كانت أوّل مرّة أخرج فيها بمحض إرادتي، وليس مجبرة، منذ وقتٍ طويل.
وبمجرّد وصولي أمام مبنى دار النّشر، كان أوّل ما ظهر لي هو اللّوحة المكتوب عليها سافاير، ممّا أعجبني بسرعة تنفيذهم.
“تشرفنا بلقائكِ لأوّل مرّة، سيّدتي الكاتبة. أنا غريك.”
الأخ الأصغر لدانيال، ويصغرها بعامين.
جسده ضخم، لكن لا عجب أن يُقال إنّهما شقيقان، إذ إنَّ هذا الآخر يشبه الحمل الوديع أيضًا.
‘منذ مدّة طويلة لم أسمع أحدًا يناديني بلقب الكاتبة.’
مقارنةً بالألقاب الأخرى الغريبة، كان هذا هو الأكثر راحةً لي.
“هذا هديّةٌ صغيرة منّي، آمل أن تنال إعجابكِ.”
فمن غير اللّائق القدوم في أوّل زيارةٍ بيدٍ فارغة.
أحضرتُ معها أوراق شاي ومجموعة إبريق شاي كنت قد طلبتها مُسبقًا كهدية.
لأنَّ مشاعرهما كانت واضحةً كالشّمس، فقد فتحا أعينهما على وسعهما وفتحا أفواههما قليلاً، ثمّ راحا يكرّران عبارات الشّكر بلا انقطاع.
بل ومع تقدّم الوقت، بدَوا مرتبكين أكثر، فاضطررتُ لأن أهدّئهما لمدّة ثلاث دقائق تقريبًا.
‘لكنّني سعيدة لأنَّ الهدية أعجبتهما، هذا يشعرني بالفخر.’
وهكذا، بدأنا الحديث في أجواء لطيفة نسبيًّا.
“هل قرأتَما الحفلة التّنكر؟”
“نعم… إنّه عملٌ مذهل بالفعل! كلانا، أنا وغريك، قرأناه كاملًا في ليلةٍ واحدة، ولم نستطع نسيانه حتّى الآن. نودّ بشدّة معرفة ما سيحدث لاحقًا!”
أجابتني دانيال بوجهٍ متحمّس، مما جعلني أشعر بالرّاحة قليلًا.
فرغم أنَّ ردّة فعل كلوي كانت جيّدة، إلّا أنّني كنت أخشى أن يجده الآخرون غريبًا بعض الشّيء عند قراءته.
في الإمبراطورية، نادرًا ما تُستخدَم الجمل القصيرة، ووجود حوارات في الرّواية جعل الحفلة التّنكر عملًا فريدًا من نوعه.
“أن تقابل روز رجلًا غير إدوين… لا يمكنني تحمّل ذلك أبدًا! من المؤكّد أن الجميع سيبحث عن الجزء الثاني.”
كانت ردّة فعله تمامًا ككلوي عندما قرأت الرواية للمرّة الأولى.
لكن دانيال لم تتوقّف عند هذا الحدّ، بل راحت تسترسل في الحديث وكأنّها نسيَت كيف تستخدم الفرامل، وبدأت تسرد كلّ التّفاصيل التي كنت قد أخفيتُها.
‘كم مرّة قرأتها؟’
وحتّى كلوي التي كانت خلفها، كانت تُومئ برأسها بصمت موافقةً على كلامه.
“شكرًا لأنّكما استمتعتما بها، دانيال. لكنّي انتهيتُ من الجزء الأوّل حديثًا، لذا سيستغرق الأمر وقتًا قليلًا قبل أن أبدأ في الجزء الثاني.”
كنت قد وضعتُ تخطيطًا عامًّا، لكنّ الأولويّة الآن كانت لنشر الجزء الأوّل.
‘أشعر وكأنَّ الأجواء أصبحت ثقيلة فجأة.’
ربّما كان ذلك مجرّد وهم.
سألتهم عن عمليّة النّشر لأحوّل مسار الحديث، ففتح غريك فمه لأوّل مرّة منذ البداية.
“لقد سجّلنا الكتاب لدى مكتب حقوق النشر كخطوةٍ أولى.”
“خطوة أولى؟ هل هناك خطوةٌ ثانية أيضًا؟”
“نعم. بعد طباعة الكتاب فعليًّا، علينا تسجيله مرّةً أخرى، والحصول على إذن البيع.”
رغم أنّني كنت أظنّ أنّه لم يسبق لهما النّشر من قبل، إلّا أنّه بدا على درايةٍ كاملة بالإجراءات.
“إذًا، علينا فقط طباعة الكتاب الآن. كيف نقوم بذلك؟”
“عادةً ما نُرسله إلى دار التّجليد، أو نطلب من برج السّحر تصنيعه.”
