في أحد الأيام، وقعت حادثة جعلت ماركيز تشيريش ينظر إلى تيرييل بنظرة غريبة، حين رآها تتردد على فيلا تشيريش وكأنّ الأمر طبيعيٌّ تمامًا.
“أنتِ… من تكونين؟”
بالطبع، سرعان ما عاد إلى حالته المعتادة المسحورة وهو يقول: “آه، إنها تيرييل”، لكن رغم ذلك، شعرت تيرييل في تلك اللحظة وكأنّ قلبها سقط من مكانه.
ومنذ ذلك اليوم، بدأ ماركيز تشيريش يستعيد وعيه بين الحين والآخر. ومع مرور الوقت، بدأت الفترات الفاصلة تتناقص، وكان من الواضح أنه إن استمر الأمر على هذا النحو، فإن كارثة وشيكة ستقع.
لا، لا يمكنني السماح بحدوث ذلك!
في حالة من الذعر، هرعت إلى المعبد، وتمسّكت بمرآة نوكس كما لو كانت حبل نجاة لها، وصرخت بيأس:
“كيف… كيف يمكنني أن أجعل قوة السيد نوكس أقوى؟!”
「أنتِ بحاجة إلى قوة التنين الشرير. لذا، عليكِ أن تكسبي قلب ولي العهد. اجعليه عاجزًا عن الذهاب إلى أي مكان من دون قوة تطهيرك.」
“حاضر…!”
تبعًا لتعليمات نوكس، بدأت تيرييل تفعل كل ما بوسعها لإغواء رينوس.
قامت برشوة أحد خدم القصر الإمبراطوري لمعرفة جدول أعمال رينوس، ثم تبعته أينما ذهب.
طرّزت مناديل فاخرة لتقدّمها له، وحتى أنها تنكّرت لتشبه سييلا – الفتاة الوحيدة التي بدا أن رينوس يُبدي اهتمامًا بها – على أمل أن تنال انتباهه.
ولكن، كل محاولاتها باءت بالفشل.
لم يلقِ رينوس عليها ولو نظرة واحدة، بل، وللدقة، عاملها وكأنها غير موجودة تمامًا.
ما الذي عليّ فعله الآن…؟
ومع مرور الوقت، بدأ القلق يتفاقم داخل تيرييل.
ماذا لو نفدت قوة السيد نوكس… وتوقّف ماركيز تشيريش عن معاملتي كابنته؟
حينها، لا شك أنها ستعود إلى حالها السابق: باهتة، بائسة، بلا بريق.
وكما أن من تذوّق العسل لا يستطيع العودة إلى حياة خالية من الطعم، فإن تيرييل، التي اعتادت نعيم منزل ماركيز تشيريش، لم تعد قادرة على العودة إلى ما كانت عليه.
لذا، توسلت إلى نوكس بصوت مرتجف:
“سيدي نوكس… ألا يمكنك أن تجعل ولي العهد يحبني، كما فعلت مع ماركيز تشيريش؟”
「هذا غير ممكن. قوتي لا تعمل على ولي العهد.」
“لماذا…؟”
「أتعلمين لماذا يُلقَّب بالتنين الشرير؟ لأنه لا يسير وفق إرادة أحد. أعلم أن الأمر مقلق، لكن لا تقلقي كثيرًا. ستسير الأمور كما نرجو هذه المرة أيضًا.」
“هذه المرة…؟”
سألت تيرييل، وقد أربكها هذا التصريح الغامض.
لكن نوكس لم يجب، واكتفى بابتسامة تحمل معانٍ خفية، ثم أضاف تحذيرًا:
「مهما بلغت درجة استعجالكِ، تذكّري شيئًا واحدًا: لا تحاولي أبدًا السيطرة على ولي العهد باستخدام أدوات خارجية.」
في الحقيقة، لم تكن قوة التطهير التي تملكها تيرييل تهدف إلى كبح لعنة التنين الشرير، بل كانت تهدف إلى كبح وعي من يحمل روح ذلك التنين كي لا يبتلعه ذاك التنين.
يبدو أن التنين الشرير قد نجح في السيطرة على جسد بشري هذه المرة…
في الأصل، كان نوكس يخطط لاستخدام قدرة تيرييل التطهيرية للاستيلاء على قوة التنين الشرير.
لكن، للأسف، في الدورة الزمنية السابقة، استخدمت تيرييل “ذلك العشب” لتتلاعب بمشاعر ولي العهد حسب رغبتها، مما جعلها تفوّت اللحظة المناسبة للتطهير—
وهكذا استعاد التنين الشرير وعيه… وفقد السيطرة تمامًا.
