الفصل 10 :
ابنةُ دوق بَرسيا الثّانية، مارييل برسيا، لم تكن في مزاجٍ جيّد.
وقد أدرك الخدمُ ذلك أسرع من أيِّ أحدٍ آخر، فثبّتوا أنظارهم على الأرض ولم يرتكبوا أدنى خطأ.
“لقد أحضرتُ الكتابَ الذي طلبتِه، آنِسَتي.”
“هل هو هذا؟ هل أنتِ متأكدة؟”
“نعم. أنا متأكدة.”
شعرٌ ورديّ مموّج يصلُ إلى الخصر، وعينان ورديّتان كذلك.
كلّ من قابل مارييل في المجتمع الأرستقراطيّ أثنى على جمالها اللّطيف، لكنّ باطنها كان مختلفًا تمامًا.
زوايا عينيها الحادّتان ونظراتها الباردة لا يمكن أن تكون أكثر قسوة.
“سأضربُكِ إن لم يُعجبني بعد قراءته، فاحمليه لكِ مسبقًا.”
وفوق ذلك، لم تكن تتردّد في استخدام العنف.
ما أزعج مارييل اليوم هو مضمونُ كتابٍ تحدّثت عنه إحدى بنات الأرستقراطيّين في حفلةِ الشّاي، والأدهى أنّ ابنةَ المركيز وافقتها الرأي.
‘أن تتحدّثا عن شيءٍ لا أعرفه، وتذكران اسم عائلة الدوق خلال حديثكما؟’
راقبت حديثهما السّرّي الذي جرى أمام عينيها مباشرةً، مُجبَرةً على رسم ابتسامةٍ زائفة.
ثمّ رمقت الكتاب الذي تحمله خادمتها بنظراتٍ ناريّة، وسرعان ما انتزعته منها بعنف.
وما إن قلبت الصفحات بلمسةٍ عصبيّة، حتّى وقعت عيناها على ورقةٍ بيضاء تحتوي على رسمةٍ غريبة، فمزّقتها فورًا.
“تخلّصي منه.”
كانت مارييِل قد قرّرت مسبقًا أن تُنهي قراءة هذا الكتاب ثم تذهب بنفسها إلى والدها لتطلب منه حظره.
ولم يرمش لها جفنٌ حتّى مع أصواتِ حركة الخادمة المرتبكة خلفها.
كانت تُقلّب الصفحات بسرعةٍ لقراءةِ بدايةِ الرواية، ثمّ تمتمت وهي تنقر بلسانها:
“أسوأ مما كنتُ أتوقّع.”
بطلة الرواية ليست إلّا ابنةَ بارونٍ اشترى لقب النّبلاء، واسمُها روز.
وبفضل والدها الطمّاع المتعطّش للسّلطة، اضطُرّت روز إلى الخضوع لزواجٍ سياسيّ يرفعُ مكانتها.
فقد كانت ستُصبحُ محظيّةً لنَبيلٍ يكبرها بثلاثةِ أضعاف في السّن.
「”لن يكون هناك حفلُ تقديمٍ للمجتمع. سنُقيم الزفاف مباشرةً، لذا كوني هادئة حتّى ذلك الحين.”」
سخرت مارييِل في نفسها من رجلٍ لا يُقيم وزنًا لحفلِ تقديم الابنة النّبيلة.
‘مثلُ هذه وتُعدّ من طبقة النبلاء مثلي؟ هذا سخيف.’
روز، التي لم يكن لها سوى والدها، أطاعته طاعةً عمياء.
وبينما كانت مارييِل على وشك أن ترمي شيئًا بجوارها من فرطِ الضيق، حصل ما لم تتوقّعه: روز تمرّدت لأوّل مرّة.
لقد سرقت وثيقةَ النّبالة التي يمتلكها والدها، وتسلّلت إلى حفلٍ تنكّريٍّ يُقام قبل حفلةِ التقديم.
「قاعةُ الرّقص التي لا يُسمحُ بدخولها سوى للنّبلاء.
تحت الثريّا اللامعة، كان الضيوف يتبادلون الحديث خلف أقنعةٍ فاخرةٍ تُغطّي أعينهم فقط.
وقفت روز وحيدةً، تُحدّق في المشهد، ثمّ نظرت إلى انعكاس صورتها في كأسها.
فستانٌ بسيطٌ بلا أيِّ زينة.
وقناعٌ نصفٌ أصفر لا يحمل أيِّ زخرفة، تمنحه القصرُ كحدٍّ أدنى من اللباس.
رغم الأقنعة، كان النبلاء يعرفون بعضهم البعض تمامًا.」
سرعان ما بدأت صورة روز في ذهن مارييِل تتشكّل: فتاةٌ وحيدة تقف وسط قاعةٍ فاخرة.
فمنذ أن بدأت مارييِل بالمشي، وهي تزور تلك القاعات مرارًا.
كانت تلك القاعة جزءًا مألوفًا من عالمها.
「”…أُريدُ أن أرقص.”
همست روز بصوتٍ خافت.
كأنَّ الجميع يتجاهل وجودها عمدًا. لم يقترب منها أحد، وهي أيضًا لاحظت ذلك.
كانت تدور في الأطراف، تتجنّب إيذاء أحد، إلى أن وصلت إلى ركنٍ ناءٍ بالكاد يراه أحد.
“……”
“……”
هناك، التقت بعيني رجلٍ يستند إلى عمودٍ في الزّاوية.
كان يضع نفس القناع الأصفر، وتلمع عيناه الكهرمانيّتان خلفه، مع شعرٍ أسودٍ مرتّب.
