ضغطت تيرييل بقوة على المنديل الذي كانت تمسك به. لقد سهرت الليالي وهي تغرز خيطًا تلو الآخر، تطرّزه بيديها خصيصًا لتقدّمه إلى وليّ العهد.
منذ أن عادت من المعبد مؤخرًا، وقلبها قد سُلب تمامًا من قبل رينوس.
«ه-هذا الشخص هو…؟»
حين رأت صورة وليّ العهد لأوّل مرة عبر نوكس، كادت تُغشى عليها من الصدمة.
لطالما ظنّت أنه مجرد وحش، فإذا به رجل فائق الوسامة! بل والأدهى من ذلك… كان وجهًا مألوفًا.
إنه الفارس الأشقر الوسيم، الذي لطالما رافق سييلا، والتي كانت تشير إليه دومًا بلقب “فارس من المعبد”.
ووفقًا لما سمعته من الشائعات، فهو ليس وسيمًا فحسب، بل يمتلك شخصيةً جديرة بالإعجاب أيضًا.
فقد سامح الآنسة من عائلة ماركيز تشيريش، التي وجّهت له الإهانات، مما دلّ على سعة قلبه ورحمته.
«لا يمكن… هذا غير معقول…»
حدّقت تيرييل في صورته مطولًا، ثم قبضت على يديها بإحكام دون أن تشعر.
لو كانت تعلم أنه هو وليّ العهد، لما كانت لتفرّ منه بهذه الطريقة. كانت ستنصاع بكل سرور لأمر الإمبراطورة بأن تبني علاقةً جيدة معه…
شعرت بالألم يعصف بصدرها، لكنها تشبثت بأملٍ صغير. ما زالت هناك فرصة.
قالت لها مرآة نوكس إنّها الوحيدة القادرة على إنقاذ وليّ العهد.
فهي وحدها، بقدرتها على التطهير، تملك القوة لتحريره من لعنة التنين الشرير.
「أؤكد لكِ، إن تلقّى قوتكِ ولو لمرة واحدة، فلن يستطيع أن يشيح بنظره عنكِ أبدًا.」
وقد صدّقت تيرييل كلمات نوكس.
بل آمنت بكل ما قاله لها، تمامًا.
«قال إنّ وليّ العهد سيتحوّل إلى التنين الشرير في فترة القمر الياقوتي هذه…»
لذا، إن صبرت قليلًا، فسيأتي هو بنفسه للبحث عنها، راغبًا في الخلاص من اللعنة. كانت تيرييل تنتظر تلك اللحظة بقلب يفيض بالتوق.
ولكن…
«أتسألين إن كان لوليّ العهد حبيبة؟ حسنًا، يبدو أن أقرب مرشحة هي الآنسة لابرينث، الابنة الصغرى للماركيز.»
«ألم يبدأ ظهوره الرسمي من حفلة تهنئتها؟»
«هل سمعتِ؟ يقال إن سموّه طرد رجلاً حاول التقدّم لخطبة الآنسة لابرينث!»
…هل سيأتي إليّ حقًّا؟
في لحظة واحدة، تزعزعت ثقتها التي كانت صلبة كالصخر. عضّت تيرييل شفتها السفلى بإحباط.
حتى الكونت الصغير إيسيت، والدوق أبشلكتي، ووليّ العهد نفسه… جميعهم لم ينظروا سوى إلى سييلا.
كانت تشعر بالغيرة، والحزن يعصف بها.
في نظر تيرييل، كانت سييلا دائمًا فتاةً متألقة تشعّ نورًا. ولهذا لطالما أعجبت بها، وتمنّت أن تكون مثلها.
ولكن…
«لماذا لا أستطيع أن أكون مثل سييلا؟»
مهما حاولت تقليدها، لم تكن تصل إلى مستواها.
بل على العكس، كلما حاولت الاقتراب منها، شعرت أنها تُقارن بها، وكأنها تُسحب إلى قاع موحل.
ومن دون أن تعي أن ما تشعر به هو عقدة نقص، شعرت تيرييل بالكآبة. راودها شعورٌ بالعجز جعلها تقضي يومها كله في حزنٍ عميق.
