“يا كبير الخدم! كبير الخدم!!! ألا تسمع أوامر والدتي؟!! لماذا لا تتحرك من مكانك؟! ما الذي تنتظرونه؟!”
في كل مرة كانت تيرييل تتجول براحة في قصر ماركيز تشيريش، كانت أليس والماركيزة تصرخان بأعلى صوتهما تطالبان بطرد تلك الحقيرة على الفور.
لكن الخدم لم يكونوا يجرؤون على التحرك، بل كانوا يكتفون بتبادل النظرات فيما بينهم، إذ إن سيد القصر، ماركيز تشيريش، كان قد أصدر أمرًا صريحًا بضرورة رعاية تيرييل والاهتمام بها.
ومع ذلك، فإن بعض الخادمات اللواتي كنّ يخدمن تحت إمرة أليس والماركيزة، حاولن طرد تيرييل بأنفسهن.
“من تظنين نفسكِ لتخطين بقدميكِ إلى هنا؟!”
“اخرجي من هنا فورًا، ألا تفهمين؟!”
لكن تلك المحاولة باءت بالفشل، إذ صادف أن ماركيز تشيريش قد عاد في تلك اللحظة بالذات من القصر الإمبراطوري، ورأى ما يجري بعينيه.
“ما الذي تفعلنه بحق الجحيم؟!”
“أه… أبي…!”
ركضت تيرييل، التي كانت في حالة يُرثى لها بعد أن شدّت خادمات أليس شعرها وجعلنه أشعثًا، نحو الماركيز باكيةً.
وبشكل غريزي، حاول الماركيز أن يحتضنها.
لكن الماركيزة، التي كانت قد استشاطت غضبًا، كانت أسرع منه؛ فقد دفعت تيرييل أرضًا بقوة ثم ضربت زوجها دون تردد.
“زوجتي!”
“كيف تجرؤ… كيف تجرؤ على فعل هذا؟!”
رغم أن جسدها بدا رقيقًا وهزيلًا، كانت زوجة الماركيز تملك قوة لا يُستهان بها. لم تكن ابنتها أليس قد ورثت قوة الصفعات عن فراغ.
ومع كل لكمة كانت تنهال بها على زوجها، كان الهواء يُشقّ محدثًا صوتًا حادًا.
“آه… ع، عزيزتي… لحظة واحدة فقط… أوف!”
“أيها الحقير! أنت أسوأ من الكلاب!”
فقد كانت الماركيزة، التي سيطرت على المجتمع النبيل بقبضتها الحديدية في شبابها، تعتدي عليه دون رحمة.
وفيما ظل الماركيز عاجزًا عن الردّ، انقضّت أليس على تيرييل التي كانت ملقاة على الأرض.
“أنتِ!!”
“أـ أختي!”
“لستُ أختكِ!!!”
“آآآاااااه!”
في ذلك اليوم، تلقت تيرييل ضربًا مبرّحًا، كما لو أنها سُحقت تحت المطر حتى التصق الغبار بثيابها.
لكن لسوء حظهم، مهما فعلوا، لم يكن في مقدورهم تغيير حقيقة أن تيرييل أصبحت الآن رسميًا الابنة الثانية لعائلة تشيريش.
* * *
بعد أن أصبحت تيرييل تُعرف بلقب “تيرييل تشيريش”، بدأت الأنباء تنتشر بأنها تتعرض للضرب يوميًا.
وكان من ضمن الأخبار أيضًا أن ماركيز تشيريش، العاجز عن الصمود أمام الضغط الهائل من زوجته وابنته أليس، فرّ بها إلى قصر العائلة الصيفي في أطراف العاصمة الإمبراطورية.
أليس لا تُجاري المزاح فعلًا.
كنت أعلم مسبقًا أن طبعها حاد منذ أن رأيتها تسيطر على ريماي، لكن لم يخطر ببالي قط أنها قد تلجأ إلى الطرد بالضرب الحرفي.
حبذا لو استغلوا الفرصة وطردوها خارج الإمبراطورية كلها.
بينما كنت أفكر بهذا، نظرت بازدراء إلى الشاب النبيل المرتجف أمامي كالسنجاب، وإلى والده، الكونت بوغو، الجالس بجانبه.
كنا حينها في غرفة الاستقبال الخاصة بشركة لومينوس التجارية.
وبدا أن الكونت شتم ابنه بأبشع الألفاظ، فالفتى كان شاحب الوجه حين فتح فمه قائلًا بتوسل:
“أر، أرجوكِ، سيدتي الماركيزة… أرجوكِ أعيدي لنا صك ملكية منزلنا…”
لقد كان ذلك النبيل ذاته الذي راهنني بصك منزله خلال أول مباراة لريينوس.
