1
الفصل الأول
**************
في إقليم لومين الريفي، كانت هناك أرملة فقدت صوابها.
أصبَحت حديثَ من لا يشغلهم شيء.
“زوجها كان يقود عربة نقل في إقليم أرنو المجاور، أليس كذلك؟ في قصر بيلفير أو شيء من هذا القبيل.”
“لكن، ألم يمت منتحرًا مشنوقًا على عارضة السقف؟”
“كيف؟ ألم يكن ذلك الزوجُ مقعدًا؟”
“يا إلهي!”
كانت الخاتمة دائمًا برسم صليب والبصق على الأرض.
لكن إيف لم تفعل ذلك.
كانت تعتقد أن تلك القصص لا تعنيها.
‘لكن من كان ليظن أنني سأذهب إلى قصر بيلفير؟’
أطلّت إيف بحذر من نافذة العربة الجارية.
كانت أغصان الأشجار في الغابة التي تمرّ بسرعةٍ بيضاءَ رماديّةً بالكامل، وكأنها أصابع شاحبة تمتدّ لتخدش وجه إيف.
من بعيد، رأت قصرًا يرتفع وسط غابة أشجار البتولا.
‘هل هذا قصر بيلفير؟’
المبنى، بتصميمه المتعالي الذي يبدو كأنه يراقب كل شيء، لم يكن منزلًا بقدر ما كان حصنًا يقاوم أي غزو خارجي.
جدرانه البيضاء الرماديّة العالية وأبراجه المدبّبة الحادّة بدت وكأنها جاهزة لنحر أيّ دخيل.
فجأة، توقّفت العربة.
“يا، انزلي!”
ظهر وجه هايد من الباب المفتوح بعنف، أخوها الذي يكبُرُها بأربعةَ عشرَ عامًا.
“تتمتّعين بالمناظر بهذا الراحة؟ بينما أنا أقود العربة على هذه الطرق الوعرة حتى كادت أردافي تنشقّ!”
“…”
من خبرتها، علمت إيف أنّ الصمت هو الخيار الأفضل. لكنها أحيانًا كانت تتساءل، وهي ترى تصرّفات هايد البذيئة:
هل يعتقد والداها حقًا أنّهُ الموهبةُ التي سترفعُ شأن العائلة؟
“كفى، أيتها الفتاة النّحِسة.”
بصق هايد وألقى نظرة شاملة على قصر بيلفير.
حتى عندما رفع رأسه إلى أقصى حدّ، لم يستطع استيعاب حجمه الضخم.
“إذا كنتِ تملكين ذرّة من الضمير، فعليكِ أن تكوني ممتنّة. لولا عائلتنا، كيف كان لمثلكِ أن تتزوّجي في مكانٍ كهذا؟”
أن تكون ممتنّة؟ كلّ ما كانت تفكّر فيه عائلة إيف هو التخلّص منها.
“هل تعلمين أنّ عائلة أرنو، أصحاب هذا المكان، كانوا من المؤسّسين للمملكة؟ قد يكون وضعهم الآن غامضًا، لكنهم كانوا عائلة عظيمة.”
إذا كانوا بهذه العظمة، لماذا يدفعون المال لشراء عروس؟
“يا…، عندما تتزوّجين، حاولي فعل شيء بشأن وجهكِ الكئيب هذا! عائلتنا تحمّلتكِ لأننا عائلتكِ، لكن هل تظنّين أنّ أحدًا هنا سيتحمّلكِ؟”
بدا صوت هايد، الذي خفّ فجأة، كأنه يعبّر عن قلق أخوي، لكنّه في الحقيقة لم يكن سوى نفاق رخيص.
ليلة أمس، وقّعت عائلة إيف على عقد زواج أرسلته عائلة أرنو، ينصّ على أنّهم لن يتحمّلوا المسؤولية إذا ماتت العروس “بحادث مؤسف” أو أصبحت معاقة.