وفي ذلك الحين، جاء نوكس ليغذّي تلك المشاعر.
كان يحرص على ألا تعود تيرييل إلى اللجوء إلى “ذلك العشب” الذي كانت تلجأ إليه كلما أصابها القلق، فأخذ يُطمئنها بأن كل ما تتمناه سيتحقق.
«أيعني هذا… أن بإمكاني أن أكون شخصًا رائعًا مثل سييلا؟!»
「بالطبع.」
«وأن أحظى بعلاقة حب جميلة مع سموّ وليّ العهد؟!»
「إن اتّبعتِ كلماتي، فذلك ممكن، بل أكثر من ممكن.」
تألّقت عينا تيرييل بسعادة حين سمعت هذه الكلمات المليئة بالأمل.
وهكذا، بعدما أعاد نوكس إشعال الشمعة التي أوشكت على الانطفاء، منحها أمرًا جديدًا:
「وليّ العهد مهم، نعم… لكن عليكِ أيضًا كسب قلب دوق جاستيس.」
«دوق… جاستيس؟»
رمشت تيرييل بدهشة. رغم جهلها بأمور المجتمع النبيل، إلا أنها كانت تعرف جيدًا من هو دوق جاستيس، نظرًا لغرابته التي اشتهر بها.
رجلٌ ذو هيئة طفل، بسبب آثار جانبية لقوته، يكره بذل الجهد ويجد كل شيء مزعجًا.
قيل إنه لا يتحدث إلا إلى سييلا، ويتجاهل حديث جميع النبلاء الآخرين.
حتى الرسالة التي أمرته بحمايتها من التنين الشرير تجاهلها تمامًا.
«لماذا… وكيف يُفترض بي أن أكسب قلبه؟»
سألت تيرييل بتردد، فأجابها نوكس بصوتٍ هادئ:
「ألم أخبركِ؟ إن تحوّل وليّ العهد فعلًا إلى تنين شرير، فالشخص الوحيد القادر على حمايتكِ هو دوق جاستيس. عليكِ أن تجعليه يرغب في حمايتكِ.」
«لكن… هل يجب أن يكون دوق جاستيس تحديدًا؟ أليس بمقدور سييلا أن تحميني هي أيضًا…؟»
「أتعتقدين حقًا أنها ستسعى لحمايتكِ؟」
عند سماع ذلك، لم تستطع تيرييل الردّ.
منذ أن أدركت أنها لم تُدعَ إلى حفلة تهنئة سييلا، راودها شكّ لم يفارق ذهنها.
«هل أنا وسييلا… صديقتان حقًا؟»
كانت سييلا تؤكد ذلك دومًا، لكن مؤخرًا… بات الأمر يبدو غير ذلك.
حين رأى نوكس أن تيرييل لم تستطع التفوّه بكلمة واحدة وقد خيّم الشحوب على وجهها، ابتسم برضى ظاهر.
「إذا اتبعتِ كلامي جيدًا، سأمنحكِ كلّ ما ترغبين به. لذا، تحرّكي الآن، هيا بسرعة.」
وبلا خيار آخر، قررت تيرييل اتّباع تعليمات نوكس.
بدأت أوّلًا بتطريز منديل بعناية كبيرة، عازمة على إهدائه إلى رينوس تعبيرًا عن مشاعرها. ثم انتظرت في زاوية غرفة الانتظار على أمل أن تراه، لتسنح لها فرصة إعطائه المنديل بسرعة قبل أن يلاحظ أحد.
لكن…
«ليست لديّ نيّة في قبول أيّ منديل سوى ما قدّمته الآنسة لابرينث.»
رفض رينوس ذلك ببرود قاطع.
ظلت تيرييل تعبث بالمنديل الذي بات بلا مستلم، وقد خيّب الأمل قسمات وجهها.
كنتُ أودّ حقًّا أن أقدّمه لسموّه…
في تلك اللحظة، ظهر روبليت أمامها، وقد بدت عليه ملامح الإرهاق.
«يا دوق! من فضلك، خذ منديلي!»
«أتوسّل إليك، خذ منديلي!»
