كان جسده غارقًا في الجراح، وثيابه ممزقة ومهترئة، كأنّه عاد لتوّه من معركة شرسة. لم يكن الألم حكرًا على الجسد فحسب؛ بل إنّ قلبه — ذلك الجزء الخفي عن الأعين — لم يسلم هو الآخر، فقد امتلأ بندوب لا تُرى، لكنها تنزف في صمت.
همس بصوتٍ محطَّم يكسوه الأسى:
“لماذا… لماذا لا أستطيع تغيير شيء؟”
“……”
“لماذا لا أدرك أنكِ كنتِ المقصودة… إلا بعد فوات الأوان؟ لماذا يجب أن أقتلكِ بيدي، ثم أعي الحقيقة، وأندم… مرارًا وتكرارًا؟”
“…….”
“ما الذي ينبغي عليّ فعله… لأكسر هذه الحلقة…؟”
غطّى رينوس وجهه بيديه مجددًا، يتمتم بألم وبصوت مبتلّ بالحزن، ثم همس بعد فترة بصوتٍ خافت:
“ربما الخطأ كان في أنني احتفظتُ بذكرياتي وحدي.”
“…….”
“لطالما قيل إن البشر يصنعون المعجزات. كما أنكِ أنتِ من حرّك قلبي ذات مرة… ربما تكونين الوحيدة القادرة على تغيير كل شيء أيضًا…”
رفع رينوس يده ببطء، وبدأ وهج أسود خافت يتلألأ من راحته.
ثم، دون أي تردد—
“……!”
—غرس يده في قلبه.
وفيما كنتُ أرتجف من هول الصدمة، تمتم بكلماته الأخيرة بصوتٍ متهالك:
“لذا هذه المرة… سأعيد إليكِ ذاكرتكِ. حتى لا تشعري بالارتباك… وبطريقة تبدو طبيعية بالنسبة لكِ.”
وفي تلك اللحظة، هبّت عاصفة سوداء من حوله.
وما هي إلا لحظات، حتى بدأ الزمن يعود إلى الوراء، وراح العالم، الذي كان قد اندثر، يعود من جديد.
وبالتزامن مع ذلك، استيقظتُ من الحلم.
* * *
“……!”
م- ما هذا؟
بمجرّد أن فتحتُ عيني، تلاشت على الفور تلك الهالة الثقيلة التي كانت تجثم فوق صدري.
لهثتُ بقوة، كما لو أنني انتُشلت من تحت الماء.
كان الإحساس أشبه بخروجي من حلم مرعب وخطير… ومع ذلك، لم أستطع أن أتذكر منه شيئًا. كل ما في الأمر أن قلبي كان يخفق بجنون، كما لو أنني ركضت لمسافة طويلة دون توقف.
أخذتُ أتنفّس ببطء وسرعة في آنٍ واحد، أُحاول تهدئة فزعي والتخلّص من بقايا ذلك الحلم الغامض.
في تلك اللحظة، سمعتُ حفيفًا خافتًا بجانبي.
“-!”
ارتعبت بشدة وكدتُ أفتح بوابة المتاهة دون وعي.
لكنني سرعان ما تذكّرتُ أنني قد نمتُ الليلة الماضية برفقة التنين الصغير.
سحبتُ ظلالي على عجل، والتفتُّ نحو مصدر الصوت.
وهناك—
– بيييب…….
وقف التنين الصغير مطأطئ الرأس بأسى، ويداه الصغيرتان مضمومتان أمامه وكأنه يطلب الصفح.
وعند قدميه تناثرت عدّة أوراق، كُتب على معظمها نفس الجمل، باستثناء واحدة فقط:
[أنا آسف.]
[أنا آسف.]
[آسف.]
[حقًا… آسف.]
[هل رأيتِ كابوسًا؟]
[أنا آسف.]
كابوس؟ …هل يُعقل أن ذلك الحلم كان كابوسًا؟
لكنني لا أستطيع الجزم، فما من شيء أستطيع تذكّره.
على أي حال، بدا أن رينوس قد استعاد رشده، وذلك كان كافيًا ليبعث في نفسي بعض الطمأنينة. أمسكتُ قلبي المرتجف وحاولت الرد بهدوء قدر الإمكان:
“لا بأس، جلالتك. لكن، هل يمكنك العودة إلى هيئتك البشرية؟”
[ㅇㅇ]
رسم رينوس دائرتين صغيرتين على راحة يدي. لقد مضى وقت طويل منذ آخر مرة رأيتها.
وبينما كنتُ أحدّق بصمت في راحة يدي حيث ترك التنين الصغير أثر مخالبه، شعر رينوس أن الإشارة لم تكن كافية، فأحضر ورقة وقلم ريشة وأكمل توضيحه كتابة:
[برج السحر أرسل أداة سحرية يمكنها التحكم في قوة التنين الشرير، فكنتُ أختبرها.]
رفع رينوس حجرًا أبيض ناصعًا من الطرد الذي كان قد جلبه بالأمس.
آه، إذًا هذه هي الأداة السحرية التي تتحكم بقوة التنين الشرير.
