على الشاشة، مباراة ملاكمة إلكترونية محتدمة. وفي الواقع، شقيقان يتحركان بحماسة فوق الأرائك، كما لو أن جسديهما يشتركان في المعركة ذاتها.
مارت، يتقدّم بجذعه إلى الأمام، أصابعه تقتنص الأزرار كأنها تطارد النصر، يضحك وهو يوجّه الضربة القاضية:
“هاه! كنت أعلم أنك ستقع في الفخ. هذه سادس مرة أسقطك فيها.”
جان، يتنهد بتكلف، ثم يُلقي بجهاز التحكّم في حضنه، رأسه يتهادى إلى الخلف على الأريكة، بنبرة مسترخية:
“أنا فقط أرحمك، حتى لا تبكي كعادتك.”
مارت، مبتسماً :
“من يسمعك يظن أنك تغلبت عليّ ولو مرة.”
ينفجران بالضحك. ضحكة قصيرة، لكنها مشبعة بالدفء… كأن الزمن تراجع، واستحضرهما طفلين، لا يجمعهما سوى وهج الشاشة ورفّة الأخوّة.
ثم… خفتَت شرارة في عيني مارت، كأن ضوء الشاشة لم يعد كافياً ليبقيه حاضراً
ابتسامته بدأت تذوب. استند ببطء إلى ظهر الأريكة، كتفيه ارتخيا كمن تخلّت عنه قوة خفية، وكأن ذاكرة داهمته بغتة، فثقلت على صدره ،يداه انسحبتا ببطء من الأزرار، كأنهما فقدتا سبب الحركة، واستقرتا في حجره بلا حياة
لحظة صمت.
ثم قال، بصوت أشبه بالهمس:
“هل… تتذكّر تلك الليلة؟ الليلة التي رحلوا فيها؟”
تجمد جان . لا حركة، لا رد.
جفنه ارتجف للحظة، لكنه لم يحرّك رأسه. عيناه بقيتا مشدودتين على الشاشة، لكن عضلات وجهه تصلّبت… كأن كل شيء داخله توقف عن التنفّس
انسحب الى ظلمة أخرى ،أعمق من أي لعبة …أعمق من أي فوز.
مارت، بصوتٍ يتكسر بين الحنين والندم:
“أحياناً … أشعر أنني لم أتعافَ قط يمرّ اليوم تلو الآخر، يوهمني أنني تجاوزت، لكن الحقيقة؟ أنا ما زلت هناك. في تلك اللحظة عند الباب… حين ودّعناهم ولم نعلم أنها الأخيرة.”
جان أغمض عينيه. وجهه شحب، وكأن قلبه أُفرغ من الدم دفعة واحدة. أنفاسه ارتفعت فجأة، ثم هبطت بحدة، كأن صدره يرفض الاستسلام.
ذاك الصوت… صوت الباب يُغلق. ضحكة أمّه، عطرها الذي ظل عالقاً في أنفه، خطوات والده…
كلها عادت. دفعة واحدة. دون استئذان.
كان يومها طفلاً، صغيراً، مرعوباً. ظنّ أن التأخير قد يُنقذهم. فعبث بسلك الفرامل الخلفي… ظنّ أنه يؤخر الرحيل.
لم يكن يعرف أن الموت لا ينتظر أحداً.
مارت، يمسح وجهه بكفّه، ناظراً إلى السقف:
“لو عاد بي الزمن… لركضت خلفهم، لتمسّكت بأمي، لقلت لها ألا تذهب. لكنني كنت جباناً … فقط لوّحت بيدي مثل الأحمق.”
عندها… اهتزّ جسد جان.
يده ارتفعت ببطء إلى وجهه، يخبّئ ملامحه خلف أصابعه . أنفاسه خرجت متقطّعة، .
ثم بصوت خافت، مكسور:
“مارت… أرجوك… كفى.”
مارت التفت إليه، فزعاً:
“جان؟ ما بك؟”
جان رفع رأسه. وجهه شاحب، عيناه زجاجيتان، وصوته بالكاد يتجاوز شفتيه:
“حديثك… يخنقني.”
مارت مدّ يده، يربّت على كتف أخيه:
“أفهمك… أنا أيضاً…”
لكنه لا يفهم.
جان لا يتألم لأنه فقد والديه… بل لأنه ظنّ أنه السبب.
هو من ترك تلك اللمسة الصغيرة التي غيّرت كل شيء. هو من عبث بالسلك، فعبث بالمصير.
ولا أحد… لا أحد يعلم.
فجأة، وقف جان. قامته متوترة، وعيناه تبحثان عن مهرب في الجدران خرجت كلماته متقطعة.
“لا… فقط… لا أقدر.”
مارت تحرّك خلفه، مدّ يده ليمسك بذراعه:
“جان… مهلاً، ما بك؟”
“جان حرّر ذراعه بخفّة، لكن عينيه لم تفارق عيني أخاه، وكأن فيهما جملة طويلة لم يقدر على قولها. كانت الحركة بسيطة… لكنها حملت كل تعب الدنيا.
توقّف لحظة،وارتسمت على وجهه ابتسامة شاحبة، مطفأة:
“أنا آسف، يا مارت.”
ثم استدار، وغادر الغرفة.
يجرّ خلفه ظلاً مثقلاً بالذنب، وصمتاً لا يلين.
مارت بقي واقفاً مكانه.
المؤثرات الصوتية في اللعبة تواصل العرض… لكنه لم يعد يسمع شيئاً.
