الفصل 28 :
“إنّ تناولَ كمّيّةٍ محدّدة في وقتٍ ثابتٍ جيّدٌ للجسم يا كاترينا.”
“يا لَلعجب، هذا العقد من الياقوت الأحمر سيُناسب لون شعركِ ولون شعر أليكسيس معًا.”
“اليوم، لِمَ لا نبدأ بزيارة مشغل الأزياء؟”
بدأت مارسيلّا شيئًا فَشيئًا تتدخّل في يوميّاتي بعدما قالت إنّه يجب الاستعداد تدريجيًّا للحفل الاجتماعيّ.
فقد اهتمّت بحميتي الغذائيّة، وجعلتني أتناول كلّ ما أتركه من طعام، ثمّ قلبت نصف غرفة ملابسي رأسًا على عقب بعدما بقيت على حالها منذ أشهر.
كما أنّني كنتُ أزور المشغل ومتجر الأزياء معها مرّةً كلّ يومين تقريبًا.
“أظنّ أنّ هذا سيكون أجمل هنا.”
لم يكن أمامي خيارٌ سوى تجربة الفساتين، لكنّي كنتُ ألتقط بشكلٍ عفويّ أوشحةً ولفحاتٍ تُناسبها وأرتديها.
“يا إلهي، ذوق الآنسة بلاين رفيعٌ جدًّا.”
“بالطّبع. فمنذُ صِغَرها وهي تختار أشياء لا يُضاهيها أحد.”
رأيتُ ابتسامة مارسيلّا ترتفع بشكلٍ لا تُطيق السيطرة عليه، فهززتُ رأسي.
‘إنّه مجرّد تسوّقٍ بسيط، لكن لا بأس، فهو يُعتبر استعدادًا لحفل التّقديم الاجتماعيّ.’
وكأنّها تُفرغ ما تراكم عليها من حرمانٍ سابق، بدأت بعد ذلك تصحبني إلى متاجر المجوهرات والأحذية، فازدادت وتيرة خروجي من المنزل.
في البداية كنتُ أعود مُنهكة القوى، لكن بعد أسبوع تقريبًا صرتُ أعود إلى القصر بحالةٍ جيّدة.
“وجهكِ مُشرقٌ يا آنسة.”
“……أه، حقًّا؟”
حتى في الأيّام التي لا أخرج فيها، تحسّن تركيزي، وصرتُ أكتب لمدّةٍ أطول من المعتاد.
بعد أسبوعين مع مارسيلّا، صرتُ آكل جيدًا وأتحرّك أكثر، فغدوتُ أكثر صحّة.
***
مع اقتراب يوم تأسيس الإمبراطوريّة، تلقّى كلّ النبلاء المقيمين في العاصمة دعوةً رسميّة من البلاط.
【دعوةٌ إلى الحفلة التنكرية】
كما أُعلِن سابقًا في الجرائد، سيُقام الحفل التنكري لمدّة ثلاثة أيّامٍ متتالية، تبدأ باحتفالٍ تمهيديّ، تمامًا كما في الرواية.
وباختصار، كانت التعليمات:
اخفوا هويّاتكم قدر المستطاع.
ارتدوا الأقنعة الذهبيّة التي يُوزّعها البلاط أو اجلبوا أقنعتكم الخاصّة.
يحقّ لأبناء النبلاء المُقبِلين على حفل التّقديم الاجتماعيّ المشاركة.
من يُثير الفوضى سيُسجَن فورًا.
بلغ طول الدّعوة ثلاث صفحاتٍ كاملة، كُتبت بأسلوب النّبلاء المليء باللّف والدّوران.
‘ها هي تفاصيل تلك الأحاديث التي تبادلتُها معهم مكتوبةٌ هنا.’
فقد سُمح بالرّقص الحرّ على أنغام الموسيقى، وأيضًا بالتجوّل في الحدائق الإمبراطوريّة التي تُفتح مؤقّتًا.
“هذا الحفل سيكون مميّزًا جدًّا.”
