“……!”
لا بد أن الغضب قد أعماه إلى درجة أنه لم ينتبه حتى لأن رأسه أصبح مكشوفًا.
وعندما سمع كلمة “شعر مستعار”، مدّ جيليوت يده بتوتر يتحسس رأسه.
لكن كان من الأفضل له ألّا يفعل ذلك.
فبسبب هذه الحركة المفاجئة، ارتعب جودوري، الذي كان لا يزال ممسكًا بالشعر المستعار، فقفز إلى الأسفل دون تردّد!
“هياااااه!”
وبما أن حجم الشعر المستعار كان أكبر من جودوري نفسه، فقد بدا كأنه مظلة مصنوعة من الفراء انفتحت في الهواء.
أطبقت أسناني بقوة كي أكتم ضحكتي، وتحاشيت عمدًا النظر إلى مشهد سقوط الشعر المستعار أمامي.
وما إن وطأت قدما جودوري الأرض، حتى انطلق يعدو مبتعدًا عن جيليوت بأقصى سرعته.
على ما يبدو، كان يحاول الركض نحوي، إلا أن الشعر المستعار الضخم كان يحجب رؤيته، فتاه عنه الطريق شيئًا فشيئًا، مبتعدًا عني بدلًا من الاقتراب.
“آآآه! آنستيييي!”
مشهد شعر مستعار ذهبي يتحرّك وحده دون أقدام أرعب إيرميتشو، والوصي، وكذلك المحتال.
“ش-شعر مستعار!”
“إنه وحش!”
“آه، يا إلهي!”
وفي خضم هذا الذعر، تمتم رينوس بصوت خافت:
“هل أصبح الشعر المتحرّك من تلقاء نفسه هو الموضة السائدة هذه الأيام…؟”
لا!
لماذا تظن أن كل ظاهرة غريبة تصبح فورًا “موضة” لديك؟!
كدت أن أصرخ بتلك الكلمات، لكنني بالكاد تمكنت من كبح نفسي.
وسط هذه الفوضى، كان جودوري لا يزال يصرخ مستنجدًا بأنه لا يستطيع الرؤية:
“آنستيييي! أين أنتِ! جودوري لا يرى شيئًااا!”
إذن، ارمِ الشعر المستعار، أيها الأحمق!
بلغت الرغبة في الرد حنجرتي، لكنها ظلّت حبيسة هناك.
لو تكلمت الآن، لبدوت كمجنونة تتحدث إلى الفراغ، فلم يكن أمامي سوى التزام الصمت.
وفي الحقيقة، كنت أخشى أيضًا أنه إذا فتحت فمي، فلن أتمكن من السيطرة على ضحكتي، لذا كنت أقرص فخذي كي أتحمّل.
وفي تلك اللحظة، وقعت عيناي على جيليوت، وقد تجمّد في مكانه من شدّة الصدمة.
وما إن رأيت رأسه الأصلع المكشوف، حتى لم أعد أستطيع التماسك، فهويت جالسة على الأرض، جسدي كله يرتجف.
“كخف… كهمم…”
شعر من حولي بالارتباك وهم ينظرون إليّ، متسائلين إن كنت أبكي أم أضحك.
وفي تلك اللحظة بالذات، خطرت لي فكرة لامعة.
عضضت أضراسي بشدة لأبدو وكأنني أبكي، ثم نطقت بصوت مرتجف:
“لا بد أن هذا… هذا غضب من الحاكم…!”
“ماذا؟”
عند سماع كلمة “الحاكم”، بدا الكاهن الأصلع وكأنه قد تلقّى صدمة كهربائية.
ودون أن أرفع رأسي أو أنظر إليه، أشرت بصمت إلى الشعر المستعار الذي كان يرقص بجنون من تلقاء نفسه.
“لا بد أن هذا كله حدث لأن الكاهن أساء نقل رسالة الحاكم…!”
ما إن أنهيت عبارتي حتى رفعت عيني بحذر، فرأيت الكاهن الأصلع واقفًا هناك، فاه مفتوح من الدهشة، لا يعرف بما يرد.
كان واضحًا من ملامحه أن روحه قد طارت من جسده، عاجزًا حتى عن صياغة اعتراض.
وفي تلك اللحظة، اصطدم جودوري، الذي كان يركض بحماس، بساق إحدى طاولات العمل.
ومع الارتطام، أفلت الشعر المستعار من يديه وسقط على مؤخرته سقوطًا مضحكًا، ثم نهض وهو يهزّ رأسه بعنف.
وأخيرًا، وقد انقشعت الرؤية أمامه، أشرق وجه جودوري بابتسامة واسعة وهو يصرخ نحوي من بعيد:
— الآن أستطيع الرؤية!
“……أترون؟ أليس توقّف الشعر المستعار عن الحركة علامة على أن الحاكم يؤكد صحة قولي؟”
استغللت الفرصة على الفور وخاطبت جيليوت بنبرة واثقة.
