الفصل 15 :
“يبدو أنّ العائلة الإمبراطوريّة قد أولَت اهتمامًا بكتابكِ أيضًا.”
“……هل قالتي إنّ الأميرة هي من دعتكِ؟ هذا مذهل!”
بينما أظهر أليكسيس وكالاد ردود فعل مدهوشة بعد أن استعادا تركيزهما، بقيت مارسيلّا هادئةً بشكلٍ مريب.
خلال ذلك، فتحتُ فمي قليلًا لأتناول قطعة اللحم التي كنتُ قد وخزتُها بالشوكة سابقًا.
“توقّفي عن الحركة.”
تسلّل صوتٌ بارد إلى أذني فأوقفتُ يدي في الهواء على الفور.
“لا بُدّ أنّ ثمّة متجر أزياء ما يزال مفتوحًا، علينا البحث عنه فورًا لتفصيل فستان جديد. كاترينا، ماذا تفعلين؟ هيا، انهضي في الحال.”
كان الطبق الرئيسيّ أمامي لا يزال فيه قرابة الثلثين.
لكنّني لم أستطع إلّا أن أضع الشوكة جانبًا، تحت وطأة الحزم الشرس لمارسيلّا هذه المرّة.
‘كان يجب أن أنتظر حتى أنتهي من الحلوى قبل إخبارها…’
في النهاية، وقفتُ من مكاني. وبتوجيه من مارسيلّا، زُرنا متجر أزياء، وهناك خضعتُ لعنايةٍ مكثّفة، بينما التحقت بي بعض الخادمات اللواتي يعملن تحت إدارتها.
“……أنا جائعة.”
وأخيرًا، جاء اليوم الموعود للّقاء الأميرة.
كنتُ قد غُمرتُ بكافة قواعد الإتيكيت، وتحمّلتُ تنظيم أوقات نومي وطعامي، فقط لأتأكّد من أنّ الفستان الجديد يناسبني تمامًا.
وكان شعورًا قويًّا يراودني بأنّ عليّ أن أتحكّم في نفسي حتّى لا أتناول الطعام بنهمٍ أمام الأميرة، بدلًا من التصرف اللائق.
وكما وعدت، أرسلت الأميرة سيلينا عربةً بسيطة للغاية إلى قصر عائلة بلاين.
“لا ترتكبي أيّ خطأ وعودي بأمان.”
“أتذكُرين ما قالته لكِ أمّك؟ فكّري ثلاث مرّات على الأقل قبل أن تجيبي على أيّ سؤال.”
“أخبرينا لاحقًا بما دار من حديث.”
في وقت كهذا، كان من المفترض أن يكون كلّ فرد في العائلة منشغلًا بأمره.
نظرتُ إلى أفراد عائلتي الّذين خرجوا لتوديعي عند الباب، وأومأتُ برأسي بلا حيلة. فمنذ ليلة البارحة، لم أتناول شيئًا سوى أنواع الشاي.
كنتُ أنوي بعد عودتي أن أطلب من الطاهي تحضير وجبةٍ مليئة بالتوابل الحارّة.
وهكذا، استقللتُ العربة بهدوء.
‘كانت تبدو عاديّة من الخارج، لكنّ الركوب فيها مريح جدًّا.’
فقد كانت المقاعد ناعمة، ويمكن من خلالها الاستمتاع بمراقبة المشاهد المتغيّرة عبر النافذة.
دخلنا من بوّابات العاصمة ومررنا إلى داخل القصر الإمبراطوريّ، من دون أيّ تفتيش على الإطلاق، رغم أنّها عربةٌ بسيطة.
لقد تجاوزنا بالفعل عدّة قصور، ومع ذلك لم تُبدِ العربة أيّ نيّة للتوقّف، رغم أنّنا قطعنا مسافةً طويلة منذ دخولنا المنطقة الداخليّة للقصر.
وبينما كنتُ أُراقب الطريق بخيبة أمل، وقد استسلمتُ بعض الشيء، توقّفت العربة أخيرًا في أحد المواقع بعد اجتياز متاهة القصر.
“آنسة بلاين، لقد وصلنا.”
تلاقت عيناي بعيني كلوي، التي كانت تجلس قبالتي، فور سماع صوت من خارج العربة.