“كاترينا، ارتدي الفستان الأحمر الذي اشتريناه بالأمس.”
“……هاه؟”
لم أكن قد قلتُ إنّني سأذهب أصلًا.
حدّقتُ بها بوجهٍ مرتبك، فأضافت بصوتٍ متحمّس:
“صحيح أنّ فساتين حفل التّقديم يجب أن تكون هادئةً تقليديًّا، لكن حفلة الأقنعة مختلفة. وأنتِ يليق بكِ ما هو مُبهِر، فارتديه بلا تردّد.”
لم أزر قاعة رقص من قبل، لكنّي واثقةٌ أنّها ستكون مكتظّةً بالنّاس.
مجرد تخيّل الزّحام والضجّة جعلني أرغب في البقاء في غرفتي.
لكنّ مارسيلا لاحظت ملامحي وقالت ببرودٍ يقطع السّبيل:
“لقد دعتكِ جلالة الأميرة إلى مائدة طعام من أجل حفلة الأقنعة، فهل تُفكّرين بعدم الحضور؟ تذكّري أنّ القصر في العاصمة قد يُسحب منّا في يومٍ واحد.”
مرّت في ذهني صور الأميرة سيلينا، والأميرة روزابيل، والإمبراطورة ريلين بابتساماتهنّ.
لو تخلّفتُ يومًا واحدًا، لاهتزّ حجر التّواصل النّادر الذي أهدتني إيّاه الأميرة سيلينا.
استوعبت الواقع، فأومأت برأسي.
“إذًا لا مفرّ من الحضور لمدّة ثلاثة أيّامٍ كاملة.”
“أحسنتِ. وكالاد أيضًا عليه قياس ملابسه غدًا مساءً.”
“……أنا؟”
“أجل، فأنتَ لم تختر زوجةً بعد.”
اتّسعت عينا كالاد بدهشة، ثمّ خفَت صوته أمام حدّة كلماتها.
فقد كان منشغلًا باختبار انضمامه إلى فرسان البلاط، مؤجّلًا مسألة الوراثة والزّواج.
أمّا أنا، فكنتُ أكثر بساطة، فلم أهتمّ بالزّواج أصلًا، وكلّ ما في ذهني هو تجنّب لوسيان ليوناردو.
“انتبه من التُورَّط مع أناسٍ غرباء وأنتَ متنكّر.”
“فعلاً. مَن يظنّ أنّه سيجد نصفه الآخر في مثل هذا المكان فسيجني الخسارة فقط.”
أطلق كايل نَفَسًا ساخرًا، وأيّده أليكسيس بسرعة، ممّا جعل مارسيلا تُرسل لهما نظرةٍ لاذعة.
“بدل أن تفتحوا الأبواب، تُغلقوها! ألا تودّون رؤية أحفادكم؟”
ارتفع صوت سُعالٍ مُحرج، وأدار الاثنان وجهيهما بعيدًا.
لكن من الواضح أنّها فعلًا تُريد أحفادًا.
‘دَعوا كالاد يتكفّل بذلك.’
أمّا أنا، فلا شأن لي بالزواج.
“كالاد، هل تستطيع الرقص؟”
“كلا، لا أذكر خطوةً واحدة.”
أجاب بلا تردّد. أمّا أنا فما زلت لم أتعلم الرقص.
‘وروز أيضًا لا تُجيد الرّقص، أليس كذلك؟ فلا بأس.’
لكن مارسيلّا لم تسمح لي بالتهرّب.
“جيّد، إذًا سوف تتدرّبان معًا.”
قالت إنّ المعلّمة ستأتي بعد يومين لتدريبنا، فانقبض قلبي.
لم يكفِ أنّني لا أحبّ التدرّب، بل كان عليّ أن أفعل ذلك مع كالاد أيضًا.
لمّا التقت نظراتنا، تنفّستُ في داخلي تنهيدةً طويلة.
‘ليت أحدًا يُغشي عليّ حتى ينتهي حفل التّأسيس.’
لكن للأسف لم يتحقّق ذلك.