خشية أن تهتم تيرييل مجددًا بتلك العشبة، امتنع نوكس عن الكشف عمّا كان يقصده بـ”الأداة الخارجية”.
ولكن حتى هذا التلميح الغامض كان كافيًا لإثارة فضولها، فومضة من الاهتمام تألّقت في عينيها الخضراوين النضرتين.
“أدوات خارجية…؟”
「……」
“لقد تفوّهتُ بما لا ينبغي…”، أدرك نوكس متأخرًا خطأه.
لكن، ما إن يُفرغ الكأس، لا جدوى من محاولة جمع ما انسكب. لذا، اكتفى بتحذيرها من أن تشغل بالها بالأمر، ثم طردها من الغرفة دون تردد.
“تشه…”
خرجت تيرييل من غرفة البابا وهي تتمتم باستياء، شفَتاها مزمومتان في امتعاض.
[ أوهانا : نفسي اعطيها كف ]
أداة يمكنها أسر قلب سمو ولي العهد؟ لِمَ لم يخبرني ما هي؟ الآن أرغب في معرفتها أكثر.
وهي غارقة في أفكارها، تمشي دون أن تنظر أمامها، اصطدمت بقوة بأحد النبلاء في الممر.
“كيااه!”
“آسف! أعذريني!”
أسرع الرجل إلى الإمساك بها قبل أن تفقد توازنها. وما إن رأى ملامح وجهها حتى أشرق تعبيره، وركع على ركبتيه على عجل.
“ألستِ آنسة آل تشيريش الصغرى؟ أرجوكِ، فقط لحظة واحدة من وقتك!”
كان وجه الرجل مشوّهًا بأسى عميق، كأنّ الظلم يسحقه. لم يكن سوى البارون ألفريد.
ورغم أن الفتاة التي أمامه كانت أصغر منه بكثير، إلا أنه لم يُعر ذلك أي اهتمام، وانحنى بكل خضوع.
“أنا البارون ألفريد. أرجوكِ، ولو للحظة فقط، أن تصغي لمظلوميتي.”
حدّقت تيرييل في البارون الذي يتوسل إليها بعينين متسعتين من الدهشة.
البارون ألفريد… لقد سمعت باسمه عندما كانت تواعد دوفال، ألم يكن هو من اهتم بزراعة أعشاب نادرة وقدّم عونًا كبيرًا لأسرة الكونت إيسيت؟
ومع شعور خفيف بالارتياح لرؤية وجه مألوف، ردّت على حزن البارون باهتمام حقيقي.
“ما الذي حدث معك؟”
“الماركيزة الصغيرة لابرينث تنشر شائعات كاذبة عني!”
“شائعات… كاذبة؟”
“في حفلة تهنئتها، قدّمت الماركيزة أمام الحاضرين مسرحية مليئة بالإهانات المبطّنة تجاهي!”
“…؟”
وبما أن تيرييل كانت غائبة عن المجتمع النبيل لفترة، فقد رمشت بعينيها بحيرة، لا تفهم تمامًا ما يقصده.
حينها، انطلق البارون، ووجهه محمر من الغضب، يروي قصته بحرارة.
“لقد صدّقت الماركيزة الصغيرة لابرينث
، أقوال مالك شركة لومينوس، ذلك العاميّ التافه! الذي تمادى ليتّهمني بأنني سرقتُ حبيبته وتزوجتها! لقد كانت إهانة علنية!”
“يا إلهي…”
تفاجأت تيرييل بشدة، حتى إنها رفعت كلتا يديها لتغطي فمها دون وعي. وقد استمد البارون شجاعة من ردّ فعلها، فتابع حديثه بنبرة يغمرها الغضب.
“وليس هذا فحسب. أتدرين أين تجرأت على ارتكاب فعلتها الشنيعة؟ في قصر الياقوت! لقد دنّست القصر ذاته، الذي أعارته لها جلالة الإمبراطورة!”
“يا للعجب!”
“أليس هذا هو قمة الجحود؟! لم تكتفِ الماركيزة بإهانتي، بل ردّت الجميل لجلالة الإمبراطورة بمثل هذا العار! أعتقد أنه يجب أن تُحاسَب على جرائمها!”
“جرائم…؟”
كانت تيرييل تستمع إليه باهتمام ينبض بالفضول، لكنها الآن أمالت رأسها بتعجّب حائر.
أما البارون، فقد رأى في تلك الحركة إشارة لصالحه.