رتّبتُ مظهري وثيابي للمرّة الأخيرة، ثمّ فتحتُ الباب، وكان أول ما رأيته هو أحد الحرس يمدّ ذراعه لمساعدتي.
وبمجرّد أن نزلتُ من العربة، رأيتُ صفًّا من حوالي عشرين حارسًا مصطفّين، فشعرتُ بجفافٍ مفاجئ في شفتيّ.
‘لماذا هذا العدد الهائل؟’
وبينما كنتُ أستقرّ على الأرض، اقترب منّي مرافق بابتسامةٍ ودودة.
“جلالة الأميرة بانتظاركِ. سأُرافقكِ إلى المكان المعدّ مسبقًا.”
سرتُ خلفه بخطًى بطيئة متردّدة.
كلّ باب نقترب منه ينفتح تلقائيًّا دون أن يلمسه أحد.
‘هل يمكن أن تكون كلّ هذه الأبواب من الذهب؟ لا أظن…’
كانت الأبواب المتلألئة مغطّاة بنقوشٍ دقيقة تبهر العيون.
تابعتُ السير وأنا أتمعّن في الزينة والأجهزة السحريّة التي تمرّ بجانبي، إلى أن بدأت تظهر خادمات كثيرات بملابس أنيقة.
“لقد شرّفتِنا بقدومكِ. الجميع بانتظاركِ في الداخل.”
توقّفتُ أمام باب بدا الأكثر فخامة ممّا رأيتُه حتى الآن، واقتربت منّي امرأةٌ بدَت كأنّها كبيرة الخادمات.
‘قيل لي إنّه في مثل هذه الحالات، يجب الاكتفاء بانحناءة خفيفة.’
أعدتُ في ذهني قواعد الإتيكيت الملكيّة التي تعلّمتُها سريعًا، ودخلتُ القاعة بإرشادٍ منها، بعد أن كانت مهمّة المرافق قد انتهت.
بمجرّد أن تُفتح الأبواب وتُقابل الأميرة سيلينا، كان من المفترض أن أُلقي التحية المخصّصة للنجم الأوّل.
كنتُ مستعدّة لتطبيق ما حفظتُه حرفيًّا، لكن…
“سعدتُ بلقائكِ، آنسة بلاين.”
“مرحبًا بكِ. هل كانت رحلتكِ مريحة؟”
“أنا أميليا!”
تجمّدتُ في مكاني، غير قادرةٍ على النطق.
من دعاَني إلى هذه الوليمة كانت الأميرة سيلينا، لكنّ ما أراه هو أربع سيّداتٍ يرتدين ملابس فاخرة جالسات إلى الطاولة.
وكانت ثلاث منهنّ يمتلكن العيون الذهبيّة نفسها، في إشارةٍ إلى أنّهنّ من السلالة نفسها.
أمّا الرابعة، فكانت تحمل عيونًا زرقاء كزرقة البحر— الإمبراطورة.
“إنّه لمن دواعي سروري أن ألتقي بكِ، آنسة بلاين. لقد زاد وجودكِ من بهاء هذا المكان.”
قالت الإمبراطورة ريلين بابتسامةٍ متألّقة، عندها فقط تمكّنتُ من استجماع أنفاسي والنطق بالتحيّة.
“إنّه لشرفٌ عظيم أن ألتقي بحكيمة الإمبراطوريّة وبحرها الهادئ، جلالة الإمبراطورة رييلين.”
رفعتُ طرفَ فستاني قليلًا بكلتا يديّ وانحنيتُ بانضباط.
ثمّ حيّيتُ الأميرات الثلاثة واحدة تلو الأخرى، قبل أن يُسمح لي بالجلوس.
تظاهرتُ بالهدوء، لكن قلبي كان ينبض بسرعةٍ هائلة.
كان يفترض أن تكون مجرّد وليمةٍ بسيطة!
‘……أنقذوني.’
رغم أنّني أردتُ الهروب في الحال، فقد حافظتُ على ابتسامةٍ مشرقة مدفوعةً بغريزة البقاء.
هل سأكون بخير بهذا الشكل فعلًا؟
كلّما اقتربت من الطاولة، زادت دهشتي من وهج أعينهنّ الملوّنة.
***
قلب المجتمع الأرستقراطيّ النابض كان الإمبراطوريّة، بلا شكّ.