***
في غرفةٍ تتردّد فيها أنغام الموسيقى الكلاسيكيّة العذبة، كنّا نتدرّب على خطوات الرّقص مُمسكين بأيدي بعض.
“لماذا نفعل هذا بحقّ السّماء؟”
“أنا أيضًا لا أعلم.”
أجبته همسًا، لكنّه كان مُحقًّا.
“قد يكون وجود شريك تدريب أمرًا مُفيدًا لكِ، لكن ليس لي. سأشارك يومًا واحدًا فقط، فلماذا أضيّع وقتي؟”
غير أنّ هذه التّدريبات اليوميّة جعلت أجسادنا تستعيد ما نسيناه.
فقد خطّط كالاد ألّا يحضر إلّا الليلة الأولى، بينما عليّ المشاركة طوال الثّلاثة أيّام.
بصراحة، فرص إيجاد خطيبٍ مناسب شبه معدومة، فالموضوع لا يعدو كونه تسلية.
لكنّ رؤية كالاد عن قرب ساعاتٍ طويلة جعلت مودّتي تنخفض بدل أن تزيد.
“هكذا، نعم! ارفعي قدمكِ بدلال، ثم استديري، آه ما أروع ذلك.”
كانت المعلّمة إيلا بارتان تُطلق صيحات الإعجاب وهي تُلوّح بيديها.
بعد أن أنهينا الأساسيات، ركّزت على تدريبات الدّوران، حتى شعرتُ كأنّي أطير في الهواء.
‘هذا ممتعٌ أكثر مِمّا ظننت.’
كنتُ أحيانًا أتعمد دوس قدم كالاد والوقوف فوقها، أو أترك نفسي ليدور بي في الهواء. لم يكن الأمر مُرهقًا بل مُسلّيًا.
كنت أظنّه سيشكو من ثقلي، لكنّه فاجأني بأدائه الجيّد.
فاندفعت المعلّمة لطلب حركاتٍ أصعب فأصعب.
وبينما كنّا نرقص بعيدًا عن مسامعها، تبادلنا حديثًا خافتًا:
“هل ستحضر مهرجان المبارزة في حفل التّأسيس؟”
كان ذلك مهرجانًا تُشرف عليه الأسرة الإمبراطوريّة، يتبارز فيه المحاربون من أجل المجد والشّهرة.
“سأذهب للبحث وجمع بعض المعلومات.”
“إن حاولتِ الذّهاب وحدكِ فلن توافق أمي، فالتزمي السّير خلفي بهدوء.”
كنتُ أنوي أخذ مرافقٍ للحراسة أصلًا، فكان هذا ملائمًا.
لم أبالِ بتجهمه، وأومأت برأسي ثم تابعتُ خطوات الرّقص.
بعد خمسة ألحان متواصلة، كنتُ أنا مَن ينهار أولًا.
فنستريح قليلًا بين جولةٍ وأخرى حتى ينتهي وقت الحصّة.
“أحسنتما! تبدوان كزوجٍ من الطّيور الرّائعة. بقليلٍ من الجهد ستتقنان جميع الحركات الصّعبة.”
قالت ذلك بوجهٍ مُشرق، ثمّ ضمّت يديها أمام صدرها بتوسّل.
“أرجوكما، أظهرا هذه الرقصة في وسط قاعة الاحتفال.”
لم أستطع تجاهل عينيها المتألّقتين.
لم أكن أنوي تنفيذ ذلك، لكن ما دامت لن تتأكّد فلا بأس.
فأجبتها بالإيجاب وعدتُ إلى غرفتي منهكة.
“تعبتِ، أليس كذلك؟ سأُدلّك لكِ جسدكِ.”
رحّبت بي كلوي بابتسامة.
صارت حياتي مُزدحمة: راحة، كتابة، طعام، استحمام، نوم، ثمّ تدريب.
وكانت كلّ صباح تقريبًا تقيس أبعاد جسمي.
وهكذا، غفوتُ على جسدي المُرهق، لأجد أنّ الحفل قد أصبح قاب قوسين.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 28"