**الحلقة الرابعة**
***
على عكس الليلة الأولى التي قضاها مستيقظًا، استسلم لياندروس للنوم كالطفل بمجرّد أن يلمس رأسه الوسادة بعد أن خفّ توتّره. لم تُدرك ييراي ذلك إلّا في الليلة التالية.
في صباحٍ مشمسٍ عند التاسعة، جفّفت ييراي شعرها الرطب بمنشفة، وجلست عند طاولة المطبخ، وفتحت حاسوبها المحمول.
كان عليها الذهاب إلى عملها المسائيّ بعد الظهر، لذا خطّطت لإنهاء واجبها الجامعيّ صباحًا. كان واجبًا بحثيًا بسيطًا.
بينما كانت تبحث عن المصادر، أنزلت ييراي شاشة الحاسوب قليلًا بنظرة غامضة.
ابتسم الشابّ الأشقر الجالس مقابلها بعيون متسعة.
“…。”
كان هكذا منذ جلوسه هناك.
“هل لديك شيء تريد قوله؟”
“فقط، أتساءل عما تفعلينه.”
“واجب دراسيّ لمادة ثقافيّة، عن الفنّ الغربيّ. لا يتعلّق بالرسم، بل بالنظريّات فقط.”
كانت تدرس تاريخ الفنّ في عصر النهضة. اختارت المادة لتكملة الساعات المطلوبة، لكنّها وجدتها ممتعة.
“هل تجيد الرسم؟”
“لا، تعلّمتُه كجزء من ثقافة النبلاء، لكن مقارنة بزملائي، لم أكن موهوبًا، فتوقّفت مبكرًا. وأنتِ؟”
“ذهبتُ إلى دروس البيانو بدل الفنّ. لكنّني توقّفت عند تشيرني. مرّ وقت طويل، فلا أتذكّر كيف أعزف الآن.”
«تشيرني في البيانو يشير إلى مجموعة من الأعمال الموسيقية التي وضعها كارل تشيرني، وهو ملحن وعازف بيانو ومدرس نمساوي. هذه الأعمال، وخاصة تمارين البيانو، تستخدم بشكل واسع لتعليم وتطوير مهارات عازفي البيانو»
“أنا أيضًا لا أتذكّر كيف أمسك الفرشاة.”
ابتسم لياندروس بأناقة وهو يستند إلى ذقنه.
ظلّ جالسًا مقابلها كجروّ ينتظرها.
يبدو أنّ الأمر سيطول… شعرت ييراي بثقل نظراته، فقامت وأخذت شيئًا من زاوية الغرفة.
“ما هذا؟”
“ابقَ ساكنًا، سأريكِ… أقصد، سأجعلك تسمع شيئًا مدهشًا.”
كانت أشعّة الشمس الحارّة تتدفّق من النافذة. خلف ييراي، تراقصت ذرّات الغبار البيضاء كالريش.
وضعت سمّاعات إلغاء الضوضاء على رأس لياندروس.
شغّلت أغنية لفرقة بريطانيّة تحبّها، فأمسك لياندروس السمّاعات مذهولًا.
“ما هذا الجهاز؟ الصوت… سحر؟!”
“إنّها مجرّد آلة تُخرج الموسيقى.”
“ماذا؟”
عبس لياندروس وحدّق في شفتيها. ضحكت ييراي بهدوء وأمسكت يديه.
“يجب خلعها هكذا.”
أزالت السمّاعات من رأسه.
“مجرّد آلة تُخرج الموسيقى.”
انتقلت نظراته من شفتيها إلى عينيها ببطء.
ظلّ لياندروس مبهورًا للحظات، ثم هزّ يدها فجأة كمن أصابه وخز. تمتم وهو ينحني على الطاولة:
“هذا المكان يشبه عالم السحر في الكتب. أرى أشياء غريبة كالأجنحة تطير.”
“أظنّ أنّ عالمك أقرب إلى السحر. طريقة حديثك وملابسك المتدلّية تلك. عندما رأيتك أوّل مرّة…”
جلست ييراي وهي تهزّ رأسها تتذكّر تلك اللحظة.
عبس لياندروس.
“ما المشكلة في حديثي؟”
“هنا، حتّى كبار السنّ لا يتحدّثون هكذا. وتلك التسمية ‘نونا’ الليلة الماضية…”
«نونا” (누나) هو المصطلح الذي يستخدمه الذكور لمخاطبة الإناث الأكبر سنًا»
ما إن نطقت بكلمة “نونا” حتّى شعرت بقشعريرة.
يا إلهي، عندما سمعتها أمس…
لكن، بشكل غريب، لم يأتِ ردّ.
تساءلت ييراي عما يحدث، فأنزلت شاشة الحاسوب. كان لياندروس يدير شفتيه ويحدّق في حافة الطاولة.
“لا بأس، نادني كما تريد.”
شعرت بالأسف، فأضافت بلطف وهي تكتب على لوحة المفاتيح.
حافظ لياندروس على صمته، يفكّر بعمق، ثم أخفض رموشه الطويلة وتمتم:
“نونا. ”
…يا إلهي.
فجأة، انتشر شعور حادّ ومكثّف كالنار في قلبها، لا تستطيع تسميته بدقّة.
غطّت ييراي وجهها بيديها. شعرت بحرارة في رأسها وأذنيها.
‘لمَ أنا هكذا؟’ نهضت بسرعة قبل أن يزداد احمرار وجهها.
لكن أثناء عودتها من فتح النافذة، تعثّرت بقدم لياندروس.
“آه…!”
لحسن الحظ، قبيل ارتطام أنفها بالطاولة، أمسك لياندروس خصرها. أمسكت ييراي رأسه بردّ فعل.
“هل أنتِ بخير؟”
لكنّها فقدت قدرتها على الكلام.
