الفصل 17 :
منذ صدور فرسان السّماء الزّرقاء، اعتاد النّاس على الاصطفاف أمام المكتبات منذ الصّباح الباكر.
في البداية، كان هناك من يحاول حلّ الأمور بالقوّة أو النّفوذ، لكنّ الأمور استقرّت لاحقًا وتحوّلت إلى ثقافة احترام النّظام بشكلٍ طبيعيّ.
“ألم يهدّد ذلك الأحمق الأصلع، جاكوب، من كان في أوّل الصّف بالأمس ليتجاوز الدّور؟”
“أمثال أولئك لا يستحقّون حتّى الطّعام.”
“النّبلاء الآخرون لا يفعلون ذلك، لكن سمعت أنّ خادم الكونت ستاين تجاوز الدّور بالأمس واشترى الكتاب.”
ورغم أنّ استخدام الوسائل غير العادلة للشراء لم يكن مشكلة في حدّ ذاته، إلّا أنّ السّمعة كانت تهوي بسرعة دون رحمة في اليوم التّالي.
أن تتجاوز الدّور أمام أولئك الذين ينتظرون بفارغ الصّبر دورهم، كان أمرًا كفيلًا بإثارة التّوتّر، خصوصًا مع نفاد صبرهم أصلًا.
“ألا ترى الصّفّ؟ من تظنّ نفسك؟”
بل وصلت الأمور أحيانًا إلى اشتباكاتٍ بالأيدي، ما استدعى تدخّل الحرس عدّة مرّات.
بعدها، بدأ بعض النّبلاء يرسلون خدّامهم ليصطفّوا بوضوح وهم يرتدون شارات العائلة، في محاولةٍ لاكتساب ودّ العامّة.
وبينما كانت الحماسة تخفّ تدريجيًّا بعد ارتفاع عدد من اشتروا كتاب كارما، صدر الجزء الثّاني من حفلة التّنكر.
كان كثيرون قد قرأوا العملين السّابقين لكارما، لكن بسبب صدور الجزء الأوّل فقط، لم يكن لديهم ما يُكملونه.
“عذرًا…”
“نعم؟”
“هل هذا هو صفّ مكتبة ليفرني؟”
“نعم، صحيح.”
صار منظر الصفّ الطّويل مألوفًا لدرجة أنّ أحدًا لم يعد يُبدي دهشة.
كان لا بدّ أن تدور مرتين حول المبنى لتصل إلى نهايته، وبدأ الحرس بتنظيم المرور مع تزايد الحشود بشكلٍ مبالغٍ فيه.
بل إنّ عدد الواقفين في الصّفّ فاق عدد المارّة في الشّوارع.
ومن كان يراقب السّاعة بقلقٍ في انتظار افتتاح المتجر، بدأ يتساءل مع ارتفاع الأصوات من الأمام.
“ماذا قلت؟”
“سمعتُ أنّ هناك كمّيةً محدودة… لكن لا أعلم التّفاصيل.”
“لكنّ هذا كان موجودًا من قبل، أليس كذلك؟”
منذ صدور فرسان السّماء الزّرقاء، وُضِع قانون يمنع شراء أكثر من عشر نُسخ مرّةً واحدة، لمنع النّبلاء من اكتساح السّوق.
ومع تزايد الضّجّة من الأمام دون مؤشّر لانتهائها، بدأ الواقفون في الخلف يتبادلون النّظرات الحائرة.
فجأة…
“آه؟ هل اشتريتَ الكتاب؟”
“…هاه، نعم.”
رجل يحمل كتابين تحت ذراعه عاد مسرعًا ليقف في نهاية الصّفّ مجدّدًا.
“لكن، لماذا لم تذهب لتقرأه؟ لماذا عدتَ إلى هنا؟”
سأله شخص عاديّ من خلفه بنيّةٍ صافية، فتردّد الرّجل قليلًا ثمّ قال:
“كنتُ أنوي شراء عشر نسخ، لكن لم يُسمح لي سوى بنسختين… ولم أفز كذلك.”
“فزتَ؟ بماذا؟”
“…بنسخة موقّعة بخطّ يد كارما. سأنتظر مرّتين هنا، وإن لم أجد واحدة، سأجرّب مكانًا آخر.”