كانت خلفه مجموعة من الآنِسات يحملن مناديل مطرّزة، يتبعنه بخجل وتردّد.
في الواقع، وبسبب قدراته الخارقة، لم يُسمح لروبليت بالمشاركة في بطولة المبارزة حفاظًا على العدالة.
لكنّ ذلك لم يمنع الفتيات من بذل الجهد لتقديم مناديلهنّ له.
صحيحٌ أنه يبدو كطفل… لكن ما المشكلة؟
فهو دوق على أيّة حال!
لو قبل فقط، فذلك سيكون مكسبًا عظيمًا!
غير أن تعابير روبليت لم تكن تعكس الحماسة أو الاهتمام، بل بدا وكأنه يتمنى لو يختفي عن الأنظار فورًا.
مزعج. ممل. غير مريح.
الآنسة الوحيدة التي كان يرغب أن تهديه منديلًا لم تلتفت إليه حتى، أما الباقيات فكنّ كالنحل حول العسل، مما أثار أعصابه.
لكن، ونظرًا لأن تعابيره لم تختلف كثيرًا عمّا اعتاد الناس عليه، لم يلحظ أحد شعوره الحقيقي. ولهذا، قرّرت تيرييل أن تتحلّى بالشجاعة.
السيد نوكس قال إن عليّ كسب قلب دوق جاستيس أيضًا…!
إذن، عليّ تقديم هذا المنديل للدوق!
وبينما كانت الفتيات يتدافعن خلفه، اندفعت تيرييل من زاويتها وظهرت فجأة أمامه.
ولِتتجنّب أن تُدفع جانبًا من قِبل الفتيات، ذهبت إلى أبعد من ذلك وأمسكت بذراعه بينما كان يمر.
«يا… يا دوق!»
وكانت النتيجة كارثيّة.
كاااانغ!
«…ما هذا؟»
«……!»
شعرت بألمٍ حاد في عنقها حيث خُدش بخفّة. نظرت تيرييل بعينين مرتجفتين نحو روبليت الذي صوّب سيفه نحوها.
كان ينظر إليها بنظرة ممزوجة بالضيق والانزعاج، مستاءً من لمسها له دون إذن.
فهو، وإن كان يحب أن يُعامل ببساطة، يرفض تمامًا أن يلمسه أحد دون موافقته.
«آه…»
اعترتها رهبة مميتة، جعلت حتى التنين الشرير يبدو أقل رعبًا. لم تستطع الحراك، بل أخذت ترتجف بشدّة.
ولم تنطق بحرف، حتى نزف عنقها قليلًا من أثر الخدش، فتمتمت أخيرًا بصوتٍ خافت:
«أنا… اسمي تيرييل… في الحقيقة…»
«آه، تلك التي تُدعى تي… شيء ما من هذا القبيل.»
كان قد رآها سابقًا في إحدى الحفلات، لكنه لم يرَ ضرورة لتذكّرها. وحتى اسمها الذي ذكرته سييلا، نسيه على الفور.
أعاد روبليت سيفه إلى غمده، دون أن يخفف من حذره، ثم سألها بصوتٍ واضح فيه الضجر:
«ما الأمر؟»
«حسنًا… لقد قيل لي في المعبد إنّ هناك خطرًا من أن أتعرّض لأذى على يد التنين الشرير، لذا… قالوا إنه عليّ البقاء بجوارك، ولذلك…»
«آه.»
تنهد روبليت ببرود، ثم مرّ بجانبها وكأنها لا وجود لها، وقال بصوت عابر:
«أنتِ لستِ المقصودة.»
«…ماذا؟»
حاولت أن تسأله عمّا يعنيه، لكنه كان قد ابتعد دون أن يلتفت إليها، حتى لم يمنحها نظرة أخيرة.
أما الفتيات اللواتي تبعنه، فقد رمقن تيرييل بازدراء، وبدأن يتعاقبن في التعليق:
«ما هذا؟…»
«أعتقد أنها فقدت عقلها.»
