اقترب رينوس قليلًا وهمس في أذني. نبرة صوته، التي بدت أعمق وأخفض من المعتاد، لم تكن مجرّد وهمٍ شعرتُ به.
آه… لم أكن مستعدة نفسيًا لهذا بعد.
أنفاسه، التي دغدغت وجنتي، كانت دافئة بشكل لا يُحتمل. شعرتُ بخصلات شعري تتطاير بخفة في الهواء تحت وطأة ذلك النفس الدافئ.
رددتُ بصوت متهدّج كدميةٍ معدنيةٍ معطّلة:
“أ… أتيت.”
ثم سارعتُ بتحويل نظري بعيدًا، أتلفّتُ حولي.
كنتُ قد تأكدت مسبقًا، لكنني نظرتُ من جديد… لم يكن هناك غصنٌ من أغصان الهدال فوق رأسي. زفرتُ تنهيدة ارتياح لا إرادية، على ما يبدو أنني حقًا لستُ مستعدة لهذه اللحظة بعد.
حاولت أن أبدو هادئة قدر الإمكان، فأخذت نفسًا عميقًا ببطء… شهيق، زفير. مرة أخرى—شهيق، زفير. محاولة لاستعادة توازني.
لكن كلمات رينوس التالية جعلت الحفاظ على رباطة جأشي أمرًا مستحيلًا.
“لمَ علّقتِ كل هذا الكم من الهدال؟”
صوته، الذي بدا لي كمصيدةٍ عذبةِ الملمس، جعلني ألهث بانفعال وأنا أبتلع أنفاسي. ثم تابع بتوبيخ خفيف، وكأنه يداعبني.
“هممم؟ آنستي؟”
“ه-هذا من فعل ماي! كانت تتحدث بلا توقف عن رغبتها في قبلة.”
بتوترٍ شديد، انتهى بي الأمر إلى التضحية بماي. آسفة يا ماي، لكن… إنها الحقيقة.
“آه، فهمت.”
ردّ رينوس بنبرةٍ لا مبالية، ثم جذبني إلى أحضانه.
وبينما كنتُ بين ذراعيه، أخذ يربّت على ظاهر يدي بلطف، ثم حرّك قدميه واصطحبني على نحو طبيعي إلى الاتجاه المعاكس، مبتعدَين عن أغصان الهدال.
كلما ابتعدنا، وكلما اختفت تلك الزينة تدريجيًا عن ناظري، اتسعت عيناي دهشةً. ها؟ م-ماذا؟ ما الذي يحدث؟
ربما لاحظ ارتباكي، إذ بادر بالشرح بنبرةٍ ناعمة:
“لا يمكنني السماح للآخرين بأن يطمعوا بكِ.”
“آه…”
لا، ليس هذا ما أربكني الآن.
كنت واثقة أننا سنقف تحت أغصان الهدال حين ألتقي برينوس.
الظروف، الأجواء، والمشاعر المتبادلة بيننا… كلها كانت تشير إلى ذلك.
ومع ذلك… كان يقودني بعيدًا بهذه البساطة.
ذلك التصرف أوصل إليّ رسالةً واضحة.
إنه يعلم أنني متوترة.
أو ربما… أدرك أنني لم أكن مستعدة تمامًا بعد. لكن… كيف له أن يعرف ذلك دون حتى أن ينظر إلى وجهي؟
دون أن أشعر، كنا قد ابتعدنا كثيرًا عن الهدال.
في تلك اللحظة فقط، حرّرني رينوس من عناقه، وأدار جسدي ليواجهني، ناظرًا إلى عينيّ مباشرة. وضع كلتا يديه على وجنتي برقة، وهمس:
“لمَ أنتِ متوترة هكذا؟”
“هاه؟”
“وجهكِ شاحبٌ.”
“…ربما لأنني لم أنم جيدًا البارحة بسبب التحضيرات للحفل.”
تجنبتُ نظره، وأخذت أفرك يديّ الباردتين في محاولة لإعادة الدماء إليهما، متذرعةً بذلك التبرير.
لكن في داخلي، فكرت…
رينوس، في النهاية، رجل. رؤية قاعة الحفل مزيّنة بالكامل بأغصان الهدال ربما جعلته يتوقع شيئًا ما.
