لقد بدّد ثروة العائلة من قبل وطُرد من المنزل، ومع ذلك، لم يكتفِ، بل شوّه سمعتها أيضًا.
كان يظن أن إبعاده عن ناظريه سيجلب له الراحة، لكن ما شعر به لم يكن إلا ألمًا أشبه بسكب الحمم على جرح مفتوح.
ظل الكونت إيسيت يحدّق في دوفال مطولًا، ثم فجأة، سحق الرسالة الرسمية، التي كانت في يده، من مكتب إدارة أرجينتايم.
وبعد أن رمق دوفال بنظرات حارقة لفترة، صرخ غاضبًا:
“يا كبير الخدم! كبير الخدم!!”
“نعم، سيدي!”
دخل كبير الخدم وهو يلهث، وقد بدا عليه الإنهاك من محاولة تهدئة الخدم الذين يفكرون في الهرب بسبب التدهور المالي للأسرة وعدم انتظام الأجور.
لكن حتى بعد أن ناداه، لم يستطع الكونت السيطرة على غضبه المتصاعد، فأخذ يلهث لعدة لحظات حتى احمرّ وجهه كليًا، ثم أشار إلى دوفال وهو يصرخ بانفعال:
“احبسوه فورًا في غرفته! ولا تسمحوا له بالخروج أبدًا حتى آذن أنا بذلك!”
فهو لا يستطيع أن يضربه حتى الموت، لكونه ابنه، ولا يستطيع كذلك تركه طليقًا ليعبث كما يشاء، فلم يكن أمامه سوى خيار الحبس المنزلي.
اتسعت عينا دوفال من الصدمة.
لقد عاد إلى المنزل وهو يُخفي في داخله شيئًا من السرور، عازمًا على تملّق والده ليحظى بمكانة تُقصي غريمه جيرالد، الطامع في وراثة اللقب.
لكن أن يُسجن في غرفته؟ لقد أظلمت الدنيا في عينيه.
“أبي، لقد أخطأت، أرجوك! أبي!”
ألقى بنفسه عند قدمي الكونت وتشبث بطرف بنطاله، متناسيًا كبرياءه تمامًا.
لكن الكونت لم يُبدِ أدنى شفقة.
تمامًا كما طرده من قبل، لم يرف له جفن وهو يأمر بحبسه. بل ربط مقبض الباب بسلاسل محكمة، ولم يترك سوى فتحة صغيرة لإدخال الطعام.
“أبي! أااااابي!!!”
ومع صرخاته اليائسة، استدار الكونت ومضى دون أن يلتفت.
في الحقيقة، لم تكن حالة “رايلا” أفضل من دوفال، فقد حُددت لها فترة احتجاز مشابهة، وتم حبسها في غرفتها حتى لا تقدم على حماقات أخرى.
وبعد أن حبس كلا من ابنه وابنته عديمي النفع في غرفيهما، توجّه الكونت مباشرة إلى القصر الإمبراطوري.
فلا يزال لديه ورقة رابحة تُدعى “جيرالد”. وإن تمكّن من تجاوز هذه الأزمة، فبإمكانه أن يعيد بناء مجد أسرة إيسيت من خلاله.
لكن لتحقيق ذلك، كان عليه أولًا تهدئة غضب الإمبراطور تجاه العائلة.
لذا، أقدم على تقديم كل ما تبقّى له من مال كرشاوى، ليظفر أخيرًا بشرف المثول أمام جلالة الإمبراطور.
وما إن وصل إلى قاعة العرش، حتى انبطح أرضًا أمام الإمبراطور، الذي لم يُخفِ امتعاضه منه.
“جلالتك، أرجوك أن ترأف بعائلة إيسيت. فالفاعل الحقيقي في هذه الفضيحة المتعلقة بالخطوبة الأخيرة ليس من تظن!”
“فاعل حقيقي آخر؟”
“نعم، جلالتك.”
انحنى الكونت إيسيت أكثر، وقد بدا الغيظ في صوته لمجرد التفكير بالأمر.
“إنها من فعل نقابة شريرة تُدعى عصابة التلاعب بالحب في سيل.”
“……”
عند سماع الإمبراطور لتلك الكلمات، ومجرد ذكر “نقابة التلاعب بالحب في سيل”، لمعت عينه للحظة، لكن الكونت، الذي كان رأسه ما زال منحنيًا، لم يلحظ ذلك، وأكمل حديثه قائلًا:
“بعد التحري، تبيّن أن زعيم تلك العصابة كان يُكنّ حبًا من طرف واحد للماركيزة الصغيرة لابرينث، فحقد على ابني، ومن ثم ارتكب تلك الأفعال المشينة بهدف تشويه سمعة عائلة إيسيت.”
“……”
“صحيح أن تقصيري في أنني لم أتحقق من الأمر مسبقًا ولم أتمكن من منعه، لكنني أرجو من جلالتكم أن تتفهموا هذا الوضع بعقل متسع وروح متسامحة.”