«إن كانت مجنونة، فلتكن مجنونة في مكانها! لماذا تزعج دوقنا؟»
«ألم تسمعي؟ من أيّام حفلة نجمة الصيف والجميع يتحدث عن أنها غير طبيعية. إنها من الأحياء الفقيرة، ويبدو أنه لا يمكن معاملتها كباقي النبلاء.»
كانت كلّ كلمة منهنّ كطعنة في صدر تيرييل. لو كانت سييلا هنا، لَقَنَّتهن درسًا قاسيًا…
لكن سييلا لم تكن إلى جانبها الآن. شعرت بأن صدرها بات فارغًا، فكتمت غيظها وعضّت على شفتيها.
لكنّها في النهاية لم تستطع الاحتمال، فانفجرت بالبكاء في تلك اللحظة.
* * *
«متى ستعود الآنسة يا ترى؟»
في تلك الأثناء، كانت “ماي”، خادمة سييلا، تجلس في المقاعد الفاخرة المخصصة لكبار الشخصيات في بطولة المبارزة، وقد طال عنقها من طول الانتظار، تترقّب عودة سييلا.
«أتمنى أن تكون قد سلّمت المنديل كما ينبغي…»
خطر ببالها مشهد الآنسة وهي منفعلة، تمسك بالمنديل الملطّخ ببصمات يديها، وتصرّ على أنها يجب أن تجعله جميلًا قدر المستطاع، لأن سموّ وليّ العهد لا بدّ وأنه سيتلقى عددًا لا يُحصى من المناديل، ولهذا يجب أن يكون منديلها الأجمل على الإطلاق.
«لكنني واثقة أن سموّه لن يقبل إلا منديل الآنسة.»
رسمت ماي ابتسامة لا إرادية على شفتيها، وهي تتذكّر مدى قلق الآنسة حينها، رغم أن الأمر لم يكن يستدعي كل ذلك التوتّر.
أن تتمكّن الآنسة من كسر خطوبتها من “إيسيت”، الذي كانت مغرمة به إلى حدّ الجنون، كان بحدّ ذاته معجزة من السماء.
كما يقولون… ذهبت العربة الرديئة وجاءت العربة الجديدة.
لكنها لم تكن تعرف أين ذهبت سيدتها بالضبط. فالمباراة قد بدأت بالفعل، لذا من غير الممكن أنها ما تزال تتحدّث مع أحد… فهل يُعقل أنها لم تجد مقعدها؟
«مرحبًا.»
فجأة، انبعث صوت رجل من جانبها.
وحين التفتت برأسها، رأت رجلًا أنيقًا يقف هناك. تعرفه جيدًا، فقد رأته أكثر من مرة حين رافقت سيدتها إلى شركة “لومينوس” التجارية.
كان يُدعى “لاز”، إن لم تخنها الذاكرة، ويبدو أنه كان رئيس شركة “لومينوس”، أو شيئًا من هذا القبيل.
«لكن الآنسة كانت تناديه “ليدر”…»
هل كان اسمًا خاصًا؟ لا بأس، فالأصدقاء المقرّبون ينادون بعضهم أحيانًا بأسماء خاصّة.
أومأت ماي بتحية مهذّبة.
«مرحبًا بك.»
«هل يمكنني الجلوس بجانبكِ؟»
«هذا المقعد للآنسة، أليس لديك مقعد مخصّص؟»
وعلى عكس المقاعد العادية، كانت مقاعد كبار الشخصيات جميعها محدّدة مسبقًا، ولهذا سألت ماي باستغراب. لكن ليدر سارع إلى توضيح الأمر:
«آه، لا، لا. الرئي… أقصد، الآنسة قالت إنها ستذهب لبعض الوقت، وطلبت مني أن أكون رفيقًا لكِ مؤقّتًا.»
«آه، فهمت.»
اقتنعت ماي أخيرًا، وأشارت له بالجلوس.
جلس “ليدر” على مقعد سييلا متردّدًا، وكأنّ القلق يملؤه، لكن، ما لبث أن ارتكب زلة لا تُغتفر حين قال، ربما لأنه لم يعتد الحديث مع النساء منذ وقت طويل:
«أنا… ليس لديّ حبيبة.»
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
الواتباد : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "115"