لم يفهم كثيرون ما الذي يعنيه في البداية.
لكن ما إن بدأ المشترون بالخروج، حتى وصل الخبر إلى آخر الصفّ.
بالنّسبة لمن يقرأون الكتب، لا يمكن أن يخفى عليهم معنى “النسخة الموقّعة”.
كان العامّة يظنّون أنّ تلك النسخ ستكون من نصيب النّبلاء الأثرياء فقط، لكنّهم كانوا مخطئين.
“هل… يمكنني أنا أيضًا الحصول عليها؟”
فمع بداية اليوم، وُضعت إعلانات مع كلّ نقطة بيع:
إطلاق الجزء الثاني من حفلة التّنكر
احصل على نسخة موقّعة بخطّ يد الكاتبة كارما، ضمن نُسخ محدودة وموزّعة عشوائيًّا.
◈ 25 نسخة من الإصدار العادي، 25 من الإصدار الفاخر.
◈ تُباع ضمن الدّفعة الأولى فقط.
لا يُمكن معرفة عدد النّسخ الموقّعة في كلّ متجر.
إذا لاحظتَ أنّ التغليف السّحريّ قد فُكّ، فلا تشترِ وأبلغ دار النّشر سافاير.
اختبر حظّك، واحصل على توقيع الكاتبة!
كلّ هذه الكلمات كانت كافية لإثارة جنون الجميع.
نسخةٌ موقّعة بخطّ اليد.
عشوائيّة.
كمّيّة محدودة.
حظّ.
حتّى النّبلاء الذين أرسلوا خدّامهم وبقوا في منازلهم، أصيبوا بالذّهول.
فالجميع أدرك أنّ المال وحده لا يكفي للحصول على تلك النّسخة.
وفي العاصمة، بات عدد من يركضون بين المكتبات في ازدياد.
ومع ذلك، لم يعترض أحد على مركز هذا الجنون كلّه: دار سافاير الصّغيرة.
[تصريح رسميّ من دار سافاير للنّشر]
1. ستُنشر أعمال الكاتبة كارما تباعًا.
2. نُذكّركم مجدّدًا بأنّ العملين السّابقين صدرا قبل وقتٍ قصير فقط.
3. الكاتبة كارما ترغب في التّركيز على الكتابة فقط.
4. إذا تعرّض عملنا للإزعاج، فقد يتمّ تأجيل مواعيد الإصدار.
◈ يُرجى عدم توجيه هجمات شخصيّة أو اهتمامٍ مفرط تجاه الكاتبة، فقد يؤدّي ذلك إلى وقف النّشر.
وقد نُشر هذا البيان على لوحةٍ ضخمة أمام المقرّ، وسرعان ما انتشر.
ويُشاع أنّ إحدى الصّحف التي كانت تُطلق الشّائعات السّيئة، اختفت فجأة بعد صدور هذا البيان، لكن لم يتأكّد أحد من صحّة ذلك.
***
“آنسة كاترينا، لكن خمسون نسخةً فقط؟ هذا قليلٌ جدًّا.”
“أتدري كم من الصّعب توقيع كلّ واحدة؟ إن اضطررتُ لتكرار هذا لاحقًا، فقد أُقلّلها إلى ثلاثين.”
من أجل هذه الرومانسيّة، وقّعت كاترينا بخطّ يدها دون استخدام سحر النّسخ، وغيّرت حتّى الجملة القصيرة التي تكتبها على كلّ نسخة.
كان من المفترض أن تقوم بذلك مع الطّبعة الأولى من الجزء الأوّل، لكنّها لم تتوقّع نجاحًا بهذا الحجم حينها.
ولحسن الحظّ، فإنّ السّبب الخفيّ الذي كاد يؤدّي إلى إهمال حفلة التّنكر حينما كانت تكتب فرسان السّماء الزّرقاء بقي طيّ الكتمان.
“بما أنّ البيع الدّائم للنسخ الموقّعة محظورٌ تمامًا، لم نتلقَّ أيّ بلاغ حتّى الآن.”
قالت دانيال، التي كانت قلقةً للغاية قبل الإصدار، وكانت نحمل آثار التّعب تحت عينيها، لكنّها الآن تتحدّث بوجهٍ مشرق.
