كان يشير إلى سلة النزهة التي كانت تتدلّى من يدي. يا إلهي—غدائي!
عقلي، الذي كان شاردًا في ضبابٍ كثيف، عاد فجأة إلى الواقع. شعرت فجأة بصلابة السلة في يدي، وبدفء جسد رينوس المنبعث إلى جواري.
نعم، أولًا عليّ أن أتماسك. أليسوا يقولون: حتى لو عضّك النمر، إن تمالكتَ أعصابك ستنجو؟ وإن كنتُ في هذه الحالة لا أواجه نمرًا، بل تنينًا شريرًا…
ورغم أنني كنت لا أزال شاردة الذهن إلى حدٍّ ما، فقد سارعتُ بإخفاء سلة النزهة خلف ظهري. وبأقصى ما أستطيع من هدوء، رددتُ بنبرة عادية كأن شيئًا لم يكن:
“لا، لا بأس. أنا بخير.”
ولم يطرح رينوس أي أسئلة إضافية. وإن كان يرمقني بين الحين والآخر بنظرات فضولية، لكنه لم ينطق بكلمة أخرى.
وبعد وقتٍ محرجٍ ومهين، وصلنا أخيرًا إلى ساحة التدريب الفسيحة في قصر ولي العهد. وبسبب تساقط الثلوج بالأمس، كانت الأرض لا تزال مغطاة ببقعٍ من الثلج الأبيض النقي.
أخذني إلى مكان يمكنني منه رؤية الساحة بالكامل بوضوح.
ثم لفّني جيدًا ببطانيةٍ أحضرها من القصر لتدفئتي، ودسّ في يدي اثنتين من أحجار التدفئة. لم أعرف متى اشتراهما.
وأثناء ذلك، وصل خمسة من فرسان القصر الإمبراطوري إلى ساحة التدريب.
“صباح الخير، سموّ الأمير.”
“صباح الخير.”
كان حديثهم عفويًا ودافئًا. وبما أنهم تبادلوا التحية بهذا الشكل الطبيعي، يبدو أن رينوس تعرّف إليهم أثناء خدمته كفارس.
حاولت أن أضع الحقيقة المجنونة التي اكتشفتها للتو جانبًا، وركّزتُ نظري على المبارزة التي أمامي.
لكن، لماذا استدعى خمسة فرسان؟
أليس فارسٌ واحدٌ كافيًا لمبارزة استعراضية؟
هل ينوي تنظيم مبارزة بنظام البطولة؟
كنت أطرح هذه الأسئلة في رأسي حين اصطف أربعة فرسان حول رينوس بطريقة منظمة. هممم؟
كان التشكيل يوحي وكأنهم ينوون الهجوم عليه دفعة واحدة. اتسعت عيناي بذهول.
أليس من المفترض أن تكون المواجهة فردية؟
في تلك اللحظة، رفع أحد الفرسان منديلًا صغيرًا في الهواء، ثم أطلقه ليرفرف عاليًا.
رفرف المنديل بهدوء في السماء، وما إن لامس الأرض حتى اندفع الفرسان الأربعة نحو رينوس في وقتٍ واحد.
“هاه!”
شهقت دون أن أشعر. ماذا؟! إنهم يهاجمونه جميعًا في الوقت نفسه؟ هل هذا آمن أصلًا؟
لكن لم تمرّ دقيقة حتى أدركت أن قلقي كان في غير محلّه.
حتى بالنسبة لي، التي لا تعرف الكثير عن فنون المبارزة، بدت مهارات الفرسان في المبارزة منظمة ودقيقة. حركاتهم تنساب كالماء، ناعمة وسلسة، لكنها حاسمة وقاطعة عند الضرب.
أما رينوس، الذي كان يواجههم جميعًا في آنٍ واحد؟
فلا حاجة لأي شرح.
لا—بل حتى الكلمات خانتني.
كان يتفادى جميع ضرباتهم بأقل قدر من الحركة. وعندما كانت إحدى الضربات تأتي من زاوية لا يمكن تجنّبها، كان يصدّها بقوة أو يردّها بضربة مضادة مدروسة.
لم ينجح أي من السيوف الأربعة في لمس طرف ردائه حتى.
“واو…”
خرجت من فمي تنهيدة إعجاب دون وعي. كم من التدريب يحتاج الإنسان ليصل إلى هذا المستوى؟
لكن… ألم يقولوا إنه كان حبيس غرفته بسبب لعنة التنين الشرير؟ متى تعلّم فنون السيف بهذه المهارة؟ لا يمكن تبرير ذلك فقط بأنه بطل رواية رومانسية خيالية خارق.
في تلك اللحظة، باغتني صوت روبليت وهو يتحدث إلى جانبي:
“هل تريدين أن أعلّمكِ المبارزة؟”
“…!”
