إذا كان ما قاله روبليت صحيحًا، فهل يعني ذلك أن رينوس سيقتلني؟
اختتم روبليت حديثه بنبرة تملؤها الثقة:
«لأنّي رأيتُ ذلك في حلم.»
«…أتقول إنك رأيتَ في حلمك أنني قتلتُ الآنسة؟»
«أجل، هذا ما أعتقده.»
ردّ لوبيليت بحدّة، ثم أردف:
«رغم أنّ الأمر قد يختلف بناءً على طبيعة العلاقة بين سموّ الأمير ودوق أبشلكتي.»
«…هاه.»
ضحك رينوس بسخرية باردة، ثم مرّر يده بعنف بين خصلات شعره. كانت عيناه الذهبيّتان أكثر قتامة من أيّ وقت مضى.
تمتم من بين أسنانه المشدودة:
«دوق، هل فقدتَ صوابك؟»
«بل، على العكس، أنا في كامل قوايَ العقليّة.»
«إذًا، فقد تجاوزتَ حدودك كثيرًا. أتقارن حلمك هذا بالواقع؟»
«كلّ ما أطلبه هو أن تُخبرني بطبيعة علاقتك بدوق أبشلكتي، لا أكثر.»
لم يتراجع روبليت قيد أنملة. ومع تصاعد حدّة التوتّر بينهما، عضضتُ شفتي بصمت.
وبما أنّ روبليت سريع الملاحظة، ربّما كان يشتبه بأنّ الشخصين في الحقيقة واحد، لكنه بدا عاجزًا عن التأكيد بسبب سحر الدوق الذي ما يزال يأسره، فظلّ يدور في حلقة مفرغة.
«لا يمكن أن يستمرّ هذا.»
إذا استمرّ الوضع على هذا النحو، فنحن على وشك شجار كبير أن ينفجر، فتقدّمتُ على عجل ووقفتُ بينهما.
«لحظة من فضلكما.»
توجّهت أنظارهما نحوي فورًا. أدرتُ ظهري لرينوس مع تجعيدة طفيفة بين حاجبيّ، ثم وبّختُ روبليت.
«ألا تظنّ أنّ حديثك مع سموّه تجاوز حدوده؟»
فتح روبليت فمه ليعترض، لكنه أغلقه مجدّدًا. وعلى عكس وقفته الصارمة أثناء الجدال، خفض بصره نحو الأرض بصمت.
كنتُ أتوقّع منه اعتراضًا مباشرًا، ففوجئتُ قليلًا. واصلتُ الحديث، موجّهةً كلامي إلى روبليت الذي بدا وكأنّه انكمش قليلًا:
«منذ متى أصبحت عائلة جاستيس معروفة برؤى الأحلام المستقبليّة؟ ليست لديك أدلّة كافية لتوجيه هذا الاتّهام إلى سموّه. أعلم أنّك صُدمت من الحلم، لكنّ ما قلته يُعدّ إهانةً سافرة، قد تُعرّضك للمساءلة بتهمة الإساءة إلى العائلة المالكة.»
«…»
«قدّم اعتذارك إلى سموّه فورًا.»
«…»
عضّ روبليت شفته السفلى، مظهرًا بوضوح عدم رغبته في الاعتذار. لكن، حين رمقته بنظرة صارمة تحثّه على الإسراع، انحنى رأسه بتردّد.
«…أعتذر.»
كان اعتذارًا يخلو من أيّ صدق.
ورغم أنّه وُجّه إلى فرد من العائلة المالكة، ما جعله في غاية الوقاحة، إلا أنّ رينوس لم يُعلّق عليه. أو بالأحرى، بدا وكأنه لا يريد أن يكلّف نفسه حتى الردّ.
وبما أنّ المسألة هدأت نسبيًا من هذا الجانب، استدرتُ نحو رينوس، وضممت كفّيّ وانحنيت له بأدب.
«أعتذر لتدخّلي في الحديث، يا سموّ الأمير، لكن بدا لي أنّ النقاش خرج عن السيطرة، فشعرتُ بضرورة التدخّل.»
«…هوو، لا بأس.»
نظر إليّ رينوس بوجه متوتّر، ثم زفر نفسًا عميقًا محاولًا تهدئة أعصابه.
