لم أُحدّد ذلك مسبقًا، لكن منذ وقتٍ ما، أصبحتُ أستطيع تمييز أهمية العمل من خلال طريقة تواصل دار النشر.
إرسال رسالة مكتوبة يعني مجرّد تبادل معلومات بسيطة أو مشاركة مستجدّات.
الزيارة المباشرة تعني أنّ الأمر يتطلّب رأيي أو قراري، وغالبًا ما يكون خبرًا جيّدًا.
أمّا إن وصل الاتصال عبر أداة التواصل السحري فجأةً ومن دون إنذار، فذلك يعني عادةً أمرًا عاجلًا للغاية، ومعظم الأحيان خبرًا غير سارّ.
“هـ… هوو، لقد وصلتنا من بيت الماركيز رسالةٌ مع هدية مرفقة… لكن ليس لدينا مكانٌ نضعها فيه.”
“ماذا تقول الرسالة…؟ لا، دعني أقرأها بنفسي. الهدية ما هي؟”
“أنواعٌ كثيرة… فواكه، مزهريّات، باقات أزهار… كما أنّهم أعطوني صندوق جواهر يحوي حُليًّا بشكلٍ خاص، لكن ماذا أفعل به؟ لا يوجد لدينا خزانة أمانات في دار النشر، فاضطررتُ لحمله بنفسي إلى هنا!”
أصابني الدوار وأنا أستمع إلى تفسيرات دانيال المرتبكة.
بحسب ما قيل لي، فقد وصلت حمولة عربةٍ كاملة تقريبًا كهدية.
ومن أجل التأكّد من محتوى الرسالة، جاءت دانيال بنفسها إلى القصر حاملةً صندوق المجوهرات في حضنها.
“لقد خرجتُ من الباب الخلفي، واستبدلتُ العربة ثلاث مرّات، وحتى غيّرتُ ملابسي مرّةً قبل أن أصل إلى هنا!”
‘لا بدّ لي من أن أضع بوّابة انتقالٍ فوري في دار النشر أيضًا…’
فكّرتُ أنّه بما أنّ التكلفة تقلّ كلما قصرَت المسافة، فإنّ عليَّ تركيبها هناك قبل مقاطعة البارون.
“على أيِّ حال، دعنا نرى محتوى الرسالة أوّلًا.”
كان من الواضح للعين أنّ الظرف يحمل ختمًا نُبيلًا، وقد كان أثخن من المعتاد.
<إلى الكاتب المحترم كارما>
‘البداية وحدها غير عاديّة.’
نظرتُ سريعًا عبر ثلاث صفحات تقريبًا، ولمحتُ أنّ المرسل قد كتب بإيجاز عن نفسه.
<أنا أحد أفراد عائلة الماركيز المتواضعة، وقد تأثّرتُ بصدقٍ بعملك، يا كارما.>
“هل يمكن أن يكون شخصًا ينتحل لقب الماركيز؟”
“ألا تعلمين أنّ انتحال صفة النبلاء جريمةٌ كبرى؟”
تذكّرتُ حين تلقّيت رسالةً من الأميرة سيلينا وذهبتُ شخصيًّا لأتأكّد. صحيح أنّه لا أحد يجرؤ على انتحال صفة ماركيز، فالعقوبة ثقيلةٌ للغاية.
كما أنّ المرسل لم يكشف هويّته الحقيقيّة، تمامًا كما استخدمتُ أنا اسم كارما المستعار.
“على الأرجح… هو أحد الفروع الجانبيّة من عائلة الماركيز.”
وضعتُ الرسالة جانبًا، ثمّ فتحنا صندوق المجوهرات الذي جاءت به دانيال.
ساد الصمت للحظات، ثمّ تكلّمت كلوي بحذرٍ بعدما أدركت قيمة ما بداخل الصندوق.
“الياقوت الأزرق… هذا حجرٌ ضخمٌ فعلًا.”
عقدٌ يلمع ببريقٍ أخّاذ عند ملامسته للضوء.
لم يكن هناك أيُّ مجال للشك إن كان أصليًّا أم مزيّفًا.