يا إلهي—متى وصل إلى هنا؟ ألا يمكنه على الأقل أن يصدر صوتًا حين يأتي؟ كدت أفقد وعيي من الخوف.
“متى وصلت؟”
رددتُ بحدّة وأنا ألتفت إليه، لأجده يجلس بجانبي.
كان يضع ضمادة صغيرة على جبهته، ويرتدي زيًا رسميًا، مما يشير إلى أنه هنا في مهمة رسمية.
للمعلومية، كان روبليت يمتلك قدرةً خاصةً تخوّله إتقان أيّ سلاحٍ إلى أقصى حدوده، ولهذا السبب لم يكن مسؤولًا عن الأمن في العاصمة فحسب، بل شغل أيضًا منصب المستشار العسكري لفيلق الفرسان الإمبراطوريين. أما الزي الرسمي الذي كان يرتديه في تلك اللحظة، فكان بالفعل زيّ فارسٍ إمبراطوريّ.
“وصلتُ لتوي. هل ترغبين أن أعلّمكِ فنّ المبارزة؟”
“مبارزة؟ ولمَ ذلك؟”
كان قلبي لا يزال ينبض بعنف، لكنني تعمّدت الردّ بنبرةٍ متجهّمةٍ كي أخفي توتّري. أجاب روبليت بهدوء:
“كنتِ تنظرين وكأنكِ تشعرين بالغيرة.”
“غيرة؟ أبدًا. فقط كنتُ أستغرب كيف يمكن لسموّه أن يُتقن السيف بهذا الشكل المذهل.”
“إذًا، تعلّمي استخدام السيف.”
“لا، شكرًا.”
وبينما كنّا نتجادل بهذا الشكل، لاحظ رينوس وجود روبليت، فأوقف المبارزة واقترب منا. بدا من نبرته أنه لم يُسرّ برؤية روبليت جالسًا بجانبي.
“ما الذي جاء بكَ إلى هنا؟ لا أذكر أنني استدعيتُك، يا دوق.”
“سمعتُ أنك أخذت الفرسان للتدريب، وعلى الرغم من إدراكي أن قدومي قد يُعدّ تطفّلًا، فقد أتيتُ لأنني قلقتُ عليهم.”
من خلال هذه الكلمات، أدركتُ أن روبليت كان على علمٍ مسبقٍ بمهارات رينوس في المبارزة.
وبالطبع، فرغم أن وليّ العهد ظلّ لفترة طويلة شخصية غامضة، إلا أن روبليت كان مستشارًا للفرسان الإمبراطوريين، وباستثناء الدوق الوهمي أبشلكتي، فهو الدوق الحقيقي الوحيد في الإمبراطورية. سيكون من الغريب ألا يعرف.
وبينما كنت أومئ في داخلي إقرارًا، رمق روبليت رينوس بنظرةٍ ساخرة وكأنه يتحدّاه:
“الفارق في المهارات شاسعٌ لدرجة أن ما يجري لا يمكن تسميته (مبارزة). قد يُصاب الفرسان إن استمرّ الأمر على هذا النحو.”
“لم أضغطْ عليهم بتلك القسوة.”
“بل أعتقد أنك فعلت.”
حتى أنا، التي لا تفقه شيئًا في المبارزة، لم أجد أنه بالغ في الضغط. ومع ذلك، وقبل أن أتدخّل، قطع رينوس الحديث ببرودٍ واضح:
“يبدو أن لديك شيئًا آخر لتقوله. تحدّث بصراحة.”
“سأبارزك أنا بدلًا منهم.”
ثم التفت إليّ بنظرةٍ جانبية وأضاف:
“إن كنتِ لا تزالين بحاجةٍ إلى خصمٍ للمبارزة، طبعًا.”
فهمتُ فورًا ما كان روبليت يرمي إليه. “هل ستتراجع الآن أمام الفتاة التي تهمّك؟” — لقد لفّ الأمر بغلافٍ من التلميح، لكن المعنى كان واضحًا.
كان ذلك استفزازًا صريحًا.
ولم يكن من الممكن أن يغيب عن رينوس ما يقصده. وجهه أصبح أكثر برودةً من ذي قبل.
“لا يبدو أن هدفك هو مجرد مبارزة.”
“حسنًا، سأكون صريحًا.”
أومأ روبليت بإشارةٍ إلى الفرسان، يأمرهم بالمغادرة.
فهموا الإشارة دون حاجةٍ إلى كلمات، فانحنوا تحيةً ثم انسحبوا سريعًا من ساحة التدريب. ولم يتبقَّ سوى ثلاثة: رينوس، وروبليت، وأنا.
وبنظراتٍ مرهقة، بدأ روبليت يتحدّث بهدوء:
“منذ أيام، وردت رسالة من المعبد. قالوا إن سموّك سيتحوّل إلى التنين الشرير في وقت القمر الياقوتيّ القادم، وسيحاول قتل تلك الـ… تي-شيء ما. وطلبوا منّا مراقبتك عن كثب.”