“ألم أقل لكِ أن تنزلي؟ ما الذي تحدّقين فيه؟”
أمسك هايد بشعر إيف بعنف وألقاها على الأرض.
“من هنا، ستذهبين سيرًا على الأقدام.”
“…”
“أودّ لو أنّني، أخوكِ الكبير، أوصلتكِ إلى الداخل، لكن أرنو قالوا إنّ عائلة العروس ممنوعة من دخول القصر.”
لا يتناسبون مع مستواهم، أليس كذلك؟ تمتم هايد بنزق وألقى بحقيبة إيف على الأرض.
لم يكتفِ بذلك، بل داس بقدمه على يدها وهي تحاول النهوض.
“آه، هذا يؤلم، أخي!”
“أحذّركِ، لا تفكّري بالعودة إلى البيت أنتِ تعلمين أنّ المتزوّجة تصبح غريبة عن عائلتها.
إذا كنتِ ستموتين، فموتي هنا.”
“…”
“ألن تجيبي؟”
“حسنًا.”
من قال إنّني أريد العودة إلى البيت؟ أخفت إيف أفكارها المتمرّدة وأجابت بطاعة.
بدا هايد راضيًا، فأزال قدمه.
خوفًا من إثارة غضبه، لم تنهض إيف على الفور، بل راقبت ردّ فعله.
“آه، ولا تنسي إرسال المال إلى البيت.”
“مال؟ كيف…؟”
“أيتها الغبيّة، اسرقي من أموالك الزوجيّة، أو حتى اقترفي سرقة، افعلي ما شئتِ! ألا تعلمين أنّ زوجة أخيكِ الحبيبة حامل؟ وأمّنا تصاب بالمرض بين الحين والآخر، ألا يجب أن تكوني مفيدة للعائلة؟”
لم يمضِ سوى ثوانٍ منذ أن قال هايد إنّ المتزوّجة تصبح غريبة عن عائلتها.
تحمّلت إيف سخريتها من تناقضه الصارخ.
“إذا لم تجدي حلًا، حاولي إغراء زوجكِ.”
تغيّرت نظرة هايد بشكل مقزّز.
“قد تكونين باردة كالحجر، لكن جسدكِ ليس سيئًا. إذا أحسنتِ التصرّف، ربما يعطيكِ شيئًا.”
تحمّلي، تحمّلي.
هذه هي المرّة الأخيرة.
إذا أطمأنّ هذا الوغد وانطلقت العربة، سأهرب عند أوّل فرصة.
“أو ربما تريدين أن أرى الآن؟ لنرى كم كبرت أختي الصغرى لآخر مرّة.”
لم تستطع إيف التحمّل بعد الآن.
أمسكت بكفّ من التراب، ناوية رشه في عيني هايد.
بالطبع، ستنتقم منها، لكن العقاب سيكون أخفّ من المعتاد.
حتى لو كان هايد أسوأ البشر، فلن يكون غبيًا لدرجة إحداث جروح واضحة في عروس قبل زفافها.
هبت ريح شديدة البرودة من أعماق الغابة.
“برر، البرد يقتلني! سأذهب.”
هرع هايد، الذي يعشق راحته، إلى العربة وهو يغلق معطفه.
لم تتح لإيف فرصة رش التراب.
وهي تراقب العربة تبتعد، نهضت ببطء.
تسرّب شعرها الممسوك وتناثر بشكل فوضوي.
بسبب سقوطها، انقلبتْ تنّورتها الداخليّة، وكانت ركبتاها المجروحتان تنبضان بالألم.
لم يكن لديها وقت لترتيب مظهرها المهلهل، إذ التقت عيناها بشخص ما.
خلف قضبان سوداء أنيقة، في وسط حديقة مزهرة بأزهار الكاميليا البيضاء، وقف رجل.
كان شابًا وسيمًا بشعر أشقر باهت كالشمس في فجر الشتاء.
