انهالت الشتائم من كلّ جانب، وتيرييل بقيت في مكانها عاجزةً عن فعل أيّ شيء، مشلولة وسط سيل الإهانات.
بدأت تيرييل تخبط الأرض بقدميها، تنظر إليّ بنظراتٍ مُلِحّة، وكأنّها تستنجد بي — لكنّني أدرتُ وجهي، متظاهرةً بأنّني لم أرَ شيئًا.
وأخيرًا، وقد أوشكت على الانفجار بالبكاء، نادتني تيرييل بصوتٍ يغلبه الحزن:
“سييلا… نحن… نحن صديقتان، أليس كذلك…؟”
لم تكن تسأل لأنّها تجهل الجواب، بل لأنّها كانت بأمسّ الحاجة إلى تأكيد — إلى شيءٍ يثبت لها ذلك.
لكنّني لم أجب.
وبدلًا مني، انفجرت أليس ومجموعتها بالضحك، ثمّ انقضّوا عليها بسيلٍ من الكلمات القاسية.
“هل سمعتِ ما قالته هذه الآنسة لتوّها؟”
“كنتُ أعلم منذ أوّل مرّة رأيتها فيها تمشي متغطرسةً برأسٍ مرفوع. تُرى، أين باعت ضميرها؟ هاه؟”
“كان الأجدر بها أن تشتري لنفسها فستانًا بالمال الذي قبضته مقابل ضميرها. أوه، لحظة — ألم يكن المبلغ كافيًا حتى لفستانٍ واحد؟ كياهاهاها!”
“سمعت أنّها طُردت من أحد البوتيكات لأنّها لم تستطع حتى الدخول إليه؟”
“حقًّا؟ حسنًا، بعد ما فعلته للماركيزة لابرينث، أيّ بوتيك قد يستقبلها؟”
ومع تصاعد حدّة السخرية، لم تستطع تيرييل أن تحتمل أكثر، فانفجرت باكية.
رغم ملابسها البالية، كان جمالها اللافت لا يزال كفيلًا بإذابة قلوب كثير من الرجال — لكن للأسف، لم يشعر أحد في المقهى بالشفقة تجاهها.
بل، على العكس، اعتبرها العاملون مصدر إزعاج، وحاولوا إخراجها من المكان بحجّة أنّها تُفسد أجواء العمل.
في تلك اللحظة تحديدًا، عاد رينوس من القصر الإمبراطوري. وما إن رأى ما يحدث، حتى عبس بانزعاج.
تيرييل، وكأنّها تتشبّث بآخر خيط نجاة لها، نادت بصوتٍ يائس:
“ج-جلالتك…”
لكنّ رينوس لم يُلقِ حتى نظرةً نحوها.
“هلا غادرنا، آنستي؟”
اقترب مني بخطى سريعة، وألقى معطفه على كتفيّ بلطف، ثمّ مدّ يده ليقودني إلى الخارج.
“نعم، يا صاحب السمو.”
وبما أنّ ملامحه لم تُظهر أيّ انزعاج، يبدو أنّ الإمبراطور لم يتحدث بسوء عن النقابة.
عليّ أن أستدرجه لاحقًا لأعرف المزيد.
وقفتُ من مقعدي، وأمسكتُ بيده، مرافقةً إيّاه إلى الخارج. وما إن خطوتُ أولى خطواتي، حتى تعثّرت تيرييل خلفي وهي تهتف:
“م-مهلًا… فقط لحظة…!”
ضحكت مجموعة أليس بصوتٍ مرتفع خلفها.
“لا بدّ أنّها فقدت عقلها. ها هي تلاحقها مجددًا.”
“هل هذه مخلوقة بشريّة أصلًا؟”
“البشر لا يتصرّفون هكذا. لا بدّ أنّها أكلت شيئًا فاسدًا من الأحياء الفقيرة.”
“ربّما تناولت سُمًّا للفئران أو شيئًا مشابهًا؟”
“آه، البعض يُولدون بلا ذرّة كرامة. لا حيلة تُجدي مع هذا النوع.”
لم تستطع تيرييل تحمّل وابل الإهانات القاسي الذي وُجّه نحوها، فهربت من المكان على الفور.
* * *
ذهبت تيرييل مباشرةً إلى المعبد.
فبعد أن تخلّت عنها عائلتها، ونبذها المجتمع، بل وحتى سييلا نفسها، لم يتبقَّ لها سوى المعبد تلجأ إليه.
“أاااه… أااااه…”
“توقّفي فورًا!”
“عرّفي عن نفسك!”
ارتبك الحرس حين رأوا امرأةً بثيابٍ ممزقة تقترب باكية، لكن وجوههم ما لبثت أن تبدّلت حين تعرّفوا على هالتها — إنّها من ذوي قدرة التطهير.
كيف لواحدةٍ من عائلةٍ مؤسسة أن تبدو بهذه الهيئة البائسة؟
تبادلوا نظرات حيرةٍ سريعة.
غير أنّهم سرعان ما تذكّروا تعليمات البابا: إن طلبت الآنسة تيرييل مقابلة، فاسمحوا لها بالدخول فورًا.
فُتح الباب.
توجّهت تيرييل مباشرةً إلى غرفة البابا.
تشبّثت بطرف ردائه، متوسّلة:
“أرجوك… دعني أقابل نوكس…”
“…نوكس مجددًا؟”
ظهر الارتباك واضحًا على ملامح البابا.