فالحقيقة أنه لطالما حاول إقناع النبلاء الذين يكنّون الكره لسييلا بالانضمام إليه ضدها.
لكنهم كانوا يجيبونه دائمًا ببرود: “لا نحب لابرينث، لكن لا نرغب في الدخول في عداء معهم لأجلك.”
ولهذا، بدا له أن تيرييل، التي لم ترفضه صراحة بل أظهرت بادرة اهتمام، هي بمثابة المنقذة.
فانحنى أمامها بعمق، وتوسّل قائلاً:
“نعم، لقد بلغني أن الآنسة من آل تشيريش تحمل أيضًا الكثير من الضغائن تجاه الماركيزة. إن لم يكن طلبي وقحًا… فهل يمكن أن تنضمي إليّ؟”
“آه…”
“سأفعل أي شيء أقدر عليه لمساعدتكِ. وإن كنتِ بحاجة إلى أي نوع من الأعشاب، فسأوفّر لكِ منها ما تشائين.”
وبينما كانت عينا تيرييل تومضان بدهشة، طُرح أمامها طُعمٌ يفوح منه رائحة الإغراء.
فلم تتردد لحظة، والتقطته فورًا.
“هل… تملك نوعًا من الأعشاب يمكنه أن يجعل المرء يقع في الحب؟”
“ماذا؟”
ارتفع صوت البارون ألفريد بدهشة من سؤالها المباغت، لكن وجه تيرييل كان جادًا أكثر من أي وقت مضى.
‘لقد قال لي دوفال ذات مرة إن البارون ألفريد يزرع جميع أنواع الأعشاب النادرة.’
لذا، من يدري؟ ربما فعلاً هناك نوع يجعل المرء يقع في الحب.
‘إن استخدمته من دون علم السيد نوكس، فلن يكون هناك ضرر!’
“الحب، تقولين…”
تمتم البارون ألفريد بتردد.
هو شخص لا يؤمن بالحب أصلًا، لذا كاد أن يقول بصدق إنه لا يملك شيئًا من هذا القبيل. لكنه فجأة، خطرت له فكرة ذكية.
لو أحسن استغلال الفرصة، ربما يتمكّن من تكوين تحالف معها والانتقام من الماركيزة لابرينث. فخفض صوته وقال:
“لا توجد عشبة تجعل المرء يقع في الحب… لكن هناك نوعًا يربك العقل، ويجعل المرء أكثر عرضة للتأثر بالكلمات. ويؤدي إلى تسارع نبضات القلب كأثر جانبي، مما قد يدفع الشخص للاعتقاد بأنه واقع في الحب.”
“إذاً، أعطني إياه!”
‘إن حصلتُ عليه، سأتمكن من كسب قلب سموّ ولي العهد!’ فكّرت تيرييل بحماس، وبدأت تقفز من شدة الترقّب.
لكن ما إن رأى البارون ألفريد ردّ فعلها الطفولي، حتى شعر وكأن ماءً باردًا سُكب عليه فجأة.
‘لماذا لا أشعر بالاطمئنان حيال هذا؟’
لأول مرة، بدأ يشكّ في أنه ربما أثار مشكلة دون داعٍ. وبقلقٍ متصاعد، سأل بحذر:
“أعذريني، لكن… لمن تنوين استخدامه بالتحديد؟”
“إنه سر! … لا تقل لي إن الحصول عليه صعب؟”
لقد أراد بشدة أن يقول: نعم. لكن بما أنه قد قال ما قال، فإن التراجع الآن قد يُغضبها ويجعله يخسر تأييد إحدى النبيلات الرفيعات.
وبعد تردد طويل، اضطر إلى الإيماء برأسه موافقًا.
“لكن أرجوكِ… أرجوكِ، لا تخبري أحدًا. ولا تدعي أحدًا يراكِ وأنتِ تستخدمينه.”
“بالطبع! أعدكِ بذلك!”
أجابت تيرييل بحيوية مفرطة، وكأنها تطلب ثقته بكل عفوية، لكن تلك البهجة الطفولية لم تُضفِ الكثير من الطمأنينة في نفسه.
‘هل يعقل أن ينقلب الأمر إلى كارثة؟’
نسي البارون ألفريد حتى حقده على الماركيزة لابرينث، وراح يتنهّد تنهيدة ثقيلة مثقلة بالهمّ.
وفي نهاية المطاف، سلّم تيرييل العشبة المعروفة باسم إيستالوت، ثم عاد أدراجه محاولًا تخفيف وطأة ما فعله من خلال التحدث إلى صديقه الوحيد، جيرالد، عمّا جرى.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 127"