‘هل سيرقصُ معي؟’
لم يتهرّب من نظراتها، فتقدّمت نحوه بدافعِ الأمل.
وكلّما اقتربت، شعرت بهيبةِ طوله، فتردّدت.
“أ… أيمكنني؟”
اقتربت منه لترى وجهه عن قرب.
فبدت عليه علاماتُ النّفور، وكأنّه يرفض التّواجد هناك، فباغتته بكلامٍ مفاجئ.
“ألا تشعر بأنَّ المكان مزدحم؟ خانق؟”
“……ربّما.”
كان صوته خافتًا وباردًا، بالكاد يُسمَع.
لم تكن روز تخطّط للرقص فعلًا، بل أرادت فقط التّجول في الحديقة المفتوحة للحفل.
ولا بأس برفيقٍ يرافقها.
فقالت بثقة:
“هل تُريد… أن تأتي معي؟ أعدك بأنّه سيكون أفضل من البقاء هنا.”
لم يردّ مباشرةً، لكنّه بعد قليلٍ ابتسم بسخرية، ثمّ أومأ برأسه.
فابتسمت روز لأوّل مرّة منذ دخولها القاعة.」
“ما هذا بحقّ السماء؟”
مارييِل اندهشت دون قصد، وقد انغمسَت تمامًا في أحداث الرواية.
ففكرةُ أن تُبادر فتاةٌ بطلبِ الرقص من رجلٍ غريب كانت تخالف كلّ ما تؤمن به.
وفي المشهد التالي، ظهرت روز تمسكُ معصمَ الرجل وتسحبه إلى الحديقة، ثمّ إلى مكانٍ لا يراهما فيه أحد.
واتّضح أنّها كانت ترتدي حذاءً مريحًا بدل الكعب.
‘من أين أبدأ في نقد هذا الجنون؟’
أن تمسكَ معصم رجلٍ غريب، أن تركض في حديقة القصر الملكيّ، هذا ببساطة خارجُ المنطق.
“هذا هراءٌ تام.”
ربّما شعر الرّجل بنفسِ ما شعرت به مارييِل.
فقد بدا عليه الذهول من تصرفات روز، لكنّه رغم ذلك ضحك بصدقٍ أحيانًا، حين تُمازحه أو تتصرّف بخفّة.
وبينما استمرّ الحفل، قضيا الوقت معًا دون خلع الأقنعة.
「”لو كنتُ وحدي، لما استمتعتُ، لكن وجودك… جعل الأمر ممتعًا. عدْ بسلام.”
نادَت روز عليه بـ أنت أو ذاك الشخص.
ومع انتهاء الحفل، غادرت دون أن تلتفت، دون حتّى أن تسأله عن اسمه.
كان عليها العودة بسرعة، كي لا تُكشَف.
وانتهى اللّقاء من دون أن تعرف مَن يكون.」
“ما هذا؟! ألهذا الحدّ ينتهي؟”
لحسن الحظ، بقي الكثير من الصفحات.
فالرّواية انتقلت إلى وجهةِ نظر الرّجل – الذي تبيّن لاحقًا أنّه إدوين، وريث عائلة الدوق.
كانت أفكاره مضطربة، لم يفهم ما يشعر به، ولا ما يجري داخله.
“هاه…”
تنفّست مارييِل بغيظٍ وهي تمسك رأسها، ثمّ واصلت القراءة.
لقد عادت روز إلى المنزل دون أن تُكتشف، وفي اليوم التّالي، تسلّلت مجدّدًا.
فالحفل التنكّري استمرّ ثلاثة أيّام، وكان هناك فرصةٌ للّقاء مجددًا بـ إدوين.
‘لا بدّ أنّه سيظهر.’
تقدّمت روز وسط الحشود، بثقة، ترتدي نفس الملابس.
مارييِل كانت متأكدة أنَّ إدوين سيكون هناك، في نفس الزّاوية.
لكن توقّعاتها خابت تمامًا.
「لم يظهر الرّجل الذي كانت تظنّ أنّها ستراه مجددًا.
فذهبت إلى مدخل القاعة لتتفقّد الدّاخلين، وهناك التقت برجلٍ آخر.
شعرٌ بنّيٌ فاتح، وجسدٌ ضخم.
اقترب منها بخطى واثقة، ولم يُبعد نظره.
وعندما صارت قريبةً كفاية، رأت نفس الملل في عينيه.
‘أُريد أن أجعلَ هذا الرّجل المملّ… يبتسم.’」
فانتهى الفصل بظهور رجلٍ جديد مكان إدوين.
عبست مارييِل وهي تُقلب الصفحة التالية التي لم تجد فيها سوى البياض.
ثمّ تذكّرت:
“……هذه الرواية… هي الجزء الأوّل، صحيح؟”
“نعم، آنِسَتي! الجزء الأوّل صدر حديثًا، ولا توجد خططٌ حاليًا لنشر الجزء الثاني، حسب قول النّاشر.”
أجابت الخادمة بسرعة، قبل أن تُسأل.
رأت يدي مارييِل ترتجفان وهي تقبضُ على الكتاب، وسالت عرَقها البارد.
لكن لحسن الحظ، لم يُصَب أحدٌ بمصيرٍ سيّئ كأن يُضرَب بالكتاب.
‘أُدمّر النّاشر؟ لا…’
بعيونٍ يتطاير منها الجنون، وجدت مارييِل الحلّ.
فقد كانت من أولئك النّبلاء الذين لا يتردّدون في استخدام المال والسّلطة للحصول على ما يُريدون.
بأناقة، وبكرامة.
قرّرت أن تدفع للكاتب مباشرةً… كي تحصل على الجزء التالي.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 10"