كل شيء بدا باهتاً، سخيفاً، كأن الحياة انسحبت من المكان.
حدّق بجهاز التحكّم وكأنه شيء لا ينتمي لهذا العالم الآن، ثم أنزله بهدوء، وكأن لمسه صار يخدشه. جلس على طرف السرير، مطأطئ الرأس، يضغط كفّه بصمت، كما لو كان يُبعد عن نفسه ألماً غير مرئي.
همس:
“كان مجرد حديث عن والديّ… لم أكن أعلم أنه سيؤلمه هكذا.”
ثم أدار رأسه نحو الباب المغلق. بقي يحدّق به طويلاً .
اقترب منه، وضع كفّه على مقبضه، لكنه لم يفتحه.
فقط همس في سره:
“هو لا يحتاج إلى كلمات… بل إلى صمتٍ يفهمه.”
تراجع خطوة.
تنفّس ببطء.
ثم قال لنفسه:
“لن أفتح هذا الباب مجدداً … حتى يفتحه هو.”
ثم تراجع خطوة، جلس على الأرض هذه المرة، مستنداً إلى الحائط قرب الباب. الضوء الخافت من الشاشة لا يزال يرقص على وجهه، لكن ملامحه كانت ساكنة، كمن قرر الانتظار… مهما طال الوقت.
أما جان فدخل غرفته بصمت، وأغلق الباب خلفه كأنه يبعد العالم كله عنه.
أسند جبهته إلى الخشب للحظات، عينيه مغمضتان، وأنفاسه ثقيلة، وكأن كل كلمة سمعها في غرفة مارت كانت حجارة تتساقط على صدره.
لم يكن يجب أن أسمعه…
لم يكن يجب أن أتركه يتكلم عنهم…
دفع نفسه ببطء نحو السرير، وجلس على طرفه، يحدّق في العتمة كأنها أكثر وضوحاً من كل شيء داخله.
مدّ يده إلى هاتفه، تردّد لوهلة… ثم ضغط على اسمها المحفوظ في الأعلى.
وضَع الهاتف على أذنه، صوته بالكاد خرج، هامساً:
“إيليف… هل تستطيعين الخروج؟”
صمت.
“أحتاج أن أراكِ… الليلة.
أنا… متعب جداً.”
سكت من جديد، كأنه خائف من أن تُجيب بـ”لا”، أو تسأله “لماذا”.
لكن صوتها أتى خافتاً، مطمئناً :
“سآتي.”
، أغلق الهاتف، واستلقى على ظهره فوق السرير، عينيه معلّقتان بالسقف، كأنّه يبحث هناك عن مخرج من نفسه.
وفي صدره رغبة واحدة
أن يكون هناك مكان لا يحتاج فيه إلى الكذب… حتى بالصمت.
»»»»»»»»»»»»»»»»
المنزل الجبلي -منطقة بيكوز – بعد مرور ساعة
كانت الرياح تعصف بلطف بين الأشجار، تهمس للنوافذ الزجاجية بأن الليل طويل.
ومن الداخل، تنبعث أضواء خافتة من خلف ستائر ثقيلة، كأن البيت نفسه في حالة ترقّب… أو حنين.
أوقفت إيليف سيارتها في الساحة، وأطفأت المحرك بهدوء.
ترجّلت بخطى حذرة، معطفها الطويل يلتف حول جسدها، وشعرها مربوط على عجل، كأنها خرجت دون أن تراجع المرآة… فقط قلبها هو من قادها.
رفعت نظرها نحو النافذة، تبحث عن ظلٍّ خلف الزجاج، عن أيّ وجودٍ يثبت أنه بخير.
طرقت الباب بخفّة، ثم دفعت المقبض ودخلت،.
استقبلتها رائحة القرفة والخشب القديم… ثم الصمت
صمتٌ ثقيل، كأن الجدران نفسها تكتم أنفاسها احتراماً للحزن المتربّص في الزوايا.
رأته.
كان جالساً على الأرض قرب المدفأة، ظهره مسنود إلى الأريكة، رأسه مائل قليلاً للخلف، وعيناه نصف مغمضتين. كانت يده مسترخية على ركبة ساقه المنثنية، بينما امتدت ساقه الأخرى بشكل مريح على الأرض، كأن جسده تعب من حمل ما لا يُقال.
وضعت الحقيبة على الطاولة بهدوء، ونزعت معطفها.
فبدت بثياب نوم بسيطة… لا تكشف عن تحضّر، بل عن قرب. عن نيّة صادقة للحضور، لا للمظهر.
حين رفع جان نظره ورآها، لم يبتسم، لم يتحرّك، لكن كتفيه انخفضا قليلاً… كأن شيئاً ثقيلاً أُزيح عنه فجأة.
همس بصوت واهن، بالكاد خرج من صدره:
> “إيليف…”
اقتربت منه بهدوء، ثم انخفضت على ركبتيها، وجثت بجواره ببطء يشبه الحنوّ.
وضعت كفّها على كتفه بلطف، إبهامها يتحرك بخفّة، يرسم دائرة صغيرة… كأنها تواسيه بلغة لم يتقنها أحد قبلها.
> “أنا هنا… لقد أتيت.”
تردد صوته بين الحنجرة والصدر، حين نظر في عينيها:
> “كنت مع مارت. لعبنا… ضحكنا… ثم تحدّث عن والديّ. عن تلك الليلة.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"