[نظرًا لأن “وعاء الجسد” قد تقلّص، بات التحكم في القوة محدودًا. كما تعلمين، كنت أضبط الأمر من خلال الأدوية.]
وعاء الجسد؟
عقدت حاجبيّ من وقع الكلمة ذات الدلالة الغامضة، بينما واصل رينوس تدوين شيءٍ بقلمه الريشي.
[لكن هذه المرة، برج السحر اكتشف أنقاض “إلدورادو”، ويبدو أنهم وجدوا أداة سحرية يُعتقد أنها مرتبطة بالتنين الشرير، فأرسلوها إلي.]
أنقاض “إلدورادو”، إذًا…
“إلدورادو” كان اسم مملكة سحرية قديمة.
لقد بلغ فيها السحر مرتبة عظيمة، حتى قيل إن نعمة التنين المقدّس “أبشولكتار” كانت تُغدق على الجميع لدرجة أن حتى الكلاب الضالة في الشوارع استطاعت استخدام السحر. غير أن تلك المملكة العظيمة كانت أولى الممالك التي هلكت، والسبب أن أميرة إلدورادو خانت شعبها وتحالفت مع التنين الشرير.
“التنين المقدّس الذي خانته الأميرة قيل إنه كفّ عن مساعدة البشر، واختفى بلا أثر.”
وقد ذهب بعض المؤرخين إلى نظرية مفادها أن “أبشولكتار” لم يختفِ، بل سقط، وتحول هو نفسه إلى التنين الشرير الذي جلب الخراب إلى العالم.
“لكن، نظرًا لاحتراق جميع سجلات إلدورادو التاريخية أثناء هجوم التنين الشرير، فقد ضاعت الحقيقة في غياهب الزمن.”
[كانوا قد نبهوني لاحتمال أن تظهر آثار جانبية تجعل الغرائز تسبق العقل. ومع ذلك، جربتُ الأداة على أمل أن تُجدي.]
نظر رينوس إلى الأداة السحرية بنظرة متحفظة.
[لم أكن أتوقع أن السيطرة على غرائزي ستكون بهذه الصعوبة. أنا آسف.]
“…….”
“إذًا هذا كان بدافع الغريزة، ها…”
نظرت مطولًا إلى الباب المحطّم الذي دمّره رينوس الليلة الماضية عندما ثار راغبًا في النوم معي.
لاحظ رينوس نظراتي، فانتفض مذعورًا وأخذ يكتب بريشته بسرعة.
[سأقوم بإصلاحه.]
“هل تتذكّر ما فعلته البارحة؟”
تردد للحظة، ثم هز رأسه نافيًا.
أها، فهمت… إذًا، اعتذاره صباحًا لم يكن لأنه تذكّر ما فعله، بل فقط لأنه رأى الباب مكسورًا.
توالت الاتهامات واحدةً تلو الأخرى، وبدأت عيناه الحمراوان ترتجفان بشدة.
كان منظره باعثًا على الشفقة، لكنه يبقى وليّ العهد، وأنا خادمته الأمينة، ولا بد من إخباره بالحقيقة كاملة دون تزييف.
“ثم، ذاك الباب هناك،”
أشرت إلى الباب المحطم.
استدار رأس التنين الصغير ببطء، يئنّ كدمية معدنية مكسورة.
“أدخلتك إلى هناك وقلت لك أن تنام، لكنك صرختَ وخرجتَ رافضًا الفكرة، فكانت النتيجة أمامك.”
فتح رينوس فمه ببطء، عاجزًا عن الحديث.
ولم أتردد في توجيه الضربة القاضية:
“وبينما تبكي، قلتَ إنك مهما حصل، تريد النوم بجانبي.”
— ……
“ولهذا انتهى بك الأمر نائمًا على سريري.”
تجمّد رينوس تمامًا في مكانه.
كانت عيناه متسعتين وفمه مفتوحًا، تمامًا كما حدث عندما قبّلتُه قبلة مفاجئة على جبهته من قبل. بدا كأنه يردد في داخله: “أنا… فعلتُ هذا…؟”
ثم تذكّرت أيضًا وابل القبلات التي أغدقها عليّ في الليلة الماضية.
همف، عليّ أن أستغل الفرصة للانتقام. تظاهرتُ بالانزعاج وفتحتُ عيني بطريقة متدللة:
“وبالأمس… قبّلتني.”
— !!!
ظهرت علامات التعجب فوق رأس التنين الصغير المتجمّد. يا للعجب… شعرت وكأنني أراها فعليًا.
كان ذلك لطيفًا بشكل لا يُحتمل، لكنني تظاهرتُ بالانزعاج وأضفت بتذمرٍ مدروس:
“على شفتي، تحديدًا.”
— ……
عند سماعه كلمة “شفتي”، تحوّل رينوس إلى تمثال من الثلج.
وانتظرت طويلاً، لكنه لم يتحرك أبدًا. وعندما وخزته بخفة، سقط أرضًا تمامًا كما حدث في المرة السابقة.
لو كان هناك شيء يؤكل بالجوار، لوضعتُه في فمه المفتوح، لكن للأسف، لم يكن لديّ هذه المرة أي بسكويت بالشوكولاتة الجاهز.
