الفصل 22 :
كان طعام كالاد بعد أول لقمة، تلتها الثانية، لكن لم يكن هناك ثالثة.
في المقابل، على طبق كاترينا التي كانت تعبث بطعامها بجانبه، بقي الطّعام كما هو تمامًا.
‘هذه الفتاة لم تتغيّر حتّى بعد مجيئها إلى هنا.’
رغم أنّ الطّعام كان يذوب في الفم من شدّة لذّته.
“هل يمكنني أن آكله؟”
“كُلْه.”
دفعت طبقها نحوه بعد أن وضعت أدوات الطّعام جانبًا دون أدنى تردّد.
لو كان الموقف في ظروف أخرى، لاعتُبِر ذلك تصرّفًا غير نبيل، ولأوقفها أحدهم.
لكن، بما أنّ الثلاثة لم يعارضوا، بدأ كالاد يتحدّث وهو يزدرد الطّعام في فمه.
“أفكّر أن أركّز على دروس الوريث بدءًا من الآن.”
قالها بأقصى ما يمكن من الهدوء.
وبوجهٍ لا يظهر عليه أيّ انفعال.
“الاختبار الأوّل… تأجّل، ثمّ سقطتُ في النّهاية.”
نطق بالنتيجة بينما وضع أوّل قضمةٍ من الطّبق الذي قدّمه له النّادل في فمه، ثمّ ارتسمت على وجهه ابتسامةٌ مُرّة.
ما كان لذيذًا قبل لحظات، لم يعد له أيُّ طَعمٍ الآن.
لأنّ الفشل كان أكثر مرارةً من أيّ شيء آخر، بدأ كالاد بشرب النّبيذ مرارًا وتكرارًا.
***
ذلك الأحمق.
ليته قال فقط إنّه يريد المحاولة مرّةً أخرى.
رغم أنّ كالاد تحدّث عن فشله بوجهٍ يبدو صلبًا، إلّا أنّ ذلك ترك أثرًا عكسيًّا.
كايلو بدا أكثر من يشعر بالأسف، وأليكسيس ارتسم على وجهه تعبيرٌ مرير.
أمّا مارسيلا فتردّدت، ولم تتمكّن من قول أيّ شيء، بينما كان كايلو أوّل من تكلّم.
“أنتَ شابٌّ صغير، وبدأتَ تطمع في منصب رئيس العائلة؟”
“أنا الوريث الوحيد، فلا بُدّ من أن أتعلّم كلّ شيء ما دام والدي لا يزال في كامل صحّته.”
“تشه، والدك فارسٌ أيضًا.”
لذلك، تعلّم السّيف أيضًا أثناء دروس الوريث.
بتلك النّبرة الخفيفة، أومأ أليكسيس بالموافقة أيضًا. ومع انسياب الأحاديث، ظلّ صوت تصادم كؤوس النبيذ يتردّد في الأرجاء.
‘في البداية، كنتُ متردّدة.’
كنت على وشك أن أسأله فور رؤيتي له عن النتيجة، لكن ملامحه جعلتني أتراجع.
ومنذ ذلك الحين، أثناء طريقنا إلى المطعم، لم يظهر على كالاد أيّ ملامح تشبه الفرح.
كنت أتوقّع أنّه قد فشل، لكن حين تحقّق ذلك فعليًّا، شعرت بالأسف يطغى.
‘لقد بذل مجهودًا كبيرًا، ومع ذلك فشل؟’
شربتُ النبيذ الذي صُبّ لي دفعةً واحدة وقلتُ:
“لنطلب المزيد من النبيذ.”
على أيّ حال، يبدو أنّه أوشك على الانتهاء.
بعد أن طلبنا زجاجة أخرى، وعند تناول الحلوى، تسلّلت إلى أذنيّ نبرة مارسيلا الهادئة.
“……لمَ لا تُجرّب مجدّدًا في الاختبار الذي سيُقام بعد عامين؟ لقد اكتسبتَ خبرةً الآن، وإذا عالجتَ نِقاط ضعفك، قد تحصل على نتيجةٍ أفضل.”