“تي-شيء ما؟ …هل تعني تيرييل؟”
“أعتقد أن هذا كان اسمها.”
أومأ روبليت برأسه دون أيّ اهتمام يُذكر.
حقًا، تي-شيء ما؟ حتى حين كان يناديني بـ”سيريل”، كان ألطف من هذا.
ومع ذلك، تجهّم وجهي من تفاهة ما قيل للتو. رينوس يقتل تيرييل؟ تنيننا الشرير هذا لا يقتل أحدًا—بل لا يعضّ حتى.
تغيّرت ملامح وجه رينوس أيضًا، تمامًا كوجهي، إلى مزيجٍ من الانزعاج والقلق. غير أن روبليت اكتفى بالنظر إليّ بطرف عينه، بوجهٍ خالٍ من أيّ انفعال.
“سمعتُ أن تيرييل تلقّت نفس الرسالة، وأظن أن سيريل تلقّتها أيضًا.”
“لم أتلقَّ شيئًا.”
رفع روبليت حاجبه مستغربًا من ردّي الفوري بالإنكار، ونظراته توحي بشكّه في صحة كلامي.
“المعبد لم يتواصل معي على الإطلاق.”
“لكنهم قالوا إنهم تواصلوا مع جميع ذوي القدرات…”
لكن ذوي القدرات لا يتعدّون: روبليت، تيرييل، أنا، ورينوس.
وأنا لم أتلقَّ شيئًا. ومن تعابير وجه رينوس، يبدو أنه كذلك لا يعلم شيئًا. مما يعني أن الرسالة وصلت فقط إلى روبليت وتيرييل.
غريب…
أملتُ رأسي قليلًا، مستغربةً سبب كذب المعبد. حسنًا، يمكن تقبّل عدم تمكنهم من إيصالها إلى دوق أبشلكتي لكونه في الشمال، لكن أَلَم يكن من المفترض أن تصلني على الأقل؟
وبينما كنت أُجهد عقلي بالتفكير، قال رينوس أخيرًا وقد بدا عليه الضيق جليًّا:
“إذًا، هل تنوي مراقبتي؟”
“إن اقتضت الحاجة، نعم.”
قال روبليت ذلك وهو يقطّب حاجبَيه قليلًا، ثم أردف:
“هناك أمرٌ مريبٌ في تلك الرسالة. من وجهة نظري، لا أرى أيّ سببٍ يدفع سموّك لقتل تيرييل.”
“…”
“فصاحبُ السمو لم يكن مقرّبًا من تيرييل أبدًا، أليس كذلك؟ أعتقد أن هذا لأنك قادرٌ على كبح لعنة التنين الشرير بنفسك. هل هذا صحيح؟”
“صحيح.”
أقرّ رينوس بالأمر دون تردّد، وقد بدا أنه لا يرى فائدةً من إنكاره.
تصاعد التوتّر بين الاثنين فجأة. لحظة… هل هما على وشك القتال؟
وسط هذه الأجواء المشحونة، استأنف روبليت حديثه بصوتٍ منخفض:
“التقيتُ مؤخرًا بشخصٍ كان ينبعث منه هالةُ التنين الشرير. كان دوق أبشلكتي.”
“…”
“آه، ربما سموّك لا تعلم بذلك. فقد كنتَ حبيسًا في غرفتك حينها بسبب اللعنة.”
ضاقت عينا روبليت شيئًا فشيئًا.
“أن يبقى شخصٌ قادرٌ على كبح لعنة التنين محبوسًا في غرفته؟ أمرٌ يصعب تصديقه، لا سيما أنّني رأيتك تجوب المملكة بحيويّة، بصفتك فارسًا إمبراطوريًّا.”
“دوق.”
قالها رينوس بفتور، قاطعًا الحديث بجفاف.
“ادخلْ في صلب الموضوع.”
“ما علاقتك بدوق أبشلكتي؟”
“…”
“اختفى الدوق، وظهر سموّك. وكلاكما يحمل الهالة ذاتها. ثم…”
تسلّلت نظرة روبليت نحوي. للحظة، ظننت أنني رأيتُ لمحةً غريبة في عينيه… غيرة؟ شيء لا يُعقَل.
“…سيريل لا تنظر بتلك النظرة إلا إلى اثنين: دوق أبشلكتي وسموّ ولي العهد.”
“وهل لهذا علاقة بالرسالة التي تأمر بحماية بوريتينا؟”
“لأكون صريحًا—”
توقّف روبليت للحظة، ثم ركّز بصره في عيني رينوس.
“أعتقد أن الشخص الذي سيُقتَل في الرسالة… هو سيريل.”
تجمّد وجه رينوس، حتى بات أكثر برودةً من أيّ وقتٍ مضى.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
الواتباد : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "112"