‘ما هذا؟’
عبست ييراي بجديّة، ومرّرت أصابعها عبر شعره الأشقر.
يا إلهي، شعرٌ ناعمٌ كهذا… شعره الأشقر يتدفّق كالحرير دون أيّ عقدة.
‘بينما شعري…’
لمست شعرها المجعّد الخشن، الذي لا يُروّض حتّى بالعلاجات والزيوت.
“هل هناك شيء في شعري؟”
“لا أعرف من أيّ فيلم أو مسلسل أتيتَ، لكن شيء واحد مؤكّد: أنتَ بالتأكيد البطل الرئيسيّ، محبوب جدًا من الكاتب.”
وإلّا، لما كان شعره مثاليًا لهذه الدرجة.
داعبت ييراي شعره الأشقر قليلًا، ثم ابتعدت إلى الجهة المقابلة.
“إلى أين فجأة؟”
“لأشغّل لك فيلمًا.”
قالت وهي تشغّل التلفاز.
“لا أستطيع التركيز مع رجل وسيم مثلك ينظر إليّ.”
شغّلت ييراي منصّة بثّ وأشارت له ليختار.
لكن لم يأتِ ردّ سوى صوت الرياح الحادّة بين المباني.
نظرت ييراي إلى لياندروس متأخّرة.
“…. ”
كانت أذناه ووجهه قرمزيّين كأنّهما سينفجران.
***
منذ دخولها الجامعة وبدء حياتها المستقلّة، لم تتوقّف ييراي عن العمل المؤقّت.
أخذت إجازة سنة كاملة لكسب المال. كلّ ذلك كان جهدًا شاقًا للاستقلال.
بعد انتهاء عملها، كان الليل قد حلّ.
عندما فتحت باب الشقّة، لفّها هواء دافئ.
فوجئت بالهدوء، لكنّها سرعان ما رأت ظلًّا كبيرًا على السرير، فاطمأنّت.
كما توقّعت، كان لياندروس جالسًا على السرير وقد استسلم للنوم.
تنفّسه الهادئ والسلميّ. أضاء ضوء المدينة، المتسلّل من النافذة المفتوحة قليلًا، وجهه كلوحة فنيّة.
“…. ”
جلست ييراي بحذر بجانبه، وداعبت رموشه الطويلة بأطراف أصابعها. فجأة، أمسكت يد قويّة معصمها.
تأوّهت ييراي، ففتح لياندروس عينيه متأخّرًا وأطلق يدها.
“آسف، كنتُ أنتظركِ ونمتُ.”
كان صوته المنخفض جزءًا من الظلام.
استلقت ييراي بجانبه بهدوء. شعرت جسدها المتعب وكأنّه يذوب كالآيس كريم.
ظلّا صامتين لفترة، يتأمّلان ظلال السقف المتماوجة كأنّهما نجوم الليل.
تحدّث لياندروس أوّلًا.
“لمَ تعيشين بمفردكِ؟ كنتُ أتساءل، لكنّني لم أسأل في البداية كي لا أكون وقحًا.”
“لمَ؟ أليس شائعًا في عالمك أن تعيش النساء بمفردهنّ؟”
“في المدن، نعم. لكن في الرابعة والعشرين، عادةً يتزوّجن ويعشن مع أزواجهنّ، وغالبًا لديهنّ أطفال.”
“كان الأمر كذلك هنا قبل خمسين عامًا.”
ضحكت ييراي بهدوء، ثم عبست فجأة.
“إذًا، هل أنتَ أيضًا…؟”
“أنا؟ لا، لم أتزوّج بعد. كنتُ مخطوبًا مرّة، لكنّها كانت صفقة عائليّة لحسابات المصالح، ولم تدم طويلًا، فأُلغيت.”
“لمَ؟”
“لم تنشأ مشاعر عميقة. ومع ذلك، أريد الزواج من امرأة أحبّها…”
أدارت ييراي رأسها قليلًا، ثم عادت للنظر إلى السقف مذهولة. كان لياندروس قد استدار نحوها.
مرّ نفسه عبر أذنيها المدوّرتين.
شعرت ييراي برغبة مفاجئة في إمساك يده، فقبضت يدها.
“هل لديكِ من تحبّينه؟ أو… هل أحببتِ من قبل؟”
“لا شيء من هذا. في المدرسة، أعجبتُ ببعض الأولاد، لكن لا أعرف إن كان ذلك حبًّا. الآن، أعتقد أنّني فقط أردتُ التقرّب منهم. بعد دخول الجامعة، اختفى التفكير بالحبّ. لم يكن هناك رجل مناسب حولي.”
“حقًا؟”
كان صوته ناعمًا كهمسة ملاك.
جمعت ييراي شجاعتها وألقت نظرة جانبيّة.
كان لياندروس يبتسم إليها، وبدا سعيدًا لسببٍ غامض.
“بالعودة إلى سؤالك الأوّل، أعيش بمفردي لأنّ بيت عائلتي بعيد جدًا عن الجامعة. لا يمكنني قضاء ستّ ساعات يوميًا في التنقّل، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
“وأيضًا، من بين أفراد عائلتي…”
فجأة، قاطعها اهتزاز قويّ من هاتفها في جيبها.
“لحظة.”
عندما نهضت، تنهّد لياندروس لسببٍ ما.
‘…ما الخطب؟’
عبست ييراي لرقم غريب على شاشة هاتفها. لم يكن مسجّلًا، لكنّها شعرت أنّها تعرف صاحبه.
فتحت النافذة بسرعة ونظرت إلى أسفل المبنى. رأت شخصًا يمرّ، فارتجفت.
‘لمَ هي هنا؟’
المترجمة:«Яєяє✨»
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 4"