«كنتُ من انفعَل أكثر من اللازم. نعم… لقد تماديت.»
ثم التفت نحو روبليت وقال ببرود قاطع:
«لـننهِ هذا الجدال هنا، يا دوق. هل لديك ما تُضيفه؟»
«…لا، يا سموّ الأمير.»
وافق روبليت على الهدنة مكرهًا، وبملامح تنضح بعدم الرضا. كانت هدنة هشّة، ككوب من زجاج رقيق وُضع على نصل سيف، قد يتحطّم بأبسط لمسة.
يا إلهي، يا لها من مشقّة.
زفرتُ في داخلي، وقد شعرتُ أنّ النزاع هدأ ولو مؤقتًا. لماذا أرسل المعبد تلك الرسالة السخيفة التي تزرع الفتنة بين أناس عقلاء؟
لم تكن هناك أيّ رسالة كهذه في القصّة الأصليّة… إذًا، لماذا الآن؟ انتظر لحظة.
راودتني فكرة، فتجمّدتُ في مكاني.
ربما، في القصّة الأصليّة، لم يكن هناك داعٍ لتلك الرسالة أصلًا.
في الرواية الأصليّة، كان المعبد يُقدّر قدرة “تيرييل” على التطهير بدرجة عالية، حتى إنّه منحها لقب “القدّيسة”، وصار حليفًا قويًّا لها.
أمّا الآن، فقد انحدرت تيرييل إلى مجرّد شخصيّة ثانويّة. والرجلان اللذان أحبّاها في القصّة الأصليّة باتا الآن إلى جانبي.
حتى الآن، كان المعبد غير مبالٍ بشكل مريب تجاه تيرييل…
لكن، ربّما، لسببٍ ما، قرّروا مؤخرًا إعادة تلميع صورتها، ولهذا أرسلوا تلك الرسالة الغريبة. فحتى إن انحرفت الرواية عن مسارها، فإنّ قدرة التطهير لم تختفِ.
وبحسب الرسالة، يجب أن يبقى روبليت قريبًا من تيرييل لحمايتها، كما يجب على رينوس ملازمتها أيضًا، لمنع تحوّله إلى التنين الشرّير، بما أنّها الوحيدة القادرة على تطهيره…
وكلّما فكّرتُ في الأمر أكثر، ازداد شعوري بالغضب.
حقًّا؟ سحقًا لهم جميعًا. هل يعرفون كم تبرّعتُ باسم لومينوس حتى الآن؟!
صحيح أنّني قدّمتها كرشوة لكسب تأييد الكهنة الكبار، لكن هذا لا يغيّر حقيقة أنّني أشعر بالإهانة نفسها. قبضتُ على يديّ بشدّة.
لقد انهارت مشاعري تجاه المعبد دفعة واحدة.
«آنستي؟»
ناداني رينوس في تلك اللحظة.
انتشلتُ نفسي من دوّامة أفكاري وأجبته قائلة: «نعم؟» ثم استدرتُ لأواجهه.
«هل لي أن أسأل ما هذا؟»
وبينما يتحدث، كان يشير بإصبعه إلى سلة النزهة التي تحتوي على صندوق الطعام.
بدا واضحًا أنه حاول كسر الجو المحرج الذي أعقب شجاره مع روبليت، فلجأ إلى هذا السؤال كوسيلة لتلطيف الأجواء.
حتى روبليت، الذي بدا أنه انتبه إلى السلة لتوّه، نظر إليّ بعينين تملؤهما التساؤل.
شعرتُ بالإحراج من نظرات الرجلين، فأجبتُ بتردّد:
«آه… أمم، إنه صندوق طعام أعددتُه بنفسي.»
«…!»
عند سماعه عبارة “صندوق طعام”، اتّسعت عينا رينوس بدهشة بالغة، وكانت دهشة روبليت لا تقلّ عنها.
«أعددتِ صندوق الطعام بنفسكِ؟»
«أعددتِه بيدكِ؟»
نبرة صوتهما كانت تعجّ بالترقّب، وكأنّهما على وشك الانقضاض على الطعام مثل وحوش جائعة إن لم أتدخّل فورًا. رينوس، يمكنني تفهّمه، لكن ما بال روبليت؟
قبل أن يمدّ أحدهما يده، سارعتُ بالإمساك بسلة النزهة، وتوجّهت بالحديث إلى رينوس:
«لا شيء مميز فيها حقًّا. بالكاد أعددت شيئًا.»