وبفضل القوّة الإمبراطوريّة الهائلة، كانت الإمبراطورة ريلين والأميرتان تُنظّمن حفلات شاي وحفلاتٍ خفيفة، تُعزّز بها مكانتهنّ.
الإمبراطورة نفسها لم تكن تهتمّ بهذه الأمور، ولذلك نادرًا ما ظهرت في المناسبات غير الرسميّة.
رييلين، بدورها، كانت تستضيف سيدات المجتمع، بينما سيلينا وروزابيل كانت كلٌّ منهما تجمع حولها شابّاتٌ من الأرستقراطيّة من نفس الفئة العمريّة.
“آنسة مارييل، هل اشتريتِ أخيرًا دار النشر التي ذكرتِها سابقًا؟”
“……لا، لكنّني اشتريتُ مكتبةً أخرى بدلًا من ذلك.”
“يا إلهي، حتى أخي الأكبر اشترى مؤخرًا مكتبةً ما، هل لي أن أعرف اسمها؟”
كان الضيفتان في حفلة الشاي البسيطة التي نظّمتها الأميرة سيلينا في حديقة القصر هما ابنة دوق فيرشيا وابنة كونت ميردي.
لقد حافظت على صداقتها معهما منذ الطفولة، ولهذا السبب لم يكن عليها التكلّف أو التظاهر أمامهما.
استغربت سيلينا من فكرة اهتمام مارييل بالكتب، ناهيك عن شراء دار نشر أو مكتبة.
‘مارييل تقرأ كتبًا؟ هذا مستحيل.’
نظرت إليها بشكّ، لكنّ وجهها الجادّ جعلها تتردّد.
“هناك كتاب رائج في الآونة الأخيرة… هل ترغبين في قراءته وقت الفراغ؟”
الآنسة ميردي أليسا قالتها بابتسامةٍ مشرقة، وكأنّها كانت تُحاول كشف فضول سيلينا.
نظرًا لأنّ شقيق أليسا كان الوريث لواحدة من أكبر نقابات التجارة في الإمبراطوريّة، فقد كان من المدهش أيضًا أنّه قرّر شراء مكتبة فجأة.
‘يبدو أنّ كلّ هذا بدأ بسبب ذلك الكتاب بالذات.’
وبين مشاعر الفضول والرفض الطفيف، بدأت سيلينا بقراءة الكتاب.
<الحفلة التنكّرية>
– كارما
فور انتهاء حفلة الشاي، وصلتها نسختان من الكتاب ذاته من كل من مارييل وأليسا.
“العنوان نفسه، لكن النسخة الّتي أرسلتها مارييل تبدو أفخم.”
كانت تنوي مجرّد الاطّلاع على فكرته، وجلست على الأريكة وبدأت بقراءته.
“سموّكِ، هل نُحضّر التجهيزات للتحرّك الآن؟”
“……”
“سموّكِ؟”
“اصمتوا. لستُ بخيرٍ اليوم، سأتناول الطعام في غرفتي، ولا يدخل أحد حتّى أستدعيه.”
غادرت الخادمات الغرفة على الفور بعد أن أدركن أنّهنّ أزعجن سيّدتهن.
ومنذ تلك اللحظة، تجاهلت سيلينا طعام العشاء، وانغمست في قراءة الكتاب بالكامل، بل أعادت قراءته مرّتين قبل النوم.
‘لا يمكنني الاحتفاظ بشيء كهذا لنفسي فقط.’
مع طلوع الفجر، أرسلت نسخة إلى الإمبراطورة رييلين والأميرة روزابيل.
وفي اليوم التالي، استدعت مارييل وأليسا مرّة أخرى، وتحدّثت معهما عن الكتاب، دون ذكر عنوانه.
“رسالة من جلالة الإمبراطورة رييلين قد وصلت.”
بعد يومين، تناولت الغداء مع الأميرتين اللتين قرأتا الكتاب لاحقًا.
وحين نُشرت رواية <فرسان السماء> لاحقًا، أدرك الجميع أنّ <حفلة التنكّر> لم تكن محض صدفة أو حظّ للكاتب.
“……أريد مقابلة كارما شخصيًّا.”
قالت سيلينا هذه الجملة عفويًّا، واتّفق معها الجميع في المجلس فورًا.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 15"