“أمّي، في هذا العالم، هناك كثيرون موهوبون حقًّا. أنا فعلتُ كلّ ما بوسعي دون أن أندم، لذا لا بأس الآن.”
جاء الرّفض القاطع بلا أيّ تردّد، ما جعلني أرتعش لوهلة.
‘يبدو أنّه اتّخذ قراره بحزم.’
لأنّ كالاد لم يترك مجالًا لأيّ احتمال، لم يُعَد ذكر موضوع اختبار القبول.
ومع تبادل الأحاديث، أخذ عدد زجاجات النبيذ الفارغة يزداد، بينما جلستُ أستمع فقط، وبدأ أثر الكحول يتصاعد تدريجيًّا في جسدي.
“آه.”
“خذ، هذا لك.”
ناولته منديلًا بعدما سكب بعض الماء، ربّما من أثر السُّكر.
‘يا لك من فوضويّ.’
ربّما بسبب قلّة النّوم وتناول الكحول، بدأت جفوني تثقل.
“……الآن، عليّ فقط حماية مقاطعتنا.”
ما الذي كُنّا نتحدّث عنه؟
لم أغلقت عينيّ سوى للحظة، لكنّني فوجئتُ بكلام كالاد.
شعرتُ وكأنّني فوتّ جزءًا مهمًّا من الحديث.
كنت أحاول الإنصات لمتابعة الحديث من جديد، لكن…
“طالما انتهينا من الطّعام، فلنعد إلى القصر.”
بدأنا التجهّز للمغادرة.
“كاترينا… احرص على الاعتناء بها يا كالاد.”
“هل تستطيعين المشي؟”
مَن تظنّني؟
عدّلتُ جلستي التي كانت مترخّية، ونهضتُ بجسدي بحالة أكثر صفاءً من قبل.
“هيا، تقدّم.”
دفعتُ ظهر كالاد الذي كان يقف أمامي بيدي، ثم بدأ يسير ببطء.
نزلنا إلى الطابق الأول، ودفعنا الحساب، ثم خرجنا.
“هذه ليست عربتنا.”
كادت رغبتي الجامحة في العودة للمنزل أن تجعلني أخطئ بين العربات، فهي تتشابه كثيرًا.
“……كات…….”
“بجانبك، أنتِ…”
كأنَّ أحدهم يتحدّث عنّي.
ركبت العربة، وأسندتُ ظهري، وما إن أغلقت عينيّ وفتحتها حتّى كنّا قد وصلنا إلى القصر.
“مرحبًا، كلوي.”
“كم كأسًا من النبيذ شربتِ، آنستي؟”
“ربّما ثلاث كؤوس فقط؟”
كنتُ أحرص على ألا أُسكَر كثيرًا. فأنا مثل مارسيلا لا أتحمّل الكحول.
وبينما تفرّق أفراد العائلة كلّ إلى مكانه، توجّهتُ إلى مكتبي، ثم خرجتُ منها وأنا أحمل كتابًا، وذهبتُ للبحث عن كالاد.
الطّرق؟ لا وقت له.
بَرَقْ!
“……سيدي! الآنسة جاءت لزيارتك!”
بمجرّد أن فتحتُ الباب، التقيتُ بوجه الخادم المتفاجئ، لكن كالاد خرج من الداخل وهو يرتدي رداءً فقط.
أوف… عيناي!
“ماذا هناك؟”
“هذا.”
ناولته الكتاب بسرعة، فأخذه بتعبيرٍ فاتر.
كان حوارًا بسيطًا بين أخ وأخته.
أنا أيضًا كنتُ مرهقة، لذا اكتفيتُ بإيصال الأمر سريعًا.
“قلتَ إنّك تريد قراءة الجزء الثاني من فرسان السّماء، أليس كذلك؟”
رغم أنّ النّسخة التي أحضرتها لا تحتوي على رسوم زيون التي تمّت الموافقة عليها صباح اليوم، إلّا أنّها كانت نسخة عرضٍ فاخر.
