الفصل 14 :
“أَخِي، دعنا نقيم حفلةً تنكّرية أيضًا!”
“……ما هذا الكلام يا أميليا؟”
“حفلة التنكّر يُقيمُها القصر الإمبراطوري! ولهذا علينا أن نقيم واحدة أيضًا!”
النجمة الثالثة للإمبراطوريّة، أصغر أميراتها، جاءت في النهاية إلى مكتب وليّ العهد رايان وقد قبضت على يديها الصغيرتين بحماسٍ شديد.
تبلغ التاسعة من عمرها هذا العام.
طفلة تتلقّى كلّ الدلال من جميع بالغِي الأسرة الإمبراطوريّة.
لو صادفتْه في طريقها لكان أمرًا مفهومًا، لكنّها لم تزر مكتب رايان من قبل، ما يجعل زيارتها له خارجًا تمامًا عن نطاق تفكير أميليا المعتاد.
“الأميرة سيلينا؟”
“أريد أن أرتدي قناعًا أصفر، مثل روز!”
“أو ربّما تقصدين روزابيل.”
ارتجفت.
كانت أميليا، التي تربّت في جوّ من الحُبّ والدّلال منذ نعومة أظفارها، غير معتادة على الكذب.
ولهذا، استطاع رايان بسهولة أن يحدّد أنّ الجاني من بين اثنين، وأنّها بالتّأكيد شقيقته الأصغر منه بعام.
وأومأ بعينيه إلى مساعده الواقف بجانبه.
“أخرجها من هنا.”
هل أدركت أنّها على وشك أن تُطرد؟
“سيلينا أختي قالت إنّها موافقة أيضًا! وأمّي قالت إنّه لا بأس، وأبي قال أن أذهب إليك أنت!”
صرخت أميليا بأعلى صوتها في محاولتها الأخيرة للتمسّك بالأمل.
‘لقد حمّلوه المسؤولية، إذًا.’
بسبب كلّ أولئك الذين يقفون خلفها، بقيت عينا رايان على أميليا لثلاث ثوانٍ إضافيّة.
“أظنّ أنّ لديكِ درسًا في الآداب اليوم.”
“شَهْـ……”
“إن عدتِ بهدوء الآن، فلن أخبر أحدًا بما حصل هنا.”
“باي باي! بالتّوفيق يا أخي!”
لوّحت بيدها دون تردّد، وخرجت مهرولةً من المكتب دون أن تلتفت للخلف.
وما إن ساد الصّمت المكان، حتّى عادت حاجبا رايان إلى وضعهما الطّبيعي، بعد أن كانا قد ارتفعا قليلًا.
فمن يأتي من دون موعدٍ مسبق هو حتمًا دخيل.
على أيّ حال، فإنّ رايان علم من أميليا بأنّ العائلة الإمبراطوريّة ستُقيم حفلة تنكّريّة.
غالبية نساء العائلة يرغبن بها، والإمبراطور نفسه لم يعارض.
وحين تُخبر الأميرة الصغرى وليّ العهد بنفسه، فذلك يعني أنّ الأمور ستسير حسب المُخطّط ما لم يعارضها علنًا.
“جلالتُك، قائد فرسان ديفريك وعدد من أتباعه يرغبون بالانضمام إلى دفاعات الحدود الجنوبيّة.”
في ذات الوقت الذي كان يُراجع فيه بعض الوثائق.
“ارفض ذلك.”
قال رايان بصوتٍ بارد خالٍ من أيِّ مشاعر.
“برج السّحر السّادس طلب الإذن بالدخول إلى غابة لاكنوا للتحقّق من وجود الوحوش.”
ما أكثر أولئك الذين لا يفرّقون بين الواقع والخيال.
توقّف القلم الذي كان يتحرّك بانسيابيّة، وحدّق رايان في مساعده بصوتٍ منخفض:
“بلّغ مسؤولي القصر ألّا يطلبوا بعد الآن أيّ شيءٍ له علاقة بـكارما.”
“أمركم!”
فرايان هو الآخر، كان قد قرأ الروايتين الخاصّتين بكارما.
فبصفته وليّ العهد، كان عليه أن يعرف عن الإمبراطوريّة أكثر من أيّ أحدٍ آخر.
ورغم أنّه يعرف أيضًا هويّة الكاتبة التي تشغل الجميع، إلا أنّه لم يشعر بأيّ انبهار.