كان جيليوت لا يزال في حالة ذهول، يتلعثم وهو يحاول تبرير الأمر:
“و-ولكن… قبل قليل… قال الحاكم إن ذاك الصبي هو الحفيد الحقيقي…”
غير أنه ما إن رأى الشعر المستعار يتحرّك مجددًا، حتى ارتجف فجأة وابتلع بقية كلماته.
كان جودوري يجرّ شعر جيليوت المستعار على الأرض وهو يقترب نحوي بحماس:
— آنستي! آنستي! لقد جلبتُ لكِ الشعر!
وصل جودوري حتى قدمي، وعيناه تلمعان ببريق الطمع، وكأنه ينتظر مكافأة.
على ما يبدو، بعدما رأى كيف استخدمتُ خصلة شعر في تفعيل الأداة السحرية، أراد أن يتصرّف بالمثل.
سارعت بصرف بصري عنه.
وبدلًا من ذلك، التفتُّ بوقار نحو جيليوت، الذي ظل متسمّرًا في مكانه أمام الشعر المستعار القذر، وأعلنت بصوت مهيب:
“انظروا، لقد مُنِحت رسالة الحاكم.”
“……”
“الحاكم نفسه قد اعترف بشرعية أدواتي السحرية، لا أقوال الكاهن.”
“……”
وأمام هذه الظاهرة الخارقة التي لا يمكن لأي إنسان أن يختلقها، ظل جيليوت جامدًا، يحدق بصمت في شعره المستعار دون أن ينبس ببنت شفة.
“آه…”
“يا إلهي…”
وفي الأثناء، رسم إيرميتشو ووصيّ الحفيد الحقيقي إشارة الصليب على صدريهما وهما يبكيان، وقد تأثرا بشدة لرؤية المعجزة.
راقبتهما بعينين ضبابيتين للحظة، ثم نهضت واقفة.
رغم أن الأمور قد سارت في اتجاه غريب، إلا أن الوضع بدا وكأنه قد مال لصالحنا—وكان عليّ أن أحكم إغلاقه.
غير أن جودوري، ظنًا منه أنني تجاهلته، بدأ يلوّح بالشعر المستعار كمن يلوّح بعلم، وهو يصرخ بأعلى صوته:
— سيدتي! ألا تحتاجين إلى هذا الشعر؟! انظري هنا! هياااه، هيااااااه!
توقّف، أرجوك.
كان من الصعب عليّ بحق أن أكبح ضحكتي.
لكنني أدركت أن أي انفجار للضحك في هذه اللحظة سيجلب الكارثة، فعضضت شفتي حتى كادت تنزف دمًا، وسارعت بانتزاع الشعر المستعار من يد جودوري.
لقد تدحرج على الأرض حتى أصبح متسخًا جدًّا، ولم أَجرؤ على الإمساك به سوى بأطراف أصابعي.
هاه…
انهمرت الدموع على وجهي بينما أحدّق في الشعر المستعار الذي أمسكتُ به، وقد توقّف عن أي حركة تمامًا بين يدي.
كانت الدموع في حقيقتها نتيجة محاولتي كبح الضحك، لكن يبدو أن الآخرين ظنّوا أنني أبكي تأثّرًا بالمعجزة.
“انظروا، الشعر المستعار لم يعد يتحرّك.”
“حقًّا……”
“أن يكشف الحاكم بنفسه عن حفيدي… يمكنني الآن أن أموت دون أدنى ندم.”
كان وصيّ الحفيد الحقيقي وإيرميتشو يذرفان الدموع أيضًا، تمامًا كما كنتُ أفعل.
في هذه الأثناء، ظلّ الكاهن جيليوت واقفًا مذهولًا، مما جعلنا الثلاثة نبدو وكأننا مؤمنون مخلصون يفوق إخلاصهم إخلاص الكاهن الأعلى ذاته.
وسط هذه الأجواء، ألقى روبليت، الذي ظلّ صامتًا بلا أي تعبير حتى أثناء شغب جودوري، بتعليق لاذع فجأة:
“يبدو أن الكاهن الأعلى ليس ذا شأن يُذكر بعد كل شيء.”
“……؟ ماذا تقول؟”
سأل جيليوت، وقد أربكته الإهانة المفاجئة.
وبخلاف طبيعته المعتادة التي تميل إلى اللامبالاة، تحدّث روبليت ببطء وبنبرة تحمل قوّة، موجّهًا نقدًا لاذعًا إلى جيليوت:
“أن يُسيء الكاهن نقل رسالة الحاكم—أيُعقل أن تقع فضيحة كهذه؟”
“أو لعلّه تلقّى رشوة سلفًا.”
علّق رينوس، الذي كان يراقب الشعر المستعار بنظرة يملؤها التسلية، وكأن الأمر لا يعنيه.