«لا بأس بذلك.»
«فقط أسياخ دجاج، وبيض مخفوق، وبطاطا حلوة مشوية. الدجاج والبيض أفسدتهما النار، أما البطاطا فاحترقت تمامًا حين حاولتُ طهيها، فأعطاني الخدم ما أعدّوه بأنفسهم لأحمله بدلًا من طعامي.»
قلت له الحقيقة كاملة، على أمل أن أخفف من توقّعاته. ومع ذلك، بقي يحدّق إلى غطاء السلة بعينين لامعتين.
«لا بأس. هل لي أن أفتحها؟»
آه…
حسنًا، لقد حذّرته. أخبرته بكل شيء. إن خاب أمله، فليس ذنبي.
بلا حيلة، فتحتُ غطاء السلة. وفورًا، انبعثت منها رائحة دافئة لأسياخ الدجاج والبطاطا المشوية. ورغم مرور بعض الوقت، فإنّ الطعام بقي دافئًا بفضل أحجار التدفئة التي وضعتها معه.
كنت أراقب ردة فعل رينوس بترقّب، وهو يحدّق في الطعام، لكن…
«…»
لكن لم تخرج منه أيّ كلمة، مهما طال انتظاري. هل كان الطعام سيئًا إلى هذا الحد؟ سيئًا لدرجة أنه فقد القدرة على التعبير؟
أتفهم ذلك. الأمر وارد.
حين قررت أن أغلق غطاء السلة وكأن شيئًا لم يكن—
عندها تمتم رينوس، بصوت خافت ومرتجف:
«كيف يمكنني أن آكل هذا؟»
نظرتُ إليه بذهول، وصُدمت حين رأيت الدموع تتلألأ في عينيه الذهبيّتين. أيمكن أنه تأثر بهذا الشكل من مجرّد صندوق طعام أعددتُه له؟
«ألم أقل لكِ إنه سيعجب بها!»
تردّدت كلمات “ماي” في أذني، حين أصرت عليّ صباح اليوم أن آخذ معي صندوق طعام إلى القصر. واو، كانت محقّة فعلًا. أعتقد أنّ عليّ إعطاءها مكافأة.
بل سأضاعف راتبها—لا، سأضاعفه ثلاث مرّات. وسأشتري لها فساتين جميلة ترتديها في موعد مع حبيبها.
…لكن، هل لديها حبيب أصلًا؟
وبينما كنت أغرق في هذا التساؤل الغريب، شعرتُ بنظرات حادّة تراقبني من الجانب. كان روبليت، الذي أصبح الآن ملاصقًا لي تقريبًا.
وقبل أن أتمكن من الرد على نظرته، أمسك رينوس فجأة بالسلة من كلا جانبيها كما لو كان يحاول انتزاعها.
«يجب أن أحتفظ بها ككنز وطني.»
مستحيل. عن أيّ هراء يتحدث؟ قبضتُ على السلة بقوّة.
«ستتعفّن.»
«يمكنني استخدام تعويذة حفظ.»
«سأعدّ لك واحدة أخرى لاحقًا. فقط تناول هذه اليوم.»
«لكن هذا هو أول ما أعددتِه لي بيدكِ.»
«ولا أرغب في أن يُخلّد أول شيء أعددتُه.»
يكفيني هذا القدر من الإحراج. لا أريد أن يُحفظ هذا إلى الأبد وكأنه قطعة أثريّة!
بذلتُ قصارى جهدي لأثني رينوس عن عزمه، ولحسن الحظ، تراجع عن فكرته سريعًا.
«إذًا… هل يمكنني على الأقل الاحتفاظ بسيخ الدجاج؟ ففي النهاية، هو لا يفسد.»
لم أجد ما أردّ به، فهو محق في أنه لا يفسد. لذا لم أُجب، لا بنعم ولا بلا، ولذتُ بالصمت.
غمرته السعادة بصمتي، فأعلن بحماس أنه نال شرف الاحتفاظ «بعصا أول سيخ دجاج أعدّته الآنسة بيديها.»
