سكنت الظلال أرجاء المكان، لكن ليانا لم تعد تراها كظلامٍ فحسب، بل كأعينٍ تتربص بها من كل زاوية. خطواتها في الممر الحجري الرطب كانت تتردد صدًى يثقل صدرها. خلفها، كان راين يسير بهدوء مريب، عيناه لا تفارقان ظهرها وكأنهما يلاحقان أنفاسها قبل حركتها.

قالت بصوتٍ حاولت أن تجعله ثابتًا:
– “إلى متى سنمضي في هذا الصمت؟ أشعر وكأن الجدران تضيق بي.”

اقترب راين منها، حتى كادت تشعر بحرارة أنفاسه على عنقها، ثم تمتم بصوتٍ أجش:
– “الصمت أصدق من الكلمات أحيانًا… لكنه أيضًا أخطر، لأنكِ تبدأين بسماع ما لا يجب أن يُسمع.”

توقفت ليانا فجأة، استدارت نحوه بعينين متوترتين، لترى في نظراته خليطًا من الهوس والرغبة بشيءٍ لا تستطيع فهمه. كان كمن يُخفي أسرارًا أثقل من أن تُقال.

اقترب خطوة، رفع يده ليلمس خدها، لكن يده انزلقت إلى ذقنها، رفعها قليلًا ليجبرها على النظر إليه.
– “أتعلمين يا ليانا… هذه الممرات لم تُبنى لتكون ممرات فحسب، بل لتُخفي الحقيقة. كل جدار هنا يحفظ سرًا، وكل سر… قد يقتلكِ إن حاولتِ كشفه.”

ارتجفت شفتيها، لكنها تماسكت:
– “ولِمَ أشعر أنك أحد تلك الأسرار يا راين؟”

ابتسم ابتسامة باهتة، كأنها نصف حقيقية ونصف جرح. ثم اقترب أكثر حتى شعرت ببرودة الحجر خلف ظهرها، وصوته ينساب في أذنها كهمسٍ يهدد:
– “ربما لأنكِ على حق.”

تجمد الوقت بينهما، واشتعلت العتمة من حولهما بنبضٍ غريب، كأن القصر ذاته يراقب، يتنفس، وينتظر سقوط أحدهما في فخّه.

وفي اللحظة ذاتها، ارتجت الأرض تحت أقدامهما، وسُمع صرير حديدي بعيد، كأن بابًا قديمًا انفتح في قلب الظلال. حدّقت ليانا في عينيه المرتبكتين، لتدرك أن ما يخفيه… أكبر بكثير مما تجرؤ على تخيله.