ثم أضاف أنَّ الكتب التي يُصدرها النّبلاء غالبًا ما تحتوي على تعويذاتٍ مضادة للماء، لذا فهم يفضّلون طلبها من برج السّحر.
‘تعويذة ضدّ الماء؟ أعتقد أنّني سمعتُ عن شيءٍ كهذا من قبل.’
تذكّرتُ للحظة بعض الكتب في القصر، ثمّ طردتُ الفكرة من رأسي.
ففي الأصل، لم تكن هناك حاجةٌ حقيقيّة إلى أن تتبلّل الكتب بالماء.
“بحسب ما توصّلنا إليه، فهذه هي أسعار دور التّجليد، أمّا برج السّحر، فأسعاره تتراوح بناءً على الإنتاج والمعالجة السّحرية الأساسيّة.”
وبدا أنّهم لم يسألوا مكانًا واحدًا فقط، إذ كانت الورقة تحتوي على أسعارٍ من عدّة أماكن.
بخلاف دور التّجليد، يمكن إضافة عدّة خياراتٍ في برج السّحر، ممّا جعل التّكاليف ترتفع إلى حدٍّ لا يُطاق.
‘هل يُعقل أن تكون تكلفة الإنتاج الأساسيّة أغلى بخمسين مرّة؟’
شككتُ في بصري عند رؤية الأرقام.
نحن لا نزال في بداية المشروع، ولا ضرورة لصرف هذه المبالغ الطّائلة من البداية.
فالسّحر في الأصل يُستخدم غالبًا من أجل راحة النّبلاء.
فهم وحدهم من يستطيع تحمّل تكاليفه الضّخمة.
“دعونا نرسلها إلى دار التّجليد.”
“نعم، بالتأكيد برج السّحر هو… دار التّجليد؟!”
تلعثمت دانيال قليلًا، لكنّي أومأتُ برأسي بهدوء.
لو تلفَ الكتاب، يمكن شراء غيره بسهولة.
بل على العكس، التعويذات المضادّة للماء أو الحافظة تقلّل من معدّل إعادة الشّراء، لذا لم أكن متحمّسةً لها كثيرًا.
طبعًا، السّير في طريق المنتجات الفاخرة منذ البداية ليس سيّئًا من النّاحية الرّبحيّة.
‘لكن في النّهاية… هذا كتاب.’
صُنع ليقرأه النّاس.
ومن الطبيعي أنّ عدد العامّة يفوق عدد النّبلاء بكثير، كما أنَّ نسبة الأمّية في الإمبراطوريّة منخفضةٌ جدًّا، لذا فالاستهداف الجماهيريّ يحمل إمكانياتٍ كبيرة.
“يمكن أيضًا إضافة خياراتٍ أخرى غير السّحر في دار التّجليد، صحيح؟”
“نعم، نعم! يمكن ذلك. من حيث الجودة، فهي لا تقلّ عن برج السّحر أبدًا!”
عندما لاحظا برود ردّة فعلي تجاه برج السّحر، سارع الاثنان إلى تقديم المعلوماتٍ عن دار التّجليد.
وبينما كنتُ أنظر إلى تكلفة الطّباعة الأساسيّة بالذّهب، وجدت خياراتٍ أخرى تبدأ من الفضّة، مِما أشعرني بالرّاحة.
“أحضرا ورقةً وقلمًا.”
دون تردّد، اخترتُ الخيارات التي أريدها، وكتبتُ متطلّباتي.
فحتى وإن لم أُضِف تعويذات، فإنَّ خسارة العملاء ذوي القدرة الشّرائيّة العالية سيكون أمرًا مؤسفًا.
“وأيضًا، أريد الحصول على عيّناتٍ متنوّعة، وسأدفع التّكاليف بنفسي، فاطلبوا منهم أن يرسلوا كلّ ما يرونه مناسبًا.”
أنا غنيّة.
فقد كنت أتلقّى المصروف من عائلة بلاين طوال الوقت، ولم يكن لدي شيءٌ أُنفقه عليه، لذا كنتُ أوفّر باستمرار.
وبعد دفع مبلغ الشراء على دار النّشر الّذي بلغ عشرين قطعة ذهبية، لا زال لديّ الكثير من المال.
‘الاستثمار الجيّد يحتاج إلى جرأة.’
قدّمتُ الورقة بهدوء، فنظرت دانيال إلى المحتوى بذهول، ثمّ بدت على وجهها علامات العزم.
“حسنًا! سنتّفق مع دار التّجليد، ونُريكِ العيّنات فور الانتهاء منها!”
ونظر إليّ غريك هو الآخر بعينين مليئتين بالحماس.