هذا النبيل عديم الضمير تظاهر بوقاحة بأنه لم يُراهن بشيء فور انتهاء المباراة.
لكنني، كما هو متوقّع مني، أخرجت على الفور حجر التسجيل الذي أحمله دائمًا معي، وشغّلته ليسمع ما قاله بنفسه.
حينها انقلب موقفه تمامًا، وبدأ يتوسل راكعًا بكلتا يديه، متوسلًا بألّا أخبر والده، لأنه سيُقتل إن علم بالأمر.
ولِمَ أفعل؟
أرسلت فورًا نسخة من حجر التسجيل إلى مكتب إدارة أرجينتايم، مرفقة بطلب رسمي لحجز منزل العائلة.
وقد عبّر موظفو المكتب عن استغرابهم من مضمون الرهان الغريب، لكنهم رغم ذلك باشروا إجراءات مصادرة وثائق ملكية المنزل.
وعندها، جاء والده، الكونت بوغو، مسرعًا ووجهه شاحبًا بلون الرماد، مترجيًا بإصرار أن أعيد له وثائق المنزل، مستعدًا لفعل أي شيء.
“في هذه الحالة، أحضر لي أوراق ملكية مبنى يصلح متجرًا متعدد الطوابق. إن أعجبني، سأقوم بالمبادلة.”
طالبت الكونت بأن يستبدل وثائق المنزل بأوراق ملكية مبنى يُمكن استخدامه كمتجر راقٍ.
واليوم بالتحديد، كان موعد استلام ذلك المبنى.
الموقع ممتاز، وتوجد حركة سكانية كبيرة، وعدد الطوابق مناسب…
كان المبنى جيدًا. والأجمل من ذلك أنني لم أضطر لهدم أي منزل قديم، مما يعني أنه لا توجد تكلفة إضافية.
كما هو متوقّع، فغياب قيود الإمبراطورة يتيح له الحصول على مبانٍ جيدة بهذه السرعة.
أخذت أتفحص وثائق ملكية المبنى التي قدّمها لي الكونت بوغو بعناية. وبالرغم من أنني كنت راضية تمامًا في داخلي، حرصت على التظاهر بالاستياء وأنا أحدّق بالرجلين أمامي.
“هل هذا كل شيء؟”
“…عذرًا؟”
“أعني… قلتَ إنها ملكية تاريخية، ولهذا لم أقم بهدمها وانتظرتك حتى الآن. ألا توجد فائدة على هذا التأخير؟”
قلت ذلك وأنا ألوّح بصك منزلهم في الهواء، مهددة بإغاظة مقصودة.
ألا تريدها؟ قل إنك تريدها، هيا بسرعة.
عندما ذكرت كلمة “فائدة”، رمش الكونت بوغو بعيـنين مذهولتين وكأنه صُدم.
لكن ذلك لم يدم طويلًا. فبمجرد أن وقفتُ من مكاني، ظن أن المفاوضات فشلت، فاندفع مذعورًا ليعيدني إلى مقعدي.
“الـ، الفائدة! سأدفعها!”
وفي النهاية، اضطر هذا الكونت، الذي يملك أحد أشهر مناجم الألماس من حيث الجودة في الإمبراطورية، إلى أن يمنحني 30% من الألماس الذي استُخرج هذا العام، كتعويض عن خطأ ابنه.
بهذا يمكنني جذب أرقى البوتيكات العالمية إلى متجرنا الفاخر.
رغم أنني حافظت على ملامح جامدة من الخارج، إلا أنني كنت أرقص من الفرح في داخلي.
أما الكونت بوغو، الذي استعاد أخيرًا وثائق منزله، فقد اغرورقت عيناه بالدموع فرحًا، بينما أطلق نظرات قاتلة تجاه ابنه الذي تسبّب بكل هذه الكارثة.
بعد أن ذاق هذا العقاب، لن يجرؤ على تحدّي لا ريينوس ولا أنا بعد الآن.
الآن، حان وقت التفكير في العلامات التجارية التي سأدرجها في الطوابق.
عادة ما توضع الماركات العالمية في الطابق الأول من المتاجر الكبرى، لذا أود فعل الشيء ذاته.
هل لديّ شيء من هذا النوع؟
ذهبت مسرعة إلى المقهى الذي تديره آريا، وهناك جلسنا نتبادل الأفكار حول كيفية تصميم “متجر لومينوس الكبير” وإدارته.
عملنا حتى ساعة متأخرة من الليل، ثم قررت أنه حان وقت العودة إلى قصر “لابرينث”.
وعندما فتحت باب غرفتي…
بييب، بيييب—
رأيت رينوس، بهيئته الصغيرة كتنين صغير، جالسًا على حافة النافذة المغلقة من الخارج، يغني بمرح وهو يحرّك ذيله.