لكنه تذكّر أيضًا وصية نوكس الصارمة: إن طلب أيّ فردٍ من العائلات المؤسسة مقابلتي، فدعوه يدخل مهما كانت الظروف.
لم يكن أمامه خيار… فسمح لها بالدخول.
وكانت هناك قاعدة واحدة لا تقبل الاستثناء:
لا يُسمح إلا لزائرٍ واحد في كلّ مرة عند لقاء نوكس.
وبوقاحةٍ لا مثيل لها، طردت تيرييل البابا نفسه من الغرفة، ثمّ ارتمت على المرآة التي سُجن فيها نوكس، وأجهشت بالبكاء والنحيب.
“هُواآاااه، سيدي نوكس! هُواآاااه!”
「……」
ألقى نوكس نظرة ازدراء على مشهدها البائس.
لابرينث، الذي استدعاها، لم تأتِ — لكن هذه الفتاة عديمة الفائدة لا تكفّ عن القدوم، فإلى متى سيستمرّ هذا؟
لم تكن هذه المرّة الأولى التي تأتي فيها تيرييل إلى هنا لتذرف الدموع وتشتكي، بل كانت تفعل ذلك يوميًّا تقريبًا، وبات نوكس يشعر بالإرهاق التام من تصرّفاتها المتكرّرة.
لا حيلة لي حيال هذا…
لو أنّه اتّبع رغبته، لقال لها بصريح العبارة ألاّ تطأ هذا المكان مجدّدًا، لكنّه يعلم أنّ عائلة بوريتينا كانت إحدى الأوراق الأساسيّة التي سيحتاج إليها في الأيام القادمة.
لذلك، حاول نوكس — رغم انزعاجه — أن يحافظ على هدوئه ويُخاطبها بنبرةٍ لينة:
「وما المشكلة اليوم؟」
“سييلا… لم تُجب على سؤالي حين سألتها إن كنّا لا نزال صديقتين!”
لكن ما إن نطقت تلك الجملة، حتى تخلّى نوكس عن محاولاته للتهدئة.
هل جنّت؟ بحقّ السماء، ما خطبها؟
أن تبكي كما لو أنّ العالم قد انهار من أجل أمرٍ تافه كهذا — لولا قدرتها على التطهير، لكان قد محاها على الفور.
حين أخرج من هذه المرآة، ستكونين أوّل من أقتله.
وبينما كانت تيرييل تواصل شكواها، لم تكن تدري شيئًا عن نواياه القاتلة التي تغلي في داخله.
“صاحب السموّ وليّ العهد، ودوق جاستيس، وكلّ السيّدات النبيلات الأخريات — الجميع يكرهني! لماذا يكرهونني جميعًا؟! أنا أيضًا أنحدر من عائلةٍ مؤسسة، شأنها شأن سييلا!”
「……」
“سييلا… آآ… تتلقّى الحب والمديح دومًا، آآهه… أمّا أنا… فأتلقّى الازدراء والكره فقط.
أريد أن يحبّني الآخرون أيضًا… آآهن…”
「……」
“أريد أن أعيش مثل شخصٍ من عائلةٍ ثريّة ومرموقة كعائلة لابرينث… آآ… محاطة بأصدقاء يحبّونني… أريد حياةً كهذه… واآاااه واآاااه واآاااه! واآاااه، واآاااه!”
كان نوكس محتجزًا في المرآة، لا يستطيع المغادرة، وإن أراد الاستماع أكثر، فهو على شفا الانفجار من الغضب.
وأخيرًا، لم يعد يحتمل، فسألها ببرود:
「هل تريدين منّي أن أحقّق لكِ ذلك؟」
“هُواآاااه… هُواآاااه… هُواآاااه… م-ماذا؟”
توقّفت تيرييل عن البكاء فجأة، تلهث وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة.
رفعت عينيها المنتفختين، ونظرت للأعلى، فرأت وجه نوكس وقد بان عليه الضيق الشديد، عاجزًا عن إخفاء انزعاجه.
「أعني، إن وضعتُكِ ضمن عائلةٍ نبيلة ومرموقة كما ترغبين، هل سيكون هذا كافيًا؟」
“ماذا تقصد؟”
لم تفهم تيرييل مقصده، فبقيت تحدّق فيه بعينين متسائلتين.
وبدلًا من أن يوضّح، طرح نوكس سؤالًا آخر:
「والدكِ… كان من العامّة، وقد مات، أليس كذلك؟」
“آه، نعم… ولكن كيف عرفت…؟”
「استدعي البابا فورًا.」
تجاهل نوكس سؤالها كليًّا، وأمرها بجلب البابا.
وما إن خرجت ودخل البابا، حتى بدأ نوكس — وهو لا يزال في مزاجٍ سيّئ — يطرح سؤاله دون مقدمات:
「ما العائلة النبيلة التي تضاهي مكانة لابرينث وتفوقها؟」
“لماذا تسأل عن أمرٍ كهذا فجأة—”
「أجبني.」
استشاط نوكس غضبًا من نحيب تيرييل السابق، وفعّل قدرته. فسقط البابا تحت تأثير سحره فورًا، وردّ بعينين فارغتين:
“العائلات التي تفي بالشروط هي… عائلة أبشلكتي، وعائلة جاستيس، وعائلة تشيريش…”
「أبشلكتي لم تعد موجودة، وجاستيس لا يخضع لسحري… تشيريش هي الخيار الأنسب.
استدعِ ماركيز تشيريش حالًا.」
أومأ البابا برأسه ببطء، وقد سيطرت عليه قدرة نوكس تمامًا.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 122"