01
بعد تخرجي من المدرسة الثانوية، التحقت بمعهد متخصص في الفنون داخل المدينة. وكما هو متوقع، اخترت قسم الرسم.
مع بداية الدراسة، كان أول درس لنا رسم تمثال نصفي من الجص لوجه تمثال “فينوس ميلو”. لم تكن هناك أي تعليمات واضحة؛ فقط طُلب منا الرسم كما نرى، وفقًا لتوجيهات أستاذ ذو لحية فخمة يبدو مغرورًا، كان من الواضح أنه يريد قياس قدراتنا أولًا.
قال الأستاذ بصوت حازم
“إذن، حاولوا أن ترسموا بقدر ما تستطيعون في ساعة واحدة. لنبدأ!”
بدأ جميع الطلاب الرسم في الحال. شعرت بأنه عليّ اللحاق بالركب، فبدأت باستخدام قلم رصاص ناعم لرسم خطوط خفيفة عديدة. ركزت على إدخال التمثال بأكمله في إطار الورقة، ثم انتقلت لتفاصيل الرأس والوجه، خطوة بخطوة.
بعد أن ظهرت الملامح الأساسية، بدأت أضيف الظلال. أملت قلم الرصاص واستخدمت ضغطًا أعلى في المناطق المظلمة. وكنت أتنقل بين الأقلام الناعمة والصلبة لرسم التفاصيل بعناية فائقة.
امتلأ الفصل بصوت خفيف جميل لأقلام الرصاص التي تنساب على الورق. كنت أسمع هذا الصوت وأنا أتابع الرسم بثقة ودون تردد.
بعد ساعة تقريبًا، أنهيت الرسم ووضعت القلم جانبًا. شعرت بالرضا عن عملي وأومأت لنفسي تقديرًا. التفتت لأنظر إلى رسومات زملائي، ودهشت بشدة من مستواهم العالي.
بدا وكأن جميع الطلاب، باستثنائي، يرسمون بمستوى يعادل مهارة “هارونا”. تساءلت
“هل هؤلاء بحاجة فعلاً للحضور هنا؟”
كنت أجلس في المقدمة، مما جعل رسوماتي مكشوفة للطلاب الذين يجلسون خلفي. شعرت وكأنني في عرض علني للإهانة، وتمنيت لو استطعت تدمير الرسم على الفور.
قالت فتاة من الخلف
“أنت، صحيح؟ هاياساكا؟ رسمك رائع.”
أجبت بتواضع
“لا، ليس كذلك. رسمك أفضل بكثير.”
كانت الفتاة الوحيدة التي يبدو رسمها أقل مهارة من رسمي هي “آوي ميدوري”، التي عرّفت عن نفسها في اليوم الأول بقولها إنها حصلت على اسمها “الزاهي” بسبب انفصال والديها. كانت ترتدي سترة حمراء وتبدو صغيرة الحجم مع ابتسامة جميلة. لكنها بالطبع لم تكن تضاهي جمال “هارونا”.
قالت إنها تحب الرسم، ولكنها لا تجيده كثيرًا، لذا التحقت بهذه المدرسة. كان لديها طبع مرح ولكنه خفيف السذاجة.
بعد أسبوعين من بدء الدراسة، تلقيت رسالة من “ميورا”، صديقة قديمة، تدعوني للقاء. لم يكن لدي ما أفعله، فوافقت على مضض.
قضينا ساعة نتحدث في مقهى، ثم افترقنا. بعدها أصبحت “ميورا” ترسل لي الرسائل بشكل متكرر.
رسائلها كانت تقتصر على سؤال واحد
“هل ما زلت حيًا؟”
كنت أرد عليها “نعم، ما زلت حيًا”، ثم لا ترد بعدها.
بعد بضعة أيام، كانت تسألني نفس السؤال. أجبته مرة أخرى بنفس الطريقة، ثم تجاهلت الأمر في النهاية لأنها بدأت تزعجني.
لاحقًا، أجّلت الرد على رسائلها ليوم كامل، فغضبت وردّت
“إذا كنت حيًا، فلماذا لا ترد بسرعة؟”
ضحكت بصوت عالٍ على رسالتها.
ذات يوم، بينما كنت أتناول غدائي وحدي في الكافتيريا، جاءت “آوي” وجلست بجانبي. سألتني فجأة
“هاياساكا، هل لديك صديقة؟”
“لا، ماذا عنكِ؟”
“أنا أيضًا لا أملك واحدة. هل لديك شخص تحبه؟”
ترددت قبل أن أجيب
“أمم، نوعًا ما.”
قالت بحماس
“حقًا؟! كيف هو أو هي؟”
“إنها فتاة، ماهرة في الرسم، طيبة القلب، ضعيفة الجسم لكنها جميلة، تبتسم بابتسامة مليئة بالحزن.”
سألت بحماسة متزايدة
“هل تعتقد أنك تستطيع أن تكون معها؟”
هززت رأسي
“لا يمكن. أبدًا.”
قالت
“لماذا؟ لا تعرف! ربما الآن لا تستطيع، لكن يمكنك دعوتها للخروج، ومع الوقت قد يصبح الأمر ممكنًا!”
ابتسمت وقلت
“أتمنى ذلك، لكن الوضع ليس بهذه البساطة.”
سألت بفضول
“هل هي فتاة من عائلة ثرية؟ أم أنها مرتبطة بشخص آخر؟”
قاطعتها قائلاً ببرود
“لقد ماتت.”
سقطت عصاها من يدها على الأرض، مظهرة ردة فعل درامية. وضعت طعامي في حقيبتي وغادرت الكافتيريا، بينما فكرت في أنني قد كنت قاسيًا. لم تكن تعلم القصة، ولم يكن لديها أي نية سيئة. قررت أن أعتذر لها لاحقًا.
بينما كنت أمشي، وصلتني رسالة جديدة من “ميورا”:
“هل ما زلت حيًا؟”
قررت تجاهلها.
بعد انتهاء الدروس، جاءت “آوي” وسألتني بخوف:
“هل حقًا ماتت؟”
قلت… “نعم، صحيح. وأعـــــتذر إن كنت قاسيًا.”
أجابت بخجل
“لا، أنا من يجب أن أعتذر. لم أكن أعلم.”
بدت حزينة، وكأنها جروٌ تعرض للتوبيخ. حاولت تهدئتها وقلت
“لا تقلقي.”
لكنها ردّت
“لكن…”
أوقفتها وقلت بابتسامة غامضة
“لا بأس. سأراها قريبًا.”
ارتبكت وسألتني
“كيف؟”
لم أجبها وغادرت، نادمًا على كلماتي في اليوم التالي.
في صباح اليوم التالي، التقتني “آوي” قائلة
“صباح الخير، هاياساكا! لنواصل الحياة بقوة!”
كانت تحاول رفع معنوياتي طوال اليوم، وبدأت ألحظ أنها فهمت كلماتي بشكل خاطئ. كانت تعتقد أنني أنوي الانتحار بسبب فقداني لحبيبتي.
قالت لي بجدية
“قد يكون الألم كبيرًا، لكن لا تدع الألم يقودك لإنهاء حياتك!”
ابتسمت، فقد كنت أجد سذاجتها مسلية، وقررت عدم تصحيح سوء الفهم.
في النهاية، لن يغير هذا شيئًا، لأن نهايتي محتومة.