لم تشعر بوجوده، لكنه كان هناك طوال الوقت.
لا بدّ أنّه شاهد كل ما مرّت به إيف وما تعرّضت له.
تساءلت إيف عن تعبيره.
هل سيشفق عليها؟ أم سينظر إليها بازدراء كمن شاهد شيئًا مقزّزًا؟
خلف البوابة الحديديّة الأنيقة بشكل مخيف، التقت عيناها بعينيه الرماديّتين الخضراوين.
ابتسم ببطء، لكن بوضوح.
* * *
لم تتذكّر إيف بأيّ عقلية دخلت قصر بيلفير.
لم يكن الأمر مجرّد مرور سريع، بل كان عقلها أبيضَ فارغًا تمامًا.
قبل لحظات، كانت تقف خارج البوابة الحديديّة.
رائحة الطين على يديها وملابسها، ولمسة الريح الباردة التي خدشت جلدها الناعم، كانت لا تزال حيّة.
لكنها الآن تجلس في قاعة مأدبة، ممسكة بكأس نبيذ، مرتدية فستان زفاف.
‘كيف دخلت القصر؟ ومتى ارتديت هذا الفستان؟’
اختفى جزء كامل من ذاكرتها.
وهي في حالة ذهول، لعقت إيف شفتيها دون وعي.
شعرت برائحة النبيذ الباهتة في فمها، كأنها ابتلعت رشفة للتو.
“لقد شربت العروس خمر الزفاف.”
ألقى شخص ما، لم ترَ وجهه بوضوح، كلمة الزفاف.
“بهذا، تمّ زواج سيريان من عائلة أرنو، وإيفني من عائلة لومين.”
سيريان؟
بجانب إيف، كان يجلس الرجل الأشقر الذي رأته سابقًا.
يبدو أنّه سيريان.
كان شاحبًا كأغصان الأشجار التي رأتها في طريقها إلى القصر، وجميلًا بشكل غريب.
بدا وكأنّ النساء ستصطفّ للزواج منه.
لكن إيف كانت استثناءً واضحًا.
‘ذلك الرجل كان يبتسم.’
رأى أخاها يمسك بشعرها ويلقيها على الأرض، وابتسم.
ليس شخصًا طبيعيًا.
نظرت إيف إلى سيريان بعينين حذرتين.
لكن عندما التقت عيناها بعينيه الرماديّتين الخضراوين، شعرت برأسها يدور مرّة أخرى.
“فلنرفع كؤوسنا جميعا.”
بدا صوت الرئيس بعيدًا.
“من أجل ليلة الزفاف الأولى للعروسين…”
“من أجل ليلة الزفاف.”
تحت ضوء الشموع، رفعت وجوه شاحبة الكؤوس.
كان ذلك آخر ما تذكّرته إيف.
عندما فتحت عينيها مجدّدًا، كانت إيف مستلقية على سرير فاخر.
“…!؟”
شعرت ببرد شديد.
وهي ترتجف، نهضت ورأت ثياب نوم شفّافة، فصُدمت.
“ما هذا؟ لماذا أرتدي شيئًا كهذا؟”
تمتمت لنفسها، فضحك شخص ما بصوت ناعم يشبه صوت امرأة.
“من هناك؟”
أمسكت إيف، المذعورة، بشمعدان على الطاولة.
تحت ضوء الشمعة المرفوعة، رأت قدمين طويلتين، ركبتين، وفخذين قويين كالحصان.
وفوقهما…
“يا إلهي!”
“إنه أنا.”
ابتسم سيريان وهو يرفع يديه.
بدا وكأنه يحاول طمأنتها، لكن ذلك لم ينجح.
لأنّ…
“أنت بلا خجل!”
“همم.”
سأل سيريان، الذي لم يكن مهتمًا لما يرتديه، بجديّة:
“لربما انتِ ، من النوع الذي يفضّل ذلك بالملابس؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"