‘من الجيّد أنّ كلّ شيء سار على ما يُرام.’
ساعدت تغليفات الحماية السّحرية في منع سرقة النسخ أثناء التّوزيع.
لكنّ أحدًا لم يتوقّع أن تنفد كميّة النّسخ التي أُنتجت من عشر ورش طباعة ليلاً ونهارًا… خلال يومين فقط!
“سمعتُ أنّها بِيعت في المزاد بثلاثمائة قطعةٍ ذهبية.”
وقد تنوّعت مصائر النّسخ الموقّعة.
وصلت ثمانية منها إلى المزادات، بينما أُبلغ عن مشاهدات للنّسخ المسجّلة ضدّ السّرقة في برج السّحر.
رغم بعض خيبة الأمل، فإنّها ما تزال قد وصلت إلى أيدي القرّاء.
“هل الرّدود إيجابيّة؟”
“…ألم أخبركِ أنّنا بِعنا مئتي ألف نسخة خلال يومين فقط؟”
“أقصد ردود الفعل على مضمون الكتاب.”
لم تجد كاترينا وقتًا لقراءة الصّحف أو التّجوّل ومراقبة ردود الفعل.
‘لا أخبار، هي أفضل الأخبار.’
ولمّا لم يصلها من دانيال أيّ خبرٍ طيلة يومين، فقد تجاهلت الأمر حتّى الآن.
“يبدو أنّ إدوين ما زال أكثر شعبيّة، لكنّ مؤيّدي جيرارد يزدادون بقوّة… لستُ واثقًا حقًّا.”
ابتسمتُ برضى وأنا أرى ملامح التردّد على وجه دانيال.
فهي نفسها، كانت من محبّي إدوين، لكن بعد قراءة الجزء الثّاني، بدأت تميل إلى الشّخصيّة الثّانية: جيرارد.
‘كلاهما له سحره المختلف فعلًا.’
وقد تعمّدتُ أن أجعل الشّخصيّات الرّئيسة الثّلاث ذات سحرٍ مختلف لتناسب أذواق القرّاء المختلفة.
وإذا ما تعادلوا في الشّعبيّة مستقبلًا، فذلك سيكون أقرب ما يكون إلى ما رغبتُ به.
ثمّ أخبرتُ دانيال، الجالسة أمامي بابتسامة، بالتطوّرات القادمة.
“لم أبدأ بعد في كتابة الجزء الثّاني من فرسان السّماء الزّرقاء، وسيستغرق الأمر وقتًا أطول.”
بعد أن جنيتُ كثيرًا من المال، صارت الغرفة التي أنام وأعمل فيها صغيرةً للغاية.
وكانت عائلة بلاين تقيم بالفعل في منزلٍ صغير في العاصمة، لذا فقد يكون الوقت مناسبًا للجميع للانتقال إلى مكانٍ أفضل.
“أنسة كاترينا، لا أحد في الإمبراطوريّة يُصدر الكتب بهذه السّرعة سواكِ، لذا نحن بخيرٍ حقًّا!”
لا أدري لماذا بدت دانيال أكثر سعادة من ذي قبل… أم أنّه مجرّد إحساس؟
لكنّها لم تبدُ محبطةً، بل كانت تُخفي ارتياحًا واضحًا، ما جعلني أضحك دون قصد.
“إذا أردنا المزيد من الاستقرار، فعلينا توظيف المزيد من العاملين… كما أنّ علينا إعادة التّفاوض مع ورش الطّباعة.”
ويبدو أنّ الورش أعادت استثمار أرباحها لتوسيع قدراتها، لذا لم نكن بحاجة إلى التّوسّع أكثر حاليًّا.
وبعد أن أنهت دانيال حديثها حول الأمور الخارجيّة وغادرت…
“هل والدي في مكتبه الآن؟”
“نعم، هو في الدّاخل.”
ومثل السّابق، دخلتُ مكتبه بخطى واثقة دون تردّد.
فمن بين أساسيات الحياة، أهمّها هو المسكن.
وقد حان الوقت لأُحسن إلى والدي، بما جمعتُه من الذّهب.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 17"