“إذًا هو ليس من جهةٍ فرعة… بل من العائلة الرئيسية نفسها؟ هاهاها…”
لم يكن من الممكن ردّ هذه الهدية.
لحسن الحظ، كان في الرسالة نصٌّ يقول:
<بعد أن تأثّرتُ بعمق بعملك “فرسان السماء”، رغبتُ في تقديم هذه الهديّة لا بصفة الرعاية، بل بصدقٍ محض من قلبي.>
في الإمبراطوريّة، كانت “الرعاية” تعني أن يدعم النبيل الفنان، مقابل أن يُكافأ لاحقًا بعملٍ فنّي.
لكن بعد إعادة قراءة الرسالة أكثر من مرّة، كان واضحًا أنّ هذا ليس دعمًا رسميًّا بل أشبه بتقديم الجزية، مُرفقة بانطباعاتٍ عاطفيّة مُخلصة من قارئٍ متحمّس.
‘لم أتخيّل قط أنّ أوّل رسالة مِن معجب ستصلني بهذا الشكل.’
بعد ذلك، تولّى دانيال جمع كلّ الهدايا المتراكمة في دار النشر ونقلها إليّ سرًّا.
لكن بعد وقتٍ قصير، جاء صوتها المرتجف مجدّدًا عبر أداة التواصل السحري:
“لقد تعطّل عملنا بالكامل، يا كاتبتنا!”
***
“تخيّل! أحد النبلاء أرسل عربةً كاملة محمّلة بالهدايا، لا كدعمٍ رسمي، بل كقارىءٍ صادق يريد شكر الكاتب! وكان بينهم حتى صندوق مجوهرات … لكن يا تُرى، ما الذي كان داخله؟”
كلمةٌ عابرة تسرّبت من موظّفٍ جديد وهو يثرثر مع صديقه.
لم تكن تتعلّق مباشرةً ببنود عقد السرّية، لكنّها مع ذلك كانت معلومةً لا يعرفها سوى العاملين في دار النشر.
وبما أنّ البعض كان يراقب دار النشر سلفًا، فقد اكتسبت القصة مصداقيّة، وسرعان ما انتشرت الشائعة في غضون يومٍ واحد.
وعندها لم يتمالك القرّاء أنفسهم أكثر، فانفجر سيلٌ من الرسائل والهدايا نحو دار النشر سافير.
‘رعاية؟ لا حاجة لذلك.’
فكلّ ما أرسلوه كان مجرّد رسائل وهدايا من القلب فقط.
لم يميّزوا بين نبيلٍ أو عامّي، فالجميع جاءوا إلى دار النشر بحثًا عن وسيلةٍ لإيصال مشاعرهم إلى كارما.
“لقد علّقنا للتوّ إعلانًا نرفض فيه استلام الرسائل والهدايا مؤقّتًا، لأننا لم نعد نجد لها مكانًا.”
الازدحام المفاجئ الذي اجتاح دار النشر الصغيرة كان كفيلًا بتدميرها في يومٍ واحد.
ومع ذلك، كان المشهد أمام المبنى مليئًا بوجوه حزينة آسفة، مطيعة لما كتبناه من اعتذارٍ رسمي.
“…فماذا نفعل الآن؟”
قالها الموظّف الجديد، ريو، وهو يحمل صندوق مجوهراتٍ ضخمًا.
دانيال لم تفتح الصندوق لتتأكّد من محتواه، لكن كان في داخله على الأرجح ياقوتٌ أزرق أيضًا.
“فلنرتّب أوّلًا ما أرسله النبلاء فقط. ضع كلّ صندوق مع اسم مرسله ونرتّبها بالتسلسل.”
أغمض غريك عينيه نصف إغماضة وهو يراقب أكوام الرسائل والهدايا التي ملأت المكتب حتى غصّ بها.
منزل الدوق واحد… منزل الماركيز واحد… ثلاثة من منازل الكونت…
مجرد قراءة القائمة كان كفيلًا بإثارة رجفةٍ في القلب.