بل، لو كنتُ مكانه، لتوقعت ذلك حتمًا.
لكنّه لم يُظهر أيًّا من ذلك.
بل على العكس، حين لاحظ توتّري، بدا أكثر تحفظًا من المعتاد.
لم يُلقِ حتى نظرة واحدة نحو جهة الهدال.
وفي اللحظة التي أدركتُ فيها ذلك، شعرتُ وكأن الدم الحار الذي كان يندفع في عروقي قد برد فجأة.
وحين لمح الزينة، ارتبك رينوس ورفع يده كما لو كان سيُزيلها. لكنني أوقفتُه، أمسكتُ بكلتا يديه بإحكام حتى لا يتحرّك، وقلتُ بصوت مرتجف:
“صاحب السمو.”
“…نعم؟”
ردّ رينوس بنبرةٍ خافتةٍ تشبه توتّري.
كنّا نقف الآن أسفل أغصان الهدال. لم يكن هناك ما يدعوه للتردّد بعد الآن—بإمكانه ببساطة أن يتبع مشاعره.
لبرهةٍ عابرة، راودتني فكرة أن أبدأ أنا… لكنني لم أستطع أن أجد الجرأة. ماذا لو نظر إليّ رينوس نظرة غريبة؟ كان ذلك القلق يثقل قلبي.
رغم أنني أعلم أنه لن يفعل، ومع ذلك… رغم أنني دومًا أندفع إلى الأشياء دون تفكير، لا أعلم لماذا خذلتني شجاعتي الآن.
وبينما أتمنى من كل قلبي أن تكون لدى رينوس القدرة على قراءة أفكاري، همستُ بصوتٍ خافتٍ، متردّدة:
“أتعلم…”
“…؟”
“أقصد… ذلك الشيء…”
“…”
لكن، ويا للأسف، لم يكن لدى رينوس تلك القدرة.
تعابير وجهه الحائرة جعلتني أبتلع ريقي بصعوبة.
كنت على وشك أن أقولها بوضوح: “نحن الآن نقف تحت الهدال!”—عندما—
بووم!
“كيييااه!”
انفجرت الألعاب النارية في السماء فجأة.
في العادة، ما كنتُ لأتفاعل على هذا النحو، لكنني كنتُ متوترةً للغاية، فصرختُ لا إراديًا وارتجف جسدي.
وكردّ فعلٍ انعكاسيّ، سحبني رينوس إلى حضنه ليحميني.
بووم! بوووم!
تتابعت الألعاب النارية، تملأ السماء المظلمة بالألوان الزاهية تلمع فوق رؤوسنا.
وفي خضم هذا المشهد، لم نستطع أن نحول أنظارنا عن بعضنا.
لو كنتُ قد فتحتُ فمي، ربما لامست أنفاسي شفتيه. كانت رائحة الحمضيات التي تفوح منه تلتفُّ برقةٍ حول أنفي.
مع كل ومضةٍ من ومضات الألعاب النارية، كانت ملامح رينوس تضاء وتخبو، يتكرّر المشهد مرارًا كإيقاع قلبٍ متسارع.
حدّقتُ به بصمت، ثم رفعتُ يدي لأتشبّث بطرف سترته.
وبهمسٍ بالكاد يُسمَع:
“نحن… نقف الآن تحت الهدال.”
وفي تلك اللحظة، اهتزّ بؤبؤا رينوس بعنف.
ومع شعوري بنظراته تنصبّ عليّ بقوة، أغمضتُ عيني ببطء، مستسلمةً لما سيأتي بعد ذلك.
سرعان ما لامس شيء دافئ وناعم شفتيَّ. كانت قبلة خفيفة للغاية، بالكاد تُشعَر، وكأنها ستتلاشى إن أنا دفعتُه ولو قليلًا.
فاستجبتُ لها، لأخبره بأنّ الأمر لا بأس به.
وما إن فعلت، حتى تلاشت آخر ذرة من تردده في لحظة واحدة. ومن بين شفتيه المنفرجتين، اندفع نَفَسه مباشرة نحوي.
كانت قبلتي الأولى مع رينوس… عميقة على نحوٍ مذهل.