أجاب الإمبراطور بعد برهة من الصمت وهو يستغرق في التفكير:
“أتقول إن نفوذ تلك النقابة قد توسّع إلى درجة أنها باتت قادرة على دخول القصر الإمبراطوري؟”
ثم أردف بنبرة مريبة:
“أم أن بين كبار النبلاء من هو متورّط؟”
“لم نتوصل بعد إلى دليل قاطع على ذلك، غير أني، بالنظر إلى كيف تجرؤوا على إحداث الفوضى في قصر الياقوت، أكاد أجزم بوجود متواطئ في الداخل.”
توهجت عينا الكونت الغاضب وهما تتقدان بتصميم شرس.
“أرجو من جلالتكم أن تُخصصوا لي بعض الرجال. إن فعلتم، فسأبحث وأفتش حتى أستخرج الحقيقة كاملة، وأقدّم لكم أولئك الأوغاد الجاحدين بيديّ.”
لم يكن طلبه هذا خاليًا من مشاعر شخصية، بل كان حقده واضحًا في نبرة صوته.
في الحقيقة، لم يكن الكونت إيسيت النبيل الوحيد الذي يحمل الضغينة تجاه “نقابة التلاعب بالحب في سيل”. فقد كان هناك الكثير من النبلاء الذين يكنّون لها الكراهية، إذ كانت تلك النقابة تكشف خياناتهم الزوجية وتفضحهم علنًا.
حتى النقابات التي كانت تسعى إلى التستر على تلك العلاقات الآثمة، لم تنجُ من يدهم. لا أحد يعلم كيف، لكن عناصر نقابة سيل يظهرون في كل مكان، شرقًا وغربًا على حد سواء.
وكان ذلك راجعًا إلى دعم برج السحر لـ«لومينوس» عبر تزويدهم بأدوات سحرية متطورة، مما رفع قدرتهم على كشف الخيانات بدرجة كبيرة — إلا أن النبلاء لم يكونوا على علم بهذه التفاصيل.
ولأنهم عجزوا عن مواجهتها، تكدّست في صدورهم مشاعر الغيظ والحنق.
ولذلك، لو أعلن الإمبراطور يومًا عزمه على اقتلاع جذور تلك النقابة، لوجد الكونت من يساعده من كل حدب وصوب.
وكان الكونت إيسيت يخطط لاستغلال هذه الفرصة لتوسيع شبكة علاقاته، وفي الوقت نفسه، لإعادة إحياء مكانة أسرته.
ولكن…
“هممم…”
لم تكن ردة فعل الإمبراطور كما توقع الكونت؛ إذ لم يوافق على الفور، بل بدا مترددًا، على غير المتوقع.
رفع الكونت رأسه ببطء وهو لا يزال منحنيًا على الأرض. بدا أن الإمبراطور غارق في تفكير عميق.
ثم بعد لحظات، أمر باستدعاء رينوس. وما إن حضر الأخير، حتى همس له الإمبراطور بصوت منخفض لا يكاد يُسمع:
“أريد أن أرى بعينيّ من يكون زعيم نقابة سيل. هل تستطيع إحضاره من دون إثارة ضجة؟”
“……!”
لأول مرة، ظهرت الدهشة على وجه رينوس الذي اعتاد أن يظل جامد الملامح في كل الأحوال. لكن تلك الدهشة كانت خاطفة إلى درجة أن الإمبراطور لم يلحظها.
وما إن استعاد رينوس رباطة جأشه حتى أجاب بهدوء:
“لو ذهبت مع الجنود فسيتسبب ذلك بضجة، لذا سأذهب بمفردي.”
“هل ستكون بخير؟ يقال إن زعيمهم شخصية شديدة الخبث، وإن كانت الشائعات دائمًا ما تُضخّم الأمور.”
“ليست تلك الشائعات صحيحة. أنا أعرفه شخصيًا.”
وما إن أنهى حديثه حتى غادر قاعة العرش بخطى سريعة، كما لو كان يهرب من مطاردة.
في هذه الأثناء، ظل الكونت إيسيت ساكنًا في مكانه، جاثيًا برأسه. كان يدرك أن الإمبراطور وولي العهد يتبادلان حديثًا، لكنه لم يتمكن من سماع شيء بسبب انخفاض الصوت.
وبعد انتظار طويل، تحدث الإمبراطور أخيرًا بصوت ثقيل:
“لا حاجة لأن يتحرك الكونت.”
رفع الكونت إيسيت رأسه وقد بدا عليه الذهول. ظن أن حججه لم تكن كافية فأراد إضافة ما يدعم موقفه، إلا أن الإمبراطور قاطعه بنبرة حاسمة:
“هل هذا كل ما لديك؟”
“ماذا؟ نعم، نعم، هذا كل ما لدي… لكن…”
وقبل أن يتم حديثه، اقترب الخادم ورفع الكونت من مكانه، في إشارة واضحة إلى أن عليه المغادرة.