“…جلالتك؟”
منذ متى وهو يجلس هناك في هذا الجو البارد؟ بل، ولماذا لم يدخل رغم أنه يستطيع؟
كنت قد أخبرته سابقًا أن هناك نافذة معيّنة لا أقوم بإغلاقها، ليتسنّى له الدخول متى شاء.
إذًا، فأن عدم دخوله لم يكن بسبب النافذة، بل لأنه ببساطة لم يُرِد الدخول.
لماذا؟
وسط دهشتي، أسرعت نحو النافذة وأدخلته. كان جسده بارداً كالثلج، لا بد أنه مكث في الخارج وقتًا طويلًا.
وما إن رآني، حتى رفع يده الصغيرة مطلقًا صوتًا لطيفًا كما لو كان يُلقي التحية.
“منذ متى وأنت على هذه الحال في الخارج؟”
— بيب، بيب.
“لا أفهم ما تحاول قوله… هل كنت هنا لفترة طويلة؟”
— بيييببب
أطلق صوتًا لا يمكن تفسيره، ثم نقر على ذقني بلطف بيده الصغيرة الخفيفة كالريش، قبل أن يبتسم بسعادة ويمسح وجنته بوجنتي.
كان هناك شيء غريب… هل من الممكن أنه ثمل؟
“جلالتك؟”
لكنه لم يُجب، بل بدا وكأنه تحوّل إلى حيوان أليف حقيقي، لا يفعل سوى إظهار الدلال.
تارةً يجلس على كتفي ويدفن خده في خدي بحركات مبالَغ فيها، وتارةً أخرى يقفز إلى الطاولة ويرقص بحماس كما لو كان يؤدي رقصة مغازلة.
— بييب، بييب!
“……”
نظرت إليه بعينين مرتجفتين، وهو يغمز لي بطرف عينه ويهزّ وركيه برشاقة… أيها التنين الصغير، ما الذي تفعل؟
…هل يُعقل أن هذا بسبب اقتراب فترة “قمر الياقوت”؟
هل فشل مجددًا في تناول دوائه كما حدث سابقًا، فتحوّل مجددًا إلى تنين صغير؟ وجاء إلى منزلي للاحتماء؟
لكن حتى لو كان كذلك، ففي الصيف الماضي حين تحوّل إلى هيئة تنين، كان لا يزال يحتفظ بجزء من وعيه. لم يتصرف أبدًا بهذه الطريقة البهيمية.
وبينما كنت غارقة في حيرتي، لاحظت طردًا صغيرًا أبيض على حافة النافذة حيث كان يجلس.
“جلالتك، عذرًا، لحظة واحدة فقط. جلالتك…”
— بييب، بييييييب!
“أوه، بحق السماء… أمهلني خمس ثوانٍ فقط، أرجوك!”
شدّ رينوس شعري وكأنه يطلب مني الانتباه له، لكنني تجاهلته للحظة وتقدّمت بسرعة لأتفقد الطرد.
وجدت داخله ورقة مطوية بعناية، وحبلًا، وجسمًا صغيرًا أبيض يشبه الحصى.
فتحت الورقة أولًا، ليقابلني خط رينوس الأنيق:
> [يا آنستي، أنا حالياً أختبر أداة سحرية يُقال إنها تساعد على السيطرة على قوى التنين… لا أظن أن الأمر سيحدث، لكن إن بدأتُ أتصرف بغرابة، أرجوكِ، استخدمي الحبل لربطي.]
…؟
اتسعت عيناي من الدهشة أمام محتوى الرسالة غير المتوقّع، لكن بعد إعادة القراءة مرات عدة، بقيت الكلمات كما هي.
هل يطلب مني… أن أربطه؟
هل كان هذا الحبل لهذا الغرض؟
التفتُ إلى التنين الصغير الذي ما زال يرقص أمامي بمرح ويهزّ وركيه بابتسامة مشرقة.
أربطه؟ أنا؟ أربط… هذا الشخص؟ حقًا؟
منذ أن بدأت بعيش هذه الحياة، لم أجد نفسي في موقف أكثر إرباكًا من هذا.
حتى عندما جاءت تيرييل فجأة لتعلن أنها تواعد دوفال، لم يكن الأمر صادمًا بهذا الشكل.
لكنني لم أستطع السماح لنفسي بالوقوف مكتوفة الأيدي بينما رينوس يواصل رقصه الغريب.
— بييب، بييب، بييييبب
لم أجد أمامي إلا خيارًا واحدًا. بدلًا من استخدام الحبل، احتضنته وربّتُّ على ظهره بلطف.
أرجوك، اهدأ يا جلالتك… أي نوع من الأدوات السحرية هذا بحق السماء، وكيف انتهى بك الحال إلى هذا؟
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 124"