وكأنه أراد أن يبتلع حتى أنفاسي الأخيرة، جذبني نحوه بلا رحمة، مستحوذًا على كل كياني. ومع ذلك، لم يتجاوز حدودًا مبالغًا فيها.
امتزجت أنفاسنا، ولبرهة قصيرة، تقاسمنا حرارة بعضنا البعض بلا حواجز.
ثم، انسحب عني بلطف.
حين رأيت شفتيه المتورّدتين تلمعان تحت وهج الألعاب النارية، شعرتُ بحرارة تتصاعد إلى وجنتَيّ.
حوّلتُ بصري عن شفتيه بصعوبة، وتمتمتُ بخجل:
“في الواقع… كنتُ أُحضّر شيئًا سريًا. أردتُ أن أعترف لك وسط أجواء جميلة…”
في تلك اللحظة، بدت ملامح رينوس مشوشة وكأنه فقد التركيز.
فأخذتُ أتهرب من نظراته المتذبذبة، كما لو أن ضوء الشمس أعمى عينيّ.
لكن المسافة بيننا كانت قصيرة جدًا، فلم أستطع سوى أن أشيح بنظري نحو عنقه فحسب.
“بالطبع، الجو الآن جميل أيضًا، ولكن… كانت هناك كلمات وددتُ أن أقولها لك، يا صاحب السمو. لذا… هل يمكننا اعتبار اليوم هو أول يوم لنا؟”
حين التقينا أول مرة بسبب دوفال وتييريل، كان رينوس قد سألني: “هل يعني هذا أن اليوم هو أول يوم لنا؟”
وأذكر أنني أجبته بنعم حينها، لكن لم أكن أفكر بالأمر بجدية. فقد كنا في علاقة تعاقدية، ولم أرَ ضرورة للاحتفال بأيام كالمناسبات أو تواريخ خاصة.
لكن من الآن فصاعدًا، أردتُ أن أحتفل بها.
ولأني أعددتُ شيئًا خاصًا لأجله، تمنيت أن يبدأ العدّ من تلك اللحظة.
أبقيتُ بصري منخفضًا طويلًا، أنتظر جوابه بصمت.
لكن، مهما طال الانتظار، لم أسمع منه شيئًا. فتساءلتُ إن كان ردي لم يعجبه، ورفعتُ بصري بتردد.
ثم صُدمت.
“يا… يا صاحب السمو؟”
كان يحدّق بي بنظرات نصف غائبة، والدموع تنهمر من عينيه.
ارتبكتُ، لدرجة أنني نسيتُ أن أُخرج منديلًا، فمسحتُ دموعه بكُمّي.
وعندها فقط، أدرك رينوس أنه كان يبكي. وعلى ما يبدو لم يرغب في أن يريني دموعه، إذ غرس وجهه في كتفي.
وبقي على تلك الحال لفترة طويلة، ساكنًا تمامًا.
كان ارتجافه، وأنفاسه، تنتقل إليّ بدقة عبر كتفي.
لم أقل شيئًا، بل انتظرتُ بصمت حتى يهدأ. كان يمكنني أن أتخيل كم كان قلقًا في انتظار جوابي.
وبعد برهة، رفع رينوس جذعه.
كانت عيناه محمرتين، والدموع لا تزال تلمع في طرفيهما، وخدّاه المتوهجان يشيان بحرارة مشاعره. فتح شفتيه الرقيقتين ببطء، وأخرج صوته مختنقًا:
“هل… يمكنني أن أسأل ماذا تقصدين؟”
“لا، لا يمكنك.”
وإلا، ما فائدة أنني أعددته في السر؟
حدّق بي رينوس بنظرة غريبة، لا ضاحكة ولا باكية. ثم، بصوت حذر، سألني:
“إذن… هل يمكنني أنا أيضًا أن أُحضّر شيئًا لكِ في ذلك اليوم؟”
“ماذا تقصد؟”
“سرّ.”
قالها وهو يبتسم برقة، ودموعه لا تزال معلّقة بأطراف عينيه، وفي تلك اللحظة، تخيلتُ بييك يرقص رقصة الغزل، وعلى رأسه زهرة، وعلى عنقه شريط.
ولم أعلم كيف قرأ رينوس أفكاري، لكنه سبقني وقال سريعًا:
“ليس شيئًا كهذا.”
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 136"