1
رجلٌ بالغ الوسامة، بشعرٍ أسود أشدّ حلكةً من الليل، وعينين ذهبيتين لامعتين كأنّهما أصفى من الذهب الخالص، فتح فاه قائلًا:
“هل هو غير كافٍ؟”
“…عفوًا؟”
“قلتُ: هل هو غير كافٍ؟”
وعلى الجانب الآخر من الطاولة، جلست فتاة في العاشرة من عمرها، تمتلك الشعر والعينين ذاتيهما تمامًا، تنظر إليه بقلق.
كانت تلك الفتاة تُدعى “ساناييل”، وقد فاض العرق من جبينها وهي تحاول التهرب من الرد.
“ذاك…”
كان المائدة تعجّ بما تحبه ساناييل من حلوى: كعكة الشوكولاتة، فوندان شوكولا، ماكرون الشوكولاتة، فونديو الشوكولاتة، فواكه طازجة مغطاة بالشوكولاتة، وغيرها.
‘غير كافٍ؟! الكمية تكفي لتنفجر معدتي من كثرتها!’
صرخت في أعماقها، لكنها بفضل ما اكتسبته من مهارات اجتماعية عبر السنين، رسمت ابتسامة باهتة.
“هاهاها… تَبدو لذيذة حقًّا…”
“ألستِ ستأكلين؟”
“سـ…سآكل! هاها…”
لكن ما إن همّت بإمساك الشوكة بيد مرتجفة، حتى انزاحت كل الحلويات فجأة عن الطاولة.
“همم؟”
ثم، وبصوتٍ مدوٍ، وُضعت كعكة ضخمة من الكريما فوق الطاولة.
“أوني! لا تأكلي هذه الحلوى الرخيصة، خذي هذه بدلًا منها!”
قالت ذلك فتاة جميلة بشعر قمحـي وعيون وردية براقة وهي تضع كعكة كريما عملاقة مكوّنة من ثمانية طوابق أمامها.
“رافاييل؟”
“تفضلي، أختي ساناييل. آآه~”
غرزت رافاييل الشوكة في جانب الكعكة واقتربت بها من وجه ساناييل.
ورغم أنها لم تكن ترغب بتاتًا في أكلها، إلا أنها لم تستطع رفض العرض اللطيف من شقيقتها الصغرى، فابتلعت اللقمة كارهة.
“ما رأيك؟”
“هـم… لذيذة…”
“لأنني أطعمك إياها، أليست أطيب؟”
حينها، دوّى صوت ساخط من الجهة المقابلة.
“تلك الطفلة تفضل الشوكولاتة على الكريما. هل تظنين أن الحجم وحده سيُعجبها؟ تفكيرك لا يتعدّى مستوى طفل.”
“هه، أتظن أن أختي سترضى بمثل هذا المستوى من الحلوى؟ ومن ذا الذي يأكل شوكولاتة من النوع القديم أصلًا؟ أنت لا تعرف حتى ذوقها!”
ضحكت رافاييل بسخرية، فارتعشت زاوية عين الرجل.
“هل تفضلين تلك الكعكة الضخمة أيضًا، ساناييل؟”
“عفـ…؟”
“أوني، أنتِ تحبين كعكتي، صحيح؟ أليس كذلك؟”
ولم يُتح لساناييل فرصة للردّ، فقد اشتبكا بالكلام مجددًا.
“اختاري: إما حلوى الشوكولاتة التي حضرتُها أنا، أو تلك الكعكة الكريمية السخيفة.”
“ولم تسأل أصلًا؟ من الواضح أنها ستختار كعكتي.”
“لا تضحكيني، أيتها الصغيرة.”
“لا أحد دعاك للتدخل، أيها العجوز.”
“…عجوز؟”
حدّق بها الرجل بنظرة مفزعة، فما كان منها إلا أن نهضت باستهزاء.
“أتريد القتال؟”
“لمَ لا؟ سأتحقق إن كانت قوتك قد زادت قيد أنملة.”
وانبعثت الطاقة السحرية من راحتيهما.
ثم تحولت المانا إلى نارٍ ملتهبة، ثم إلى جليدٍ متجمد.
كووواااااااه!
اندلع سيل من السحر بينهما فجأة.
“أ…انتظرا قليلًا!”
‘أيّ صراع سخيف تخوضانه الآن؟!’
في الأصل، كان هذان الاثنان يربطهما حبّ أبويّ عميق.
…على الأقل، هذا ما ورد في الرواية التي قرأتها ساناييل في حياتها السابقة، “الأميرة المنعزلة لمملكة الجليد”.