كما هو متوقع من البطل والبطـل الثاني؛ لم يُظهرا أدنى ذهول أمام رؤية الشعر المستعار يتحرك بمفرده، بل بديا وكأنهما مقتنعان تمامًا بأنني كنت وراء كل شيء.
“رشوة؟ أي رشوة؟!”
احمرّ وجه جيليوت—ورأسه الأصلع—على الفور، ولا أعلم إن كان ذلك من الغضب أو الخزي أو الحرج.
ردّ رينوس بصوت خافت:
“سنكتشف الأمر بالتحقيق… يا دوق.”
“مفهوم.”
وبمجرد أن أومأ رينوس إيماءة خفيفة، تحرّك روبليت دون تردّد.
وفي غمضة عين، كان قد وقف خلف وصيّ الحفيد المزيف، وأمسك بكتفه بقوة:
“سترافقنا إلى غرفة التحقيق.”
لم يكن من الضروري حتى أن نرى وجه المحتال، فقد بات شاحبًا كالرماد من الخوف.
لوّحت له في قلبي بمنديل وهمي مودعةً إياه بصمت، حينها حدث ما لم يكن في الحسبان.
فجأة، جثا المحتال على ركبتيه، وأمسك بطرف سروال روبليت متشبثًا به كالغريق الذي يتشبث بقشة نجاة:
“كان الكاهن الأعلى! هو من أمرني بفعل ذلك!”
“ماذا تقول؟!”
صرخ جيليوت بذعر، غير أن المحتال تجاهله وأخذ يواصل اعترافه وكأنه يطلب الغفران:
“كانوا بحاجة إلى إكسسوار لصاحبة الجلالة الإمبراطورة، وعندما رفض إيرميتشو تنفيذ الطلب، لجأوا إلى تزوير نسب الطفل اليتيم ليبدو كأنه الحفيد الحقيقي—!”
“أغلق فمك، أيها الأحمق! كيف تجرؤ على تحريك لسانك الدنيء بالكذب؟!”
صرخ جيليوت، وقد حُشر في زاوية، صرخة مدوية كالرعد.
لكن الحقيقة كانت قد انكشفت بالكامل آنذاك.
أصبح وجه الحرفي إيرميتشو مشدوهاً من الصدمة. فأن تكون الإمبراطورة نفسها خلف هذه المكيدة… لا عجب أن وقع الصدمة عليه كان هائلًا.
‘هذه فرصتي.’
سقوط الآخرين هو أفضل فرصة لي.
قررت استغلال هذه الفوضى التي أوقعت بالإمبراطورة لصالح استقطاب إيرميتشو إلى جانبي.
ربتُّ على كتفه بلطف وقلت:
“لا تقلق، سأساعدك. لو جمعنا كل القوى الموجودة هنا، فلن تتمكن الإمبراطورة من فعل شيء. ألا ترى؟ لدينا ولي العهد، والدوق، وماركيزة المستقبل أيضًا.”
“سـ… سيدتي الماركيزة…”
كان وجه إيرميتشو المتجمّد يرتجف تأثرًا، وقد امتلأت عيناه بدموع الامتنان.
جيد، من الآن، هذا الموهوب أصبح من نصيبي.
وفيما كنت مشغولة بإيقاع إيرميتشو في شباكي، كان روبليت قد ألقى القبض على المحتال الذي كان ينوح مدّعيًا الظلم.
كذلك قرر أخذ الطفل اليتيم الذي كان برفقة المحتال تحت رعايته.
وبعد إجراء تحقيق دقيق في كيفية وصول الطفل إلى يد محتال، سيتم العثور على وصي مناسب له.
وهكذا أُسدل الستار على حادثة إيرميتشو في ذلك اليوم.
وبعد عدة أيام، تلقيت رسالة من إيرميتشو.
عبّر فيها عن امتنانه لمساعدتي في العثور على حفيده الحقيقي، وأعرب عن رغبته في تزويد متجر “لومينوس” بمنتجاته كعربون شكر.
‘ممتاز.’
الأمور تسير كما خططتُ لها.
ابتسمتُ لنفسي وأنا أقرأ الرسالة.
وبفضل ذلك، لم أقتصر على الإعلان عن امتلاكي لجهاز كشف النسب، بل ظفرت أيضًا بإيرميتشو، العلامة التجارية الفاخرة التي ستصبح قريبًا واجهة متجر “لومينوس”.
وفي تلك الأثناء، أدرك رينوس أن الشعر المستعار المتحرّك لن يكون الموضة القادمة.
أما روبليت، فقد تمكن من القبض على المحتال الذي تجرأ على التلاعب بالأنساب، إضافة إلى القبض على مدير دار الأيتام المتواطئ معه.
أما جيليوت، فقد لاحقه العار، إذ جُرّ إلى التحقيق في المعبد وهو يعانق شعره المستعار المتّسخ.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
التعليقات لهذا الفصل " 132"