لذا قررت أن ألهو مع رينوس بلعبة تغيير الملابس.
منذ أن رأيتُه ذات مرة يؤدي دور “المربية التنين” التي تعتني بي باهتمام بالغ، رغبت بشدّة في تجربة هذا الأمر ولو مرة واحدة.
أخرجتُ من درجٍ خاصّ منديلاً أبيض ناصعًا كنتُ قد أعددته لهذا اليوم، وربطتُه فوق رأس رينوس على هيئة غطاء للرأس. ثم رتبتُ له الشريط الأحمر المربوط حول عنقه، والذي انفكّ جزئيًا أثناء نومه.
وأخيرًا، وضعتُ في يده الصغيرة السوداء، التي تشبه أغصان النباتات الصغيرة، منفضة غبار صنعتُها من ورق مقصوص.
— … بييب؟
في تلك اللحظة، استفاق رينوس من حالة التجمّد التي كان فيها، وحدّق إليّ بنظرات تحمل سؤالًا واضحًا: “ما الذي تفعلينه؟”
لكن الأوان كان قد فات. أمامي كان يقف تنين صغير، متحوّل تمامًا إلى خادمة صغيرة.
“في الحقيقة… أنت لم تقبّلني على شفتي، بل على خدي فقط.”
قلتُ ذلك ثم قدمتُ له مرآة يد، من باب المواساة.
وما إن رأى نفسه في المرآة، حتى سقطت منفضة الغبار من يده بصوت خافت.
ثم، بيدٍ مرتجفة، رفع يده الصغيرة نحو الغطاء على رأسه. ولأنه كان مربوطًا بخفة، فسقط الغطاء فورًا.
‘همم… يبدو أنه لم يعجبه.’
بينما كنتُ أفكر بذلك، لاحظ رينوس التعبير الحزين الخفيف الذي ارتسم على وجهي، وفجأة، بحركة مذعورة، حاول أن يربط الغطاء على رأسه من جديد.
لكن المشكلة كانت…
— بييييييب…
يداه القصيرتان الممتلئتان لم تمكنه من ربط العقدة خلف رأسه.
وبعد عدة محاولات فاشلة، استدار مبتعدًا عني، ووجنتاه متورّدتان. حاول مرة أخرى، وفي النهاية اضطررتُ للتدخل وربطه بنفسي.
بعد أن أعدتُ ربط الغطاء بشكل أنيق، نظر إليّ رينوس مجددًا وهو لا يزال يحمل منفضة الغبار بين يديه.
خدّاه قد احمرّا كأنهما تفاحتان صغيرتان، مما يدل على أنه في غاية الحرج، ومع ذلك، فقد بقي على حاله لأنني أحب ذلك، وهذا ما جعل قلبي يرفرف دفئًا وسعادةً.
‘آه… متى سأعترف له بمشاعري؟’
ضحكتُ بهدوء وأنا أربّت على خده بأطراف أصابعي، ثم طبعتُ قبلة خفيفة على جبينه.
* * *
وفي تلك الأثناء، في مكانٍ آخر…
كانت “تيرييل”، التي فرت إلى الفيلا الواقعة على أطراف العاصمة هربًا من ماركيزة تشيريش وابنتها، تعيش أيامًا من السعادة المطلقة.
سعادةٌ كانت لدرجة أنه لو سألها أحدهم عن أسعد لحظات حياتها، لأجابت دون تردد: الآن، بكل تأكيد.
“هذه فساتين جُهزت خصيصًا من أجل الآنسة الصغيرة تشيريش.”
“الطبق الرئيسي اليوم هو ساق عجلٍ مطهية ببطء في النبيذ الأبيض والطماطم.”
“لقد أعددنا مجموعة من المجوهرات من أجل الآنسة. اختاري منها ما تشائين.”
كل ما ترغب به كان يتحقق دون أن تحرّك إصبعًا، وكأن الأمنيات تتحقق أمام عينيها.
كانت تُعامل كما تُعامل “أليس”، الابنة الوحيدة المدللة الثمينة، فشعرت وكأنها ملكة.
وفوق كل هذا، كانت طبقة النبلاء العليا من “ريماي” تصفق لها وتبدي إعجابها، مهما فعلت!
“يا للروعة! كم أنا سعيدة!”
كانت تتساءل إن كان هذا هو شعور المشي فوق الغيوم.
كل ليلة، كانت تغفو وهي تملؤها السعادة، مقتنعة بأنها أصبحت شخصًا متألقًا أخيرًا كـ”سييلا”.
إلا أنّ الرياح لا تجري كما تشتهي السفن…
「في الوقت الحالي، قوتي غير مستقرة إلى حد كبير.」
「لقد أصدرتُ أمرًا لماركيز تشيريش بأن يعاملك كابنته الحقيقية، لكن لا يمكنني أن أضمن إلى متى سيستمر تأثير هذا الأمر.」
كان ذلك تحذيرًا من “نوكس”، مرآة المعبد.
ولم تمضِ فترة طويلة حتى تحقق ذلك التحذير… وأصبح حقيقة واقعة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 126"