بوووووم!
“توقفا! توقفا كلاكما عن القتال!”
ولكن…
منذ أن وُلدت ساناييل ووقعت بينهما، تغيّر كل شيء.
‘كيف تحوّل الأب المُغرم بابنته والابنة المُغرمة بأبيها إلى أعداء لدودين؟!’
كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ تساءلت ساناييل، والدموع تنساب من عينيها وهي تنظر إلى الحديقة التي تحوّلت إلى ساحة خراب.
آخر ما تتذكّره هو تلك السيارة الصفراء الرياضية.
أنوارها البيضاء الساطعة اقتربت منها بسرعة قاتلة، ثم شعرت بألمٍ حادّ…
وحين فتحت عينيها.
“واااااا!”
كانت قد أصبحت… رضيعة.
“أوه، الأميرة ساناييل!”
“لقد بكت الأميرة أخيرًا!”
بسبب انزعاجها من جسدها الصغير، أجهشت بالبكاء، فاندفع الخدم الثلاثة المقرّبون منها بحماسٍ غير مبرر.
“هذا لا يُعقل! لم تبكِ منذ ولادتها قط…!”
“أسرعوا واستدعوا المعالج! فورًا! قد يكون هناك خلل ما!”
‘كل هذا من أجل بكاء؟!’
في وسط دهشتها، رفعتها امرأة شابة ذات عينين خضراوين جميلتين، كانت على ما يبدو مربيتها.
“لا تبكِ، صغيرتي. المربية هنا لتساعدك.”
‘…دافئة. تفوح منها رائحة الأم.’
لم ترَ وجه والدتها منذ أكثر من عشر سنوات، فهاجت مشاعرها فجأة وبكت مجددًا.
ربما لأن عقلها البسيط كطفلة لم يعد قادرًا على ضبط العواطف.
وأثناء بكائها المستمر، سُمِع صوت بكاء آخر في المكان.
“وووووو…”
“أوه! لقد استيقظت أميراتنا رافاييل أيضًا!”
‘رافاييل؟’
اسمٌ مألوف للغاية.
“أفاقت لأنها تود اللعب مع شقيقتها ساناييل! توأم بحق!”
رفعت ساناييل وجهها من حضن المربية، وأدارت رأسها نحو مصدر الصوت.
وهناك… رأت رضيعة شديدة الجمال تحدّق بها بعينيها البراقتين.
شعرٌ قصير متموّج بلون القمح، وعينان ورديتان كالزهور الربيعية.
كان الجمال يفوق التصوّر لأيّ ناظر.
‘هذا لا يُعقل.’
من شكلها الباهر، ومن الاسم الذي نادوه به…
عرفت ساناييل فورًا من تكون تلك الرضيعة.
استقرّت في قلبها الحقيقة:
‘هذا هو عالم *“الأميرة المنعزلة لمملكة الجليد”.’
وهي نفسها أصبحت جزءًا من هذا العالم… قد تقمّصت جسد “ساناييل دي سكاردي”، الأخت التوأم لبطلة الرواية، “رافاييل دي سكاردي”.
لكن…
‘اسم ساناييل لم يظهر في الرواية إطلاقًا؟!’
بوصفها قارئة متعمقة كانت تحفظ الرواية غيبًا، تأكّدت تمامًا.
‘لم يُذكر قط أن للبطلة توأمًا!’
ما الذي جرى؟ هل غيّرت وجودها مجرى القصة؟
وفي خضم تلك الأفكار المتشابكة…
“آه…!”
صرخت ساناييل من الألم الذي شعرت به في إصبعها الصغير.
‘أتركيه! ستكسرينه!’
كانت رافاييل، البطلة “الملاك”، تُمسك بإصبعها بقوة ولم تتركه طيلة اليوم.
“هاها، إنهما أختان جميلتان بالفعل.”
“إنها نعمة عظيمة لمملكة سكاردي السحرية. لا شكّ أنهما توأم القمرين المبارك.”
‘أحدٌ ينقذ إصبعي! توقفوا عن التحديق والابتسام!’
لكن الخدم والمربية كانوا يبتسمون بطمأنينة وسرور، غير آبهين بها.
“لو أن الملكة رأت هذا المشهد…”
“شّش! لا تتحدثي أكثر.”
الملكة… أي زوجة الملك، وأمّ كل من رافاييل وساناييل.
“لا تذكري الملكة الراحلة بخفة. إن كنتِ ترغبين بالبقاء في القصر، فعليكِ الحذر في كلامك.”
“ن-نعم، حاضر!”