حفلة التنكّر لم تكن سوى حدثٍ لرؤية لقاءات الآخرين، وفرسان السّماء مجرّد قصّة تطوّرٍ لرجلٍ عاديّ.
ولو اضطر رايان لاختيار شخصية أثارت إعجابه، لكان لوكي من رواية فرسان السّماء، لكنّ حضوره فيها كان باهتًا للغاية.
وفي الواقع، فعددٌ قليل جدًا من النخبة في البلاط الملكي يعرفون هويّة كارما وكاترينا عبر جهاز الاستخبارات، ومع ذلك تركوها لحالها بهدف التسلية.
لكن، إن أُقيمت حفلة التنكّر، فبنسبةٍ كبيرة ستطلب إحدى الأميرات أو الملكة نفسها دعوة كارما.
‘لا علاقة لي بهذا الأمر.’
فرايان يملك بالفعل كلّ المعلومات: من تكون، ولماذا تكتب، وكلّ ما يتعلّق بها.
ما دامت كاترينا لا تستخدم قلمها للهجوم على إمبراطوريّة، فلن يكون هناك أيّ لقاءٍ شخصيّ بينهما.
***
“وجدتُ في الدّرج الثالث لدى صاحب السّمو كتابين.”
“كارما؟ أليس رايان لا يحبّها؟”
“إذا كان لا يحبّها، فلماذا طلب من ثلاثة خدمٍ شراء كتبها؟”
اجتمع الظلّ المرافق لرايان منذ ولادته -هؤلاء الذين يراقبونه باستمرار– ليتبادلوا أطراف الحديث.
“إنّها المرّة الأولى التي يهتم فيها بامرأة.”
“لستُ متأكّدًا إن كان هذا الاهتمام من ذلك النوع أساسًا……”
“لكنّ احتمالاتها أعلى من الأميرة كريون، على الأقل. كما أنّها أكثر تشويقًا. أنا أُراهن على شابّة من إمبراطوريّتنا.”
قال أحدهم مازحًا وهو يرفع كتفيه.
فأميرة مملكة كراين، التي دائمًا ما يُشاع ارتباطها بوليّ العهد، هي أكثر من يرفضه رايان.
ورغم أنّه بلغ سنّ الرّشد هذا العام، إلا أنَّ وليّ العهد لم يخطب بعد.
ورغم تغليف الأسباب المعلنة بشكلٍ أنيق، إلا أنّ الجميع في البلاط يعلم أنّه شخصٌ مثاليّ للغاية.
ولذا، فخدمه المكلّفون به كانوا يستمتعون حتّى بمثل هذه الأمور الصغيرة.
فهل سيظهر من تُطابق شروطه المثاليّة؟
***
بعد عودتها من تناول الغداء، وقد بدأت تشعر بالنعاس…
“وصلت رسالةٌ باسمكِ يا آنسة.”
غالبًا ما كانت دور النّشر ترسل ممثّلين عنها أو تتواصل عبر جهاز الاتّصال، لذا لم تكن هي.
“من أرسلها؟”
“هممم…… لم يُفصحوا عن ذلك، لكن قيل إنّ محتواها يحتوي على هويّة المُرسل، وقالوا إنّه شخصٌ رفيع المقام.”
من الغريب أنّ الحرس سمح بإيصال رسالةٍ من مجهول، وهذا يُظهر ضعف الحماية في قصر النّبلاء.
فلم أتلقَّ أيّ رسالةٍ جيّدة أبدًا من قبل.
بإحساسٍ غير مُطمئن، جلست على الأريكة وتسلّمت الرسالة من كلوي.
“شعرتُ أنّكِ يجب أن تطّلعي عليها فورًا، لهذا أتيت بها بسرعة.”
واضح أنّه نبيل.
المغلف الأصفر الفاتح مع الحوافّ الذهبيّة كان كافيًا للدلالة على مكانة مُرسلها.
بوجهٍ متجمّد، فتحتُ الرسالة، وجذبتني منذ السّطر الأول الخطوط المتقنة.
<إلى الآنسة كاترينا ابنة السيد بلاين، المُحبّة.>
نظرًا لسرعتي في القراءة، لم أستغرق أكثر من دقيقة لأقرأ الورقة كاملة.