كان لا بدّ من تسليم هذه الهدايا سريعًا إلى كاترينا، لكن الكميّة كانت أكبر مِن أن تُنقل دفعةً واحدة، وفوق ذلك كانت العيون تراقب دار النشر.
وبملامح على وشك البكاء، اتّصلت دانيال بكاترينا عبر أداة التواصل السحري.
***
‘أخذ أيّ شيءٍ من هذا قد يُسبّب لي المتاعب…’
ولم يكن من الممكن ردّ الهدايا أيضًا.
فاضطررتُ أن أعلّق بنفسي إعلانًا رسميًّا أمام دار النشر لتهدئة الموقف.
كتبتُ فيه عبارات شكر، واعتذار عن الحرج، وتوضيحًا بأنّي لا أستطيع قبول الهدايا أو الرسائل المادّية، وأنّني سأكتفي بمشاعر القرّاء وسأردّ عليهم بعملي.
صحيح أنّ دار النشر بات عليها عملٌ إضافي لفحص كلّ هديّة ورسالة تحقّقًا من سلامتها، سواءً سحريًّا أو غير ذلك، لكن لم يكن هناك خيارٌ آخر.
“لقد وصلتنا أيضًا هديّةٌ من برج السحر!”
كانت دانيال مرتبكًا في البداية، لكنّها سرعان ما تماسكت وبدأت تراجع قائمة الهدايا.
“أيُّ برج؟”
“البرج العاشر. أذكر أنّني رأيتُ امرأةً تبدو كـ ساحرةٍ بين من جاءوا… شعرها طويلٌ أسود وكانت جميلةً للغاية.”
تجاهلتُ تعليقاته وأنا أفتح الظرف.
كانت هناك رسالةٌ من ثلاث صفحات.
‘كمٌّ عادي نسبيًّا.’
عادةً ما تبدأ من صفحتين إلى خمس.
<إلى الكاتب كارما، صانع الخيال.>
‘يا لها من افتتاحيّةٍ فريدة…’
تصفّحتُ السطور التالية فوجدتُ أنّ الرسالة تختلف كثيرًا عن الرسائل السابقة.
<من أجل نشر عملك في أنحاء الإمبراطوريّة، سيكون السحر عونًا لك بما يفوق طاقة دار النشر وحدها.>
‘مشكلة الكميّات… نعم، هذا دائمٌ عندنا.’
<روايتك رائعة، لكن ماذا لو أضفنا إليها رسوماتٍ وسحرًا يُحوّلها إلى مشهدٍ بصري؟>
إنتاج محتوى ثانويّ لهُ قيمةٌ هائلة.
وبما أنّ الرواية قد أثبتت نجاحها، فقد ازدادت ثقتي أنّ هذه الفكرة ستُكلَّل بالنجاح.
<من خلال السحر، فإنّ البرج العاشر مستعدٌّ تمامًا لدعمك.>
كنتُ دائمًا أتجنّب الاستعانة بالسحرة لأنّ تكلفتهم مرتفعة، إضافة إلى أنّهم معروفون بالتكبّر.
لكن هذه الرسالة، منذ بدايتها، كانت منخفضةً النبرة بشكل غير متوقّع، ومحتواها ازداد إثارةً كلّما تقدّمتُ في القراءة.
<بصفتي قارئًا وسيد البرج العاشر، فأنا مستعدٌّ لمناقشة الأمر معك في أيّ وقت. أرجو أن تشرّفنا بزيارتك.>
“لقد تغيّر وجهكِ فجأةً… هل هناك كلماتٌ سيئة في الرسالة؟”
“…كم تكون عقوبة انتحال صفة سيّد برج سحر؟”
أعدتُ قراءة الرسالة بعناية من البداية، لكنّها لم تتغيّر.
وكان من المستبعد جدًا أن يكون هذا مجرّد ادّعاءٍ كاذب.
لم يكن اقتراحًا يُمكن رفضه بسهولة، فقد كنتُ أعرف تمامًا قيمة السحر.
“اطلب من نقابة المعلومات حالًا جمع كلّ ما يمكن عن البرج العاشر وسيّده.”
كان لا بدّ من معرفة خصمي قبل أن ألتقي به.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 26"