وكما في الرواية، كانت الملكة قد رحلت منذ زمن.
‘أمّي الثانية… لم أتمكن حتى من رؤية وجهها…’
شعورٌ غريب بالوحدة اجتاحها.
ثم نظرت إلى رافاييل، التي كانت لا تزال تمسك إصبعها وتصدر أصواتًا طفولية.
“وو! وووو!”
لكن ساناييل لم تفهم شيئًا.
‘آسفة… لكن لا أفهم حرفًا مما تقولين.’
تمنّت لو كان بإمكان الرضع التواصل فيما بينهم، لكنّها لم تفهم شيئًا من همهماتها.
“حقًّا، الفتاتان تشبهان الملكة والملك تمامًا!”
“لدرجة يصعب معها تصديق أنهما توأمان.”
وكما قالوا، فقد كانتا مختلفتين تمامًا في الشكل.
رافاييل تشبه أمها الراحلة بشعرٍ قمحـيّ مجعد وعيون وردية.
أما ساناييل، فشعرها أسود قاتم يلمع بألوان أرجوانية وزرقاء، وعيناها ذهبية نادرة تلمع كأنها أعظم من كل مجوهرات العالم.
والمميز بهذا الشكل؟ أنه حكرٌ على شخصية واحدة فقط في الرواية.
الشخصية الرئيسية القوية.
“غرانديل دي سكاردي”، الملك العظيم لمملكة سكاردي السحرية، وأب رافاييل.
‘…وأبي أنا أيضًا.’
لم يدم شكّها كثيرًا في العلاقة البيولوجية بينهما.
فحين نظرت إلى المرآة، اعترفت بالحقيقة.
‘حتى شكل العينين يشبهه! لكن على طفل؟ يا إلهي، شكلي مخيف!’
كان القراء يصفون الملك بأنه “الوسيم البارد”، لكن أن تحمل طفلة ملامحه؟ بدا أمرًا غير لطيف على الإطلاق.
ثم قطع صوتٌ دقات الخشب المتواصلة تركيزها.
“آه، إلى متى سنصمد؟”
كان خادمٌ فتى يُغلق نافذةً مكسورة بألواح خشبية.
“سنصمد قدر ما نستطيع. اصبروا قليلًا.”
نظرت حولها، فلم تجد أيّ أثاث محترم، ولا حتى ملابس لائقة.
بُخل في الميزانية، نقص في الخدم.
وضع مزرٍ للغاية.
‘أسوأ بكثير مما قرأته في الرواية.’
كل هذا لأن والدها الملك غرانديل لم يُصدر أمرًا بشأن بناته.
لا إعلان، لا اعتراف، ولا حتى اهتمام.
ماتت الملكة فور ولادتهما، فذهب الملك للمعركة بلا رجعة.
ولم يعرف أحد هل يجب اعتبار الرضيعتين أميرات أم لا.
حتى عودة الملك بعد سنوات، بقيت رافاييل تُربّى في قصر مهجور يُدعى “قصر داليا”.
لولا وجود المربية والخادمين، لما نجت.
‘والآن… أنا أيضًا هنا.’
لا تزال ساناييل مشوشة بما يحدث.
‘انتظر… أليست هذه هي الفترة التي يظهر فيها أولئك؟’
ثم تذكّرت مشهدًا من أوائل أحداث الرواية.
‘القتلة…!’
كووووااه!
“كيييياااا!”
دوّى انفجار، وصرخ الجميع.
اخترقت الجدار ريحٌ عاتية مليئة بالغبار، غطّت ساناييل كليًّا.
“أيتها التوأم الملعونة للملك! سلّمي روحك!”
‘يُقال: من تذكره، يظهر!’
فغرت فمها دهشة.
“كييياااه، الأ…الأميرة!”
وفي لحظة، أصبح القاتل أمامها مباشرة.
“آسف، لكن عليكِ أن تموتي، أيتها الأميرة التوأم.”
كان سيفه المسموم ينزل نحو وجهها.
أسرع الخدم والمربية، لكن فات الأوان.
حركت أطرافها القصيرة في هلع.
‘هكذا أموت؟ بهذه السهولة؟ لا أصدق…!’
وفجأة…
شعرت بيد صغيرة تمسك برسغها بقوة.
التفتت تلقائيًّا…
“كاروووك!”
رافاييل… كانت تضحك ببراءة.
‘تضحكين؟ الآن؟!’
ثم…
كووووووااه!
“آاااه!”
ارتطم القاتل بالجدار.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"
الفصل حلو كثير شكرا على الترجمة متى الفصل الجاي