكن موجودًا في مكانه.
لقد استيقظ.
لكي يحمي سييلا، من كل تهديد في هذا العالم.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 142"