قريبًا، سيتمّ طرح الجزء الثاني مع الرّسوم.
“بما أنّ المضمون قد اكتمل، يمكنك قراءته إن أردت.”
شعرت أنّ إعطاءه الكتاب الذي أراده أفضل من مواساته بالكلام.
خصوصًا أنّ بعض ما قاله أثناء العشاء كان مشابهًا لما ورد في الكتاب.
رؤية كالاد وهو لا يستطيع رفع عينيه عن الكتاب الذي طالما انتظره جعلتني أبتسم، ثمّ غادرت الغرفة بصمت.
“آنستي؟ لا بُدّ أن تستحمّي الآن.”
“يجب أن أغيّر ملابسي أوّلًا، لذا اجلسي.”
كنتُ أرغب في الاستلقاء على السّرير والنّوم فورًا.
لكنّ كلوي أمسكت كتفيّ برفقٍ وبحزم في الوقت نفسه، وبدأت تُوجّهني من دون أن أملك إرادةً للمقاومة.
‘أنا نَعِسة…’
رغم أنّني لم أدخل الاختبار بنفسي، فلماذا أشعر بكلّ هذا التّعب؟
***
“همم… ما العمل بهذا الآن؟”
استعاد كالاد وعيه تمامًا من أثر السُّكر، واستند إلى سريره بتعبيرٍ حائر.
أمام ناظريه كان الجزء الثاني من فرسان السّماء.
رغم أنّه كتابٌ مناسب تمامًا لقراءته في مثل هذه الليالي السّاهرة، إلّا أنّه لم يتمكّن من البدء.
‘أنا ممتن لاهتمام كاترينا…’
لكن هذا الكتاب… بالذات… لا أريد قراءته الآن.
ظلّ يحدّق في الغلاف دون أن يفتح الصّفحات. لعلّها لن تسأله غدًا عن رأيه بالمحتوى، أليس كذلك؟
تذكّر كالاد المشاعر التي انتابته عند قراءة الجزء الأوّل، فابتسم بمرارة.
“هكذا يكون معنى الاستسلام، إذًا…”
حين رأى كايل يتخلّى عن الانضمام إلى فرسان القصر الإمبراطوري، شعر بالأسف، تمامًا كما يشعر الآن تجاه نفسه.
يبدو سليمًا من الخارج، لكنّه فارغ من الدّاخل.
جلس شاردًا لفترةٍ طويلة، ثمّ مدّ يده، وقلّب صفحات الكتاب عرضًا.
لطالما أراد قراءة الجزء الثاني بهذا الشّغف في السّابق.
لا يريد أن يبدو وكأنّه يهرب من مجرّد كتاب.
‘ما كانت آخر لقطة في القصة؟’
تلمّس بذاكرته المحتوى الذي قرأه مرارًا، وحين وصل إلى الصّفحة الأولى…
بدأ بتقليب الصّفحات الواحدة تلو الأخرى دون أن يتنفّس.
فلم يعُد كايل الذي تخلّى عن فرسان القصر يشبهه الآن.
ظلّ ضوء غرفته مُشتعلًا حتّى طلع الفجر.
「”أريد أن أُصبح فارسَ السّماء أيضًا.”」
كايل الذي وجد هدفًا جديدًا في عالمٍ غريب.
حين أُجبر على خوض مبارزةٍ رغم فشله في دخول فرسان القصر، وأظهر ضعفًا في الهجوم والدّفاع…
قال له العجوز وهو يرى ضَعفه:
「”سيفُك… هو سيفٌ لحماية الآخرين، أليس كذلك؟”」
سيفٌ الحماية.
كلمات مارسيلا التي طلبت منه حماية كاترينا، وكلامه السابق عن حماية مقاطعتهم، عادت إلى ذهنه.
عندها، شدّ قبضته على الكتاب.
فقد أدرك تمامًا نوع السّيف الذي يجب عليه أن يحمله من الآن فصاعدًا.
تخلّى كالاد كليًّا عن أيّ بقايا للحنين تجاه فرسان القصر الإمبراطوري.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 22"