ما الذي يحدث؟ لماذا لم يتحرك الإمبراطور ضد نقابة سيل؟
ألم تُرفع إليه عرائض لا تُحصى من النبلاء الآخرين سواه؟
هل يمكن أن تكون الشائعات التي يتناقلها البعض صحيحة؟
هل يفكر جلالة الإمبراطور في استخدام هذه النقابة الشريرة للقضاء فعليًا على ظاهرة الخيانة المنتشرة في الإمبراطورية؟
كان الكونت مذهولًا، لكنه لم يكن يملك الجرأة للاعتراض.
وما كان أمامه سوى العودة إلى منزله خالي الوفاض، دون أن يحقق أي شيء يُذكر.
* * *
“إقناع الضحية بتقديم مقال للصحيفة كان قرارًا ممتازًا بالفعل.”
غرفة زعيمة نقابة “التلاعب بالحب في سيل”.
كنت شبه مستلقية على الأريكة، أُجيب ليدر بابتسامة عريضة على وجهي:
“أجل، أجل. أحسنت عملًا.”
ربما لم يكن أحد ليشك في الأمر، لكن الحقيقة هي أن المقال المنشور في الصحيفة، الذي هاجم “ديف”، كان من تدبيري بالكامل.
بتعليماتي، تتبّع ليدر الصحفي الذي كان ديف قد شوّه سمعته العام الماضي، وأقنعه بنشر مقال، مع وعد مؤكد بحماية هويته.
“لقد سارت الأمور كما أردت تمامًا.”
بفضل ذلك، أصبح “رينوس” ولي العهد الذي يجسد العدالة بيده، بعد أن سحق الشر بصرامة. وليس هذا فحسب، بل كسبت أيضًا بيتًا كاملًا مجانًا بفضل رهان أحمق مع أحد النبلاء الحمقى.
كنت أنوي هدم ذلك المنزل وبناء متجر فاخر مكانه، لكن ذلك الأرستقراطي ترجاني أن أُبقي عليه باعتباره منزلًا عتيقًا يحمل تاريخًا عريقًا. فقررت أن أُبدي بعض الرحمة.
قلت له: إن أردت استعادة منزلك، فأحضر لي مبنى آخر يليق بتحويله إلى متجر راقٍ.
“لا شك أنه يركض الآن كمن اشتعلت النار في قدميه.”
“أحسنت حقًا.”
كررتُ العبارة مجددًا وأنا أُربّت على دمية ولي العهد التي كنت أحتضنها، معبرة عن سعادتي العارمة.
عندها، تمتم ليدر بامتعاض:
“من النادر أن تثني عليّ بهذا الشكل… لكن، سؤالي: هل هذه الدمية تمثل حقًا سمو ولي العهد؟”
“لن أخبرك.”
“تُلقين اللعنات على ولي العهد نفسه؟ يا إلهي… كما هو متوقع من الزعيمة، لا أحد يُضاهيكِ هيبةً.”
“إنها مجرد سلعة ترويجية لا أكثر. بالمناسبة، كيف تسير الأمور بينك وبين ماي؟”
“…رأيتها للمرة الثانية، منذ يومين فقط.”
قال ذلك، ثم تظاهر بعدم المبالاة وسارع بالخروج، لكني لم أغفل عن احمرار خفيف في أذنه… يبدو أن “ماي” قد نالت إعجابه.
“ولا تبدو ماي وكأنها تكرهه أيضًا… أتساءل ما الذي سيحدث بينهما.”
خطرت ببالي فجأة صورة “ماي” وهي تصرخ بكل حماس: “القبلة هي بداية كل علاقة رومانسية!” هل يُعقل أن يكونا قد تبادلا القُبَل بالفعل؟
أنا لم أقبّل رينوس على شفتيه بعد.
“هل سيكون الإحساس هكذا؟”
رفعت دمية ولي العهد وبدأت أُقبّلها مرارًا. همم… إنها خشنة قليلًا، لكنها ناعمة الملمس أيضًا.
… تُرى، هل شفاه “رينوس” ستكون ناعمة أيضًا؟ أم خشنة؟ ربما متشققة… فهو دائم الانشغال، ولا وقت لديه لترطيبها.
على أي حال، رأيت أن الفرصة مناسبة للتدرّب على القبلة. سأعترف له وأقبّله في اللحظة ذاتها.
أغمضتُ عينيّ وبدأت أُقبّل دميتي بتركيز شديد.
لكن في تلك اللحظة تمامًا—
“س-سيّدتي! سيّدتي!!!”
اندفع جميع أعضاء النقابة إلى غرفتي دفعة واحدة—جميعهم، دون استثناء. هاه؟
جلست فورًا بردّة فعل تلقائية. وكان ليدر، الذي كان يلهث في مقدمة المجموعة، أوّل من نقل إليّ الخبر الصادم:
“و-ولي العهد! سمو ولي العهد قد جاء! ويطلب رؤيتكِ!”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 118"