بدا لي أنّني أرغب في مكافأة هذا الثّنائي على جهدهما بأقصى ما أستطيع.
فإن فشلنا، فلا مفرّ من ذلك، أمّا إن نجحنا، فسأمنحهما حوافزًا مستقبليّة.
“وأخيرًا، دعونا نوقّع عقد التّوظيف أيضًا.”
وضعتُ على الطاولة عقدَي عمل كنتُ قد أعددتهما مسبقًا في القصر.
وبما أنَّ عليّ الكتابة، رأيتُ أن تتولّى دانيال التّشغيل العام للمشروع، وسأكتفي أنا بالتّوجيه وتقديم النّصائح لتحديد السّياسة العامّة.
شمل العقد الأجر الشّهري، والحوافز، والمكافآت المستقبليّة، وزيادة سنويّة في الرّاتب كلّ عام.
وفي عالمٍ لا يوجد فيه حدّ أدنى للأجور، كان هذا بالنّسبة لي عقدًا عادلًا.
“نحن نفتقر للكثير… يمكنكِ دفع مبلغٍ أقل، بل نصفه، أو حتّى ربع ما كُتب في العقد!”
قالت دانيال مذعورةً، محاولةً خفض الشّروط.
وأمّا غريك، الّذي ظلّ صامتًا طوال الوقت، فقد وضع العقد جانبًا قائلًا إنّه فوق ما يستحقّانه.
“همم…”
عندما رأيتُ تصرّفهما، شعرتُ برغبةٍ في العناد، ورفضتُ تغيير الشّروط.
ثمّ تحدّثتُ بنفس النّبرة الّتي استخدمتها سابقًا لأُنهي هذا الوضع.
“أنتم من موظفيّ الآن، وأستطيع الاستثمار بهذا القدر من أجلكم.”
ورغم أنّني لست غنيّةً إلى حدٍّ خيالي، إلّا أنَّ دفع أجورٍ لشخصَين من العامّة لا يُعدّ أمرًا صعبًا.
ولو خسرنا لاحقًا ولم تُبع الكتب، فسيتغيّر الوضع، أمّا الآن، فلا بأس.
نظرتُ إلى كلٍّ منهما بالتّوالي، فراحا يُوقّعان العقد كأنّما كانا في غيبوبة.
وارتسمت على وجهي ابتسامة رضا.
“نتطلّع للعمل معكِ، سيّدتي الكاتبة… أقصد، سيّدتي المديرة!”
“لن أظهر في المناسبات الرّسميّة، لذا في العلن، ستكون دانيال هي المديرة… نادِني فقط آنسة.”
والآن، بعد أن انتهينا من الأمور الأساسيّة كلّها، نظرتُ إلى المكان الّذي دخلته أوّل مرّة، وقلتُ ما كان يدور في ذهني منذ البداية.
“الآن وقد أصبحنا ‘دار نشر سافاير’، علينا التّخلّص من كلّ ما في هذا المكان.”
المكان لا يختلف كثيرًا عن مكتبةٍ عاديّة.
ورغم أنَّ دور النّشر الّتي تبيع الكتب بنفسها ليست نادرة، إلّا أنَّ وجود موظّفَين فقط، وضيق المساحة الدّاخليّة، كانا يسبّبان الكثير من عدم الفعاليّة.
“كلّه… بالكامل؟”
نظرتُ إلى وجه دانيال الّتي لم تبدُ متأكّدةً، وابتسمتُ لها بخفّة.
“نعم. تخلّصي من كلّ شيء وابدأي مِن جديد.”
الكتب المتراكمة التي لم تُبع، الأثاث البالي، ورق الجدران البشع.
لقد دفعت لهما عشرة قطع ذهبيّة كمبلغٍ استثمار أوّلي لسببٍ وجيه.
فلنبدأ بتجديد الدّاخل بالكامل.
***
“يبدو عاديًّا جدًّا… هل علينا توظيف رسّام؟”
رغم أنّني كنتُ حريصةً على كلّ شيء، من موضع العنوان إلى حجمه، لونه، خامته… إلّا أنَّ الكتاب الّذي حصلنا عليه كعينةٍ لم يبدُ مختلفًا عن الكتب الفلسفيّة أو التّثقيفيّة الأخرى.
‘عادةً ما تحتاج مثل هذه الأمور إلى تسويقٍ جيّد أيضًا.’
ولأنّني لم أرغب في الجلوس وانتظار بيع الكتب فحسب، قرّرتُ استخدام كلّ الوسائل منذ البداية.
فليس لديّ متّسعٌ كبير من الوقت.
“أريد توظيف رسّام.”
اتّخذتُ قراري سريعًا، ثمّ توجّهتُ إلى نقابة الفنّانين لأبحث عن الرّسّام المناسب.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"