<……ولهذا نرغب في معرفة رأيكِ بشأن حفلة التنكّر التي يُقيمها القصر الإمبراطوري.>
“كلوي، هل من الممكن أن ترسل أميرةٌ إمبراطوريّة رسالةً مزعجة؟”
“ما هي الرّسالة المزعجة؟”
قالت ذلك بوجهٍ حائر، قبل أن تتوسّع عيناها فجأة.
“لا تقولي… هل الرسالة من سموّ الأميرة؟”
“ربّما.”
فمن يجرؤ على انتحال صفة أميرة في نظامٍ طبقيّ كهذا؟
وفي آخر الرسالة، كان مكتوبًا الاسم الكامل لـ سيلينا، الأميرة الأولى للإمبراطوريّة.
ما يعني أنّ محتوى الرسالة حقيقيّ.
وقد ورد فيها أنّ عربةً عاديّة ستأتي بعد ثلاثة أيّام عند الظهر لاصطحابها من منزل بلاين.
يبدو أنّهم ينوون إبقاء هويّتي طيّ الكتمان.
‘الآن حتّى الأميرات يعرفنني؟’
رغم أنّ السبب يختلف عن أسرتي، إلا أنّني شعرت بشيءٍ غريب.
فالاسم المعروف هو كارما، ولم يتعرّف أحد عليّ قبل ذلك.
“لقد دعوني إلى مأدبة غداء.”
“كيف علمت الأميرة بهويّتكِ……؟”
“يبدو أنّها عرفت أنّني كارما. أظنّ أنّها دعوةٌ متعلّقة بحفلة التنكّر، وسأخرج عند الظهر بعد ثلاثة أيّام.”
لم أستوعب بعد، لكنني تقبّلت الواقع سريعًا.
فـ الرفض ليس خيارًا وُلد في هذه البلاد أصلًا.
فمكانة النبلاء تفرض الطّاعة، وأيّ خطأ قد يؤدّي إلى الموت.
‘لا بأس، فليس لديّ ما أفعله حاليًا سوى الكتابة.’
ومع التفكير في الوجبة، بدأتُ أشعر بحرقةٍ في معدتي.
“ستذهبين إلى القصر الإمبراطوري بعد ثلاثة أيّام؟”
“نعم، سيُرسلون عربة وسأخرج سرًّا.”
“……هل ستُخبرين السيّدة أيضًا؟”
آه، لم أفكّر في ذلك أصلًا.
ورغم أنّ كلوي كانت مذهولة في البداية، إلا أنّها بدت الآن أكثر هدوءًا.
وبعد تفكير، أجبتها:
“بما أنّ والدتي على علم، فلا بأس في أن أخبرها بهذا الأمر.”
كنت أنوي الذهاب بهدوء، لكن إن عرفت لاحقًا، فقد لا أسلم من عواقبها.
فكلّ أفراد العائلة يعلمون مدى حساسيّة مارسيلا.
لذا قرّرت أن أخبرها بنفسي.
وفي تلك الليلة، على مائدة العشاء، بدأت الحديث بهدوء:
“سأخرج قليلًا عند الظهر بعد ثلاثة أيّام.”
“ما الأمر؟ هل دُعيتِ إلى مأدبة؟”
نظرًا لأنّني نادرًا ما أغادر القصر، فقد فهمت مارسيلا الأمر فورًا.
“نعم. لقد علمتُ بالأمر اليوم فقط…… وأرغب في الذهاب بهدوء.”
“لا يمكن أن تكون دعوةٌ من رجلٍ بالطّبع، فمن يا ترى تلك النبيلة؟ هل هي الآنسة أوليفيا؟”
فعادةً ما كانت دعوات النساء تصل إلى مارسيلا أوّلًا.
رؤية وجهها المتحمّس وهي تُخمّن أثار فيّ القشعريرة.
حاولت أن أتصرّف بطبيعيّة دون أن أُظهر أيّ ردّة فعل، لكنّني شعرت بنظراتها وهي تضع أدوات الطعام وتنظر إليّ مباشرة.
“من هي؟”
“سيلينا……”
تمتمت بصوتٍ منخفض عن عمد، فمالت مارسيلا برأسها.
‘لا مفرّ الآن.’
قرّرت أن أفجّر القنبلة، بعد أن فقدتُ الأمل في الإخفاء.
“إنّها الأميرة سيلينا.”
وفي تلك اللحظة، توقّفت كلّ الأصوات على مائدة العشاء، وساد صمتٌ رهيب.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 14"