“ليس المال ما يقلقني، يا جاديون. إنّه… ما قد يحدث في العالم الذي تركته ورائي.”
ضمّت ذراعيها حول نفسها وانحنت ظهرها. طفا شعور آخر كالرغوة فوق البحر في ضوء النار — هذه المرّة، الحزن.
“حتّى لو عدت… سيكون والداي لا يزالان في الخمسينيّات من عمرهما.”
“…”
انزلقت يد جاديون برفق على ذراعها. جلسا في صمت، يحدّقان في الدخان المتصاعد من النيران.
“خلال الحرب القارّيّة…”
عندما تحدّث جاديون أخيرًا، كان صوته خشنًا وغير مستقرّ. بلّ شفتيه الجافتين وأجبر نفسه على سرد قصّة لم يكن يرغب أبدًا في مشاركتها مع أحد.
“عندما اندلعت الحرب، كانت العاصفة التي ابتلعت عبّارتنا حادثًا لم يتمكّن أحد من توقّعه. لم يكن بإمكان أحد منّا على متنها — بمن فيهم أنا — أن يتخيّل أنّنا سنتيه في الظلام لأكثر من مئتي عام.”
نظرت يوري إليه وتفاجأت.
رغم أنّه لا يزال يبدو شابًا وسيمًا، إلا أنّه في تلك اللحظة بدا كأنّه رجل عجوز محفور التجاعيد عميقًا في وجهه.
“عندما عدنا، تغيّرت الأجيال والعصور. كافح جميع المختارون للتكيّف مع العالم الجديد. كنتُ أعزبًا، لكن أولئك الذين كان لديهم عائلات اضطروا لزيارة قبور أزواجهم الذين ماتوا منذ زمن طويل، ثمّ أبنائهم، وحتّى أبناء أبنائهم. أصبحنا أجدادًا لأناس لم نعرفهم أبدًا. لم نعد قادرين على التذكّر مع من عشنا معهم يومًا، فقد تحوّلوا جميعًا إلى تراب.”
تخيّلت يوري العالم الذي قد تعود إليه.
كان أكثر قتامة من أيّ فيلم نهاية العالم شاهدته. أكثر إرهاقًا عاطفيًا ممّا يمكن لأي شخص أن يستعدّ له.
تسلّلت قشعريرة إلى عمودها الفقري. بدا أنّ دفء الأمل في عروقها يتلاشى ببطء.
‘صحيح. عشر سنوات قد لا تبدو طويلة جسديًا… لكن ماذا لو مرّت قرون هناك؟’
كانت قلقة فقط بشأن عمر والديها — لكنّها لم تفكّر أنّ هناك ما قد يكون أسوأ في انتظارها.
غلبها خوف غامض، فلم تستطع الكلام لفترة. مرّت عدّة دقائق قبل أن تتمكّن أخيرًا من تحريك شفتيها.
“لماذا تخبرني بكل هذا؟ هل تلعنني لأعاني المصير نفسه؟”
“لا. أريدك فقط أن تكوني مستعدّة عاطفيًا قبل أن تلتقي بأمون. ظننتُ أنّ تجربتي الخاصة قد تكون أكثر أهميّة من كلمات الراحة الفارغة. أنتِ شخصيّة حذرة وواقعيّة، يا يوري.”
كانت كلماته مشبعة بالقلق، كلّ مقطع يُوزن بعناية.
أدركت يوري كم كانت حادّة في ردها عليه، فشعرت بانقباض الذنب.
“شكرًا، يا جاديون.”
“لم أفعل شيئًا يستحقّ الشكر، يا يوري.”
لكن يوري لم توافق. وجوده وحده كان مصدر عزاء كبير.
لولاه، لربّما جرحت لياندروس مجدّدًا — أو اضطرّت لحمل عبء سرّها بمفردها. كانت الأمور ستصبح أكثر قتامة وصعوبة بكثير.
ضحكة جاديون الناعمة ذابت في هواء الصيف. أغمض عينيه كما لو كان يستمتع بشعور يتدفّق كجدول هادئ.
كانت يد يوري لا تزال تمسك بشعره بقوّة.
***
“إذن… تقولين لي أن آخذ هذا معي؟”
متّكئًا على جواده، أشار سيلاس إلى الصندوق الخشبي الكبير المربوط خلف السرج.
شدّت يوري الحبل الذي يثبّت الصندوق لتتأكّد من العقدة مجدّدًا.
“ليس ثقيلًا كما يبدو. لقد لففته بإفراط لأنّ المحتويات هشّة.”
لم يكن ثقيلًا بشكل خاص، لكنّه كبير الحجم، ممّا جعلها تشعر بالسوء. ناهيك عن أنّه سيحتاج إلى عناية إضافيّة أثناء الركوب، لأنّه قد ينكسر.
“لا بأس.”
عبث سيلاس بشعرها في إشارة رفض ولكنّها غريبة مليئة بالمودّة.
لم تعرف يوري الطريق إلى المدينة، ولم يكن لديها الوقت. رغم أنّها تلقّت أخيرًا أكواب الشاي، إلا أنّها بقيت في غرفتها دون استخدام. ثمّ علم سيلاس بوضعها وعرض إرسالها نيابة عنها.
أخرجت يوري مذكرة من جيبها وسلّمتها له.
“فقط أرسلها إلى هذا العنوان. أوه، وهذه رسوم الشحن—”
“هل تعتقدين حقًا أنّني سآخذ نقودًا زهيدة من طفلة؟ احتفظي بها. اشتري لنفسك وجبة خفيفة أو شيئًا ما. على أيّ حال… هل هذه مدينتك الأصليّة؟”
“نعم.”
كلمة “أعتقد” التي لم تُنطق ابتلعتها.
بصراحة، لم تكن متأكّدة إن كان هذا العنوان هو موطن هازل الأصلي. إذا كانت قد انتقلت وهي صغيرة، فقد لا يُعتبر كذلك.
نظر سيلاس إلى العنوان وضحك ضحكة خافتة.
“أنتِ من الساحل أيضًا، أليس كذلك؟”
ثمّ أدار جواده، وشعره البني الذهبي يرفرف، واختفى عبر البوّابة الأماميّة.
وقفت يوري هناك تراقب شكله يصغر.
“…الساحل؟”
ضباب شعور غامض غطّى ذهنها، كحجاب من الضباب.
صحيح. كانت والدة هازل قد كتبت رسالة من ميناء سيسيل.
فكّرت يوري، لم تستكشف حياة هازل بعمق أبدًا. كانت دائمًا مركّزة على الشخصيّات الرئيسيّة لدرجة أنّها أهملت تمامًا الفتاة التي تستعير جسدها.
فتحت يوري يدها اليمنى. على إحدى خطوط كفّها قرب قاعدة إبهامها كانت هناك ندبة على شكل هلال.
بينما كانت تحدّق فيها، طعنها سؤال فجأة في ذهنها.
‘الآن، أنا من يشغل هذا الجسد. فأين وعي هازل الحقيقي؟’
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
يسس سيلاس يشوفها كطفلة او اخته الصغيرة