«لن تُسجّل ككنز وطني.»
«…حسنًا.»
جاء رده متأخرًا قليلًا. يبدو أنه كان ينوي حقًا تسجيلها.
«هيا، تناول طعامك الآن.»
وضعت السلة على الأرض، وبما أن رينوس بدا مترددًا في التخلي عنها، ناولتُه سيخًا بنفسي.
لم يكن على هيئة تنين مثل سيخ لومينوس، وبعض أجزائه كانت محترقة قليلًا، لكنه بدا شهيًّا إلى حدٍّ معقول.
ومع ذلك، لم يشرع رينوس في الأكل، بل راح يحدّق فيه بصمت. كانت تعابير وجهه تصرخ: «كيف لي أن آكل شيئًا كهذا؟» لا بأس، أتفهّمه.
اقتربتُ منه، انتزعت السيخ من يده، وقضمت منه قضمة كبيرة.
«…!»
حدّق فيّ رينوس وكأنّه فقد وطنه.
بادلته نظراته بنظرة تعني: «ما الأمر؟» وأنا أمضغ السيخ بهدوء، مددتُ يدي من جديد نحو السيخ الذي لا يزال في قبضته، في إشارة واضحة: إن لم تأكله، فسآكله أنا.
«لا، لا! سأأكله، أنا…»
ذُعر رينوس وتجنّب يدي بسرعة، ثم بدأ يأكل السيخ.
همم… يبدو أنه يستمتع به. من الجيّد أنني خفّفت التوابل قدر الإمكان.
وبينما كنت أراقبه بهدوء وهو يمضغ، شعرتُ مجددًا بنظرات حادّة تلسع وجنتي. فالتفتُّ نحو مصدرها.
لقد كان روبليت، الذي كنتُ قد نسيته تمامًا.
«أعطني أنا أيضًا.»
«لا.»
دفعتُ صندوق الطعام نحو رينوس، وحرصت على حجبه عن روبليت.
لكنه أشار إلى أحد الأسياخ الذي لم أتمكّن من تغطيته بالكامل.
«لديكِ الكثير. فقط أعطني واحدًا.»
«لا يوجد شيء لك. اشترِ واحدًا بنفسك.»
مدّ روبليت يده في جيبه، وأخرج قطعة ذهبية لامعة وناولني إياها.
لم أقل أبدًا إنه معروض للبيع. شعرتُ بدهشة شديدة، ورددتُ بنبرة جافة:
«ليس للبيع.»
«فقط بِيعِه.»
«قلتُ لا. لن أبيع.»
بدأنا نتجادل، وعندها عبس رينوس فجأة، ثم مدّ ذراعه نحوي وجذبني إليه ليُبعدني عن روبليت.
لكنّ روبليت شدّني من ذراعي بقوة ليفصلني عن رينوس. آي!
كدتُ أن أقلب صندوق الطعام. فصرخت فيه غاضبة:
«ما الذي تفعله؟!»
«قلتُ لكِ، لقد تلقيتُ رسالةً في المعبد.»
قالها روبليت بنبرته الهادئة المعتادة.
«وليّ العهد خطير. ابتعدي عنه. يمكنكِ أن تحبيني بدلًا منه. لن أمانع.»
«آه، كفى، قلت لك لا.»
وهنا تدخّل رينوس، الذي ظلّ صامتًا طيلة هذا الوقت.
«الآنسة تُفضّل الرجل الوسيم، الغني، والطويل القامة.»
مهلًا… تلك العبارة—لا يُعقل! هل كان يستمع إلى حديثي مع روبليت وقتها؟!
بينما كنتُ أحدّق فيه مذهولة، قال رينوس وهو ينظر إلى روبليت من رأسه حتى قدميه:
«يبدو أنّ الدوق يفتقر إلى اثنين من أصل ثلاثة.»
«…»
تحوّل وجه روبليت إلى غضب خالص.
يا إلهي، حتى لو كان كلامك صحيحًا، لا يجوز أن تمسّ كرامة رجل بتلك الطريقة! بدأتُ أشعر ببعض الشفقة تجاه روبليت.
لكن فجأة، راودتني فكرة غريبة: اثنان؟ ظننتُ أن ما ينقصه فقط هو الطول؟
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
الواتباد : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "113"